الفصل التاسع عشر
اتخذت علياء وضع الجنين في رقدتها كما اعتادت في الأيام الأخيرة وظلت تحاول العودة إلى النوم بدون فائدة.. فما أن تغمض عينيها حتى ترى أمامها وجه عمتها وهي تمسك بالمقص لتغتال خصلاتها الطويلة.. وتهمس لها بغل أنها ستسلبها كل ما يميز جمالها عن سائر نساء العائلة, ذلك الجمال الذي ورثته عن أمها "الساقطة" كما رددت عمتها.. وبعدما انتهت جذبت سلسلة يزيد من عنقها بعنف وهي تخبرها أن العهر لا يستحق المكافأة..
حاولت ضم نفسها بذراعيها تعوض بهما عن ذراعيه اللتين أحاطتاها طوال الليل.. منحها الدفء والأمان لا تنكر.. لكن هناك تلك القطعة من الصقيع والتي تشبه الخنجر مازالت تدمي روحها, تجعلها غير قادرة على التواصل معه.. أو حتى النظر إليه.. حالة من الصمت تمسكت بها وهو تقبلها بتفهم وظل ملتصقاً بها طوال الليل.. يطمئنها بوجوده كلما استيقظت فزعة هاربة من عذاب جديد أو تنكيل بها.. يضمها بين ذراعيه لتستكين برأسها على صدره فتهدأ قليلاً.. حكى لها كيف علم باختفائها وكيف اتفق مع أعمامها.. اعتذر منها لتفريطه في الأرض.. وشرح لها تلك كانت الطريقة الوحيدة ليعود بها إلى بيتهما.. أقسم أن يعوضها عن الأرض وما سلبوه منها.. وكأنها تهتم.. وكأنه يدرك ما سُلِب منها.. ليس الأمان ولا الطمأنينة فهما ضاعا مع موت والديها.. أو كونها ذات أهمية لأحدهم.. فهي تعودت الحياة على الهامش.. لكن الأيام الماضية أثبتت لها كم هي رخيصة بالفعل.. لا تساوي إلا حفنة من الأموال وطين أرض..
رائحة عطرية ثقيلة اخترقت أنفاسها وصوت حذاء ذو كعب عالٍ أكد لها أنها لم تعد بمفردها في الغرفة.. فيزيد أخبرها بهمس أنه سيذهب ليبدل ملابسه, ونيرة قررت الذهاب وإحضار العدة اللازمة لتعيدها إلى أنوثتها كما أخبرتها.. ولم تقبل جدال..
التفتت علياء ببطء لتواجه عينين ممتلئين بالكراهية والحقد وصوت سهام يدوي بكل مقت الدنيا:
ـ حقيقي.. زي القط بسبع أرواح!..
انكمشت علياء على نفسها وأحاطت بطنها بذراعيها تحمي طفلها بدون إرادة منها وهي تهتف بخوف:
ـ ابعد.. ابعدي.. عني.. أنا عـ..ا.ر.فـ..ــة.. عارفة كـــ..ل حــ..اجة..
كتفت سهام ذراعيها وأجابتها بسخرية:
ـ وناوية على إيه إن شاء الله!.. تحكي ليزيد عشان تبعديه عن أمه الشريرة!
وأطلقت ضحكات عالية جعلت علياء تعتقد أنها لم تكن في حالة عقلية سليمة.. وأردفت بغل:
ـ وتفتكري يزيد ابني.. هيصدقك.. أو يصدق كلامك؟.. أعمامك نفسهم ما جابوش سيرتي.. فكروا إزاي يجمعوا من وراكي قرشين.. زي أي واحدة مومس أهلها بيتاجروا بيها..
سقطت دموع علياء وشعرت أنها ستختنق بغصتها.. فسهام تضغط على جرحها بشدة.. لاحظت سهام صمتها ودموعها التي بدأت تهطل.. فاستمرت بقسوة كلماتها.. وكأنها تريد أن تكمل انتقامها: