*حتي أقتل بسمة تمردك*
الحلقة (20):
دلف إليها مسرعا ، فشحب وجهه عندما وجدها منهارة إلي ذلك الحد ، بينما تطلعت إليه واهنة و دموعها تناسب بغزارة علي وجنتيها ، ثم أرخت أعصاب جسدها لتنكفأ علي وجهها ، فأخذت تبكي و تنتحب بمرارة ، لكنه لم يسمح لها بمزيدا من البكاء بقاعة الحمام الفسيح ، إذ أنه إقترب منها بخطوة واحدة ثم إنحني و أقتلعها من علي الأرض حاملا إياها علي ذراعيه ، ثم إتجه بها إلي الداخل ... :
-اوعي سيبني .. نزلني ..
قالت ذلك في رغبة يائسة لإبعاده عنها ، إلا أن دوار رأسها أرغمها علي قطع عبارتها التي خرجت مشوشة و بلا هدف ... :
-بس .. اهدي.
أمرها"عز الدين"بإقتضاب و قد بدا واضحا أن غضبه شديدا ، إستسلمت كليا للعذاب الرائع الذي إستشعرته و هو يحملها قريبا من قلبه ، فشددت من إلتفاف ذراعها حول عنقه ، و ألقت رأسها علي فجوة كتفه ، ثم أغرقت وجهها بصدره أكثر فأكثر كي تستطيع أن تستنشق رائحته ... فقفز فجأة إلي سمعها صوت"جومانة"و تذكرت أيضا ما فعله بها منذ قليل ، فإنتفضت باكية ثم توالت محاولاتها الركيكة في الخلاص منه ، حيث أخذت تتلوي بين ذراعيه هامسة بصوت ضعيف شوبه بكاء مرير:
-اوعي سيبني .. بقولك سيبني .. انا بكرهك .. بكرهك.
صم أذنيه عن صوتها الضعيف ، و تابع سيره حتي وصل بها إلي الفراش ، فمددها بهدوء و جلس علي الحافة إلي جانبها . ثم إنحني صوبها و وضع يديه قرب رأسها حيث حاصرها بين ذراعيه ، بينما هي لم تستطيع أن تكف عن البكاء لحظة واحدة ، فخنق صوت نشيجها مطبقا شفتيه علي شفتيها بقبلة عميقة ، رفعت يديها و أخذت تدفعه عنها و لكن دون جدوي ، فقد بدا غير آبه بمقاومتها الهشة و إعتراضها الكاذب ، بينما إتخذت قرارا في نفسها .. ستتركه ، و ليكن ذلك اللقاء وداعهما الأخير ..
هبطت دمعة حارة من عينها و هي تبادله القبلات بضعف و إستسلام ، هذه اللحظات لن تنساها أبدا ، حتي"جومانة"ستكون عاجزة عن تجريدها من حقها بالإحتفاظ لنفسها بهذه الذكري .. كان قد حل ربطة عنقه و أزرار قميصه في لحظات قصيرة ، فإبعد وجهه عنها قليلا و أمعن النظر فيها ، ظل يحدجها لبرهة ثم مال برأسه صوبها مرة أخري ملثما عنقها بقبلات محمومة ، لترتجف بين ذراعيه ، و لتحيلها تلك القبلات إلي إمرأة تطلب العفو دون صوت !
قضيا الوقت كله بمفردهما داخل الغرفة ، مرت ساعات طويلة عليهما و كأنها ثوان قصيرة ، كان نومها متقطع قلق و كذلك كان نومه ، فقد خيم عليهما جوا متوترا و عصيبا جعلهما مغيبان بفكرهما عن الواقع ، لا يشعران بمضي الوقت ..
إستيقظ"عز الدين"عند الساعة السادسة صباحا ، نظر إليها و هي نائمة إلي جواره كطفلة بريئة ، ثم تنهد بثقل و نهض متوجها صوب الحمام ، وقف تحت صنبور المياه و أطلق العنان لذاك الرذاذ الساخن لينساب علي جلده و يلهبه دون رحمة .. ثم أخذ يتساءل في نفسه .. ماذا حدث ؟ ما هذا التحول الجذري الذي أحدثته تلك الفتاة بحياة"عز الدين نصار" .. هل أصبحت في النهاية متشوقا للإقتراب من إحداهن ؟ .. لا مستحيل !
هز رأسه بعنف حتي تبعثرت قطرات الماء من علي رأسه يمنة و يسري .. :
-لأ ماحببتهاش .. انا ماعنديش قلب.
هتف بإعتراض يائس ، و مسح علي شعره إلي الوراء بكفاه ثم هز رأسه مزمجرا:
-ماحبيتهاش.
عاد إلي الغرفة بخطي مبتلة ، ثم وقف أمامها يمعن النظر فيها ، أغراه منظر شعرها الحريري المبعثر علي الوسادة ، فإقترب منها بحذر ثم إنحني و وضع قبلة طويلة علي جبهتها ، مسح بيده علي شعرها ثم تركها و إتجه نحو الخزانة ، فتحت عينيها ببطء لتعتريها دهشة عارمة ... :
-مستحيل !!
هتفت غير مصدقة !
ظلت متظاهرة بالنوم العميق حتي خرج من الغرفة ، بالتأكيد ذهب إلي عمله ، عند خروجه من الغرف مباشرة فتحت عينيها علي وسعهما ، ثم تنهدت بأسي و شردت في ليلة البارحة ، طوال الليل أوقعها الألم في شباك السهد ، ألم قلب يكويه العذاب و هواجس ذهن يحاصره اليأس ، كم يصعب عليها تصديق بأن حياتها القصيرة مع"عز الدين"قد إكتظت بذلك الكم الهائل من العذاب و الألم ، تقلبت كالمحمومة من جنب إلي جنب و هي تفكر بـ"عز الدين"الذي كان يرقد إلي جانبها طوال الليل و لم يتركها لحظة واحدة .. خاطبها صوت ضميرها .. "تحبينه ؟ و هل إنتِ أكيدة بأنك الوحيدة في حياته ؟؟ " .. لم تجد جوابا منصفا لقلبها ، فإنخرطت في نشيج جاف أحسته يخنق حلقها ، و تمنت لو تستطيع أن ترطب ألمها بذرف الدموع ، لكن عينيها أمستا كبئر جفت مياهه إلي أخر قطرة .. هي"داليا"تلك الفتاة البسيطة المتفوقة بدراستها ، و المجتهدة بعملها ، و التي نادرا ما أظهرت مشاعرها ، كما أنها لم تسمح لأعصابها مرة بأن تنهار بهذا الشكل من أجل رجل ، لقد أصبحت منذ أن إلتقت"عز الدين نصار"تعاني من كل أنواع التطرفات العاطفية .. فقد أوجد فيها إنسانة جديدة ، أنبض فيها عروقا كانت هاجعة ، كما عذبها أيضا و ألمها حتي جعلها تظهر ضعفها و دموعها و شقاءها و عواطفها الحارة و كأنها فتاة في سن المراهقة ، ألقي بها في أحضانه القاسية المتمردة و علمها ما لم تكن تعلمه عن الحب ، فجسدها خير شاهد علي ذلك و قلبها أيضا ، إنه ما أحب فيها إلا الجسد ، هكذا صرح لها عقلها حقيقة مشاعره تجاهها .. أقرت و الأسي يملأ قلبها بصدق تلك الحقيقة ، فهي لم تنس إعلانه صراحة أنه تزوجها لأنها أعجبته و ليس أكثر و لأنه لم يكن ليصل إليها سوي عن طريق الزواج ، هزت رأسها بمرارة ثم نفضت عن ذهنها تلك الأفكار المؤلمة ، و نهضت متدثرة بثوبها المُلقي أرضا إلي جانب الفراش ، جلست أمام المرآة ، إنتبهت إلي ذلك الإحمرار علي يمين رقبتها ، فإرتعش جسدها ، إذ تذكرت ملمس شفتيه القاسيتين و هي تلثمها بقوة ليحيلها إلي إمرأة مخدرة متجاوبة ، تحسستها بإطراف أصابعها لتكتشف منها المزيد علي بعد أنحاء متفرقة من جسدها .. هاهو كالعادة يترك أثرا لا يزول بسهولة ليذكرها به دائما ، تلك البقع الحمراء حتما ستزول من جسدها ، و لكن مستحيل أن يُمحي الأثر من قلبها و عقلها ... !
![](https://img.wattpad.com/cover/158050514-288-k756176.jpg)
أنت تقرأ
حتى اقتل بسمة تمردك...للكاتبة مريم غريب💖
Romance-متمردة؟! -نعم متمردة .. كحلم ضاع من بين أجفانك .. كقبلة تاهت من بين شفاهك .. ككل شيء أردته فتمرد عليك. -و لكني دائما أحصل علي ما أريد .. مثالا .. أنت. -لم تحصل علي .. ألم أقل لك أنني متمردة ؟.. متمردة بكبريائي الذي حطم رغبات العشاق .. متمردة بدلالي...