الفصل التاسع والعشرون
"أنا حامل!"
جملة ترددت أكثر من مرة, وما بين فرحة طاغية لقلق عارم وخوف من المستقبل وبرود وصل لحافة الصقيع.. تباينت مشاعر مُلقيها ومتلقيها..
فبمنزل مازن ودنيا..
جلست دنيا على حافة المغطس وجسدها يرتعد بأكمله وهي ترمق العصا البلاستيكية الراقدة بسلام على طرف المغسلة القريب منها.. وكلما رفعت يدها لتلتقطها, أعادتها بسرعة لتضعها على شفتيها لتكتم شهقة بكاء خافتة..
تخشى تكرار خيبة أمل المرات السابقة.. بداخلها تتصارع رغبتان متضادان, غريزتان طبيعيتان قد تتوازيان بقلب كل أنثى, إلا هي.. هي فقط تلاعبت بها الأقدار لتتعارض غريزة الأمومة بداخلها مع عشقها اليائس لرجل ليس لها..
عادت ترمق العصا البلاستيكية برهبة وقلق وكأنها تتساءل عما يمنعها من التقاطها وانهاء الأمر.. إما بخيبة أمل قد تعوض عنها الشهر القادم.. أو خيبة أخرى تستمر لآخر العمر..
انتفضت في جلستها عندما وصلها صوت مازن يتساءل في قلق:
ـ في ايه يا دنيا؟..
رفعت إليه عينين حائرتين.. فلم تعلم منذ متى وهو واقف هكذا بمدخل الحمام يتأمل دموعها بقلق..
اقترب منها ليجلس على ركبة واحدة ويمسك بيديها يقبلهما في رقة متسائلاً:
ـ تحليل جديد؟..
أومأت برأسها موافقة.. فسألها مرة أخرى:
ـ عايزاني أشوف لك النتيجة؟..
أومأت بالموافقة مرة أخرى وبدأت دموع القلق تنساب على وجنتيها بصمت وهي تلمحه يتناول العصا ببساطة ويتأملها للحظات بعدها ارتسمت لى وجهه ابتسامة غامضة, ورفع وجهها بإبهامه هامساً:
ـ مبروك يا أحلى مامي..
رفعت نظراتها له بأمل وهمست:
ـ أنا حامل!
ثم انفجرت في نوبة بكاء قوية, رفعها مازن بين ذراعيه ليضعها على الفراش برفق ويلتقط دموعها بشفتيه وهو يطمئنها بكلمات رقيقة.. ويخبرها كم يتمنى فتاة جميلة وقوية كأمها, ولكن دموعها لم تتوقف وشهقاتها زادت ولم تقل فضمها بقوة وهو يقبل شعرها.. بينما زادت هي من تمسكها به فدفنت رأسها بعنقه وغرزت أظافرها في ظهره بقوة حتى كاد أن يطلق آهة ألم.. شعرت هي على الفور بألمه الصامت فخففت من مسكتها قليلاً ونظرت إليه بحرج.. وهمست من بين دموعها بصوت متحشرج:
ـ آسفة..
أبعدها قليلاً ومسح دموعها مرة ثانية وهو يسألها:
ـ ليه كل ده بس يا دنيا؟..
تواصلت شهقاتها وعجزت عن إجابته فهي لا تعرف كيف تفهمه أنها تبكي سعادتها وحزنها.. ربحها وخسارتها.. أغلى ربح.. وأحلى خسارة..