الفصل السابع قتلتني عيناها بقلمي حنين أحمد (ياسمين)

2.4K 96 0
                                    

الفصل السابع قتلتني عيناها
(الماضي)
قبل زواج نور وكارين بفترة
ابتعد عنها جون بحدة وهو يهتف:"لا أفهم ماذا تريدين كارين؟ وماذا تفعلين هنا من الأساس وزواجك لم يتبقَ عليه الكثير؟"
اقتربت منه مرة أخرى بدلال وهي تقول:"ألا تفهم حقا جون أم أنك تتهرب مما أريد؟"
رمقها بحدة وهو يقول:"أجل لا أفهم, تتقربي مني بعد رفضك لي, تتقربي مني وزواجك من آخر على الأبواب؟! حقا لا أفهمك كارين!"
لم تهتم بحدته ولا بحديثه واصلت التقرب منه وهي تضع يدها على قلبه قائلة: "جئت إليكَ لأني أعلم أن قلبك هذا ملكي أنا، وأنا أريده"
رمقها بعدم فهم وارتبك من قربها منها.. قربها مهلك له.. تعلم جيدا كيف تلعب بأعصابه.. تعلم أنها هي نقطة ضعفه الوحيدة، حبه لها يضعفه وعلى الرغم أنه لا يحب هذا الضعف إلا أنه لم يملك إلا أن يستسلم له..
"أريدك أن تكون الأول جون، طالما تخيلتك أنت الأول.. أنت وأنت فقط"
قالتها وهي تقترب منه حد الالتصاق فعلقت أنفاسه وهو يراها قريبة، قريبة كما تمناها دوما فلم يستطع مقاومتها أكثر ونسي كل شيء آخر سواها
ومشاعره تجاهها وضعفه على أشدّه كما لم يكن من قبل..
لم يستطع أن يكبح زمام نفسه أكثر فغرق بها كما لم يغرق يوما..
غرق وندم بعدها كما كل مرة يقترب منها بها.
***
ليلة زواج نور وكارين
ابتعد عنها يحاول إخفاء امتعاضه، على الرغم أنه يعلم عن عاداتهم وطريقة معيشتهم إلا أنه لم يستطع إلا أن يشعر بغصة.. كان يظنها مختلفة ولكنه وجدها عادية كثيرا.. سخر من نفسه..
غبي نور ماذا اعتقدت من أجنبية؟!
هل ستكون بريئة كفتيات بلدك؟ لقد طاردتك تقرّبت منك ولولا خوفك من الله لكنت حصلت عليها دون زواج فهي كانت أكثر من راغبة!
تابعته بعينيها يبتعد مشيحا بوجهه عنها فشعرت بالغيظ.. هل هذا فقط ما يهمه؟!
(شرقي متخلف)
هتفت بداخلها ثم قالت بنبرة بها بعض التشفّي: "ما بكَ نور؟ لماذا ابتعدت عني؟ ألم أكن مثلما توقعت؟!"
رمقها بتوتر وهو يحاول كبح مشاعره داخله:
"لم أتوقع شيئا كارين, فقط أريد النوم قليلا فقد كان يوما مرهقا"
لم تصدقه وشعر هو بذلك ولكنه لم يهتم.. استلقى على الفراش وخلد للنوم وهو يفكر هل كانت تستحق تضحيته؟!
***
بعد عدة أشهر
"مش فاهمك يا نور! كنت فرحان وطاير بيها وفجأة حاسّك مش سعيد.. مش عايز ترجع البيت حتى.. فيه ايه يابني فهّمني؟!"
قالها محمود بنفاذ صبر ليجيبه نور:"انا نفسي معنتش فاهم نفسي يا محمود، حاسس اني تايه.. بقالنا كام شهر متجوزين بس حاسس ان مشاعري بدل ما تقوى بتضعف وتبهت.. مشتاق لأهلي وحاسس بالغربة، مش قادر أكمل"
صمت للحظات قبل أن يقول بحزن:"امبارح حاولت أكلم بابا بس مارضاش يكلّمني، ده انا ماقولتش لحد اني اتجوزت امال لو قولتلهم هيعملوا ايه؟!"
زفر بحنق من غباء صديقه يلعن تسرّعه بالزواج من تلك المرأة التي لم يحبها أبدا..
"طب ماتسيبها يا نور.. طلّقها وارجع بلدك وراضي أبوك, سيبها قبل ماتتورط في طفل منها ووقتها عمرك ما هتقدر تبعد عنها عشان ابنك.. ارجع بلدك واتجوز اللي باباك اختارهالك.. انت بنفسك قولت ان مايعيبهاش شيء, يبقى ليه ترفض؟"
"انا كنت موافق فعلا يا محمود بس لما قابلت كارين حسيت انها تليق لي اكتر.. حنان كويسة ومفيش سبب فعلا اني ارفضها لكن... ضعف شخصيتها بيخنقني، خاصة قدام بابا.. مهما قال بتنفذ فورا من غير مناقشة"
قال نور بإحباط فأجابه محمود بغيظ يكاد يشد شعره من غباء صديقه: "يابني انت عايز تجنني؟ يعني هي عشان بتسمع كلام ابوك تبقى شخصيتها ضعيفة؟ مش يمكن بتسمع كلامه لأنه أكبر منها وهو ال مربيها زي مانت قولت؟ مش يمكن سماعها الكلام ده احترام مش ضعف شخصية! للأسف يا نور انت انبهرت ب كارين واتسرعت ف الجواز منها وادي النتيجة.. محتار مش عارف
تعمل ايه! ولو اني لو في مكانك كنت هطلقها بدون تردد وهرجع بلدي واتجوز قريبتي المسلمة زيي وال واثق ف أخلاقها.. ومش هفضل أجري ورا وهم"
ضربه كلام محمود بالصميم.. عاد إلى المنزل وكلام محمود يتردد بداخله..
يجد صدى لما يشعر به مؤخرا من فتور وملل تجاه من عصى والده من أجلها، دلف إلى المنزل وسرعان ما تغيرت حالته بعدما رآها فأسرع إليها لتصدمه بقولها أنها حامل بطفله!
***
حادث نور
انتفضت وهي تراه يُضرَب بالسيارة ويسقط بقوة في الجهة الأخرى..
للحظات كادت تذهب له لتطلب الإسعاف ولكنها تجمدت مكانها وهي تفكر أنه يستحق فقد كان سيهرب بالطفلة ولن تراها مرة أخرى.. فهربت بطفلتها وهرعت إلى جون تطلب دعمه دون أن تخبره بالحقيقة.
"ما بكِ كارين؟ كأنكِ رأيتِ شبحا؟! ثم.. ماذا تفعل رُسُل معكِ؟!"
هتف بها جون حالما رآها فوضعت رُسُل على الأرض ودخلت بين ذراعيه تضم نفسها إليه بقوة وهي تقول:"رُسُل ستكون معي من اليوم.. ستكون معنا دوما جون"
ابتعد عنها يرمقها بعدم استيعاب!
"ماذا تعني؟ هل وافق نور على تركها لكِ؟"
سألها وهو لا يصدق ما يتفوه به فهو يعلم أن نور لن يفعل أبدا وحقيقة لا يلومه أجابته ببرود استعادته بعدما تخطت صدمة حادث نور:"نور لم يعد له وجود"
"لا أفهم!"
"نور مات جون.. والطفلة أصبحت لي"
قالتها كارين ببرود غريب فارتد جون للخلف مصعوقا:"مات! كيف؟ ومتى و.."
قاطعته بحنق:"لا يهم.. ما يهم الآن أن نبتعد عن هنا فبالتأكيد أهله سيطالبون ب رُسُل وأنا لن أعطيها لهم أبدا"
"ما هو الذي لا يهم؟ لا يهم أن والد طفلتكِ مات؟ الرجل الذي أحببتيه يوما وتزوجتِ منه مات وأنتِ تقولين لا يهم!"
قالها جون بصدمة فزفرت بحنق وهي تحاول أن تجذبه لجهتها: "جون حبيبي، هو مات وليس بيدي شيء أفعله من أجله سوى الصلاة له، وأنت تعلم أنني لست متدينة.. ثم إن معه أصدقاءه لذا هو ليس بمفرده"
رأت عدم الاقتناع على وجهه فقالت تضغط على وتره الحساس: "هل تريدني أن أجلس هنا وأنتظر أن يأتي أهله ويأخذون مني رُسُل؟ أنت لا تعرفهم لقد كان يحكي لي نور عنهم.. إنهم ظالمون، متسلطون.. والده رجل رهيب، لا أتخيل أن أترك ابنتي له أبدا سيدمرها صدقني"
وكما توقعت لان وجهه عندما ذكرت رُسُل.. الفتاة التي سلبت قلبه كما سلبت قلب نور من قبلها حتى قبل أن تأتي للحياة..
هل تغار منها؟! لا ليست غيرة ربما غِبطة لأنها تحصل على الاهتمام بكل سهولة على العكس منها.. لا أحد يلاحظها مادامت رُسُل بالجوار!
الرجلان اللذان أعجبت بهما كلاهما يعشق رُسُل ومستعد للتضحية بحياته من أجلها بينما هي تجاهد حتى يسمعا كلاهما فقط.
رمقته بحنق لم يتبينه وهو يفكر.. لا يستطيع خسارة رُسُل، لا يستطيع الابتعاد عنها.. لقد وقع بغرامها منذ حملها على يده لأول مرة ونظرت له بعينيها الغريبتين..
إنه يشعر أنها طفلته هو أو كان لابد أن تكون طفلته لا طفلة نور..
زفر بحنق وهو يفكر أن كل ما يحدث هو بسبب أنانية كارين، فقد أرادت الحصول على كل شيء.. الحصول على نور زوجا وعليه عاشقا ..
أرادت تجربتهما معا وهما بكل غباء وافقاها ولم يعترضا.
"حسنا كارين جهّزي نفسك ورُسُل خلال ترتيبي لمكان لن يصل إليه أحد أبدا، اطمئني لن يأخذها منكِ أحد"
ابتسمت بانتصار ظهر بعينيها.. علمت أنها تستطيع الاعتماد على جون، فهو يعشقها كما أنه يعشق طفلتها لذا سيحميها من أي خطر محتمل ولن يبعدها عنها..
ما يهم الآن أن يبتعدا عن هنا قبل أن يصل إليهما أحد أو يعرف جون الحقيقة.
***
بعد ثلاثة أشهر
ما إن أنهى المكالمة مع صديقه حتى ضرب الجدار خلفه بقوة آلمت كفه، خدعته كارين وكان هو غرّ ساذج سقط بالخدعة بسهولة!
نور لم يمت أبدا كما أخبرته.. هو لم يصدقها تمام لذا جعل صديقه يتحرى عن الأمر بهدوء دون أن يثير الشك حوله ليكتشف أنها خدعته ولعبت به
وهو بكل سذاجة ابتلع الخدعة وصمت من أجل رُسُل.
زاغت عيناه وهو يفكر.. لقد حرمها من والدها وهو على قيد الحياة.. حرمها من عائلة ربما كانت أفضل منهم وتفهمتها واحتضنتها أكثر..
الفتاة كانت تبكي كل ليلة تريد والدها وهو كان يضمها ويحاول تعويضها وهو يخبرها أنه قد صعد للسماء وأنه يراها فلا تكن حزينة حتى لا تتسبب
بحزنه عليها..
وبالنهاية وجد أن نور مازال على قيد الحياة والأمر كان مجرد حادث وخرج منه
نور بصحة ولكن......
صدح صوت من داخله قاطع أفكاره.. مَن تخدع جون؟!
نور لم يخرج بصحة، نور فقد الذاكرة ولم يعد يعلم أن لديه ابنة من الأساس!
زفر بحنق وهو ينفض رأسه هاتفا بحدة:"وهذا أدعى للابتعاد عنهم فهو لم يعد
يعرف ابنته فما سيفيده لو عادت؟!"
انتفض واقفا وهو يقول لنفسه:"لا.. لن أتركها إلا لو حضر هو وطالب بها، لن أترك ابنتي لعائلة رفضت أمها" .
***
عودة نور لمصر بعد الحادث
سبقه أحمد في السفر ليمهّد لهم ما حدث لنور وتحفظات الطبيب على محاولة تذكيره بأي شيء هذه الفترة.. بالطبع وجد صدى رضا من عمه ولكن دموع نورية لم تتوقف عن الانهمار وكاد الحزن يبتلعها ولكنه حاول التسرية عنها..
"يعني يا نورية ياحبيبتي مش تحمدي ربنا انه بخير وراجع لنا! بدل العياط ده المفروض تقومي تجهزي نفسك عشان لما يشوفك ما يشكش بحاجة.. وادعيله حبيبتي هو دلوقتي محتاج دعانا ودعمنا أكتر من أي حاجة تانية"
أومأت بصمت فقبّلها على جبهتها وهو يحاول التماسك فنور سيحتاج له كثيرا الفترة القادمة كما أن البحث عن أمانته يضنيه فهو حتى وقته هذا لا يعلم أي شيء عن رُسُل أو عن المكان الذي يمكن أن تكون فيه!
قاطع أفكاره الهاتف ومحمود يبلغه أنه بالمطار على وشك الصعود للطائرة فاستعد للمغادرة ليقابله في المطار.
***
عاد لمنزله وهو يشعر أنه لم يغادره قط، شعر بالسعادة للعودة لوطنه وهو يشعر بالحنين.. حتى حنان الذي كان رافضا الزواج منها يشعر أنه على استعداد للزواج منها وتقبلها أكثر عن ذي قبل..
ما إن دلف للمنزل حتى اندفعت نورية تضمه بقوة فضمها بدوره وهو يضحك قائلا:"براحة يا نورية، انا لسه خارج من مرض برضه"
"وحشتني اوي يا نور، اوي ياحبيبي"
قالتها نورية بلهفة فضحك نور وهو يقول بخفوت: "شكل نهايتي على ايدك يا اختي، أحمد هيعلقني على باب البيت بسببك.. شوفي كده هتلاقي عيونه بتطلع نار من الغيرة"
ابتسم بتسلية ووجهها يتحول للون الأحمر فهمس لها:"استني لما اغيظه"
همّت بالرفض لتجده يضمها أكثر له وهو يقول بصوت عالي: "خلاص بقى بدام واحشك اوي كده يانورية هتنامي في حضني النهاردة"
فوجئت بأحمد يقترب منهما وعلى وجهه أمارات الغضب لينتزعها منه وهو يهتف: "لا ياحبيبي نورية مابتنامش الا بحضني انا، لو عايز حد ف حضنك خد عامر واهو يرحمني شوية"
ذابت نورية من الخجل فيما ضحك نور بقوة وهو يقول:"طبعا.. ده عامر هينام معايا غضب عنه وعن ابوه كمان"
بادله أحمد الضحك وهو يقول:"لا ماتقلقش ابوه موافق بس على الله انت ماتندمش بقى.. ولو معرفتش تنام منه ماتخبطش عليا"
خفت المزاح بينهما عندما ظهر والده فهرع إليه نور يقبل يده ويضمه بقوة ليبادله والده الاحتضان وهو يردد بخفوت:"الحمد لله.. الحمد لله"
شعر أحمد بالراحة وهو يرى استقبال عمه لنور فقد كان يخشى أن يثير المشاكل ولكنه على ما يبدو تقبّل عودة نور بشكل أفضل مما تخيّل.
اندفع عامر من بينهم وهرع إلى نور الذي التقطه بتلقائية ما إن وصل إليه ليقول عامر:"خالو.. وحشتني"
ضمّه نور بقوة وهو يشعر بألم بقلبه لا يفهمه.. يستنشق رائحته الطفولية بحب وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة..
المشهد جعل نورية تجهش بالبكاء فأخذها أحمد قبل أن يلاحظ نور وأدخلها غرفة جانبية وهو يقول:"يعني ينفع كده يا نونو؟ ينفع تعيطي كده قدامه؟ مش قولتلك ان حالته ماتستحملش انه يعرف حاجة عن الماضي حاليا؟ يعني عايزة تضرّيه؟!"
"قلبي واجعني يا أحمد أوي يا أحمد، انت شوفته بيبص ل عامر ازاي؟ شوفته بيحضنه ازاي؟ يمكن هو مش فاكر لكن انا متأكدة ان قلبه واجعه وانه مش فاهم سبب وجع قلبه ايه! انا حسيت بوجع قلبه جوه قلبي"
ضمّه بقوة وهو يغمض عينيه داعيا الله أن تمر محنتهم على خير.
***
بعد عدة أسابيع
زواج نور وحنان
دلف إلى شقتهما بعد انتهاء حفل الزفاف وهو يشعر بتوترها.. ابتسم بخفة وهو يتذكر تشبث عامر به وطلبه أن يبيت ليلته معه ورفض والده بل ونهره أيضا وقتها رمق والده بعتب وهو يقول: "عادي يا بابا، طفل ومش فاهم.. سيبه براحته"
أجابه والده:"أسيبه يعني ايه يا نور؟ مايصحش طبعا.. اطلع انت ومالكش دعوة بعامر هو هيبات مع جده حبيبه صح يا عامر؟"
رمقه عامر بنزق طفولي وهو يقول:"صح يا جدو"
ثم أشار ل خاله نور ما إن اقترب برأسه منه حتى قال له بخفوت: "هجيلك بكرة اول ماصحى على طول"
ضحك نور وهو يضمه بحب يشعر بتلك النغزة من الألم التي تنتابه كلما ضمّ عامر ثم قال له:"وانا هستناك ياحبيب قلب خالو.. ما تتأخرش عليا"
همس له أحمد بمرح:"سيب الواد يا نور ماتشبطهوش فيك, شكلك عايز تهرب يا مان.. أبشّرك مفيش مفر"
ضحك نور بقوة وهو يضربه على كتفه بمزاح ثم التقط كف عروسه وصعدا لشقتهما..
انتبه من أفكاره على تململ الواقفة بجانبه فرمقها باعتذار وهو يبتسم لها برقة ملاحظا وجهها الأحمر من الخجل..
تأملها بفضول، منذ موافقته على الزواج منها وهو يشعر بالفضول تجاهها.. يشعر أن خلف هذا الهدوء نار مشتعلة تنتظر فقط مَن يحرّكها!
اقترب منها ببطء فتراجعت للخلف فضحك بخفة وهو يقول: "هتفضلي تبعدي وهفضل اقرب لحد ماهتلزقي في الحيطة وراكي ونمثل مشهد من رواية من اللي بتقراها نورية اختي"
عضّت على شفتيها ليرفع حاجبه وهو يقترب حتى ألصقها بالجدار خلفها وهو يقول: "واضح ان مش نورية بس ال كانت بتقرا الروايات دي، ده فيه ناس تانية كمان"
غمزها بعبث وهو يقول:"طب ماتيجي تحكيلي قصة منهم وانا اوعدك ابقى مستمع جيد جدا" .
***
بعد عدة أشهر
يشعر بالراحة تكتنفه.. فحياته مع حنان رغم هدوئها إلا أنها مثيرة وليست مملة على
الإطلاق.. لم يتخيل يوما أن يقع بحبها بهذه السرعة والقوة!
ولكن كيف لا يقع بحبها وهي الرقة تمشي على قدمين؟! كل ما فيها يجعله يعشقها ويتعلق بها بقوة وبالمقابل هي تغمره بعشقها وتغدق عليه
بحنانها فكانت اسمها على مسمّى.
انتبه من أفكاره على دخول والده والذي كان ينتظره فقط بعث له مع عامر ابن شقيقته أن يأتي لمقابلته..
"السلام عليكم يا نور"
"وعليكم السلام يا حاج، صحتك عاملة ايه النهاردة؟"
ابتسم له والده وهو يقول:"الحمد لله نعمة وفضل من عند ربنا"
صمت للحظات ثم قال:"اقعد يا نور، عايز اتكلم معاك كلمتين"
"خير يا حاج"
قالها نور بقلق وهو يجلس كما أمره والده ليجيبه الوالد: "كل خير, جايبلك عروسة"
تجمّد رامقا والده بعدم فهم وهو يردد:"عروسة! لمين؟!"
"عروسة ليك طبعا هيكون لمين؟"
مازال على جموده يرمق والده بعدم استيعاب ثم قال: "مش فاهم حاجة يا حاج! وانا هعوز عروسة ف ايه؟ مانا متجوز الحمد لله"
"مراتك مابتخلّفش وانا عايز اشوف أحفادي منك.. حقي عليك انك تجيبلي أحفاد يملوا عليا البيت"
"ومين اللي قال لحضرتك انها مابتخلّفش؟ احنا مابقالناش كام شهر بس متجوزين! يعني لسه بدري وانا مش مستعجل"
قالها نور بهدوء ليجيبه والده:"بس انا مستعجل، انا عايز حفيد منك وبدام مراتك ماخلفتش بعد كل ده يبقى مش هتخلّف.. وانا مش هفضل مستني"
همّ نور بالحديث مستنكرا ما يقوله والده فسبقه والده قائلا: "انا مابقولكش طلّقها لا طبعا دي مهما كانت بنت عمتك، خليها على ذمّتك واتجوز البنت ال جيبتهالك عشان تجيبلي الاحفاد اللي نفسي فيهم"
"وايه اللي يضمن ان ال هتجوزها دي بتخلّف يا حاج؟! ده كله في علم الغيب يعني"
"هتخلّف ان شاء الله، امها مخلفة ست صبيان غيرها والبت لأمها اكيد"
نفض رأسه غير مستوعب ما يقول والده!
وقف ببطء وهو يحاول التمسك بأقصى درجات الهدوء وهو يقول: "أنا أسف يا بابا، انا متجوز ومرتاح مع حنان ولا يمكن أجرحها بالطريقة دي
لا يمكن اتجوز عليها أبدا.. ثم إن مين ال عرّف حضرتك ان العيب والتأخير مش مني أنا؟ أسف يابابا لا يمكن أتجوز على حنان"
أنهى حديثه واستأذن مغادرا بهدوء وهو يرغي ويزبد.. لا يفهم كيف يفكر والده؟! كيف يطلب منه أن يجرح حنان بهذه الطريقة؟!
قابله أحمد وهو خارج فعقد حاجبيه وهو يستشعر غضب نور فاقترب منه وقاده لمكانهما المفضّل ثم قال:"مالك يا نور؟ ليه متنرفز كده؟!"
زفر نور بقوة وهو يقص عليه ما حدث بينه وبين والده ليشعر أحمد بالحنق من عمه!
لا يفهم ماذا يريد هذا الرجل؟ زواج وتزوج بمَن يريدها والآن يريده أن يتزوج عليها وقد قاطعه قبلا من أجلها!
"اهدى يا نور عمي مش هيقدر يجبرك انك تتجوز على مراتك، اهدى انت بس وماتحسسهاش بحاجة واتعامل عادي.. وبكرة عمي ينسى الموضوع"
قالها أحمد وهو يحاول أن يقنع نفسه قبل نور أن عمه سينسى ولو أنه على يقين أن عمه لن ينسى وسيظل يضغط على نور بهذا الأمر وهو يخشى عليه أن يضرّه.
***
دلف للشقة التي يقطنها مع زوجته ليشعر بالهدوء المخيّم عليها فعقد حاجبيه وهو يتساءل أين حنان؟! فكل يوم يجدها باستقباله فلِمَ هي غير موجودة اليوم؟!
هو يحتاجها كثيرا.. فوالده يضغط عليه بقوة وهو يشعر بالغضب ولا يريد أن يتصادم معه.
اقترب من غرفة النوم ليسمع صوتا صادرا من الحمام فهرع إليها ليجدها تتقيأ بقوة تكاد روحها تخرج فهتف وهو يمسك بها قبل أن تسقط:
"حنان؟ مالك يا قلبي فيه ايه؟"
"تعبانة اوي يا نور مش قادرة حاسه ان روحي هتطلع"
قالتها حنان بخفوت فضمها إليه بقوة وهو يقول:"بعيد الشر عنك يا روح نور،
بدام انتي تعبانة كده ماكلمتنيش ليه اجيلك؟"
استندت على صدره تتشبث به بضعف وهي تقول:"مارضيتش اقلقك.. هو شكلي اخدت برد ماتشغلش بالك"
هتف بغضب:"ولو ماشغلتش بالي بيكي هشغله بمين يعني؟ ياللا تعالي استريحي"
"والغدا ده...."
قاطعها:"مش جعان، ولو جعت هبقى اروح اجيب لنفسي تعالي بس استريحي انتي دلوقتي وشوية وناكل انا اصلا تعبان وعايز أنام"
استجابت له ليستلقيا على الفراش ضامّا إياها بحنو ليغرقا بسبات عميق.
***
بعد عدة أيام
"الف مبروك يا نور.. الف مبروك يا اخويا، انا عايزة الحلاوة بقى"
قالتها نورية بمرح فرمقها بعد فهم قائلا:"الف مبروك على ايه؟"
"حنان حامل"
تجمّد مكانه للحظات والكلمة تضرب أعماقه بقوة.. لا يعلم لِمَ يشعر أنه سمعها قبل ذلك! شعر بالصداع الذي لازمه الفترة الأخيرة كلما ضغط عليه والده ليزوّجه فضغط على جبهته بقوة وهو يستند على الجدار خلفه فهرعت إليه نورية
وهي تهتف:"مالك يا نور؟ انت تعبان؟"
أشار لها بإرهاق وهو يقول:"لا شوية إرهاق بس وصداع ياحبيبتي ماتخافيش"
"طب ادخل اقعد شوية طيب احسن لو حنان شافتك كده هتحسبك مش فرحان بحملها"
جلس كما اقترحت وهو يقول:"ازاي بقى! بالعكس فرحان جدا"
وأكمل بداخله:" على الاقل ابويا يرحمني من الموال اللي بيقابلني بيه كل مرة"
استراح قليلا ثم دلف لحنان وجلس بجوارها على الفراش ممسكا بيدها رافعا إياها إلى شفتيه مقبّلا ثم همس لها:"مبروك حبيبتي، ربنا يحفظكم ليا" .
***
(الحاضر)
ليلة عقد قران زيد وخولة
ما إن خرجت رُسُل تاركة زيد مع خولة حتى اقترب منها بشغف وهو يقول: "واخيراا خوله صرتي مرتي داحسن (أشعر) اني بحلم ومااريد اگعد (أفيق) منه"
شعرت بالخجل يعتريها وهي تتلفت حولها تريد الهرب منه ليضحك بخفة وهو يحتجزها بين ذراعيه قائلا:" ماراح تنهزمين (تهربي) مني بعد اليوم خوله ماكو (لا يوجد) غير حضني الچ"
ذابت بين ذراعيه على الرغم أنه لم يفعل سوى احتجازها بين ذراعيه والنظر لها وأنفاسه الدافئة تلفحها وتجعلها ترجف..
اقترب أكثر وهو يهمس لها:" تحسين بنبضاتي خولة .. دتحسين بكلبي الديرجف (يرجف) بضلوعي ويلهج (يهمس) باسمج؟ كوليلي (أخبريني) انج دتحسين بيه خوله.. كوليلي هذا كلبج (قلبك) هم (أيضا) ديلهج باسمي"
لم تستطع النطق بكلمة وهو قريب منها هكذا لأول مرة بحياتهما فعلى الرغم أنهما يسكنان بنفس المنزل إلا أنه لم يقترب منها بهذه الخطورة من قبل..
ضمّت نفسها له فأحاطتها ذراعاه على الفور لتهمس له:" گلبي (قلبي) مراح يصير
لغيرك ابداا يأابن عمي (لم يكن لسواكَ) .. اني نفسي انخلقت بس الك"
ارتجف من همستها بحضنه فزاد من ضمها له وهو يهمس:" گتلتج (أخبرتك) من قبل ياابنت عمي اني الچ وانتي الي وماگو (لا يوجد) حياة واحد بعيد عن الالخ" .
****
بعد انتهاء حفل عقد القران الذي استمتعت به رُسُل كثيرا خرجت للحديقة وجلست بمكانها المفضّل وهي تفكر كم كانت خولة سعيدة على الرغم من عنادها قبلا بشأن مشاعرها..
تنهدت بحالمية وهي تتذكر كيف وقف زيد أمام الجميع يقول لها الشعر بحب وشغف جعله مثار حديث الجميع.. ما بين غِبطة وحسد وسعادة..
كانت قصيدة تمس القلب وتليق بهما كثيرا حقا..
(حبيبتي, إن يسألوك عني يوما فلا تفكري كثيرا..
قولي لهم بكل كبرياء يحبني، يحبني كثيرا..
صغيرتي إن عاتبوك يوما كيف قصصتِ شعركِ الحريرَ؟ قولي لهم أنا قصصت شعري لأن من أحبه يحب شعري قصيرا..
صغيرتي إذا معا رقصنا على الشموع رقصة مثيرة
وظنّكِ الجميع في ذراعي فراشة تهم أن تطيرَ..
فواصلي رقصكِ في هدوء واتخذي من أضلعي سريرا وتمتمي بكل كبرياء..
يحبني, يحبني كثيرا..
حبيبتي يا ألف حبيبتي، حبي لعينيكِ أنا كبيرَ..
وسوف يبقى دائما كبيرا )
كان ينطقها بكل حب وشغف وفاجأها بعدها أن أخذها بين ذراعيه يضمها بقوة وكأنها ستهرب منه!
ابتسمت وتنهيدة طويلة فلتت من بين شفتيها لتنتفض على صوته:
"بيش (بِمَ) تفكرين رُسُل ويخليج تتنهدين هيج؟"
التفتت له تعدّل من وضع وشاحها فابتسم لحركتها وهو يريد أن يخبرها..
(لقد رأيته مرة وانتهى الأمر ومازلت أتعذب بسبب تلك المرة وأريد أن أضمك لصدري وأغوص بكفي بين خصلاتك الناعمة مثلك)
انتبه يجلي صوته وهي تقول:"مفيش.. بس بفتكر القصيدة ال قالها زيد، حلوة كتير"
عقد حاجبيه يشعر بغيره تحرقه وهي تنطق باسم شقيقه فقال بحدة:
"لا تجيبين (تنطقي) اسم رجّال (رجل) غيري"
رمقته بدهشة فاعتدل يشيح بوجهه وهو يقول:
"لا تسألين رُسُل, لا تسألين!"
"لا تلاحظ انك تطلب كتير؟ تطلب من غير ما افهم وانا عليا بس التنفيذ؟!"
قالتها رُسُل بتحدي فهتف بنبرة ذات مغزى:" لو لم تسوي (تفعلي) الي اگوله راح تحملين (تتحملي) العواقب"
هزّت كتفيها بخفة هي تنهض مغادرة:"لا يهمني"
همّ بمنعها من تركه والمغادرة ليصله صوت والده يناديه فاضطر لتركها وهو يهرع للداخل قائلا بداخله.. (صبرا رُسُل، صبرا) .
***
بعد يومين
دلف للمنزل فشعر بشيء غريب.. حسنا ليس الغريب أن الجميع مجتمعون ولكن الغريب بنظراتهم إليه! ماذا حدث؟! ولماذا هاتفه والده ليعود للمنزل بعدما خرج مع أصدقائه؟! هناك ما حدث ولا يعرفه!
"كل شي بخير بابا؟!"
رمقه زيد بتوتر وهو ينقل بصره بينه وبين كرار يفرك يده بعصبية لا يوافق عما يحدث ولكن ليس بيده شيء.. ألا يعلم والده وعمه ان الغباء سمة شقيقيه؟! وأن ما يفعلونه لا يجدي نفعا!
" اكو عريس متقدم ل نبأشنو رأيچ ضي؟!"
تجمد مكانه واحتدت نظراته قبل أن يختفي كل شيء وهو يقول:"شنو تگول يابه؟ مو نبأ لكرار من هي صغيرة؟ اصلا شلون تفكرون هيچ؟!"
هل قال أن سمة شقيقيه الغباء؟! حسنا هو يعتذر فهما المادة الخام للغباء والجبن أيضا ويبدو أنهما لا يعرفان عواقب ما يفعلان!
رمق محمد وحسين بعضهما ثم عادا ورمقا كرار الذي احتقن وجهه ولم ينطق بكلمة فهتف حسين: " شنو (ما) رايك انته كرار؟ راح تتجوز ب نبأ مثل مگال جدو گبل؟"
لم يستطع النطق بكلمة وكل ما ارتسم بخياله هو عينا رُسُل الحزينتين وقد ازداد حزنهما بسببه هو!
***
بعد أسبوع
"انت فعلا هتتجوز نبأ؟!"
قالتها رُسُل بعدم استيعاب فأشاح بوجهه عنها قائلا:" وشنو يهمچ انتي رسل"
ارتدت للخلف عند سماعها نبرته العدائية لتقول: "بس... أنا فكّرت انك..."
التفت إليها يحتضن وجهها بنظراته وهو يسأل: "شنو (بِمَ) فكّرتي؟!"
تراجعت للخلف وهي تضع يدها على قلبها وملامحها تنطق بالألم قائلة: "ولا شي .. مبروك"
أمسك بكفها يجذبها إليه وهو يقول:" بس مبرووك هاي كل الي تگوليه"
انتفضت من لمسته تحاول جذب كفها ولكنه شدّد عليها لتقول رسل بالانجليزية كعادتها كلما تغضب: "اتركني كرار,لا يحق لكَ لمسي هكذا!"
رمقها بألم وهو يقول:" بعد ميحقلي ابد (ولن يحق لي أبدا) رُسُل بعد اليوم"
تساقطت دموعها دون شعور ليضمها له هامسا:
"لتبجين (لا تبكي) رُسُل ما استاهل دموعج .. محد يستاهلها"
تملّصت من بين ذراعيه وهي تهمس: "كنت تخدعني كرار! كل ذلك كان وهما! محض وهم"
رفعت رأسها بقوة دون أن تحاول إخفاء دموعها أو حتى مسحها وهي تقول: "لديك كل الحق.. أنا محض غريبة جاءت لفترة قصيرة لا يحق لها أن تسأل، لا يحق لها أن تحاسبك على أي شيء ولكني.. ولكني ظننتك تحبني مثلما أحبك
ولكن يبدو أنني كنت واهمة وأنني كنت محض تسلية لك كرار.. لن أسامحك أبدا على ما فعلته بي، ذنبي سيظل معلّقا برقبتكَ إلي يوم الدين وسأطلب من الله أن يقتص لي منك ويكسر قلبك كما كسرت قلبي"
تملّصت منه بقوة فأجفل مبتعدا وهو يرمقها تغادر وهو لا يملك حتى الحق أن يوقفها..
وهناك على مقربة منهما كان واقف يراقب ما يحدث ليضرب الجدار خلفه بقوة وهو يهتف:
"غبي كرار.. غبي يا أخوي" .
نهاية الفصل

رواية قتلتني عيناها بقلمي حنين أحمد (ياسمين) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن