الجزء التاسع:(القصر الازرق)

2.5K 68 1
                                    


هذه لحظة لايحظى بها الا من كان يطير فوق البحار . سكون فوق جمال البحر عند المغيب والشمس التى توزع خيوطاً ملونه في كل اتجاه قبل أن تختفي وراء الأفق . اقتربوا من الجزيرة وحامت الهليكوبتر فرنسية الصنع التي أقلتهم من انجلترا فوق القصر وهبطت بهم على هضبة بين بساتين الفواكه ، والقصر الأبيض اللون الذي يعلو الجزيرة.

نبهها صوت هراكليون من تأملاتها عندما سمعته يقول بلهجة كلها سرور وارتياح :
(( بيتنا! وأخيرا وصلنا!).

رأته ينظر إليها بقرف لأنه لا يريدها أن تشاركه فرحته بعودته إلى ارض الوطن ، ولأمنها حدقت إليه برفعه وهدوء عازمة على المجابهة كيلا يمزق ما تبقى منها من إحساس . أخذت النجوم في الظهور وأصبحت فنّي الآن تبعد أميال الأميال عن بيت عمها الأنيق بمروجه الخضراء وأزهار الحديقة المنمقة.

هي الآن واقفة في ارض جزيرة بتالدوس ، الجزيرة اليونانية الصخرية الغنية بفواكهها وأعشابها العطرة ، تملأها ليلا أصوات الأزيز وينتشر في أرجائها أريج اليونان التاريخي وظلال أطلاله . رفعت رأسها ورأت قصر(الباشا) للجزيرة . ودائما لا يحلو لزوجها أن يتركها سارحة في أفكارها كما يحلو لها فأنه دائماً يقطع عليها ذلك بالتفوه بكلمات فيها أمثال او عبر قديمة وفلسفة .

قال هراكليون :

((على الإنسان أن يعيش ليومه كما لو كان يومه الأخيرالذي يتمتع بشمسه)).

فلسفة أبولّو هذه يمكن أن يقال أنها فلسفة هراكليون الذي تراه فنّي شاذاً في بعض تصرفاته وذا بأس في معاملاته ، وترى نفسها تتجاوب مع كل عضلة فيه ومع مشيته ولون جلده وحتى لباسه. تراه سيد نفسه وسيد الموقف وتتساءل عن احتمال حدوث تغييرات بعد أن دخلت حياته وهزّت إلى حد ما كيانه وكبرياءه ، رفعت نظرها مرة ثانيه وتبين لها القصر الأبيض منتصباً بين أشجار الزيتون والحمضيات والسرو ، ويعود طراز بنائه إلى عهد الأتراك ، فنوافذ مقوسة وجدرانه من الحجر القاسي وله هيبة صاحبة. يرى من يقف فيه مناظر البحر والسماء وبيوت سكان الجزيرة .

رحّب زونار بفنّي قائلا :

(( أهلا بك في القصر الأزرق)).

لماذا يسمونه الأزرق بينما هو ابيض ؟ فهمت فيما بعد أن التسميه تعود إلى كون القصر موجود على ارتفاع من كل جانب . كان لجوابه مغزى خاص فأغاظها وصعد الدم في وجهها . وتوقعت أن ينظر إليها ككل مرة نظرة التعنيف والسخرية .

((هل تعتقد أني قفزت من فوق الحائط قبل أن يفتح الباب لي ؟ اليوناني يفضل أن تقف بجانبه أمام المذبح عروس بكر وطاهرة كالكتان الأبيض الناشف وكالثلج المتساقط وكالرز الأبيض الطري))

وحاولت أن تكيل له كما كال لها هزءا وسخرية فقالت :

(( ولا يهم إذا كان العريس ضليعا في فن..... الإغواء ؟ ))

دمية خلف القضبان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن