الفصل السادس قتلتني عيناها بقلمي حنين أحمد (ياسمين)

2.4K 95 2
                                    

الفصل السادس قتلتني عيناها
(الماضي)
اتجه إلى المطار بعد أن أودع طفلته الروضة وكأنه
يوم عادي فلا يريد ل كارين ان تشك بشيء..
أتمّ تأكيد حجز البطاقات ل صديقه ورُسُل ثم عاد
مرة أخرى للروضة حتى يأتي بابنته.. وما إن وصل
أمام الروضة حتى وجد كارين تجمل رُسُل وتغادر!
تجمد من الصدمة للحظات قبل أن يندفع للجانب
الآخر من الطريق للوصول إليهما وهو يهاتف
محمود..
لحظات هي كل ما استغرقه الموقف ليحدث!
مناداته ل كارين وسماعه صوت فرامل سيارة قريبة منه ليطير جسده بالهواء ثم يعود ليسقط على الأرض بقوة وأصوات عديدة مختلفة وعيناه لا تحيدان عن جسد طليقته التي تجمدت للحظات قبل أن تركض في الاتجاه المعاكس وتختفي مع ابنته ثم....
يسكن كل شيء حوله ويفقد الوعي ومعه أمله في الوصول لابنته مجددا.
****
هرعا للمشفى بعد أن وصلهما نبأ الحادث وهناك كان الوضع على أشدّه، ف نور دخل بغيبوبة ولم يعرف أحد متى سيفيق منها أو هل سيفيق من الأساس!
وخلال انتظارهما ليفيق من غيبوبته الاختيارية
على حد قول الطبيب المعالج -فلا يوجد سبب
عضوي ليسبب الغيبوبة- كانا قد بحثا عن رُسُل بكل مكان من الممكن أن تكون به دون جدوى!
*
(بعد شهر من حادث نور)
"وبعدين يا محمود هنعمل ايه؟ هنقول ايه ل نور لما يفوق؟ هنقوله معرفناش نلاقي بنتك؟ معرفناش نحافظ على أمانتك؟!"
كان أحمد يهذي بالكلمات بذهول وبجانبه محمود لا يعرف ماذا يفعل؟! لقد بحث بكل مكان، قلب لندن بأكملها رأسا على عَقِب دون جدوى.. كارين اختفت تماما ومعها روح صديقه (رُسُل) !
وبجانب اختفائها كانت غيبوبة نور التي تطبق على أنفاسه، يعلم جيدا أن وضع صديقه بسبب ابنته، بالتأكيد هو يعلم أنها مع كارين، فسبب الحادثة كان خطؤه هو كما عرف بعد ذلك.. إذا نور عَلِم ان كارين أخذت طفلته!
زفر بحنق وما إن همّ بالحديث ليجد حالة من الهرج أمام غرفة الرعاية التي مكث بها نور الفترة السابقة وما هي إلا لحظات حتى خرج الطبيب وهو منفرج الأسارير يبلغهما أنه استيقظ وبصحة جيدة نوعا فالجروح قد التأمت ولكنه سيظل بالمشفى عدة أيام للتأكد من كل شيء وحتى يستعيد صحته تماما.
نظرا لبعضهما يحمدان الله على استيقاظه وبنفس الوقت يخافان الدخول إليه، يخافان سؤاله عن رُسُل! فماذا سيخبرانه؟!
***
بعد يومين
دخل الغرفة مترددا ليقابله وجه نور المبتسم وهو يقول:"واضح اني نمت كتير لدرجة ان احمد بذات نفسه جه من مصر مخصوص يدوّر عليا"
رمقه بدهشة من مرحه وابتسامته ولم يستطع الرد سوى ب:"حمدالله على سلامتك يا نور"
"الله يسلمك يا ابو حميد، ها اخبار نورية ايه؟
حددتوا الفرح وال لسه؟!"
عقد حاجبيه بريبة وهو يقول:"فرح ايه؟!"
اجابه مندهشا:"فرحك على نورية يا ابني مالك؟"
ازدرد ريقه وهو يرمقه دون حديث ليعاود نور
الحديث:"مالك يا احمد؟ هو الحاج معصلج بالجوازة وال ايه؟! "
"نور انت خلصت دراسة وال لسه؟!"
رمقه بعد فهم ثم قال:"لسّه يجي تسع شهور، ايه السؤال ده؟!"
امتقع وجه أحمد وهبّ واقفا وهو يركض للطبيب ليقابل محمود بطريقه فأخذه معه وما إن وصل للطبيب حتى هتف:"لا يتذكر أي شيء!"
عقد الطبيب حاجبيه وهو يهتف:"من هو؟!"
"نور محمد العدوي المريض بال..."
أومأ الطبيب متذكرا ومقاطعا إياه:"كيف هذا؟ لم يظهر عليه أعراض فقدان الذاكرة أبدا و..."
قاطعه أحمد:"هو يذكرني اجل، ويذكر عائلته وكل شيء ولكنه لا يذكر أنه أنهى دراسته، ولا اني تزوجت بالفعل بل وأنجبت ولا حتى يذكر ابنته!"
عقد الطبيب حاجبيه ثم قال:"لا تتحدث معه حتى نجري بعض التحاليل والأشعة على الرغم أن رأسه لم يتضرر من الحادث سوى بخدوش بسيطة ولكن لا ضرر من إعادة الأشعة مرة اخرى ربما هناك شيء لم ننتبه إليه".
****
بعد يومين
"مش فاهم يعني ايه يا محمود فقدان ذاكرة جزئي"
هتف بها أحمد بحدة ليزفر محمود بهم وهو يقول:"ال فهمته يا احمد انه مش فاكر اي شيء قبل ٦ سنين، وده نوع من أنواع الحماية لنفسه زي ما قال الطبيب النفسي اللي استشاره الطبيب المعالج له بعد ما فهمته اللي حصل ل نور وبعد الكلام معاه عرف انه مش فاكر اي شيء من وقت مقابلته لكارين.. قال ان اللي حصل ان الالم كان فوق احتماله فعقله عمل زي حماية له من الالم ال حس بيه بمعنى انه بيحمي نفسه من ألم فقدانه لبنته، ومن ألم خذلان كارين له قبلها.. يعني من الاخر هو
مش فاكر اي شيء لا عن كارين ولا عن رُسُل وكل اللي في دماغه حاليا انه لسه متخرجش وانه مستني يرجع مصر عشان يتجوز قريبته اللي والده خطبها له قبل ما يسافر"
كان يستمع له لا يصدّق ما يحدث!
ينظر ل محمود يتوسله أن يخبره أن كل ذلك لا يحدث! والآخر ينظر له بتعاطف لا يعلم ماذا يفعل أيضا!
"طيب وبعدين؟ هنعمل ايه دلوقتي؟!"
قالها أحمد بضياع ليجيبه محمود:" الدكتور النفسي قال محدش يفكره بأي حاجة حصلت، وانه هيفتكر لوحده ولو مافتكرش لازم يتعرض على دكتور نفسي يساعده انه يفتكر"
"يعني نقدر ناخده مصر؟ طيب نقدر نقوله انه خلّص دراسته؟ طب ابوه ال اتبرّى منه ده اقوله ايه؟ وهفهمه السبب ازاي؟"
أغمض عينيه يكاد يُجَن، ماذا سيفعل؟ عمّه لن
يتفهم كل ذلك بل ربما يعتقد أنهم يخدعوه ليحصلوا على رضاه! كيف سيقنعه؟!
****
"يا عمي بقول لحضرتك انه مش فاكر حاجة من اللي حصلت مش فاكر غير انه كان بيدرس وعمل حادثة وبس.. حتى مش فاكر اني ونورية اتجوزنا ولا جيبنا عامر ولا اي حاجة! ازاي هنقوله يتجوز؟ طيب حنان ذنبها ايه انها تتجوزه وهو في الحالة دي؟! ذنبها ايه انها تتجوز واحد ممكن يفتكر في اي وقت اللي حصل ووقتها رد فعله هيكون مش محسوم!"
قالها احمد وهو يشعر بالحنق من استغلال عمه لظروف نور بل وإجباره ل حنان ابنة عمته على الزواج منه وهو بهذه الحالة.
"اللي حصل في صالح نور، لولا ال حصل عمري ماكنت هقبل انه يرجع يعيش في وسطنا تاني، نور هيتجوز حنان ومش عايز اسمع اي اعتراض منك ولا انك تحاول تفكره بالماضي ولا بعملته السودة اللي عملها، لو عرفت يا احمد انك فكرته وال جيبتله سيرة اللي حصل او بنته اللي انا لا يمكن اعترف بيها، وقتها تنسى مراتك وابنك".
***
(الحاضر)
هل قالت أحد يخطبها؟!
تجمد مكانه ولم يعرف ماذا يفعل! لم يتخيل يوما أنه قد يخسرها لا بل تخيل خسارتها مرارا ولكنه بكل مرة يتخيل نفسه يصرخ ويتنزعها ويهتف انها له فقط ولن تكون لسواه..
"وعمي وبابا يعرفون هالشيء؟!"
"لا ما گلت لحدا واريدك انته تشوفه بالاول"
قالتها وهي ترمقه ببراءة تلاحظ ما اعتراه وقلبها يؤلمها من أجله، هي تعلم أنه يحبها ولكنه يهرب من حبها ولا تفهم لِمَ!
" منو هو؟ وانتي من وين بتعرفيه؟ وليش تريدين اني اقابله؟!"
افتعلت ضحكة وهي تقول: "كل هاي الاسئلة! زين، منو هو: هو زميل ليه في الجامعة ولكنه اتخرج صارله سنتين او اكثر، واعرفه لانه اخو صديقتي.. واريدك تشوفه لان آني اثق بيچ لان انت مثل اخويا الكبير"
ارتد للخلف بصدمة وهو يكرر:"أخوكِ!"
أومأت بخفة:"مو هذا ال دوم تگوله لي!"
أجفل مما قالت وهو يفكر أبالفعل يخبرها أنه
شقيقها الأكبر دوما؟! وهل كان وقعها عليها كوقعها عليه؟! إنه يختنق!
حقا يشعر بالاختناق وربما ستفيض روحه لبارئها في التو واللحظة!
لاحظت ما اعتراه ولكنها لم تعلّق ليفاجئها بثورته: "هذا ميصير وماراح اشوفه ولا تتزوجين منه وحتى لا تگولين لبابا او عمي عنه وستنسين ها الشخص تماما"
وقبل أن تتحدث كان قد غادر الغرفة صافعا الباب خلفه بعنف لتنفجر ضاحكة وهي تقول: "بعد ما شفت شي يا ابن العم".
***
يراقبه يذوي أمامه وهو لا حول له ولا قوة، منذ علم أن لين ستتزوج بآخر وهو نأى بنفسه عن الجميع حتى عمله لم يعد شغوفا به كما كان دوما!
اقترب منه ببطء ثم جلس بجانبه وهو يقول:
"هو ده ال انت هتعمله يا عامر؟! تسكت وخلاص! وتسيب البنت تتجوز غيرك؟!"
نظر له بحزن وإنهاك قائلا:"امال هعمل ايه يا بابا؟ عايزني اعمل ايه وهي باعتالي رسالة تقولي انها هتتجوز قريبها؟!"
"تقوم تسيب البنت كده؟ البنت اللي حبيتها
ووعدتها انك تتجوزها هتسيبها بالبساطة دي؟
انا مش فاهم انت طالع لمين انهزامي كده؟
وال انت كنت بتلعب بيها فعلا يا عامر؟ للدرجة دي انا معرفتش اربيك؟! كنت بتلعب ب لين يا عامر؟!"
رمقه بصدمة وهو يقول:"لا والله يا بابا عمري ما لعبت بيها، لين دي روحي وانا لا يمكن اقلل منها او العب بيها بيوم"
"امال سكوتك ده معناه ايه!"
قالها احمد بغضب فأجابه عامر:"هعمل ايه؟ احنا مش ف فيلم عربي هروح اخطفها واقولهم دي بتاعتي.. كده هسوّأ سمعتها وانا لا يمكن اعمل كده، كفاية احساسي بالذنب تجاهها.. لو مكنتش اتأخرت واخدت خطوة ايجابية من الاول مكنتش هتتعرض لموقف زي ده واقف انا ايدي مربطة ومش عارف اعمل ايه!"
كاد يسبه ابنه لغبائه.. فهتف بحنق:"وتفتكر يا ذكي هي قالتلك ليه؟ لو مش عايزاك تدّخل مكنتش قالتلك اصلا.. وبعدين ال عرفته من محمود انه مجرد كلام لسه مفيش حاجة رسمي"
عقد حاجبيه:"بس هي قالتلي ان جوازها بعد
اسبوع"
كاد يشد شعره من غبائه فهتف بغيظ:"ياواد انت طالع غبي كده لمين؟ يعني هتقولك تعال اخطبني؟ اكيد عايزاك تتحرك بدل مانت قاعد زي خيبتها كده"
لم يعرف هل يضحك من اسلوب والده أو يقفز فرحا لأنه مازالت هناك فرصة أمامه للفوز بحبيبته!
ولكنه ما لبث أن رمق والده بريبة وهو يقول:
"بس تفتكر هيرفضوا قريبهم ويوافقوا عليا انا؟!"
"يا واد اشد ف شعري ويقولوا الراجل اتجنن؟! يعني اعمل فيك ايه؟ تصدق انا ال هروح اتجوزها ومش هسيبها ليك ولا للواد التاني ده"
ضحك عاليا وهو يضم والده بحب قائلا:
"لا يا ابو حميد الا لين، كده هنخسر بعض"
لوى شفتيه بحنق وهو يقول:"دلوقتي الا لين؟ مانت كنت سايب البت منهارة من العياط وقاعد هنا تبكي على الاطلال"
رمقه عامر بشقاوة افتقدها أحمد مؤخرا وهو يقول: "بقى انت عايز تتجوز على ماما يا بابا بعد كل السنين دي؟ مكن العشم يا بابا! وهتلاقي فين واحدة زي ماما؟"
لم يدرك ما يحاول ابنه فعله فهتف بغرور: "البنات كتير بس انا اشاور بس وهتلاقيهم كلهم تحت رجلي.. انت فاكر ابوك راحت عليه وال ايه"
"والله يا سي احمد؟ طب ومين ماسكك اتفضل روح اتجوز بس يكون في علمك قبل ما تعملها تكون مطلقني بالتلاتة.. ماهو لازم انا كمان اشوف حالي بقى"
انتفض أحمد على صوت نورية زوجته فالتفت
سريعا ليجد عامر يشير له من خلفها ويحرّك حاجبيه بعبث وهو يقول:"لا يا ماما اوعي تقولي كده ده انا هجوزك سيد سيده"
ركض أحمد خلفه وهو يسبه ولكن عامر كان قد سبقه وهو يضحك ليتوقف أحمد مكانه ضاحكا بمرح وهو يرى الفرحة عادت لابنه مرة أخرى.
"بتجري ورا الواد ليه؟ الواد ماغلطش!"
"بقى عايزة تتجوزي عليا يا نونو!"
تظاهرت بالحنق وهي تقول:"انا اللي عايزة اتجوز وال انت يا ابو عيون زايغة!"
اقترب منها وهو يقول بعبث:"زايغة ازاي وهي
مبتشوفش غيرك يا نورية قلبي"
لوت شفتيها قائلة:"ايوة اضحك عليا بقى يااحمد"
ضمها له بحب قائلا:"انا لو لفّيت العالم كله لا يمكن الاقي ضفرك يا قلب وعقل وروح أحمد"
رمقته بحب فهمس لها بعبث يشبه به ابنه:
"ماتيجي اما اقولك كلمتين جوّه، الواد خرج وانا وانتي لوحدنا والشيطان تالتنا"
ضحكت بقوة وهي تقول له:"مش هتتغير ابدا يا احمد"
غمزها بمرح:"ابدا يا عيون احمد" .
***
"انتظري رُسُل، وين تروحين؟!"
رمقته بدهشة ثم قالت:"للعمل"
رمقها باستنكار:"وحدچ؟ ليش مانتظرتيني؟!"
"ما اريد"
ابتسم لحديثها بلهجته ثم قال:"انتي زعلانة مني؟!"
احتدت نظراتها وهي تشيح بوجهها تتذكر ابتسامته لزميلته بالعمل، لم تكن ابتسامة فقط بل إعجاب ذكوري بالمرأة.. إعجاب قهر قلبها فتحاشت رؤيته باليومين السابقين، تهرب من مشاعرها فعلى ما يبدو أن المشاعر غير متبادلة كما هُيّء لها وانها كانت تخدع نفسها..
هو لا يحبها، لو أحبها لم يكن لينظر لأخرى أبدا!
ظهرت مشاعر الغضب بعينيها ذات اللون الفريد فابتسم فهي تبدو شهية حتى بغضبها ولو لم يفهم ما سبب غضبها من الاساس!
"آني سوّيتلچ شي حتى تزعلي؟!"
قالها بحيرة لتجيبه رافعة حاجبيها:"مافي شي"
زفر بنفاذ صبر ثم قال:"زين يالا خلي نروح حتى مانتاخر على الشغل وعوفي الزعل هسّه لان ما يفيدچ.. واني ما عرف اني سويت شي يزعلك"
شعرت بالغيظ ولكنها لم تجادل فصعدت للسيارة معه وهي تنأى بنفسها عنه دون كلمة واحدة وهو لم يحاول حتى التقرب منها مرة اخرى.
***
دلفت إلى المكتب لتجد توم بانتظارها بابتسامة واسعة فرمقته بتساؤل ليقول:"واخيرا رُسُل سنعود للوطن، لقد مللت حقا هنا خاصة وانتِ طوال الوقت مع صديقتك التي لا تحبني"
عقدت حاجبيها قائلة:"سنعود؟ لِمَ؟ لم ننتهي من العمل بعد وهناك الكثير من الاشياء التي لم...."
قاطع حديثها بلهفة:" لقد أتممنا ما جئنا من اجله، لذا لا يوجد سبب لنظل هنا وسيرسلون آخرين للاهتمام بما تبقى"
لاحظ عبوسها فهتف:"الا تريدين العودة؟ ألم تفتقدي چون والطفلين؟!"
ازردت ريقها بألم وهي تفكر : (هل انتهى الحلم بهذه السرعة؟!)
لمست جبهتها وهي تشعر أن كل الظروف تكالبت عليها وهي تقول بخفوت:"أجل بالطبع افتقدتهم جميعا ولكن..."
صمتت غير قادرة على الحديث فماذا ستقول؟!
هل تقول أنها وجدت هنا راحتها؟! وجدت عائلة طالما تمنتها؟! أم تقول أنها وجدت الحب الذي بحثت عنه طويلا؟!
"لِمَ تضغط عليها؟! إذا لم تُرِد العودة فاتركها، ما دخلك بها؟!"
هتف كرار من خلفها وكانت قد نسيت وجوده تماما حالما ذكّرها توم بما تريد نسيانه!
هي ليست من هنا، هي لا تنتمي لهذا المنزل الذي احتضنها بكل حب وحنو..
هي حتى لن تجد حجة لتستمر بالمكوث هنا أكثر، ستعود لانجلترا من جديد وحيدة، غريبة.. ستعود لأم تنفر منها ولا تريدها.. ستعود لعالم لا تريده ولا تحبه بعيدا عن وطنها الأصلي.. وأخيرا بعيدا عن حبيبها!
تركتهما يتجادلان كعادتهما وانهمكت بالعمل دون أن تبالي بما يحدث حولها وسرعان ما توقفا عن الجدال وانضمها إليها بالعمل .
***
راقبها تترجل من سيارة الشركة ليتفاقم غيظه من تهربها منه منذ عدة ايام.. وما أثار غيظه أكثر وجود ذلك اللزج توم معها على الدوام لا يمنحه الفرصة للاقتراب منها وهي على مايبدو لم تعد تصد محاولات التقرب من توم وهذا أشعل غيرته لأقصى حد!
اقترب منها ما إن دلفت إلى المنزل ليجرّها لحديقة المنزل الخلفية وهو يهتف بغضب:
"اني ما اگولچ ماتگعدين ويه توم هذا وحدچ رُسُل؟ ولا بأي مكان حتى اذا چان بالشركة!"
رمقته بدهشة وهي تقول:
"توم صديقي وزميلي بالعمل كرار، عادي"
"بس تره هذا مايصير!"
"ليه؟!"
سألتها بعدم فهم فأثارت غيظه أكثر فقال بنزق: "لان هو غريب"
"وانت غريب بس بظهر معاك عادي"
أثارت غيظه وغيرته بردها اللامبالي!
كيف تقارنه بهذا ال توم؟!
رمقها بغيظ قبل أن يشعر بالتسلية مما هو مقبل عليه.. هل تتلاعب به؟ إذا سيريها التلاعب حقا..
اقترب منها بخفة ليحجزها بين الجدار خلفها وبين جسده وهو يقول بخفوت:
"تره اني ما غريب رُسُل، اني أقربلچ من الكل"
ازدردت ريقها بتوتر من قربه فهي لم تكن قريبة هكذا من أي رجل بحياتها ولا تحب هذا القرب فهو يشعرها بالتوتر وأشياء أخرى لا تريد الشعور بها.
"ابعد كرار"
"احب اسمي ينذكر بشفايفچ رُسُل، گوليه مره لخ يمكن بوقتها اگدر ابعد عنچ مثل متريدين"
أغمضت عينيها تشعر بالخطر.. ماذا يحدث؟!
تحبه أجل ولكنها لا تحب ما يفعله؟! لا تحب اقترابه هكذا دون ان يكون هناك رابط بينهما؟! ماذا لو رآهما احد؟!
كررت بضعف:"ابعد كرار، من فضلك"
"صدگ رُسُل تريدين ابعد عنچ؟ اذا ليش عيونك تطلب شي تاني؟ تطلب مني اقترب، اقترب منچ گلش لما تختفي المسافة بيناتنه.. لمن اسمع هسّه رُسُل؟ شفايفچ لو عيونچ؟!"
دمعة وحيدة سالت على وجنتها تنبئ عن ضعفها، ذاك الضعف الذي يعتريها عندما تكون معه هو.. وهو فقط ولكنه لم يحتمل دموعها فابتعد سريعا كافّا عما يفعله وهمّ بالحديث معتذرا هو لم يقصد أن يضايقها ابدا ولكنها لم تمنحه الفرصة بل فرّت لداخل المنزل ما إن ابتعد عنها وتركته واقفا يتنشق
بقايا رائحة الياسمين التي تسحره.
***
بعد يومين
كانت بحمام الشركة تنعش نفسها قبل اجتماعها مع توم وكرار وسماع جدالهما كالعادة ليتناهى لسمعها صوت موظفتين بالشركة يتحدثان عن كرار..
"مسمعتي الخبر؟!"
"يا خبر؟! گولي"
"يگولون انه المهر مال كرار الشهر الجاي"
"كرار مالنا (خاصتنا) ؟!"
"اي هو بنفسه"
"منو هاي البنت المحظوظه؟"
"يگولون انو هي گرايبه گانت اله من هو صغير"
لم تستطع السمع أكثر فأسرعت بالخروج من الحمام بل ومن الشركة كلها راكضة وهي تهاتف نبأ!
لا تعلم لِمَ نبأ ولكنها فعلت.. فلا تريد التحدث مع خولة..لا تريد أن تتحول فرحتها لحزن بسببها.
***
كانت منهمكة بالعمل عندما علا طنين هاتفها
فالتقطته وهي تعبس فاتحة الخط:"رُسُل!"
"نبأ، ممكن تجيلي؟"
"اكيد وين انتي؟!"
"امام مطعم قريب من الشركة"
نبرة صوتها لم تطمئنها وكأنها تبكي أو تحاول ألا تبكي.. فطمأنتها:"لحظات واكون عندك رُسُل، انا قريبة منچ، لتقلقين"
أغلقت الخط لتجده يقف بجوارها قائلا:
"شنو شبيها رُسُل؟!"
"معرف بس صوتها مطمني ابد"
"زين حاجي وياكي"
لم تعترض وغادرت معه وبعد لحظات وصلت ل رُسُل لتجدها كانت تبكي كما خمّنت، انتحت بها جانبا لتسألها عمّا ألمّ بها فلم تقل سوى:
"لقد كان حلما نبأ، فقط محض حلم!" .
****
أشارت لضي ليغادر ولكنه رفض وجلس على طاولة قريبة منهما ولكنها تمنحهما الخصوصية اللازمة..
"شنو بيچ رُسُل؟ ليش تبچين؟"
"قلبي يؤلمني كثيرا نبأ ولا أعلم ماذا افعل؟!"
قالتها رُسُل بالانجليزية فمع حالتها النفسية لم تكن لتفكر بالتحدث بالعربية فاجابتها نبأ:
"تحبينه رُسُل!"
رفعت بصرها بحيرة وهي تقول:"مَن؟!"
"كرار"
قالتها بإقرار لتغمض رُسُل عينيها وهي تهرب من عيني نبأ الثاقبتين وهي تحرّك رأسها:" لا اعلم"
"بس اني مدا اسالچ رُسُل، اني دا كلچ انتي تره
تحبيه"
ناظرتها رُسُل بحيرة ثم سألتها:
"كيف تكونين أكيدة لهذه الدرجة؟!"
"لان آني جربت گبلچ الحب واعرف شنو شعورك، واعرف شعور أمريه (امرأة) تحب رچل يحبها بس هو دومه ينهزم (يهرب) بكل الطرق"
قالتها نبأ بمرارة لتجيبها رُسُل بسخرية:"ولكنه لا يحبني نبأ!"
"هو يحبچ رُسُل بس هو جبان او غبي.. أو جبان وغبي همين"
قالتها بمرح مصطنع فهمّت بالتحدث ليقاطعها طنين هاتفها فالتقطته لتجده چون.. ابتسمت بحنين وهي ترد عليه:"أفتقدك كثيرا چون"
انتبه لنبرتها الباكية فهتف:"رُسُل! ما بكِ ابنتي؟ أنا أيضا أفتقدك عزيزتي وأشعر أنكِ لست على ما يرام.. أنتِ تتألمين رُسُل؟!"
أومأت كأنه يراها وهي تجيبه:"لا لست على ما
يرام ابدا أبي"
قالتها بعفوية ليغمض جون عينيه بقوة يحاول منع دموعه من النزول وهو يقول بداخله :
(آااه يا رُسُل آسف عزيزتي.. آسف لأنني السبب
بحزنك)
"چون، ألازلت معي؟!"
"دوما معكِ رُسُل، دوما معكِ حبيبتي"
قالها بحنو لتشعر أنه لا يقولها فقط للرد عليها بل يخبرها أنه معها دوما مهما حدث وهذا منحها دفعة ثقة فابتسمت وهي تجفف دموعها وتقول: "كيف حال الطفلين"
ضحك بخفة وهو يقول:"لو سمعاكِ لأقاما عليكِ الحرب وخاصة ديانا فهي دوما تسألني عن موعد عودتك"
عادت للأمر الذي تهرب منه فابتسمت بحزن وهي تقول: "سأعود قريبا چون، فقط سأحضر زفاف صديقتي وأعود لكم.. واخبر ديانا ألا تقق فأنا لم أنسَ حفل التخرج خاصتها وسأعود بالموعد".
***
بعد أسبوع
عقد قران خولة وزيد بالمحكمة
"اووف شنو هالجنون؟ وعبالك ماصدكوا اني اقبل بهذا الزواج ورسن يريدون نگطع مهر بهالسرعة!"
ضحكت رُسُل وهي تقول:"مسكين زيد خاف ان
تتراجعي بكلامك"
زمّت شفتيها بحنق مصطنع وبداخلها تشعر بالسعادة لقد تحقق حلمها بالزواج من حبيبها، لا تصدق حتى الآن انها أصبحت زوجته قانونيا!
ابتسمت بسعادة لتسمع لمزات نبأ ورُسُل خلفها فالتفتت لهما تتظاهر بالحنق:"اسكتوا، وخاصة انتي رُسُل، اتفقتي عليّ ويه زيد!"
"لو تركتك لجنونك خولة لم تكوني لتتزوجي ابدا، والرجل هيخلل جنبك"
ضحكتا بقوة ونبأ تقول:"هاي الكلمة من اي لهجة رُسُل؟!"
ابتسمت قائلة:"كنت اسمع صفاء تقولها دايما"
خرجت نبأ تلبي نداء والدتها وهي تشعر بالسعادة من أجل شقيقتها وتتمنى لو كان حبيبها مثل شقيقه.
"سعيدة خولة؟!"
سألتها رُسُل فضمتها خولة بقوة وهي تقول:
"آني گلش سعيدة رُسُل، اخاف يكون حلم واگعد منه"
ربتت على ظهرها بحب وهي تقول:"لا حبيبتي كل ده حقيقة، افرحي خولة.. انتي تستحقي الفرح"
"يوم الچ رسّولة"
ابتلعت غصتها وحاولت الابتسام ولكنها لم تستطع وأنقذها صوت زيد الذي تسلل للغرفة فمنذ عقد قرانهما بالمحكمة صباحا وخولة تعتكف بالغرفة هربا منه.. لم يستطع حتى المباركة لها كما يتوق.
"ماگدرتي تنهزمين (تهربين) حبيبتي، وآني هم
ماگدر اصبر أكثر"
ابتعدت عنها رُسُل بخجل من وجودها بينهما
بمفردها فيبدو أن نبأ هي مَن ساعدته لدخول الغرفة.. غمزته رُسُل بمرح وهي تخرج هامسة له قبل أن تغلق الباب خلفها:"ارفق بها زيد، لا أريد لصديقتي أن تختفي بيوم عقد قرانها" .
***
دلف للمنزل فشعر بشيء غريب.. حسنا ليس
الغريب أن الجميع مجتمعون ولكن الغريب بنظراتهم إليه! ماذا حدث؟! ولماذا هاتفه والده ليعود للمنزل بعدما خرج مع أصدقائه؟! هناك ما حدث ولا يعرفه!
"كل شي بخير بابا؟!"
رمقه زيد بتوتر وهو ينقل بصره بينه وبين كرار
يفرك يده بعصبية لا يوافق عما يحدث ولكن ليس بيده شيء.. ألا يعلم والده وعمه ان الغباء سمة شقيقيه؟! وأن ما يفعلونه لا يجدي نفعا؟!
"اكو عريس متقدم ل نبأ شنو رأيچ ضي؟!"
تجمّد مكانه واحتدت نظراته قبل أن يختفي كل شيء وهو يقول:"شنو تگول يابه؟ مو نبأ لكرار من هي صغيرة؟ اصلا شلون تفكرون هيچ؟!"
هل قال أن سمة شقيقيه الغباء؟! حسنا هو يعتذر فهما المادة الخام للغباء والجبن أيضا ويبدو أنهما لا يعرفان عواقب ما يفعلان!
نهاية الفصل

رواية قتلتني عيناها بقلمي حنين أحمد (ياسمين) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن