الحلقة (13):

19.5K 456 1
                                    

*حتي أقتل بسمة تمردك*

الحلقة (13):


إتسعت عيناها في ذعر حين إقترب ذلك الجسد الضخم أكثر فأكثر حتي سطع ضؤ مصباح الرواق الخارجي علي وجهه الفظ الذي علته إبتسامة مفزعة ، فلا شعوريا أطلقت"داليا"صرخة عالية قفزت"ياسمين"علي أثرها من فراشها مذعورة ثم أشعلت الأنوار و هي تصيح:
-في ايه يا داليا مالك أ ...
و لكنها ما لبثت أن تكمل جملتها حتي رأت ذاك البدين"فتحي"يقف في برودة و وقاحة علي بعد خطوات قليلة من فراش شقيقتها و قد أطلقت عيناه شرارة خبيثة:
-انت بتعمل ايه هنا يا عم انت ؟؟
سألته"ياسمين"في عنف غاضب و هي تنهض واقفة لمواجهته بينما إبتسم بخبث و أجابها:
-ايه يا حلوة مالك ؟ اهدي كده انا بس حبيت اجي اطمن عليكوا قلت يمكن تحتاجوا حاجة يعني.
- لكرم اخلاق حضرتك احنا مش محتاجين حاجة.
أجابته مستهجنة ثم تابعت:
-و لو محتاجين دي هتبقي مشكلتنا احنا و مش هنطلب تدخل حضرتك و لا تدخل اي حد تاني.
عند ذلك إنتقلت"داليا"بسرعة البرق من فراشها إلي جانب شقيقتها حيث إلتصقت بها في وجل ، بينما تبدلت ملامح الرجل و هو يتمعن جسد"داليا"البض من خلال رداء نومها الرقيق ، فأضأت وجهه إبتسامة شريرة ثم قال و هو لا يزال بتأمل قوامها المتناسق:
-طيب انا عملت اللي عليا و جيت اشوفكوا لو كنتوا محتاجين حاجة.
جابهته"ياسمين"في حدة قائلة:
-كتر خيرك يا سيدي قولنا مش محتاجين حاجة يلا بقي اتكل من هنا.
إبتسم"فتحي"ثم إسترسل في خبث:
-طيب مش الاصول بردو تشوفوني انا محتاج ايه ؟؟
إنطلق الشرر من عيني"ياسمين"و هي تصيح بغضب:
-نعم ! تقصد ايه يا راجل انت ؟؟
خنق قهقهته الشريرة بقوله:
-اظن الموضوع مش محتاج شرح يعني يا قمر ! ايه اللي ممكن يحتاجه راجل زيي في ساعة زي دي ؟؟
رمقته"ياسمين"في حدة سافرة ثم صاحت ملء صوتها:
-اما انك راجل زبالة و قليل الادب.
-ال ال ال طب ليه الغلط ده بس ؟؟
-غلط ؟ هو انت لسا شفت غلط ! ده الغلط جاي.
-لا ان شاء الله مش هيكون في غلط و لا حاجة احنا بس نتفاهم براحة و كله هيبقي تمام.
قال ذلك بلهجة مثيرة للإشمئزاز ثم أخذ يقترب منهن في بطء ، فقفزت"داليا"هي و شقيقتها فوق الفراش فبما صاحت"ياسمين"محذرة:
-خليك عندك يا راجل انت عارف لو قربت ...
-هتعملي ايه يعني يا حلوة ؟؟
قاطعها بفظاظة ثم تابع:
-لو صرختي عادي خدي راحتك الناس هنا متعودين علي الاصوات دي.
إتسعت عيناها حنقا و ذهول ثم إندفعت بغضب قائلة:
-تصدق بالله شكلي هديك حاجة كنت بستحرم اديها للعيانين بتوعي.
قهقه"فتحي"بقوة ثم صفق بيديه بوقاحة قائلا:
-اموت انا في الحرام.
-و الله ! ماشي يبقي انت اللي جبته لنفسك بقي.
قالت ذلك مطلقة أخر سهم بجعبتها ، ثم توجهت بسرعة قصوي نحو حقيبتها الطبية و أخرجت منها حقنة حديدية ، ثم إلتفتت إليه و هي تلوح بها أمام وجهه فضحك بسخرية قائلا:
-بتهدديني بحقنة يا حلوة ؟ انا بقول ارميها من ايدك احسن ملهاش لازمة و تعالي نتفاهم زي ما قلتلك.
قال ذلك و هو يهم بالإقتراب منها إلا أن ركلة"داليا"كانت مؤثرة حيث إستدار إليها موجها ظهره إلي"ياسمين"التي ركضت صوبه مسرعة ثم غرزت الحقنة بأسفل قدمه ، فأطلق صيحة ألم حادة و ما هي إلا ثوان حتي كان طريح الأرض جسده يتنفض بتشنجات قوية ، نظرت"داليا"إلي شقيقتها في ذعر قائلة:
-ياسمين .. انتي عملتيله ايه ؟ ادتيه ايه ؟؟
-متخافيش يا داليا .. دي حاجة بسيطة كده.
أجابتها"ياسمين"و هي ترمق المدعو"فتحي"شزرا و إزدراء بينما ألحت"داليا"في توتر متسائلة:
-بردو قوليلي ادتيه ايه ؟؟
حولت"ياسمين"نظرها إلي شقيقتها ثم تنهدت قائلة:
-اديته حقنة بتشنج عضلات الجسم زي ما انتي شايفة كده .. كنا بنضطر نستعملها احيانا و احنا بنتدرب في مصحات الادمان و العلاج النفسي عشان نقدر نسيطر علي المريض و دلوقتي بردو اضطريت اديهاله عشان اوصله للحالة دي و كان حظه حلو و الله الحقنة كانت متعمرة علي اخرها.
-بس ده كده ممكن يموت يا ياسمين ؟؟
-لا ماتقلقيش .. كلها كام ساعة و هيقوم الهي ما يقوم الحيوان.
-طب هنعمل ايه دلوقتي ؟؟
-هنلم حاجتنا و هنسيب المكان ده بسرعة طبعا.
-و هنروح فين دلوقتي ؟ انتي عارفة الساعة كام ؟؟
-يعني لو قعدنا هنا هنبقي محمين مثلا ؟!
قالت"ياسمين"متهكمة فقطبت"داليا"حاجبيها بوهن قائلة:
-طب بس هنروح فين يا ياسمين ؟ هنروخ فين ؟؟
و خذلتها دموعها فأخذت تبكي بمرارة ، بينما أسرعت"ياسمين"و إحتضنت أيدي شقيقتها في حنان قائلة:
-ايه يا داليا بتعيطي ليه بس ؟ ماتعيطيش مش المفروض انتي اللي تعيطي ده انتي الكبيرة يعني .. و بعدين انا معاكي متخافيش.
إستطاعت"داليا"بصعوبة أن تكف عن البكاء ، فرفعت وجهها الغارق بدموعها ثم سألتها بهدوء:
-طب هنروح فين ؟؟
زاغت"ياسمين"ببصرها تفكر ثم صاحت بعد ثوان:
-المستشفي .. مافيش قدامنا مكان تاني نبات فيه لحد الصبح غير المستشفي.
-المستشفي !!
هتفت"داليا"مستغربة ثم تابعت سؤالها:
-و حاجة زي دي مسموح بيها يا ياسمين ؟؟
ضكت"ياسمين"بخفة ثم أحابتها ممازحة:
-جري ايه يا دودو انتي فاكراني قليلة هناك ؟ دول يتمنوا اني اعيش معاهم مش ابات ليلة.
حامت علي ثغر"داليا"إبتسامة شاحبة بينما قالت"ياسمين":
-المهم دلوقتي يلا نلم حاجتنا بسرعة عشان نلحق نمشي قبل ما الحيوان ده يفوق.
أومأت"داليا"رأسها ثم أسرعت و أرتدت ملابسها ثم راحت تجمع حوائجها و كذلك فعلت"ياسمين"حتي إنتهيا في زمن قصير ، فغادرا المسكن الرديء معا في روية و هدوء ..
كان القمر شاحبا باعثا آشعة باهتة واهنة ، فيما ترامي الفضاء الشاسع المرصع بالنجوم فوق الشقيقتين صافيا تمتزج في رحابه ألوان إلهية مبهمة ، ألوان الليل الذهبية المشتعلة ، في حين خيم هدوء شامل يخبئ في طياته حشرجة أغصان الأشجار و خفيف أوراقها و أسرار الليل الوليد ..
تابعت الشقيقتين سيرهن و الخوف و القلق يستبدان بهن حتي وصلا أخيرا إلي المشفي ، أسرعت"ياسمين"إلي الداخل تتبعها"داليا"بخطي حزينة واجمة .. :
-دكتورة ياسمين !!
إلتفتت"ياسمين"خلفها مسرعة ما أن سمعت أسمها ، فأشرق وجهها بإبتسامة ودودة ثم إقتربت من محدثها قائلة:
-دكتور ايمن .. مساء الخير لأ اسفة اقصد صباح الخبر بما اننا بقينا الفجر.
ساد صمت غريب كان يتأملها"أيمن"خلاله مستغربا ثم أخيرا نطق فقال:
-انتي ايه اللي جابك المستشفي في وقت زي ده ؟ حد طلبك و لا ايه ؟؟
إبتسمت"ياسمين"بخفة ثم أحابته:
-لأ محدش طلبني يا دكتور .. هو بس في مشكلة حصلتلي انا و اختي داليا.
ثم أشارت نحو شقيقتها التي كانت تقف شاردة في حزن علي بعد خطوات منهم ثم تابعت:
-احنا دلوقتي سيبين البيت و للاسف مافيش عندنا اي مكان تاني نقعد فيه و بعد ما سيبنا الفندق اللي كنا قاعدين فيه من شوية فكرت مع نفسي قلت مافيش قدامي غير المستشفي بس ان شاء الله هنمشي الصبح مش مطولين يعني.
علت وجه"أيمن"علامات الدهشة و الحيرة فسألها بإلحاح:
-خير يا ياسمين ؟ قوليلي ايه اللي حصل بالظبط ؟؟
رمقته"ياسمين"في تردد ، إن طبيعتها قوية منذ نعونة أظافرها و تعرف كيف تضع حدا لتمادي بعض الرجال من دون أن تجرح مشاعرهم و إذا زاد التمادي فلا بأس من جرح المشاعر و لكن"أيمن"ليس ككل الرجال إنها تعتبره من أعز أصدقائها لذا تنهدت بعمق ثم راحت تطلعه علي كافة التفاصيل حتي إنتهت فسألها بإهتمام:
-طب و هتعملوا ايه دلوقتي ؟؟
هزت كتفيها قائلة:
-و لا حاجة .. هنقعد هنا لحد الصبح زي ما قلتلك و بعدين هنمشي.
-هتروحوا فين يعني ؟؟
-هندور علي اي مكان نعيش فيه بقي فندق شقة بالإيجار اي حاجة.
إزدادت ملامح"أيمن تجهما فقال بإعتراض:
-بس ماينفعش تقعدي انتي و اختك هنا في المستشفي يا ياسمين و كمان بعد ما حكيتيلي اللي حصل معاكوا في الفندق الزبالة ده مش لازم تكرري الغلطة تاني و تروحي برجلك لمكان شبهه.
-طب هنروح فين دلوقتي بس ؟؟
-هتيجوا عندي.
-نعم !!
تجهمت ملامحها بلحظة فسارع"أيمن"إلي التحدث فقال في إرتباك:
-اقصد هتيجوا تقعدوا في بيتي مع امي و انا مش هكون موجود ماتقلقيش هروح ابات عند واحد صاحبي عايش لوحدة.
عارضت"ياسمين"بقوة قائلة:
-لأ لأ يا دكتور ايمن .. كتر خيرك طبعا و انك عايز تساعدنا بس مش لـ ...
-انا مش ممكن اسيبكوا تقعدوا هنا في المستشفي يا ياسمين.
قاطعها بحزم ثم تابع:
-انا هكلم امي تنزل بنفسها عشان تستقبلكوا قدام باب البيت و بعدها همشي علطول.
-انت بتقول ايه بس يا دكتور ايمن انا مش قصدي.
قالت"ياسمين"بإحراج ثم تابعت:
-انا عارفاك كويس و من زمان و اكيد بثق في اخلاقك.
-يبقي خلاص لازم تسمعي كلامي.
نظرت إليه في تردد بينما عبس قائلا:
-ماهو انا مستحيل اسيبك هنا لوحدك .. قصدي مستحيل اسيبك هنا انتي و اختك لوحدكوا.
إبتسمت"ياسمين"بخجل و بساطة فبادلها"أيمن"إبتسامة دافئة ... !




حتى اقتل بسمة تمردك...للكاتبة مريم غريب💖حيث تعيش القصص. اكتشف الآن