الحلقة (19):

21.3K 515 6
                                    

*حتي أقتل بسمة تمردك*

الحلقة (19):

إرتعدت بقوة علي أثر صوته الحاد ، لكنها إستطاعت أن تعيد هاتفهه كما كان بسرعة فائقة غير مرئية ، ثم إلتفتت بثقة و نظرت إليه باسمة ثم قالت:
-كنت بجهزلك هدوم.
و رفعت قطعة من ملابسه أمام عينيه ، فيما حمدت الله أنها كانت تمسك بها ، بدا غير مقتنع لكنه حدجها بقسوة قائلا:
-انا ماطلبتش منك تجهزيلي اي حاجة.
-منغير ما تطلب ده واجبي كزوجة .. دي ابسط حاجة ممكن اعملها.
أجابت بثبات واثق ، فرمقها بسخرية هازئة ثم قال:
-شكلك مابتعرفيش تأدي غير الواجب ده.
أجفلت خجلة ثم عضت علي شفتها بقوة ، فأضاف بحدة:
-بطلي تتذاكي عليا يا داليا .. انتي بتلعبي بالنار .. فاهماني ؟؟
إستقبلت نظراته الثاقبة بإضطراب ، بينما إبتعد عنها فجأة متجها صوب الخزانة و الماء يقطر من شعره علي كتفيه إلي صدره و ظهره .. بدا لها ظهره رائعا ، حيث تلألأت بشرته البرونزية المغطاة بقطرات الماء تحت أضواء الغرفة الخافتة ،كان حقا رائعا ، لم تبالغ أو تكذب حين قالت أنه أكثر جاذبية في غضبه ، كل هذه الأفكار وترتها كثيرا فإستدارت بقوة و إتجهت إلي الفراش ، أخذت تستعد إلي النوم و هي تدعو أن تمر الليلة بسلام كما مرت الليالي السبع الفائتة ، إستلقت ثم تظاهرت فورا بالنوم العميق ،بينما إنتهي هو من إرتداء ملابسه ، فسمعته يقترب منها، أحست به يعاينها و يتمعن في وجهها ، فوجدت صعوبة في المحافظة علي تنفسها الطبيعي المنتظم ، و قد راح قلبها يخفق كالمطرقة ، فتساءلت .. هل إنطلقت عليه حيلة نومها ؟ .. ليس من السهل أبدا خداع رجل حاد الذكاء و الملاحظة مثل"عز الدين" ، خاطبت نفسها و هي تترقب خطوته التالية ..
بدا أنه غير مكترث كثيرا بوضعها ، فها هو يبتعد قليلا و يحتل مكانه بالفراش في هدوء إلي جانبها ، كادت تفتح عينيها قليلا و تختلس النظر إليه ، ثم إستقر رأيها علي تحاشي أي خطأ يورطها في مماحكات مؤلمة و مهاترات باتت تعرف عواقبها ، و بعد لحظات معدودة إستطاع النوم أن يجردها من التفكير و التأهب بل من الواقع بأكمله ..
و كما بحدث عادة بعد ليلة من التفكير العميق و التوتر العصيب ، كان نومها متقطع قلق ، تخللته الأحلام و الكوابيس المزعجة ، لا تزال غير مطمئنة لوجود زوجها إلي جانبها ، فهو لا يزال يعاملها بقسوة و عنف ، غير أنها لم تنس بعد و لن تنس أبدا تلك العلاقة الحميمية التي تربط بينه و بين"جومانة" ..
في البداية كانت الأحلام متناثرة و متداخلة ضمت أشخاصا و أمكنة و أحداثا لا علاقة بهم تربط فيما بينهما علي الإطلاق ، ثم إتضح الحلم فجأة ، و عاد بها إلي اللحظات التي سبقت حادث"عبير"بليلة واحدة ، تلك الليلة الأولي بحق بينها و بينه ، تذكرت كافة التفاصيل ، و تراءت لها أيضا صورة تلك المرأة التي راقصت زوجها بالحفل .. أخذت تحس و كأنها تعيش المواقف و الأحداث من جديد و بشكل حقيقي جدا ، فضاق نفسها بشدة و راحت تنتفض في فراشها محاولة الخلاص من عذاب الحلم ، أوثق يديها خلف ظهرها بإحدي يديه ثم نزع ثوبها بالأخري ، دموعها تسيل من عينيها في صمت ، لا مجال لها من الهرب منه .... إنطلقت منها فجأة صرخة ذعر هائلة و هي تقاتل من أجل حريتها في ذلك الكابوس الثقيل ، فأنتفض"عز الدين"بمكانه مستيقظا علي أثر صرختها ، ثم أسرع و أضاء مصباح الطاولة المجاورة للفراش .. :
-في ايه ؟؟
سألها و هو يمسك ذراعيها بكلتا يديه ، فيما كانت ترتجف بذعر بين يديه ، و كانت عيناها تعكسان الخوف العميق الذي مازالت تشعر به جراء الكابوس .. :
-كـ كابوس.
أجابته بصوت مبحوح ، ثم قالت معتذرة و شفتاها ترتجفان بشدة:
-اسفة اني صحيتك.
رمقها بنظرة قاسية ذات مغزي ، فاجأتها تلك النظرة ، فهزت رأسها قائلة بعدما خمنت مغزي نظرته:
-بتبصلي كده ليه ؟ ماظنش انك معتقد اني بحاول اقربك مني بتصرفاتي ! انا فعلا شفت كابوس ماقصدش يعني.
-لو تقصدي ايه المشكلة ؟؟
إشتعل وجهها و هي تقول بإرتباك:
-لأ .. لأ طبعا مش قصدي أ ..
-اسكتي.
قاطعها بحدة ثم صمت قليلا و قال متهكما:
-مشكلتك يا داليا انك بتتعاملي معايا انا و اكيد .. لأ ده واضح جدا ان خبرتك قليلة مش زيي .. بس لازم تفهمي ان مش انا اللي بتأثر بدموع الستات زي غيري و لا بتأثر حتي بالجمال انا بقدر اتحكم في نفسي كويس وقت ما ببقي عايز علي عكسك انتي.
عليه اللعنة .. خاطبت نفسها .. إنه يعتقد أنها تفتعل تصرفاتها عمدا كي تثيره و تجذبه إليها ! .. يا له من شيطان خبيث .. :
-بس علي اي حال مافيش مشكلة احنا متجوزين و طبيعي يكون ليكي متطلبات.
رن صوته بإذنها هازئا قاسيا ، فأحست بمقاومتها المتلاشية تعود إلي التصلب ، فقالت بقوة نافية التهمة:
-انا مابفكرش في الحاجات دي خالص.
و لكي تثبت صدق كلامها نظرت إلي عينيه مباشرة ، و لكن قوتها لم تنجح تماما ، إذ قرأت في نظرته شيئا جعلها ترمش مضطربة ،و في اللحظة نفسها ، إنحني بغاية اللطف و الرقة و عانقها .. حاولت الإفلات لكنه قبض علي خصرها و ثبتها بمكانها حتي خارت قواها و هدأت ، فرفع يده و أخذ يداعب شعرها و يبعد خصلاته الحريرية عن جبهتها و أذنيها ، عانقته تلقائيا تحت تأثير لمساته الساحرة ثم رفعت يدها و أحاطت عنقه و مررت أصابعها في شعره الأسود ، فأبعد وجهه عنها قليلا و غمغم ساخرا:
-كنت بحسبك مابتفكريش في الحاجات دي خالص !!
لسعتها جملته الهازئة ، و أشعرتها بعجزها عن مقاومة إرادتها العاطفية ، فإندفع اللون الأحمر إلي خديها و قالت:
-تصرفاتك هي اللـ ...
-مش عارف ليه دايما بتدوري علي مبررات ؟!
قاطعها بخفة ساخرة ، فأجابته غاضبة:
-عشان تصدقني.
-انا مابقتش اصدق حد.
غمغم بخشونة و هو يضمها بقسوة مجددا إلي صدره ، فنسيت كل آلامها إذ كانت ترغبه الأن بمحض إرادتها ، رغم عنفه و قسوته فقدت الشعور بكل شيء إلا بحاجتها إلي قربه و دفئه .. فهتفت في نفسها الكلمة التي تتحرق شوقا لتهمسها بأذنه"بحبك" ... !




حتى اقتل بسمة تمردك...للكاتبة مريم غريب💖حيث تعيش القصص. اكتشف الآن