الفصل الأول قتلتني عيناها بقلمي حنين أحمد (ياسمين)

5K 126 12
                                    


الفصل الأول
طرقات هادئة على باب غرفتها أيقظتها من نومها لتبتسم وهي تتعرّف على الطرقات بسهولة.. فأخيها يختلف عن توأمته كاختلاف
الشمس والقمر!
ف أندي هادئ ورزين ويسبق سنّه بمراحل أما ديانا فشعلة من الحيوية والطاقة, تملأ المكان صخبا.
"ادخل أندي, أنا مستيقظة"
دلف أندي بابتسامته الوقورة التي تزيد على سنوات عمره الخمسة عشر لتبتسم تلقائيا ما إن وقعت عيناها عليه ليقترب منها مقبّلا
وجنتها وهو يقول:"رُسُل, أبي في انتظارك على الإفطار"
أومأت برقة ثم نهضت لتستعد للذهاب إلى عملها.
دلفت إلى المطبخ لترى جون فابتسمت له وهي تحيّيه مقبلة وجنته ثم جلست على مقعدها بجانبه..
"صباح الخير رُسُل, هل نمتِ جيدا؟!"
ربما يراه البعض سؤالا تقليديا ولكنها تراه اهتماما لم تحظَ بمثله من والدتها منذ فترة طويلة.. أو ربما لم تحظَ به قط!
"بخير جون, شكرا لك"
نظرت حولها بدهشة ثم سألت:"أين كارين وديانا؟!"
رمقها بألم وهي تسأل عنها وبداخله: (أنتِ بطريقك لخسارة ابنتك كارين.. ولن تشعري بحجم الخسارة إلا بعد فوات الأوان)
كان أندي هو مَن أجابها:"أمي خرجت مع ديانا للتسوّق فاليوم حفل ميلاد صديقتها"
أومأت بتفهّم وهي تنهي فطورها ثم نهضت حتى لا تتأخر عن عملها وهي تقول:"ستذهب معي اليوم أندي أليس كذلك؟!"
أومأ وعيناه تبرقان بسعادة التقطها جون ليبتسم بحنان وهو يقول:"يستغلون قلبك الطيب رُسُل وأنتِ تمنحين لهم الفرصة بكل
سهولة"
ضحكت وهي تبعثر خصلات أندي ثم غادرت لتستعد للمغادرة والذهاب للعمل ليلتفت جون إلى ابنه قائلا:"اهتم بأختك ولا تزعجها أندي, أنا أعلم أنك تحبها كثيرا كما تحبك"
ثم أكمل بداخله: (يكفي الحزن الذي تنطق به عيناها.. وشعوري بالذنب تجاهها) .
***
يتحدث بالهاتف وهو يسير بالقرب من الشركة التي يعمل بالفرع خاصتها بلندن وقد نُقِلَ لفرع العراق بناءا على طلبه بعد سنوات من
العمل بها وإثبات نفسه ليتم الموافقة على طلبه خاصة أنهم على وشك البدء بمشروع كبير بالعراق.. واليوم آخر يوم له بلندن وقد
انتهى من آخر أوراقه منذ قليل.
"صار بيّه صداع من وراك, قلت لك تخطبها بدون إزعاج بس انت تعاند وما أفهم ليش!"
تنهيدة حارة وصلته مع صوت شقيقه الأكبر: "ماراح أخطبها بدون ما أحصّل موافقتها كرار, انت تعرف لو ما رضت بيّه مثل ما أتوقع راح
يخلص الموضوع ووقتها جدي راح يلح أنه يزوّجني وحده ثانية.. ويا خوفي تطلع أختها الصغيرة"
ضحك بقوة ليصله صوت شقيقه زاجرا:"على شنو تضحك كرار؟!"
أجابه بتسلية:"ما أفهم يا أخويه سر الإلحاح عليها وخاصة هي كل مرة تبين الك انه رافضة, عنودي مثل البغل.. افهم يا أخويه يمكن ما تحبك هي"
قال بإصرار:"لا هيه تحبني.. تحبني كلّش هواية (كثيرا) بس هيه عنودية (عنيدة), الله يسلمها تخاف على مستقبلها المهني وتخاف
اطلب منها تعوف (تترك) شغلها وانت تدري هيشكد متعقلة بيه"
همّ بالرد ليصطدم بقوة بأحد المارة فسقط الهاتف من يده وتبعثرت محتوياته على الأرض فسبّ بتلقائية ثم قال: "انتي شنو ما تشوفين؟! آ...."
رفع بصره ليغوص في عينين خطفتا أنفاسه ليتجمد مكانه وهو ينسى ما كان سيقوله ثم أفاق على صوتها ليُصدم بلغتها الانجليزية وكأنها من أهل البلاد:"أعتذر منكَ"
هل أصابه الصمم أم أن نبضات خافقه هي ما غطّت على كل ما عداها؟!
أجلى صوته بخشونة وهو يلاحظ الفتى الذي يرافقها بملامحه الانجليزية الخالصة.. إذا هي من أهل البلد؟!
إنه على استعداد أن يقسم أن ملامحها شرقية أصيلة فقط عيناها هي ما أصابته بالحيرة من لونهما!
فهل هو العسل ممتزجا بغيوم السماء؟!
أم هو زبد البحر ممتزجا بالشوكولاتة اللذيذة؟!
عقد حاجبيه من مسار تفكيره وهو يشير لها أنه لا عليكِ ليمد يده ويأخذ هاتفه الذي جمعه له الفتى وهو يقول بانجليزية سليمة بها لكنة مميزة:"بل أنا مَن أعتذر, فأنا المخطئ"
ثم انتزع نفسه انتزاعا من أمامها وأكمل طريقه وهو يحاول تجاهُل ما شعر به منذ لحظات .
***
ليلا
"ألن تأتي إلى الحفل معي رُسُل؟!"
قالتها ديانا بدلال فابتسمت وهي تقول لها:
"وماذا أفعل بحفل للصغار حبيبتي؟!"
زمّت شفتيها بحنق قائلة:"ليس للصغار سيكون هناك منهم بعمرك أيضا, لقد أصرّ توم على دعوتك وأخبرني أنه لن يكون هناك شراب من أجلكِ فقط"
ابتسمت بضيق وهي تقول:"من الأفضل له ألا يكون هناك شراب ديانا حتى لا أمنعكِ من الذهاب"
"ولِمَ تمنعيها؟! إذا كنتِ لا تحبين الاختلاط فلا ترغميها أن تكون مثلكِ"
ازدردت ريقها ببطء وهي تنظر لها بعتب لم تهتم له الأخرى هذا إذا لاحظته من الأساس..
"لا أتحدث عن الاختلاط كارين على الرغم أنني لا أفضّله بلا داعٍ ولكني أتحدث هنا عن الشراب وأظن أن جون لن يوافق على ذهابها إذا علم بوجود مشروبات كحولية بالحفل"
صدح صوته من خلفها قائلا:"لذا أصر على ذهابكِ معهما رُسُل، فإذا كان هناك ما لا يعجبك بالحفل عودا على الفور"
ابتسمت له بحب.. كم تحب زوج والدتها، هي تشعر أنها من دمه هو لا كارين.
"حسنا جون لقد أقنعتني"
قالتها رافعة ذراعيها باستسلام وهي تغمز ديانا وأندي متجاهلة ما تحاول والدتها فعله منذ زمن بعيد.
***
جالسة بالحفل الذي كان بريئا حقا كما أخبرتها أختها تراسل صديقتها خولة على أحد المواقع الاجتماعية كما هي معتادة منذ أربعة سنوات
هي مدة معرفتها ب خولة..
خولة صديقتها المميزة التي تساعدها على تعلّم اللغة العربية وقد نجحت بالفعل بفهمها لكنها لازالت لا تستطيع أن تنطق سوى الفصحى مختلطة ببعض اللهجة المصرية التي تحاول إتقانها دون جدوى..
"أشو صوتج غير شكل اليوم.. شكو؟! (ما السبب) واتذكري الجواب بالعربية بس"
"لا يفوتك أي شي؟!"
انفجرت خولة ضاحكة وهي تقول:"عربيتك قاعد تتحسن دوم.. زين ما راح أجذب, ياربي رُسُل أربع سنوات وبعدج تعانين وي اللغة
وما تنطقين كلمتين واضحين!"
"يمكن معلّمتي فاشله"
قالتها بالعربية بلكنتها الواضحة ليعلو صوت خولة بضحكة صاخبة لتفاجأ بمن يزجرها: "صوتج خولة!"
زمّت شفتيها بحنق عندما رأته ثم همست:"راح احجي وياج مرة ثانية بس أصير لوحدي، مبين اكو(يوجد) من لاصق اذنه ويايه (معي)"
داعبتها رُسُل:"له الجنة والله"
فزمجرت خولة قبل أن تغلق الخط بوجهها دون كلمة أخرى لتضحك رُسُل على صديقتها التي لا تقدّر ما لديها.
***
بعد شهر
سارت وهي تتلفت حولها وكأن هناك من يراقبها ثم مالبثت ككل يوم تخفض بصرها بحزن وهي تحدّث نفسها:"كُفِّي عن رعونتك رُسُل, هو لن يظهر مرة أخرى.. لا تحدث المصادفات بالواقع كما الروايات.. فأفيقي من الوهم الذي تعيشين به, أنتِ حتى لا تعرفين اسمه, أجل هو عراقي وهذا ما أنا أكيدة منه فلهجته كما خولة تماما, ولكن..."
قاطع تفكيرها تعثّرها بعد اصطدامها بأحد فنبض قلبها بعنف وهي تتخيل ماذا لو كان هو؟! لتفيق على صوت مألوف:
"رُسُل! هل أنتِ بخير؟!"
ابتسمت بمجاملة وهي تقول:"بخير توم.. لا تقلق"
وأكملت داخلها:"فقط أحتاج أن أفيق من أوهامي التي ستودي بي"
"إذا سترافقيني اليوم بحفل الشركة؟!"
قالها توم وهو ينظر لها بأمل فزفرت بإحراج وهي تقول: "توم، أنت تعلم أنني لا أحب الاختلاط كثيرا لذا ربما لن أحضر الحفل و..."

قاطعها قائلا:"ستحضرين رُسُل، أنتِ ركن أساسي بالشركة, والغياب عن الحفل غير مسموح به لكِ أبدا.. أم أن المشكلة بي أنا؟!
لا أفهم لِمَ ترفضين علاقتنا؟! ألا أعجبك؟!"
"الأمر ليس متعلق بالإعجاب توم, أنت تعلم أني مسلمة ولا يصلح أن ...."
صمتت لا تعلم كيف تُفهِمُه الأمر وهو يرمقها منتظرا ما تريد قوله ليجدها صمتت فقال: "وأنا لا أعترض على ديانتك, بل إن ما لفت
نظري إليكِ هو اختلافك"
أنقذها طنين هاتفها فاستأذنت منه حتى تجيبه.
****
يراقبها جالسة على الفراش شاخصة ببصرها ليقترب ببطء ويجلس بجانبها لتنظر له بحزن قائلة:"مالقتهاش برضه يا أحمد؟!"
ازدرد ريقه ببطء وهو يهز رأسه بأسف قائلا:"لا يا قلب أحمد مالهاش أثر لسه.. هتجنن كأنها فص ملح وداب"
"وعدته يا أحمد, أنا وعدته اني أخدها واربيها وخلفت وعدي"
قالتها نورية بألم ليربّت أحمد على وجنتها بحنو وهو يقول: "وانتي ذنبك ايه يا عيون أحمد, ماحنا سافرنا تاني يوم على طول
مالقيناش لها أثر"
رمقته بألم وهي تسأله بحيرة:"والعمل يا أحمد؟! مالقينهاش وقتها هنلاقيها بعد كل السنين دي؟!"
ضمّها له بقوة وهو يهمس:"هنلاقيها يا نورية, هنلاقيها يا قلب أحمد.. وهتاخديها في حضنك وتعوّضي كل السنين اللي راحت..
أنا مش هبطّل تدوير (بحث) عليها, لحد آخر نفس فيا"
أجهشت بالبكاء بين ذراعيه ليشدد هو ضمّها له وهو يفكر بالخيال الذي استحال له الآخر!
***
بعد عدة أشهر
"خولة، عندي ليكي خبر حلو اوي"
قالتها رُسُل بالعربية كما تشترط عليها خولة دوما بأحديثهما لتضحك خولة كعادتها كلما تحدثت رُسُل بالعربية فيتحول حرف ال ح إلى ه .. وحرف ال ع إلى أ ..
"كل ما أكلمك هتضحكي عليا؟!"
"آني آسفه, يلله كولي شنو الخبر الحلو!"
شعرت بالغيظ منها فقالت بالانجليزية:      "سأكون عندك بالعراق الأسبوع القادم" .
                                                                              نهاية الفصل

رواية قتلتني عيناها بقلمي حنين أحمد (ياسمين) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن