الفصل الثالث عشر قتلتني عيناها بقلمي حنين أحمد (ياسمين)

2.7K 96 2
                                    

الفصل الثالث عشر قتلتني عيناها

قالوا قديما (الطمع يقل ما جمع) كما قالوا (الكذب مالوش رجلين) وقد صدقوا بما قالوه حقا.. فها هي كارين بجشعها وأنانيتها وكذبها على
الجميع تخسر كل شيء.. خسرت انتقامها من نور، خسرت جون الذي أحبها بصدق وبذل الغالي والنفيس من أجلها.. كما خسرت أولادها الواحد
تلو الآخر بداية من رُسُل التي وأدت شعور الأمومة تجاهها مرورا بأندي الذي طالما رأت نظرات الاحتقار والاستنكار بعينيه لطريقة معاملتها رُسُل،
وحتى ديانا التي ظنتها يوما طفلتها المفضلة حتى فاجأتها أنها وقفت بصف أختها!
نظرت حولها وهي تشعر بالخواء، تشعر أنها خسرت كل شيء على الرغم من كل ما فعلته.. لقد أجبرها جون على الطلاق بل وأجبرها على التنازل
عن طفليها وهي لم تستطع أن تعارضه فجون يمتلك السلطة والنفوذ وبإشارة واحدة منه سيحيل حياتها للجحيم .
برقت عيناها بقوة وهي تفكر.. لا لن ينتصروا عليّ أبدا، سأحيل حياتهم كلهم إلى جحيم مستعر وسنرى لمن الغلبة بالنهاية!
***
طرقة خافتة تبعها دخول مساعدته تخبره أن كارين بالخارج..
كاد يرفض فهو لم يعد يطيق رؤيتها، كل الحب بداخله تحوّل لبغض غريب عنه ولكنه وافق فهو كان منتظرا لآخر محاولة منها والتي لم تتأخر كما يبدو.
دلفت رافعة رأسها ترمقه بتشفّي التقطته عيناه على الفور ولكنه لم يعلق انتظرها حتى بدأت الكلام..
"بالطبع تريد أن تعلم سبب زيارتي أليس كذلك جون؟"
"ليس لدي الوقت للتخمين كارين، قولي ما جئتِ من أجله وانصرفي على الفور وخير لكِ ألا أراكِ بمكان مرة أخرى"
ابتسمت بتحدي وهي تقول:"حسنا كما تريد"
صمتت للحظات قبل أن تقول:"طالما علمت أن عاطفتك شفافة وقوية جون، ولكني لم أتخيل أنها تكون بهذا العمق"
"باختصار كارين لا وقت لدي لهذه الترهات"
قال جون بصرامة أخافتها ولكنها لم تتراجع فابتسمت قائلة: "حسنا عزيزي، باختصار لقد ألقيت بابنتك لرجل آخر بكل نبالة"
رمقها بعدم فهم للحظات قبل أن ينتفض واقفا وهو يقول:"كاذبة"
ابتسمت بتشفّي قائلة:"وهل ستعلم أكثر مني جون!"
"ولكني لم أمسّك سوى قبل زواجك من نور فكيف...؟"
اعترض بتيه فضحكت وهي تقول:"ألا تتذكر ذلك اليوم الذي استيقظت به بجانبي في الفراش لا تتذكر ما حدث! ألا تتذكر تلك الليلة جون التي
قضيتها معك قبل معرفتي حملي ب رُسُل بشهر تقريبا!"
حرّك رأسه برفض وهو يقول:"لا.. لا.. مستحيل"
قالها وهو يدرك لأي ليلة تشير، تلك الليلة التي سافر بها نور لصديقه وعاد بعد يومين وقد قضتهما معه كارين ولكنه لا يتذكر أنه مسّها أبدا!
ولكنه كان مخمورا فلم يتذكر ما حدث تلك الليلة! حتى ولعذاب ضميره لم يقرب الخمر مرة أخرى بعد تلك الليلة قط.
أيعقل أنه حدث شيء بينهما؟!
أيعقل أن تكون رُسُل ابنته؟!
أتكون كل هذه المشاعر داخله تجاهها لأنه حقا ابنته؟!
تابعت تتابع المشاعر على وجهه وهي تكاد تضحك عاليا لتدرك أنها حققت ما كانت ترجوه فنهضت ببطء مثير وهي تقول: "شكرا لك جون، لقد انتقمت لي منك بيدك عزيزي"
تركته جالسا مكانه بصدمة لا يصدق ما سمعه ويحاول أن يتذكر أي شيء عن تلك الليلة دون جدوى .
****
لم يصدق ما يحدث أمامه! أكل الناس تريد الزواج ب رُسُل؟!
(رُسُله) هو؟!
انتفض مكانه وهو يهتف بعصبية دون وعي:"شنو هذا؟ ما يلكون إلا رُسُلي أنا حتى يريدون يتزوجون بها؟ رُسُل الي وماراح أسمح لاحد يقرّب منها
مهما يصير"
صمت ران للحظات على الجميع جعله يدرك ما تفّوه به بعصبية بكل حماقة أمام والدها وعمها وشقيقها لتختلف ردات الفعل بينهم جميعا.. بينما أحمد يرمقه بتسلية كان نور يرمقه بصدمة فيما هجم عليه عامر وهو يهتف: "رُسُلك ده ايه ان شاء الله؟ انت اتجننت يا جدع انت؟! اللي بتقوله ده
تطير فيه رقاب"
أمسك به أحمد وهو يهتف:"اهدا يا عامر، كرار مايقصدش حاجة وحشة هو بس خانه التعبير.. صح يا كرار؟!"
رمقه كرار باعتذار ثم اتجه لنور قائلا:"اني اعتذر عمي ما اقصد بس اني... عمي انا اجيت حتى اتزوج رُسُ.."
قطع كلامه عندما رأى عامر يهم بالهجوم عليه مرة أخرى فأجلى صوته وهو يتابع:"اقصد بنتك لأتفاجأ انك تريدني اجيب لك معلومات عن ابن خالي لان هو اتقدم لخطبتها فاني احترمت هذا وماكدرت انو اكولج بنفس الوكت بس اللي يصير هذا يفوق قدرتي فاعذرني عمي.. اني ماكدرت ان اظل جالس هادي وهناك من يريد يأخذها مني.. انا احق بيها منهم كلهم"
زمجرة عالية من عامر وهجوم كاد يحدث وأحمد يشدد من قبضته على ولده فيما نور ينظر ل كرار بتركيز يحاول اختراق واجهته الهادئة وهو يشعر أن هذا الشاب يعشق ابنته بعمق وقوة جعلته لا يهتم أنه يصرّح بكل هذا أمام والدها وعمها وشقيقها الثائر..
همّ بالحديث ليقاطعه صوت والده والذي لا يعلم متى جاء وماذا سمع!
"رُسُل هتتجوز عامر وأحسنلك تمشي على رجلك بدل ما تمشي من غيرها"
عدة شهقات انطلقت من الأفواه منها ل نورية التي خافت على عامر ولين والمشاكل التي ستحدث لهما بسبب والدها وتعنته وأفكاره الغريبة..
وأخرى ل لين الواقفة تحدق بصدمة لا تفهم ماذا يحدث؟! وكيف سيتزوج زوجها عليها بعد شهر واحد من زواجهما؟!
والأخيرة كانت ل رُسُل التي تجمدت مكانها بصدمة قبل أن تلتقي عيناها بعيني كرار الذي اشتدت ملامحه وشحبت بشكل ظاهر وهو يرمقها
بتوسل أن تسامحه ولا تعاقبه على حماقته السابقة فقلبه لن يحتمل..
ودار حديث العيون الذي لا يفهمه سواهما:
عيناه تتوسلانها:"سامحيني حبيبتي، أحمق أنا وأعترف ولكن لا تعاقبيني فقلبي لن يحتمل عقابك يكفي عذاب فراقك!"
وعيناها تجيبانه بحزن:"وماذا عن قلبي أنا الذي احترق بسببك؟ ماذا أفعل به وقد كُوِيَ بنار الغيرة والخذلان وأنت تخبرني أنك ستكون لأخرى
غيري؟!"
فتعود عيناه تتوسلانها الرحمة:"أخطأت وأعترف بخطأي وسأتوسل لكِ طوال حياتي لو أردتِ وأطلب السماح ولكن.. كوني لي رُسُلي ثم عاقبيني
كما تريدين ولن أعترض فقط كوني لي.."
دمعت عيناها وهي تخبرانه:"لقد خرج الأمر من يدي حبيبي، أحبك جدا ولكن.. ربما آن أوان العقاب، أو ربما كان هذا بالنهاية الفراق"
حرّك رأسه برفض وعيناه تنضحان بالألم حتى أن دمعة كانت تحارب للخروج من مقلته ولكنها خرجت من مقلتيها أنهارا وهي تراه ربما للمرة
الأولى ضعيفا بموقف لا يُحسَد عليه.. تراه يتوسلها ما ليس بيدها!
هل كُتِبَ عليهما الفراق؟! هل قدرها فراق أحبتها؟! والدها ثم حبيبها؟! تُرَى كم عام ستفترق عن حبيبها؟! أن تراه الفراق الأخير!
"اظن سمعت اللي جدي قاله، اتفضل حضرتك الموضوع بقى عائلي وأظن اللي انت جاي علشانه وصلك رده"
قالها عامر بجمود جعل الجميع يرمقه بصدمة إلا جده الذي نظر له بفخر لم يلتفت كرار لأحد سوى رُسُل.. رمقها بنظرة أخيرة قبل أن يخرج دون
كلمة واحدة .
****
"شنو صاير وياج خولة؟ انتي ماتحبي زيد؟ ابوج غصبج على الزواج منو؟"
سألتها والدتها بهدوء وهي تربت عليها حتى كفّت عن البكاء لتقول:" لا امي محد فرض عليّ شي اني .. احب زيد هوايه بس..."
ابتسمت والدتها تشجعها على الحديث وهي تقول:" بس شنو حبيبتي؟ هو يحبچ بل يعشقچ وصبر عليچ هوايه ليش تعذبينه هوايه خوله؟ ليش تؤچلين الزواج؟"
رمقتها للحظات قبل أن تقول:" امي انتي سعيده بحياتچ هيچ؟!"
رفعت حاجبها بدهشة وهي تقول:" شنو هذا السؤال الغريب؟ اكيد سعيده شنو الي مايسعدني؟ تزوجت الانسان الي احبه ويحبني, ورزقني الله بچهال (أطفال) يخبلون.. بس مخبليني (يثيرون جنوني) اغلب الوكت.. بس احمد الله واشكره على وجودهم يوميا.. بعد شنو اريد اكثر من هيچ!"
صمتت للحظات قبل أن تقول:" بس متشتاقين لشغلچ؟ وقت تگذين (تقضينه) بيه وقت بعيدا عن البيت ومسؤلياته، وقت خاص بيچ تگدين ماتريدين بيه من دون التقيد بزوج وچهال؟"
رمقتها بتفهم قبل أن تقول:" منو گلت (من قال) اني مااسوي مااريده واحبه؟ منو گلت انو اني ماعندي وقتي الخاص؟ ومنو گلت انو اني عفت شغلي من الاساس؟"
" شنو؟ (ماذا) وين ومتى؟ اني ماشتفچ لاتطلعين ابداا الا بس اذا تريدين غرض للبيت"
ابتسمت وهي تقول:" هذا يدل على انچ حمقاء خوله متشوفين ابعد من خشمچ (أنفك) الله يساعد زيد عليچ صدك"
"يمه! (أمي)"
قالتها بتذمر طفولي فضحكت بقوة قبل أن تقول:
" بنتي المخبله (حمقاء) على الرغم من انچ البچريه (البكرية) بس دائما اشوفچ صغيره، نبأ حددت شنو تريد من زمان واختارت دوم على وصول اليهاا بقوه .. شوفي انتي حبستي نفسچ بقمقم مااتشوفين الا الي تريدين شوفته"
ماا افهمت شي!" "
قالتها خولة بحيرة لتضحك والدتها مرة أخرى ثم تقول:"بنتي المخبله، اني ما اشتاق للشغل لاني اني اشتغل من صدك، اني عفت (تركت) الشغل بإرادتي وبس من انتوا احتاجتوني وانتوا صغيرين بس بعدين رجعت على الشغل ومعترض ابوج أبدا، اصلن هو كان يشجعني انو ارجع بس اني اخترت اشتغل شي احبه وبنفس الوكت مايخليني اقصر
واغيب عن البيت مدة طويلة، فبديت اشتغل على النت، في البداية ابوج هو الي درّبني جان خوش معلم زين.. وبعدين صار الي شغلي الخاص
واللي ما يحتاج انو اكون متواجدة معظم الوكت، وهسّه صرت سيدة اعمال كلش زينه.. وفد انافس ابوج يوم"
قالتها غامزة خولة فضحكت بمرح وهي تشعر أنها كانت مغيبة لسنوات فلم تشعر بكل يدور حولها.. عقدا حاجبيها مفكرة أنها حقا أنانية!
طالما فكرت بما تريده ولم تفكر أبدا بمن حولها.. فكانت النتيجة أنها آلمت زيد بقوة ولأكثر من مرة بعدم ثقتها به والفرار منه لسنوات بدلا من التمتع
بقربه وحبه.. وكانت أنانية فلم تلحظ حب رُسُل ل كرار والذي لاحظته شقيقتها التي لم تعرف رُسُل ولم تتواجد معها كما كانت هي!
وافقتها والدتها وكأنها تقرأ أفكارها..
"اي خولة جنتي كلش أنانيه هوايه وياه.. ومعملتي حساب اليوم الي راح يضوج (يمل) يركض وراج وصارت النتيجة انك جنتي راح تخسريه"
رفعت عينيها الدامعتين لوالدتها وهي تقول:
"يعني ما اخسرته بعدني؟!"
كانت تُقِر واقع أكثر منه سؤالا فابتسمت والدتها وهي تقول: "لا، هناك فرصة حتى تصلحين بيها خولة"
"شلون؟! (كيف)"
قالتها بضياع لتغمزها والدتها بمرح قائلة: "صارهسه انتي خوله تركضين وره.. ولحسن حظچ انو هو زوجك اي .. ماكو اي حواجز تمنعك عنه" .
****
"اشتقتلج هوايه"
قالها ضي بصوت أجش لتجفل نبأ التي كانت مستغرقة بالعمل لترمقه بجمود ظاهري ونبضاتها تتقافز بجنون داخلها ثم قالت:"بس اني ماشتاقتلج"
"جذابة!"
هتف بها بثقة فضحكت عاليا وهي تقول:
" صرت واثق هوايه مني ضي .. تره شنو السبب؟"
"عيونچ فضحانچ نباا انتي تقسين هواي علي بكلامچ وملاحظاتچ الحاده وهي تحن علي وتگولي لاصدق كل الي تحچين لانو هو طالع من
احساسك بالاخذلان مني"
ظلّت تحدق به للحظات وهي تتساءل هل عينيها شفافتين لهذا الحد؟!
"زين انته تعرف انك خذلتني ياابن عمي ؟!"
قالتها بتحدي ليخفض نظره للحظات قبل أن يرفع عينيه لتتقابل نظراتهما ثم يقول:"اي نبأ خذلتج هوايه.. ومن وقتها واني احاول اصلح الي سويته ايدي بس واضح انو ماكو اي تقدم فد فايده"
ارتعش قلبها ولم تقوَ على جرحه ككل مرة فانعقد لسانها وهي تحدّق بعينيه تسألهما الحل! هل تطمئن له وتسلّم أم سيعود لخذلانها من جديد؟!
وهل هناك أصدق من حديث العيون؟!
حدّثتها عيناه:"لا تقلقي حبيبتي لقد تعلمت الدرس بطريقة قاسية.. صدقيني لن أخذلك مرة أخرى فقط.. ارحميني من عقابك فلم يعد لي طاقة به"
لتحدثه عيناها بخوف:"ولكني أخاف.. قديما لم أكن أشعر بالأمان إلا معك والآن أصبحت أنت مصدر قلقي وخوفي.. كيف أطمئن لك مرة أخرى؟! كيف أعلم أنك لن تخذلني, لن تخون حبي؟!"
لتقسم عيناه:"أقسم لكِ حبيبتي أنني سأكون أمانك وسندك ولن أخذلكِ ما حييت.. لن أفعل فامنحيني ثقتك مرة أخرى ولا تخافي شيئا.. أتوسل إليكِ"
لتلين عيناها فيظهر بها عشقها لتشيح بهما سريعا دون أن تنطق بكلمة واحدة ليبتهج قلبه ويكاد يقفز داخل صدره فاقترب منها بتهور وهو يقول:
"أحبج نبأ، أموت عليج"
وقبل أن يختطف القبلة التي تاق إليها طويلا كان قد أرغم نفسه على الابتعاد ليركض للباب قبل أن يلتفت إليها قائلا:"العرس بعد أسبوع"
ثم تركها فاغرة فاها بصدمة وهي تقول:"شنو؟! مخبل.."
****
دلف إلى شقته بهدوء ينافي ما يعتمل داخله.. لقد رأى نظرتها له ولكنها لم تتحدث بل غادرت بهدوء دون كلمة واحدة.. لم يفهم هل تصرفها ثقة به أم فقط لا تريد الشجار أمام أحد؟!
وهو غادر خلفها مباشرة حتى جده غادر وكأنه شعر بالراحة بعدما أمّن على حديثه..
زفر بقوة عندما لاحظ أن الشقة غارقة بالظلام.. هي لم تنم وهو يعلم جيدا ولكن.. ماذا يفعل؟!
لا يفهموا تصرفه حتى نظرات الصدمة واللوم من عيون خاله ووالده وحتى والدته ذبحته ولكنهم لا يفهمون ماذا فعل! لا يفهمون تفكيره وطريقته بحل الأمور!
بطريقه للغرفة لاحظ أنها جالسة على الأريكة بغرفة المعيشة بكامل ملابسها وهو لم يرها بخضم أفكاره..
اقترب منها بهدوء قائلا:"لين!"
"قولي اللي في دماغك يا عامر من غير مقدمات.. انت ناوي تتجوز عليا رُسُل؟! لا.. لا.. مش ده السؤال الصح, السؤال الصح هو: انت ناوي
تتجوز عليا اصلا؟"
"لين اهدي حبيبتي"
حاول تهدأتها فانتفضت صارخة:"اهدا؟! انت سامع نفسك يا عامر؟! يعني لو جيت قولتلك معلش طلقني معلش اصلي هتجوز غيرك هتعمل ايه؟"
"هقتلك واشرب من دمك"
قالها بصرامة فضحكت عاليا والدموع تنهمر من عينيها قائلة:"كويس انت ال حكمت على نفسك"
ابتسم بحزن وهو يقترب منها حتى وصل إليها وبدلا من أن تبتعد عنه ألقت نفسها بحضنه وأجهشت بالبكاء وهو يربت على ظهرها بحنو.. تارة يعلو صوت بكائها وتارة أخرى ينخفض حتى هدأت نسبيا فبدأ بالحديث:"لين ياقلبي انا عمري ما هفكر اتجوز عليكي ابدا.. هو انا لحقت اتجوزك
اصلا لما هروح اتجوز عليكي!"
ابتسمت من بين دموعها ليبتسم لها وهو يجفف دموعها بحب وحنو ثم يتابع:"الموضوع كله انا فاهم دماغ جدي عاملة ازاي.. جدي عايز يربطنا
كلنا ويبقى الحبل ف ايده هو يحركنا زي ماهو عايز.. والحقيقة انا كنت متوقع اللي قاله ده لانه قالهولي من قبل ماحتى نلاقي رُسُل، وتخيلت انه
لما نلاقيها هيتغير بس واضح انه عمره ما هيتغير"
صمت للحظات قبل أن يقول:"مكنش ينفع اقول لا لجدي قدام كرار.. ومكنش ينفع اقوله اتفضل والله خدها وانت مروّح في ايدك ده احنا كنا
مستنيينك تتعطّف وتتكرّم علينا وتيجي تطلبها للجواز.. مكنش ينفع اني اقول اللي عايزه تحت وفي وقت زي ده.. كنت مراهن عليكي وعلى عقلك رغم اني عارف انك مجنونة يا قلبي بس كنت عارف انك عمرك ماهتخذليني حتى لو انا خذلتك.. وده عمره ما هيحصل ابدا.. انتي كنتي
هتضيعي مني مرة ومش هسمح اني افكر انه ممكن يحصل تاني ابدا.. هموت وقتها ومش هتحمل ابدا"
"بعيد الشر عنك حبيبي"
قالتها بلهفة ليضمها له بقوة قبل أن يقول:"كرار بيعشق رُسُل وواضح ان رُسُل كمان بتحبه كتير.. نظراتهم لبعض كانت مفضوحة جدا والصراحة انا كنت هطلّع عينه شوية والفّفه حوالين نفسه قبل ما ينولها بس جدي جه ورمى القنبلة فمكنش قدامي الا اني اوافقه على ما اقعد مع رُسُل ونفكر هنعمل ايه وفي نفس الوقت اقهره واعرّفه قيمتها"
ضحكت عاليا وهي تقول:"طلعت شرير يا عامر وانا اللي كنت بفكر هقتلك بأنهي سكينة وحضّرت الأكياس النايلون"
رمقها بريبة قائلا:"أكياس نايلون؟! انتي متأكدة ان نصك عراقي؟ لاحسن انا شاكك الحقيقة بعد الاكياس النايلون دي"
ضحكت بخفة ليشاركها الضحك وهو يتابع:"مش حكاية شرير يا لين، رُسُل كانت جاية حالتها صعبة جدا.. باين عليها الحزن ومش بس عشان
فراقها عن خالي سنين لا.. كان واضح ان قلبها مكسور.. وف فرحنا لما الاخ كرار حضنها كده كأني كيس جوافة ف النص فهمت على طول انه هو اللي كسر قلبها.. انتي عارفاني لمّاح وافهمها وهي طايره"
لوت شفتيها قائلة:"على يدّي"
رفع حاجبه وهو يقول:"شامم ريحة تريقة!"
"لا ياقلبي ده تلاقي ريحة العشا اللي ماما نورية مطلّعاه"
قالتها بسخرية ليضحك قائلا:"بتتريقي عليا يا لين؟ اشحال لومكنش اسمك لين؟! يعني التريقة كلها"
"وماله اسمي يا سي عامر؟! انت..."
أصمتها بقبلة حنونة يعوّض قلقه وقلقها وحزنها قبل أن تبتعد عنه وهي تقول:"ماتضحكش عليا.. كمّل هتعمل ايه مع جدك؟!"
"فصيلة!"
رمقته بتحدي فضحك قائلا:"والله يا اختي حاليا مش عارف بس اكيد رُسُل عندها الحل.. حاسس انها هتبقى نقطة ضعف جدي، يمكن لأنها شبه حبيبته ويمكن لشيء تاني مش عارف بس حاسس ان الحل هيكون بايدها هي"
رمقته بغيرة رغما عنها فضحك غامزا إياها:"بتغيري عليا يا بطة!"
"بطة في عينك"
"طب ماتسيبينا من الوش ده وتيجي ندخل جوه"
نهضت بهدوء ثم ركضت للغرفة وأغلقت خلفها بالمفتاح لتسمعه يقول:"افتحي يا لين بلاش الهزار التقيل ده.. عايزين نبارك البيت الليلة دي اول
ليلة لينا هنا حبيبتي"
وصله صوتها قائلة:"باركه لوحدك ياحبيبي.. عقابك على اللي عملته تحت هتنام في الصالة النهاردة واحتمال بكرة كمان.. ياللا تصبح على خير"
"بت يا لين بطلي هزارك البايخ ده.."
قابل صراخه صمت تام ليضرب الباب بقدمه وهو يناديها:"لين.. لين!"
لا رد.. فضرب الباب مرة أخرى بقوة أكبر حتى شهق من الألم وهو يبتعد عنه متمتما:"الله يسامحك يا جدي، انا كان مالي ومال الهم ده.. ده انا كنت راسم على المباركة الليلة.. منك لله يا لين يا بنت ام لين"
اتجه للأريكة وخلع ملابسه واستلقى عليها يحاول إيجاد راحته فيها دون جدوى أخذ يتمتم وهو يتحرك بحنق حتى استغرق بالنوم وهو يتوعدها
بعقاب صارم .
***
استلقت على الفراش بانتظار والدها وهي تسترجع ما حدث غير مصدقة أن الحال تحوّل للنقيض تماما في عدة ساعات..
زفرت بقوة وهي تحاول أن تشيح نظراته من عقلها دون جدوى.. نظراته تحرقها.. تذبحها وهي لاشيء بيدها، لن تخاطر بفقدان والدها مرة أخرى
حتى لو كان الثمن قلبها.
ولكن هل والدها يوافق جدها؟ هي بالتأكيد لن تتزوج عامر وتخرّب حياته ولكنها لن تعترض على من يختاره لها والدها حتى لو كان آخر سوى
كرار.. أجل تحبه كما لم تحب يوما، هي لم تعرف الحب سوى معه ولكنها لن تخذل والدها.. لن تكون السبب بتعاسته, يكفيه كل السنوات التي
مضت وحيدا ينتظر فقط عودتها ..
استعادت نظرة عامر لها فعقدت حاجبيها.. نظرته غريبة لا تعلم هل فهمتها أم يُهَيء لها؟! نظرة دعم ممتزجة بنظرة اعتذار!
زفرت بقوة وهي تحاول تحاشي التفكير بالأمر ليدخل والدها بهدوئه المعتاد ثم استلقى بجانبها وضمّها إليه قائلا:"ندمتي انك لقيتيني يا رُسُل؟"
ابتعدت عنه منتفضة وهي تقابله قائلة:"لا أبي .. لا تقل هذا أبدا.. أنا على استعداد لفعل أي شيء تريده فقط ابق معي دوما.. لا أريد سواك من
الحياة"
دمعت عيناه ليضمها مرة أخرى وهو يقول:"واثقة فيا للدرجة دي؟!"
"أثق بك أكثر مما أثق بنفسي أبي وثِق أنني لن أخالف ما تريده أبدا"
اشتدت ذراعيه حولها وهو يهمس لها:"ثقي اني مش هكسر قلبك ابدا".
****
عاد كرار لمنزل خالته (والدة لين) فهو يقيم به بعدما سافر أهله جميعا وظلّ هو حتى يكون قريبا من رُسُل ويتقدم للزواج بها..
عاد بحالة يُرثَى لها يترنج من الصدمة حتى أن محمود شعر بالقلق عليه فساعده للدخول للغرفة التي يقيم بها وهو يتساءل عما حدث وجعله
على هذه الهيئة!
ساعده للاستلقاء على الفراش يراقبه جامدا وكأنه لا يشعر بأي شيء!
لا يدرك حتى أين هو!
ألقى الشرشف فوقه قبل أن يخرج من الغرفة بعدما أغلق الباب خلفه ثم هرع للهاتف حتى يعلم ماذا حدث!
تحدث مع أحمد فنور لم يرد على هاتفه فخمّن أنها خلد للنوم ليجيبه أحمد ويقص عليه ما حدث..
"هو ابو نور ده مش هيرحمنا بقى؟ مش كفاية اللي عمله بنور؟! الراجل ده عايز ايه بقى؟ يعني البنت رجعت عشان يحطملها حياتها؟"
وصله صوت أحمد وهو يقول بحنق:"انا متأكد ان عامر في دماغه حاجة بس مش قادر أوصلها.. عموما أنا بكره هتكلم معاه وهفهم منه هيعمل ايه"
"تفتكر عامر هيقف قدام جده عشان رُسُل؟"
ضحك أحمد قائلا:"انا اللي نفسي أفهمه هي لين دي لاقيها على باب جامع؟ مش المفروض تكون قلقان عليها؟!"
ابتسم محمود وهو يقول:"لين بتعرف تاخد حقها كويس وانا واثق في عامر، لكن رُسُل.. ممكن خوفها من ضياع الحلم اللي لقته متأخر تغلط وتوافق جدها على اي حاجة.. وانت عارف عمك ممكن يضغط عليها من النقطة دي"
"اطمن.. نور مش هيسيب عمي يخرب حياة بنته زي ماخرّب حياته قبل كده.. نور ما صدّق لقى بنته ومش هيضيعها أبدا حتى لو فيها موته".
****
تأنقت ثم ذهبت لعمله، اليوم ستفاجئه بزيارة وستفرحه بتحديد موعد زفافهما رغم خشيتها وقلقها من رد فعله لرؤيتها وهو الذي تحاشى رؤيتها ليومين كاملين إلا أنها قررت الأخذ بنصيحة والدتها.. حتى لو خسرت عملها الذي تحبه لن تكون خسارته بشيء أمام خسارة زيد وخسارة حبها..
لم تجد المساعدة بالخارج فدلفت على الفور لتتجمد أمام ما رأته!
امرأة لم تترك لونا إلا ووضعته على وجهها حتى شعرها لم يسلم من جنون الألوان تكاد تكون جالسة على رجل زيد!
وهو على ما يبدو لم ينتبه أو ربما لا يمانع!
ملامحها ليست عربية ربما هي أجنبية ولكن هل هذا يمنحها الحق بالاقتراب من زوجها بهذه الطريقة الوقحة؟!
هل غادرت مساعدته حتى تمنحهما الخلوة المناسبة؟!
برقت عيناها بشر وهي تقترب منهما بهدوء لينتبه لها زيد ولكن لصدمتها لم يتحرك قيد أنملة.. بل نظر لها مباشرة رافعا حاجبه منتظرا إياها لتفصح
عن سبب وجودها بمكان عمله الذي لم تزره من قبل قط!
رمقته بتحدي قبل أن تقترب منه جاذبة المرأة بعيدا عنه وهي تقول:"ماذا؟ ألا توجد مقاعد كافية حتى تجلسي على رجل زوجي؟"
قالتها بالانجليزية لترفع المرأة حاجبها ببرود وهي تقول:"هو من دعاني لمجاورته بالأريكة، فهل لديك اعتراض عزيزتي؟"
رفع حاجبه بدهشة فهو لم ينتبه لمجاورتها له إلا منذ لحظات فقط كان مستغرقا بقراءة العقد الجديد للشركة الأجنبية التي تم التعاقد
معها مؤخرا..
راقب خولة وهي تبتسم ببرود وهو يعرف هذه الابتسامة حق المعرفة وهل هناك من يعرف خولة أكثر منه؟!
"أجل اعترض وأنا لست عزيزتك"
قالتها وهي تدفعها تجاه باب المكتب وبيدها حقيبتها لتلقيها خارج المكتب ومعها حقيبتها قبل أن تغلق الباب بوجهها ثم تدير المفتاح حتى لا يقاطعهما أحد بعد أن هتفت بالمساعدة التي عادت لمكانها..
"دليها طريق باب الشركة وين عبير"
سمعت اعتراضها ولكنها لم تبالِ فقد استدارت ل زيد وهي ترمقه بغيظ وهو يتابعها متسليا وقد فاجأته برد فعلها حقا..
يعلم أنها مجنونة ولكن أن تدافع عنه بهذه الشراسة وكلمتها زوجي الكلمة السحرية التي جعلته يكاد ينهض زارعا إياها بصدره ولكنه تماسك وهو يراقبها تقترب منه والغيظ ينضح بكل خلجة من خلجاتها..
"تستمع بوقك هوايه زيد!"
لم يرد عليها بل تابع مراقبتها متسليا بغيظها لتقترب منه وتفاجئه بحركة أوقفت نبضاته للحظات قبل أن تتقافز بجنون بعدها..
فقد جلست على قدميه وأحاطت عنقه بذراعيها بدلال وهي تقول:"انته لسه زعلان مني؟"
"انتي لسه على عنادك؟"
أجاب سؤالها بسؤال لتبتسم بدلال وهي تقول:
"لا.. لسه على حبي الك"
خطف قبلة اشتاقها منذ فترة لتشعر بما فعلته ولاقترابها الخطير منه وهي تشتعل خجلا وما إن فكّ حصارها حتى ابتعدت ناهضة عنه ليضحك بقوة وهو يقول:"اني خمنت انك متعرفين قربك مني بس اني قررت استغل الموقف"
"مكروه! (غليظ)"
ضحك بتسلية ثم قال:"شنو المناسبه لزيارتج اليوم؟ يجوز اشتقتلي؟"
"وشكوت ماشتاقيت لك زيد؟ اني اشتاق لك حتى وانته وياي"
غمزها بمرح:"بعدي عنج غيرج هواي خولة، راح منا وغادي (من وقت لآخر) ابعد عنج فترة حتى اسمع هذا الحجي الحلو منج"
وضعت أناملها على فمه تمنعه من الاسترسال فيما يقول وهي تقول بحزن:"لا عفيه زيد لا تسويها مره لخ (أخرى) تره اني اموت بدونك حبيبي،
مااريد من الدنيا كله الا انته"
رمقها بغوض قبل أن يقول:"حتى شغلك الغالي خولة؟!"
حرّكت رأسها بنفي:"حتى شغلي زيد، ما اريد غير انته.. حتى لو خسرت شغلي ما يهمني بس مااريد اخسرك الك"
لم يتمالك نفسه فضمها بقوة قبل أن يقول بلوم محبب:"يا مخبلة (مجنونة) اني ماعندي مانع انو انتي تشتغلي بعد الزواج، اني بس ما اريد لشغلج انو يكون عقبه بحياتنا سوه.. حتى شغلي لا يصير عقبه هم (أيضا)"
لم تجيبه فقط ارتاحت بين ذراعيه لفترة قبل أن تسمعه يهتف بمرح:"راح أضعف هيج خولة وراح تكون خوش (كبيرة) فضيحة بالشركة وراح يقتلني ابوي وعمي اكيد لو ضليتي (ظللتِ) مجلبه بي (متمسكة) هيج بحضني"
ابتسمت بخجل وهي تبتعد عنه ثم عدّلت ملابسها ليقول هو مازحا: "امسحي الحمره همين مثل ميسون في الافلام"
ضحكت عاليا تلك الضحكة التي افتقدها بقوة طوال الفترة السابقة بخضم المشاكل التي توالت على أخويه.. لتبرق عيناه بقوة وهو يقترب منها بمكر فالتقطت نظراته الماكرة فهرعت لباب المكتب وفتحته على عجل وهي تقول غامزة اياه بعبث قتله:"صارت حالتك صعبه هواي زيد..
هيج الزواج راح يكون الاسبوع الجاي وبدون أخذ رأيج"
ضحك بقوة ومساعدته تراقبهما ضاحكة ليدخل لغرفة المكتب مرة أخرى وهو يقول:"مخبلة بس اموت عليها" .
***
كان مرتبكا وهو يفاتحهما بأمر زواجه من نبأ ولكنه لكما تذكر نظراتها التي تتوسله ألا يخذلها مرة أخرى حتى حثّ نفسه على إلقاء قنبلته والتي
لا يعلم كيف سيقبلونها بعد حماقته من قبل!
"اريد نحدد موعد للعرس عمي"
"عرس شو ضي؟!"
قالها عمه بعد فهم ليقول:"عرسي ونبأ.. اني كولتلك قبل سابق عمي و.."
قاطعه والده قائلا:"تأخرت هوايه ضي، احنه قبلنا بخاطب نبأ وحددنا موعه ويه اهله"
رمق والده بصدمة يتوسله أن يخبره أنه يمزح أو شيء من هذا القبيل إلا أن ملامح والده الجدية جعلته ينتفض صارخا غير آبه مع من يتحدث:
"انته شدكول يبه؟ نبأ مراح تصير غير الي واذا عارضتوا زواجنا راح ابوكه (اخطفها) واتزوجها ومحد راح يكدر يوكفني" .
****
"انتي رايحة فين يا هدية؟!"
قالها محمد العدوي (والد نور) بدهشة وهو يرى زوجتها واقفة بانتظاره مع حقيبة صغيرة لتجيبه بهدوء:"رايحة عند ابني يا حاج"
عقد حاجبيه بعدم فهم وهو يقول:"ابنك مين؟!"
ابتسمت بسخرية ممتزجة بحزن وهي تقول:"نور ابني.. مش دايما كنت تناديلي يا ام نور وتقولي نور ده ابنك انتي اكتر مني؟! وال نسيت ياحاج؟"
حدّق بها قائلا:"رايحة من غير اذني يا هدية؟!"
"هو ده اللي يهمك يا حاج؟ يعني مايهمكش السبب اللي رايحه عشانه على اد ما يهمك هو باذنك او لا؟! عموما ماشوفتنيش مشيت يا حاج انا مستنياك تيجي وهو عامر كمان يجي عشان ياخدني"
قالتها بهدوء ليقول بغضب:"يعني رأيي تحصيل حاصل يا هدية؟! سواء رضيت او لا هتروحي برضه؟!"
"أيوة يا حاج.. هروح سواء رضيت او لا.. ماهو انا مش هسيبك تخرب حياة رُسُل زي ما خربت حياة ابوها، لو كنت سكت زمان فده عشان اديتلك العذر وقولت عايز حفيد من ابنه.. لكن ان الحفيد يكون موجود وانت اللي عايز تبعده عننا تاني وتموّت ابنك بايدك فده اللي مش هسمح
بيه أبدا يا حاج"
رمقها بذهول وهو يراها تعارضه للمرة الأولى بحياتها ليقول بغضب محاولا فرض سيطرته:"لو خرجتي من البيت دلوقتي يا هدية هت...."
قاطعته قائلة:" هت.. ايه ياحاج؟ هبقى طالق؟ اللي انت عايزه اعمله ياحاج معدش فارق معايا حاجة"
"انتي جرالك ايه؟!"
قالها بذهول لتجيبه وهي تشعر بالقهر منه وعليه..
"جرالي اني استحملت سنين طويلة يا حاج.. استحملت حبك لنوّارة اللي مانتهاش حتى بعد ما سابتك واتجوزت واحد تاني.. حتى بعد موتها
اللي حصل اني سكت كتير وانا بشوفك بتدمر عيالي.. ايوة عيالي انا اللي ربيتهم وانا اللي تعبت معاهم وانا اللي حبيتهم اكتر من روحي.. عيالي رغم اني عقيم وان السبب اللي اتجوزتني عشانه اصلا هو عقمي، مكنتش عايز تخلّف من غيرها.. مكنتش عايز حتى تقرب من غيرها.. عمرك ما شوفتني ولا شوفت حبي ليك.. عمرك ما قعدت معايا وقولتلي مالك؟ نفسك في ايه؟ ورغم كده عمري ما اشتكيت وحبي ليك عمره ما قل.. دمرت حياة نور ونغّصت عليع عيشته واديتك عذر لده
وقولت عايو يشوف احفاده.. لكن تيجي لحد رُسُل لا يا حاج.. رُسُل دي تبقى روح نور اللي عاش سنين لحد ما تردتله تاني بفضل من ربنا تقوم انت تيجي بسهولة وعايز تاخد روحه منه؟! مش مكفيك السنين اللي مكنش عايش فيها؟ مش مكفيك السنين اللي كان هيموت وهنو مش عارف فين بنته وبيحصلها ايه؟! تقوم بعد ما بنته ترجعله وتريح قلبه بقربها عايز تقهره عليها؟! لا ومش مكفيك كمان حياة نور ورُسُل ده كمان هتخرب حياة عامر حفيدك اللي بتفتخر بيه في كل حتة.. ازاي بتحبهم وازاي بتدمرهم بالشكل ده يا حاج؟! حجيت بيت الله وحافظ كتابه لكن عمرك ما عملت بيه للاسف.. ربنا اسمه الحكم العدل يا حاج.. وعمره ما هيرضى بالظلم اللي انت ناويه ابدا.. ولا انا هرضى بيه.. انا اللي هقفلك يا حاج، انا رغم حبي ليك هقف قدامك وامنع ظلمك
عن ولادك واحفادك واقولك كفاية... كفاية وضمّهم لجناحك بلاش تبعدهم عنك اكتر كفاية السنين اللي راحت من عمرك وعمرهم..
كفاية ظلم"
لم يستطع النطق بكلمة امام الهجوم الذي شنّته عليه زوجته ورفيقة عمره ليسمع صوت زمور (بوق) سيارة عامر ويراها تفتح باب المنزل وتخرج
منه أمام عينيه دون أن تلقي عليه نظرة واحدة .

نهاية الفصل

رواية قتلتني عيناها بقلمي حنين أحمد (ياسمين) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن