الفصل الرابع عشر قتلتني عيناها بقلمي حنين أحمد (ياسمين)

2.6K 91 2
                                    

الفصل الرابع عشر قتلتني عيناها

"ايه يا هدهد لحق الحاج يوحشك؟ ده هم يادوب ساعتين اللي سيبتيه فيهم.. ارجّعك طيب؟!"
ضربة على رأسه كانت الرد من قِبَل خاله وهو يقول:"انت لازقلنا ليه يابني ماتاخد مراتك وتطلع شقتكم وال شهر العسل خلص عندكم وال ايه؟!"
ضحك عامر قبل أن يقول مازحا:"ايه يا خالو انت حد مسلّطك عليا؟ ماتسيبني آخد راحه، وقت مستقطع زي ما بيقولوا.. ماتقولي حاجة يا رُسُل"
ابتسمت رُسُل وهي تقول:"اتركه بابا، بيعمل جو"
هتف عامر ساخرا:"بيعمل جو؟! انتي اكيد قعدتي مع لين النهاردة صح؟ يابنتي ماتقعديش معاها كتير لاحسن تتعدي"
ضربة أخرى كانت من لين لينظر لهم مصطنعا الحزن: "انتوا كلكم عليّا وال ايه؟! لا ده انا ورايا رجالة تاكل الزلط"
همّ نور بالرد عليه ليقاطعه صوت هاتف عامر ..
رمق الهاتف بهدوء للحظات وملامحه تتحول للجدية قبل أن يرد:"سلام عليكم ياجدي"
صمت للحظات يستمع لجده قبل أن يقول:"حاضر، مسافة السكة واكون عندك"
نهض نور معه ليشير إليه عامر:"مالوش لزمة يا خالو، انا هروح لوحدي"
"لا يا عامر الموضوع يخصنا احنا الاتنين وهنروح مع بعض"
لم يملك إلا أن يومئ موافقا قبل أن يسمع جدته تهمس لخاله:"ماتقساش عليه يانور، عشان خاطري انا"
تنهيدة من خاله كانت الرد قبل أن يقول:
"حاضر يا أمي"
خرجا معا لتلتفت رُسُل لجدتها قائلة:
"راحوا فين؟"
ضمّتها هدية لها بحنو قبل أن تقول بشرود:
"راحوا مشوار يا يصيب يا يخيب"
لتكمل بداخلها:"يارب يهديك يا حاج".
***
ما بين تحدي وعِند وتعسّف بالرأي تضيع الكثير من المودة وتنتهي الكثير من العلاقات والذكي هو من يعرف متى يتمسك برأيه ومتى يسير مع التيار.
فتح الباب ليجد عامر ومعه نور ليرمقهما بجمود قبل أن يفسح لهما الطريق دون حديث ليدلفا للداخل ويغلق عامر الباب خلفهما..
"خير ياجدي؟"
بادره عامر ليقول:"يعني ماشوفتكش اخدت خطوة في جوازك"
"خطوة ازاي؟ مانا اتجوزت وخلاص يا جدي حضرتك نسيت وال ايه؟!"
قالها عامر بمرح مصطنع ليرمقه جده بجدية قبل أن يقول:"جوازك من رُسُل بنت خالك يا عامر واظن انك فاهم كويس انا بتكلم عن ايه"
زفر بخفوت قبل أن يجيبه:"يا جدي مش كان الموضوع ده انتهينا منه؟ ايه اللي فتحه تاني؟!"
"وانتهينا منه ازاي يا سي عامر؟ وال كنت بتسكّتني قدّام قريب مراتك وبتاخدني على أد عقلي"
"حاشا لله يا جدي، بس مكنش ينفع اتكلم قدّام قريب لين مراتي، كان لازم الكلام يبقى بينا وده اللي بنعمله دلوقتي.. جدي انا بحب مراتي ومش هقدر أجرحها بالطريقة دي أبدا، رُسُل أختي وفي حمايتي وعمري ماهتخلى عنها.. أوعدك"
اشتعلت عيناه بقوة وهو يهتف بغضب:"انت بتعارضني ياعامر؟ بتقف قدّام جدك وتقوله لا؟! هي دي تربيتي ليك؟ هو ده وعدك ليا يا ابن أحمد"
كاد يبتسم وهو يسمعه يقول ابن أحمد فهو ينسبه لوالده عندما يكون غاضبا منه ولكنه علم أنه لو ابتسم الآن سيحرقه جده حيا فأخفى ابتسامته وهو يقول:"يا جدي لو حضرتك فاكر كلامي أنا قولت اني هريّح حضرتك ومش هتخلى عن بنت خالي..
لكن مش معنى كده اني أتجوزها، ده غير اني مكنتش متجوز يومها أصلا.. يعني حتى لو قولت اني هتجوز رُسُل وقتها ماينفعش أنفّذ كلامي حاليا وانا متجوز.. لا لين ولا رُسُل يستاهلوا ده مني"
همّ بالحديث ليتدخل نور:"انا مش فاهم سر إصرارك ان عامر يتجوز بنتي لا ودون موافقتي كمان.. انا ايه ماليش رأي في جواز بنتي يا حاج؟"
رمقه بجمود وهو يقول:"لا مالكش رأي، أحفادي وانا المسئول عنهم يا نور"
ابتسم بحزن وهو يقول:"على راسي يا حاج، لكن جواز بنتي اللي انت مكنتش معترف بيها طول عمري، بنتي اللي كنت عايزني أنساها واتجوز واعيش حياتي.. انا بس المسؤل عنه يمكن لو عامر مش متجوز كنت وافقت، لكن اللي مارضهوش
لبنتي مارضهوش لبنات الناس"
رمقه بتحدي وهو يقول:"وانا قولت ان رُسُل هتتجوز عامر يا نور سواء رضيت او لا"
"لما اموت يا حاج ابقى اتحكم ببنتي، لكن وانا عايش مش هسمح لحد مهما كان انه يخسّرني بنتي تاني.. كفاية السنين اللي ضاعت من عمري بعيد عنها"
شحب وجهه عندما ذكر الموت وقلبه ينتفض بين ضلوعه معترضا على ما قاله ولده.. أغمض عينيه وهو يترنح ليسارع عامر بإسناده وهو يساعده للجلوس على الأريكة ويجلس بجواره ليغمض نور عينيه بأسف.. والده لن يتخلى عن عناده وهو يعلم هذا جيدا.. لذا فقد جلس بجواره من الجهة الأخرى وأمسك بيده وهو يقول:"رُسُل بتسأل عليك يا حاج، حتى سألت جدتها ليه مجيتش معاها عندنا.. سألتني ليه مابتزورناش وليه مش بنزورك.. تفتكر أقولها ايه يا حاج؟"
لمح الضعف بحدقتيه عندما جاء على ذكر رُسُل ليشيح بنظره عنه وهو يجيبه:"قولها انك عاصي، قولها انك مبتريحش قلب أبوك يا نور.. قولها انك معيّش ابوك في هم وخوف عليك طول عمرك، قولها انك حالف لتقاطع أبوك لحد ما يموت وترتاح منه.."
قاطعه نور وعامر بلهفة:"بعيد الشر عنك يا حاج"
ليتابع نور بلوم:"انا اللي مقاطعك يا حاج؟ مش انت اللي معنتش طايقني ولا طايقلي كلمة وكل ما اتكلم تقولي اني عاصي واني تاعب قلبك معايا.. انا بحاول اريحك بكل الطرق يا حاج لكن للأسف مهما عملت مابترضاش عني"
تدخّل عامر يهادنه:"يا جدي كلنا عايزين رضاك عننا وبس"
"بص يا عامر.. آخر كلمة هقولها في الموضوع ده..
لو فضلت مصمم ما تتجوزش بنت خالك يبقى تنسى الشركة وتشوفلك اي شغل بعيد عنها".
****
استلقت هذه الليلة بحضن جدتها وهي تشعر بالسعادة وتفكر كم هي محظوظة لأنها وجدت عائلتها من أب وجد وجدة وعم وعمة وابن عمة.. عائلة متكاملة تحبها وتنتظرها حتى لو قابلت بعض الجفاء من بعضهم.
"احكيلي عن جدي محمد يا جدتي، اول مرة اتقابلتم بيها، احساسك.. حبكم وزواجكم.. كل شيء"
ابتسمت هدية بخجل وهي تضمها تخفي خجلها لتضحك رُسُل بمرح وهي تقول:"اممم ده خجل، لا تقلقي مش هقول ل بابا"
ضربتها بخفة على رأسها لتتأوه رُسُل وهي تضحك لتسمع جدتها تقول:"أول مرة شوفته كنت بالمدرسة أيامها، كان عندي 14 سنة.. كنت اسمع عنه دايما من نوّاره ومن البنات زمايلي لكن مكنتش شوفته.. ولما شوفته محستش غير وانا
براقبه.. براقب كل لمحة وكل تفصيله منه، وسامته ورجولته وشهامته.. كان جاي يومها لأبويا يعزمه على كتب كتابه على نوّاره.. كنت عارفة انهم موعودين لبعض من زمان لكن مقدرتش امنع نفسي من اني ازعل انها هي اللي هتتجوزه خاصة انها على طول كانت تقولي انها مغصوبة على الجوازة دي وانها مش بتحبه وبتحب ابن خالتها اللي مسافر"
صمتت قليلا قبل أن تتابع بشرود:"مقدرتش حتى اروح فرحهم تعبت يومها واللي فهمته بعد كده ان سبب تعبي نفسي مش عضوي.. قولت انا هركز على مذاكرتي وبس وبقيت أرفض كل اللي بيتقدمولي، محدش فيهم كان محمد العدوي وانا قلبي لمحمد وبس ومكنتش اقدر اخون قلبي"
تنهيدة طويلة خرجت منها لتقول رُسُل:
"وهو كان يعرفك؟"
"يمكن كان يعرفني بالاسم.. ايامنا البنات مكنتش زي دلوقتي كده كان اخرنا المدرسة وكمان مش الكل كان بيروح.. ولاد العائلات الكبيرة بس زي حالاتي اللي كانوا بيكملوا دراسة وممكن توصل للجامعة كمان، اول مرة شافني فيها كان
بعد الفرح بأسبوع"
هتفت بصدمة:"ماذا؟! أقصد ايه؟ ازاي يعني؟"
ضحكت هدية وهي تقول:"ايامنا مكنش فيه خطيب بيشوف خطيبته ولا يروح ويجي معاها كده زي دلوقتي الا لو كانوا من الناس بتوع المدينة لكن احنا اصلنا ريفي مهما كانت عيلتنا كبيرة ومتفهمة.. كان العريس مابيشوفش العروسة
إلا ليلة الدخلة"
صمتت للحظات ثم تابعت:"اول ما تقدمي كنت هطير من الفرحة لكن امي مكنتش موافقة، تقول لابويا وليه تاخد متجوز قبل كده وعنده عيلين كمان؟ ليه ماتتجوزش شاب تكون هي اول بخته زي ماهيكون هو اول بختها.. لكن ابويا شاف في محمد راجل بجد هيحافظ على بنته.. ولما سألني قولتله اللي تشوفه فأقنع أمي ومعرفش ازاي الحقيقة.. امي كانت صعبة اوي وابويا كان حنيّن وقريب مني بس الوحيد اللي مكنتش بتقدر تكسرله كلمة هو ابويا.. المهم كنت وقتها خلّصت مدرسة كان عندي يجي 19 سنة، ووقتنا كان السن ده كبير على اني اكون مش متجوزة.. كانت اكبر واحدة على ايامها تتجوز وهي عندها 17 سنة"
قاطعتها رُسُل بدهشة كبيرة:"17 سنة؟! كتير صغيرة"
"ايامنا كانت غير دلوقتي، كانت البنت اللي عندها 14 سنة بتبقى فاهمة يعني ايه جواز ومسؤلية.. وانا اللي كنت برفض زي ماقولتلك وابويا الله يرحمه عمره ماغصب عليا في حاجة ابدا.. حتى الجامعة انا اللي مارضيتش ادخلها لانها كانت في
المدينة ايامها وبعيدة وانا مكنتش عايزة ابعد عن اهلي و..."
ابتسمت رُسُل وهي تقول بشقاوة:"وعن جدي كمان"
ضربتها على رأسها والخجل يعاودها لتضحك رُسُل وهي تقول:"خلاص مش هتكلم"
ضمتها هدية بحب وهي تتابع كلامها:"اتجوزنا ويوم الدخلة دخل الأوضة ووقف قدامي وهو بيقول (بصي يا بنت الناس انا اتجوزت بس عشان ولادي، لو عليا مكنتش هتجوز تاني أبدا تجربة واحدة كفاية عليا.. هتحطي ولادي في عنيكي هشيلك فوق راسي.. غير كده مش هطلب منك حاجة أبدا) وخرج بهدوء زي مادخل وسابني وانا مش عارفة اعمل ايه! كنت عارفة انه بيحب نوّارة وانه اتأثر جامد بطلاقها منه حتى عيالها سابتهم واتخلت عنهم عشان يطلقها لكن كلامه بالطريقة
دي وفي يوم فرحي اللي كنت بستناه جرحني اوي.. كسرلي قلبي وخلّاني اقول يا انا يا انت يا محمد وعملت تحدي لنفسي اني اخليه لما يشوفني مايقدرش يشيل عينه من عليا وانه يحبني
اكتر من نوّارة كمان"
"وفزتي التحدي؟!"
صمتت لا تدري ماذا تخبرها! هل فازت حقا بالتحدي؟! هل لو كان أحبها مثل نوّارة كان ليتركها تبتعد عنه لأول مرة بتاريخ زواجهما معا؟!
حتى الوقت الذي عاملها كغريبة تعتني بطفليه لم يتركها تغادر أو تبتعد عنه ولكنه تركها اليوم.. أجل لقد أصرّت على الرحيل ولكن كان بيده أن يمنعها لو أحبها حقا!
ربما أحبها بطريقته، طريقة مخالفة لما كان يشعر به تجاه نوّارة، طالما شعرت بالغيرة من نوّارة حتى بعد وفاتها لم يتحرر من لعنتها.. لم تشعر يوما انها تمتلكه بالكامل ولكن أليس هذا يؤكد حديث والدتها رحمها الله؟! عندما وافقت على الزواج منه أخبرتها أنها لن تملكه يوما بالكامل.. لن يكون لها بكل خلية به أبدا طالما كان متزوجا من قبل فجزء منه سيظل مع زوجته الأولى دوما وهذا الجزء
سيجعلها تعاني من العذاب طوال حياتها معه..
أوليس هذا ما حدث؟!
شعرت رُسُل بما يدور بداخل جدتها فزادت من ضمها لها وهي تقول:"جدي يحبك جدتي، انا واثقه من ده جدا، هيجي وهيصالحك وهتروحي معاه وتسيبيني كمان"
شعرت بابتسامتها الممتزجة بدموعها وهي تربت على رأسها بحنو وهي تقول:"حتى لو مجاش يا رُسُل، حتى لو كانت كل السنين دي ما أثّرتش فيه انا واثقة اني عملت الصح وده يكفيني" .
لم تدرِ أي منهما أن هناك من استمع للحكاية من الكلمة الأولى حتى النهاية.. حتى أنه شعر بدموعهما الغالية على قلبه ..
عاد نور إلى غرفته وحيدا بعد أن كان يتسلل ليمازحهما قليلا قبل النوم.. عاد وهو يدعو الله أن يزيل الغشاوة عن والده ويرى ما يخسره قبل فوات الأوان .
****
بعد يومين

رواية قتلتني عيناها بقلمي حنين أحمد (ياسمين) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن