الفصل الثاني وعشرون

20.7K 361 4
                                    

الفصل الثاني والعشرون

أخذ حسن يقلب ألوان الطلاء بقوة في الدلو الكبير حتى يُظهر اللون المطلوب.. كان يضرب الألون بعنف شديد.. يماثل الغضب الذي يموج بداخله.. غضب نمى وتراكم مع الأيام.. غضب على الكل.. ومن الكل..

لا يريد أن يرسم لنفسه دور الضحية المظلوم.. كلا.. إنها اختياراته.. وطريق قرر اتخاذه.. ولا وقت للندم.. أو التراجع..

همسة بداخله ترددت..

"ويا ترى أنت فعلاً ماشي في طريقك صح؟"..

قذف العصا بغضب داخل الدلو الكبير فتناثرت قطرات من الطلاء على ملابسه ووجهه.. مسحها بذراعه بدون اهتمام.. ثم نهض ليخرج علبة السجائر من جيبه ويشعل إحداها.. اتجه نحو أقرب شرفة في المكان مبتعداً عن الفوضى التي أحدثها لينفث دخان سيجارته.. ويخرج معه.. غضبه.. ونقمته وذكريات صباح أحد الأيام الذي تبدل به كل شيء..

كان ذلك بعد عدة أيام من حديثه مع مازن ويزيد.. وبدا أن نصيحة يزيد قد نجحت بالفعل.. وبدأت تلك المسماه ابتسام اظهار بعض إمارات الامتعاض والتقزز كلما حضرت ووجدته يتناول طعامه مع زملائه, طعام شعبي بسيط.. أثار تقززها.. خاصة عندما تناول رشفة طويلة من كوب الشاي الثقيل, وبعدها مسح شفتيه يظاهر يده وهي تحادثه محاولة الوصول إليه.. وبدأ بتنفيذ بعض الأفعال.. التي لمحها من بعض زملائه كلما أتت.. ولم يكن ذلك بالشيء الصعب.. فهو كان قد التقط بعض السلوكيات تلقائياً نتيجة احتكاكه المستمر بهم.. حتى كان صباح ذلك اليوم.. وكانت قد تغيبت عن الحضور لعدة أيام وانقطعت اتصالاتها.. وبدا أن صديق يزيد قد نجح في تحويل اهتمامها عنه.. كان سعيداً وفي غاية الارتياح.. فبرغم تعقل منى وتيقنها من إخلاصه وأن تلك السيدة هي من تطارده, إلا أنها كانت تمر بنوبات غضب وغيرة لم يستطع احتوائها في بعض الأحيان.. وفي ذلك الصباح قرر أن يطلع شقيقه على الأخبار السعيدة.. ويطمئنه عن أحواله.. رمق ساعته التي تشير إلى السابعة والنصف.. فكر في الاتصال بمازن ولكنه تردد في إيقاظه, فجلس ينتظر باقي زملائه.. فمن المفترض أن يبدأوا العمل في السابعة.. ولكن في كل مرة تتحول السابعة لما بعد التاسعة, ولكنه بالرغم من ذلك يحضر يومياً في موعده.. ويجلس لينتظر.. تلك طبيعته.. ولم يستطع تغييرها..

قرر أخيراً الاتصال بشقيقه مجازفاً بإيقاظه.. رن الجرس عدة مرات.. قبل أن يفتح الخط.. ويصله صوت ناعم لامرأة ناعسة:

ـ آلــ..و..

تعجب بشدة ورمق شاشة هاتفه ليتأكد أنه اتصل برقم شقيقه.. حينما وصل إليه الصوت مرة أخرى كان بعيداً ولكنه تمكن من تمييز رنة الفزع به:

ـ آسفة والله يا مازن.. افتكرته بتاعي.. كنت نايمة وما اخدتش بالي...

كانت هناك زمجرة غاضبة.. ميزها على الفور.. أنه مازن.. شقيقه الذي سرعان ما وصله صوته:

متاهة مشاعرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن