*حتي أقتل بسمة تمردك*ج2
الحلقة (1):
زحف الليل سريعا ، و عم السكون تماما علي قصر الـ"نصار"عندما هرعت"داليا"إلي الغرفة مسرعة ثم إلي الحمام ، و كالمحمومة نظفت أسنانها ، و أخذت حماما سريعا ، ثم إرتدت ملابسها و عادت إلي الغرفة تتآكلها عصبيتها ..
فاليوم كان من المفترض أن تحتفي الأسرة بعيد ميلاد أخر أفرادها ، و لكن تعرقلت الأمور كلها عندما سافر زوجها إلي الخارج منذ إسبوعان في مهمة عمل ، و علي حسب ما قاله"عز الدين"أن إندماج الشركات و توقيع الصفقات إستغرق وقتا أكثر مما توقع ، فلهذا تأخر موعد عودته ، و بالطبع فسدت كل التحضيرات التي أعدتها"داليا"من أجل الإحتفال بعيد ميلاد طفلها بسبب غياب والده ، و فجأة أفاقت"داليا"من شرودها منتفضة ، إذ بدأ الطفل بالبكاء ..
أسرعت"داليا"نحو طفلها لتؤانسه بسرعة لئلا يعلو صوت صراخه أكثر ، كانت أسنانه قد بدأت بالبروز ، و لا شيء يسكن آلامه خاصة في الليل ، مما يجعلها تعاني من نوبات بكائه ، حملت"داليا"الصبي الصغير بين ذراعيها ، ثم راحت تذرع الغرفة ذهابا و أيابا ، تؤرجحه ، و تتحدث إليه بوشوشة ، و لحسن الحظ ، خففت من حدة صراخه ، و تدريجيا هدأ الطفل ، غير أن"داليا"إستمرت في المشي طولا و عرضا ، لكن ببطء خشية أن يعود الطفل إلي الصراخ مجددا ..
و بينما كانت تحتويه في أحضانها الدافئة ، راحت أفكارها تأخذها بعيدا ، إلي الوراء ، إلي قبل سنة ، الفترة السعيدة حيث كان مستقبلها يبشرها بشتي الأحلام الجميلة ، تذكرت الليلة التي سبقت يوم ولادتها لطفلها ، حينما حدق"عز الدين"في عينيها و العاطفة تبدو واضحة في عينيه ، وقتها قامت بحركة لا إرادية ، أخذت يده و وضعتها علي بطنها لتحثه أن يدرك الطفل الذي بينهما ، كانت لحظات رائعة ، رغم أنها كانت متعبة للغاية ، و في اليوم الذي تلي تلك الليلة ، وضعت"داليا"طفلها بالمشفي في الساعة التاسعة صباحا ، كان يزن حوالي اربعة كيلو غرامات ، و عندما افاقت من مفعول المخدر ، دلفت إليها شقيقتها حاملة علي يديها الطفل ، ثم وضعته بين ذراعي أمه ، و كم شعرت"داليا"بالفخر و الإعتزاز و هي تتلمس وجناته المزهرة ، و تمسح علي شعره العسلي الأملس ، حينها رفعت رأسها تنظر إلي زوجها قائلة:
-شبهك.
ثم تابعت و هي تدس أصبعها في قبضة المولود و تبتسم عندما قبض علي أصبعها:
-مش قلتلك حاسة انه ولد ؟؟
و بعد ذلك عندما عادت إلي المنزل برفقة اسرتها الصغيرة ، وجدت أنهم تعاونوا و أعدوا لها الغرفة جيدا ، حيث بدت علي أحسن مما كانت و الورود العابقة تملأها إحتفالا بها ، و بالصبي حديث الولادة و أخر افراد عائلة الـ"نصار"إلي الأن ..
توالت الذكريات كلها بعقل"داليا"فتذكرت أيضا حينما شعرت بالدموع تملأ عينيها عندما شاهدت لأول مرة علي وجه أبنها الرضي و السعادة بينما كان يرضع و قد أمسك بقبضتيه الصغيرتين صدرها بقوة ، و أغمض عينيه يرضع بنهم ..
شعور الأمومة شعور جديد بالنسبة إليها ، و كم أحبته و إعتزت به ، فقد تعلقت من خلاله بطفلها ، و تعلمت الكثير أيضا من خلال تجربتها الشاقة تلك ..
و للمرة الثانية أفاقت"داليا"من شرودها ، و نظرت إلي الصبي النائم في سلام بين ذراعيها ، حبست"داليا"أنفاسها ، ثم مشت به نحو فراشه الصغير ذا الأرجوحة الذي إحتل مكانا بسيطا إلي جانب فراشها الوثير العريض ، و أسرعت تضعه به مبسطة علي جسده الضئيل غطاءه الصوفي ، ثم إستلقت بدورها علي فراشها ، و في الحال ، إبتسامة عابرة مرت علي شفتيها ، لقد نال طفلها محبة الجميع ، و قد تهافت عليه المعجبون الذين أحاطوه بالإهتمام التام ، فقد كان"عمر"شغوفا به إلي أقصي حد ، حيث انه دائما يغتنم الفرص ليأخذ الصبي بين ذراعيه يكلمه ، و كذلك شقيقتها التي كانت تدلـله كثيرا ، و حتي الخدم بالقصر ، كانوا يلبون رغباته و جميع نزواته ، بينما كان"عز الدين"يرد علي مبادراته بإبتسامة بطيئة ، و كلما تواجد بجواره لا يعود الصبي يهتم إلا به ، و يظل يرمقه بعينيه الواستعتين الخضرواين كعينا أمه ، و يضحك له بإلحاح يجعله مضطرا أن يرد عليه بالمثل ، أو أن يهز له رأسه ، هو الذي لم يعتاد علي وجود الأطفال بقربه و لا يعرف كيف يتصرف معهم ، غير أن"داليا"لاحظته مرة من دون معرفته و هو يلاعب و يلاطف طفله ، و بنهاية اللعب راح يداعبه بلطف و حنان ، و يلامسه تحت الذقن حتي كاد الصبي يقهقه من شدة الضحك ..
إتسعت إبتسامة"داليا"لتذكرها ذلك المشهد الأبوي الدافيء ، و قبل أن تغرق في غفوتها ، رمشت ناعسة و هي تتذكر عندما تتاقشت مع"عز الدين"حول إسم الطفل ، فاجأها بقوله:
-عدنان .. اسمه عدنان.
في البداية ، لم يروق لها الإسم ، و لكنها أعجبت به شيئا فشيئا ، كما هي تغط الأن في نومها شيئا فشيئا ، حتي راحت في سبات عميق ..
و لكنها إستيقظت بعد فترة قصيرة لدي شعورها بشيء غريب و لكنه مألوف إقتحم الغرفة ، و بشعور الحماية و الخوف علي طفلها ، تحركت بالفراش في قلق ، ثم نظرت إلي جانبها حيث تنبعث حرارة ملحوظة ، فوجدت"عز الدين"نائما إلي جانبها ، لوهلة أعتقدت بأنها تحلم ، و لكن يدها التي لمست يده الدافئة أكدت لها أنها في كامل وعيها ، إنتصبت نصف جالسة ، ثم جالت بنظرها في أرجاء الغرفة ، فرأت حقائب"عز الدين"موضوعة إلي جانب الفراش ، مما أوضح لها أنه أنهي رحلته و عاد لتوه ..
تنهدت بثقل ، ثم وجهت نظرها إليه ، أنفاسه منتظمة ، و قد إستغرق في نوم عميق ، فإقتربت منه قليلا و حدقت به ، بدا عليه الإجهاد و الأرق ، فوجهه أنحف مما كان عليه ، و علامات الاعياء واضحة بملامحه ، و إنتبهت إليه أكثر ، فوجدته قد حل ربطة عنقه ، و الأزرار العلوية من قميصه ، و كانت بذلته مكرمشة من السفر الطويل ، و بدون تفكير نهضت"داليا"بآلية ثم بدأت بخلع سترته ، و وضعت رأسه علي الوسادة من جديد ، فدفن رأسه في الوسائد بدون أن يفتح عينيه ، بينما كانت تساعده علي خلع حذاءه ، و من ثم جلست علي الحانب الأخر من الفراش حيث كانت راقده منذ قليل ، ألقت عليه أخر نظرة ، ثم تنهدت و أطفأت الضوء ، و خلدت إلي النوم بدورها ..
أنت تقرأ
حتى اقتل بسمة تمردك...للكاتبة مريم غريب💖
Roman d'amour-متمردة؟! -نعم متمردة .. كحلم ضاع من بين أجفانك .. كقبلة تاهت من بين شفاهك .. ككل شيء أردته فتمرد عليك. -و لكني دائما أحصل علي ما أريد .. مثالا .. أنت. -لم تحصل علي .. ألم أقل لك أنني متمردة ؟.. متمردة بكبريائي الذي حطم رغبات العشاق .. متمردة بدلالي...