الفصل السادس عشر والأخير قتلتني عيناها بقلمي حنين أحمد (ياسمين)

3.2K 116 21
                                    

الفصل السادس عشر قتلتني عيناها
والأخير

(الماضي)
"كارين! مرحبا بكِ منذ فترة لم نركِ وأظن أن تواجدك هنا لسبب ما وليس زيارة عادية"
ابتسمت كارين وهي تقول:"أجل ويليام، لم آتِ فقط لإلقاء التحية بل هناك خدمة بسيطة أريدها منك"
رمقها بغموض قبل أن يقول:"أنتِ تعلمين جيدا أن لا خدمات دون مقابل"
ابتسمت بثقة وهي تقول:"بالتأكيد أعلم ذلك جيدا ويليام"
"إذا فلتخبريني بالمقابل قبل الخدمة لأرى إذا كان يستحق أن أستمع لكِ"
قالها وهو يجلس على مقعده خلف مكتبه دون دعوتها للجلوس كذلك لتجلس هي دون أن تنتظر الإذن وهي تلوّح ب بطاقة للذاكرة (فلاشة نت) قائلة:"معي أوراق الصفقة الأخيرة لشركة جون، وهي كبيرة جدا وخسارتها ستضره ولكنها لن تقتله"
قالت كلمتها الأخيرة وهي تغمزه بعبث فرمقها بدهشة وهو يقول:"هل الخدمة تخص جون؟! أليس صديقك الحميم!"
زفرت بغنج وهي تقول:"أجل صديقي الحميم ولكن الخدمة لا تخصه بل عربي حقير"
عقد حاجبيه وهو يقول:"زوجك!"
صحّحت بنفور:"من كان زوجي، لقد انفصلنا منذ سنوات.. ألا تذكر؟!"
أومأ قبل أن يقول بهدوء:"هاتِ ما لديكِ"
"أريد محوه من الوجود حتى أحتفظ بابنتي"
صمت للحظات قبل أن يقول:"لكِ هذا ولكن أريد مقابل آخر"
رمقته بدهشة وهي تقول:"ما هو؟!"
"ابنتك" .
****
خرجت من الروضة تصطحب رُسُل التي ترمقها بنظرات غريبة كرهتها.. نظرات أشبه بنظرات نور والدها.. تلفتت حولها خشية مفاجأته لها لتطمئن ما إن وجدت رجال ويليام بالجوار فسارت مطمئنة إلى أن سمعت صوت اصطدام قوي لتتسع حدقتاها للحظات وهي ترى جسد نور الملقى على
الأرض غارقا بدمائه وتلتفت لترى رجال ويليام قد اختفوا كذلك.. فأسرعت راكضة لتختفي هي أيضا ومشاعرها تتراوح بين الراحة لأنها تخلصت منه أخيرا وبين القلق أن يعلم جون بأنها السبب وراء ما حدث..
هي لا تريد خسارة جون فهو يضمن لها حياة كريمة لن تستطيع التخلي عنها أبدا، يضمن لها المال والسلطة لذا خسارته بالعمل كانت إلهاءا عما تفعله لا أكثر فهي تعلم أن خسارته لن تؤثر بعمله كثيرا وسيستعيد قواه مرة أخرى سريعا كعادته.
****
"ماذا تعني أنك لم تجدها؟!"
صاح ويليام بغضب عارم ليرتبك الرجل ويتلعثم وهو يقول:"هربت سيدي، لم أجدها لا بمنزلها ولا بأي مكان آخر وكأنها اختفت عن وجه الأرض.. حتى جون لم أجده ولم أستطع الوصول إليه"
برقت عيناه ببريق مخيف ثم قال:"إذا كارين.. تتخيلين أنكِ لن تنفّذي الجزء الثاني من الاتفاق.. تتخيلين أنكِ تستطيعين الهرب ونسيان أمري.. سنرى كارين، سنرى"
****
بعد عدة سنوات
(الماضي أيضا)

"ماذا تعني بألا أتدخل توم؟!"
هتف ويليام بغضب ليقول توم:"أخي، امنحني الفرصة للتقرّب منها، أريدها أن تكون لي بكامل إرادتها"
زفر بنزق من طريقة شقيقه غير النافعة كما يرى ثم أطرق مفكرا قبل أن يقول:"ما لا تعلمه توم أن أمها مَدِينَة لي كثيرا وكان المقابل هو رُسُل ولكن اللعينة هربت بها لسنوات ولم تعد إلا منذ فترة قريبة ولابد أن تدفع ثمن خداعها لي"
"كارين لا تهمني بشيء ويليام، أنا لا أريد سوى رُسُل.. أريدها أن تقع بحبي، أن تأتي لي طواعية.. هل تفهمني أخي؟"
"حسنا توم ولكن عدني لو واجهتك أي مشكلة أنك ستلجأ لي"
ابتسم توم بحب وهو يقول:"ومَن لي سواك أخي!"
****
(الحاضر)
"ماذا تعني أنها لن تعود؟!"
قالها توم صارخا ليرمقه الرجل بريبة وهو يقول:
"لقد تم نقلها لفرع الشركة بمصر بناءا على طلب منها"
برقت عيناه بقوة وهو يصرّ على أسنانه صارفا الرجل بإشارة من يده قبل أن يلتقط الهاتف وما إن فُتِحَ الخط حتى قال:"لن تعود أخي.. لن تعود"
وصله صوت أخيه ليطرق مفكرا قبل أن يقول:
"حسنا أخي سأفعل"
****
دلفت إلى المنزل وهي تشعر النفور من قاطنه الذي لم تلجأ له إلا ليقضي مصلحة لها ولم يفعل حتى الآن.. جالت بعينيها في أرجاء المنزل تحاول أن تلتقط له وجودها ولكن قابلها الصمت المطبق!
عقدت حاجبيها بريبة وهي تفكر أين ذهب؟!
"مرحبا كارين"
أجفلت على الصوت الذي هربت منه طويلا لتجده جالسا بأريحية على أريكة بغرفة المعيشة.. ولحظات حتى عمّ الضوء أرجاء الغرفة لتشعر بالعمى للحظات قبل أن تبدأ بالرؤية بوضوح ..
"ويليام!"
"مفاجأة أليس كذلك؟! هل كنتِ تتخيلين أنكِ ستهربين مني طويلا؟!"
ازدردت ريقها ببطء وهي ترمقه بريبة قبل أن تقول:"أنا لم أهرب منك لقد كنت أبتعد عن عائلة زوجي السابق فقد كانوا يطاردوني بكل مكان"
لوى شفتيه بسخرية قائلا:"حقا! ألم تهربي مني؟! إذا لِمَ لم تنفّذي الجزء الآخر من الاتفاق؟!"
"أنت لم تنفّذ الاتفاق كذلك"
قالتها بجرأة ليرفع حاجبه وهو يقول:"امم إذا كيف أصيب زوجك السابق؟!"
"ها أنت قد قلتها بنفسك.. أصيب فقط ولم يقضِ نحبه.. إذا لِمَ تطالبني بتنفيذ اتفاق أنت لم تنجزه من الأساس؟"
صمت للحظات قبل أن يقول:"أنا أعلم أنكِ لا تحبينها إذا لِمَ لم تحضريها إليّ؟"
زفرت بخفوت وهي تقول:"لم أتمكن من المساس بها بوجود جون، فقد كان يحميها بحياته أكثر مما فعل مع أطفاله"
"لقد أثبتِّ مرة بعد مرة أنه لا أهمية لكِ لذا..."
صمت وهو يرمقها بتشفّي ويشير بيديه وقبل أن تعي ما يحدث معها كانت قد غابت عن الوعي.
****
يدور ويدور كالأسد النزق.. لا يصدق ما حدث!
بالكاد رآها منذ عقد القران، بالكاد همس لها مبارك دون حتى لمسة أو قبلة على الجبين فنور وجون لم يتركا له الفرصة للاقتراب منها ولو للحظة منذ عقد القران حتى كاد يرتكب جريمة وها هي سافرت دون حتى أن يودّعها!
وكل هذا لأنه أصرّ على أن يكون موعد الزفاف بعد أسبوعين بعد أن كانوا يريدونه بعد شهر على الأقل ليعاقبوه بأن أخذوها بعيدا وأنه لن يراها إلا ليلة الزفاف فقط.
زأر بعنف لينتفض الجالس خلفه صائحا:"ايه يا عم  كرار هتتحول لأسد وال ايه؟ ما تصلّي على النبي كده يعني، كلها أسبوعين وتبقى معاك ومحدش له حاجة عندك"
ثم أكمل بخفوت:"ولو اني متأكد انهم مش هيسيبوك في حالك"
لكم الجدار بقوة لينتفض عامر مرة اخرى وهو يقول:"يخربيت كده قطعت خلفي يا عم انت، ايه الهم ده؟ هم ياخدوا العروسة ويسيبولي العريس مجنون!"
نهض من مكانه يتذمر وهو ينادي على لين قائلا:
"انتي يا ست لين ما تيجي تشوفي ابن خالتك اللي هياكلني ده؟ انا كان مالي ومال العراق ومال لين ذات نفسيها"
"نعم يا سي عامر؟!"
قالتها لين وهي تقف متخصّرة ليضحك عامر وهو يقول:"نعم يا قلب سي عامر، هو انا بحب العراق من شوية.. ده انا مستعد احب ابن خالتك الكئيب ده بس عشان خاطرك"
ضحكت وهي تقول بغرور نصطنع:"ايوة كده اتعدل"
"اتعدل! انتي بتكلمي جوزك وال بتكلمي بياع الخضار! ايه العيلة ال انا وقعت فيها دي!"
****
"جالسة على فراشها وهي تشعر أنها بحلم جميل لا بل رائع هل أصبحت زوجته حقا؟!
هل أصبحت له أم أنها لازالت تحلم؟!
ابتسمت وهي تتذكر جنونه عندما علم بمغادرتها السريعة دون أن يستطيع حتى تبادل كلمة واحدة معها من بعد عقد القران..
حسنا هي سعيدة حقا أنها غادرت فهي لا تضمن جنونه بعد عقد القران فنظراته وهو يهمس لها:
(مبروك يا گلب "قلب" كرار)
جعلت رجفة تجتاح جسدها بأكمله وهي تساعد أبويها في الاختفاء عن ناظريه حتى نهاية حفل الزفاف.
اتسعت ابتسامتها وهي تتذكر كيف بدأت قصتهما وأين وصلت!
بدأت بلقاء عابر أثّر بها.. خطف قلبها وأنفاسها معا وجعلها لا تفكر بسواه.
تنهيدة طويلة فلتت من بين شفتيها قبل أن تنتبه لطنين هاتفها فالتقطته وهي تعلم من المتصل قبل أن ترى الاسم..
فتحت الخط ليصلها صوته الأجش:"اشتقتلج رُسُل"
تسارعت أنفاسها وهي تهمس:"كرار!"
أنين خافت وصلها قبل أن يصلها صوتها:"گلب كرار وعقله المخبل بيج"
أغمضت عينيها وهي تبتسم.. لا تصدق أنه يحادثها حقا، أنها زوجته.. أنها من حقه وهو من حقها!
"وين روحتي؟"
"هنا"
"ما اريدج هناك، اريدج هنه بحضني رُسُل"
أغمضت عينيها بقوة وهي تهمس زاجرة:"كرار!"
ضحك بقوة وهو يقول:"انتي تتخيلي انو طريقتك هاي راح تمنعني عن مغازلتج مثل ما أريد واشتااج..لا حبيبتي هذا راح يزيد من وقاحتي هواي"
ابتسمت بخجل وهي تقول:"وحشتني"
صمت دام للحظات حتى أنها نظرت للهاتف تتأكد إذا مازال الخط مفتوحا أم لا ليصلها صوته المحمل بالمشاعر:"أويلي رُسُل.. ليش هيج تسوين بيه؟ ليش تكوليها وانتي مو وياي، مو گدامي حتى أرد عليج بطريقة حلوه وشگد مشتاااق للرد حبيبتي"
"وقح!"
ضحك عاليا حالما وصلته همستها ليقول:"بعد ما شفتي الوقاحة حبيبتي، مبقى شي.. هي كله عشرة ايام وبس وبعدين راح تشوفي گلشي وقح وكتها.. مراح يكون هناك لا جون ولا نور او اي شخص راح ينقذج من بين ايدي"
شهقة خجولة تبعها صمت مطبق لينظر للهاتف بريبة ليجدها أغلقت الخط فضحك عاليا وقد اعتدل مزاجه قليلا .
أغلقتوالخط وهي تهتف:"يا إلهي وقح، كيف سأتعامل معه؟!"
لترتسم ابتسامة حالمة على شفتيها وهي تتمتم:"ولكني أحبه، أحبه كثيرا"
****
"انما اخوك ده يا ضي بسم الله ماشاء الله حظه في رجليه زي ما بنقول، الواحد بيبقى له حما واحد وبيطلع عينه.. كرار بقىماشاء الله ربنا يزيد ويبارك يعني له تلاتة، هم كانوا اربعة الحقيقة بس انا اشفقت عليه وقولت كفاية خالي وجدي وجون.. هيطلعوا عينه ويقول حقي برقبتي بعدها"
ضحك ضي عاليا وهو يرمق كرار الذي يتميز غيظا بمرح ثم قال:"اكيد هاي امي دعت له هوايه"
"او يمكن هاي اعماله الي سلطت عليه"
قالها زيد مشاركا المرح لينهض كرار وهو يبعد المقعد بعنف مصدرا صوتا قويا وهو يهتف:"صرت مضحكة الكنم.. ميخالف، مبقى شي غير اسبوع وماگو احد يگدر يسوي شي بعدها"
ضحك عامر عاليا وهو قول:"لو انت فاكر انك لما تتجوزها كده نفدت تبقى بتحلم.. ده ممكن يطلعولك من الحنفية، من خرم الباب.. اسألني أنا، وكله كوم بقى ولما تقولك هبات عند ماما قيمة شهرين كده"
اعتدل وهو يتابع:"لو قولتلها لا ياقلبي مقدرش ابعد عنك تقولك انت مستبد وعايز تبعدني عن اهلي.. ولو قولتلها ماشي حبيبتي خدي راحتك وحقك تقولك انت مش عايزني وبتفرط فيا بسهولة"
ساد الضحك والمرح بينهم ليتابع عامر بشقاوة:
"وقتها تحس يا أخي انك عايز تطلقها بالتلاتة وتخلص"
"بتقول حاجة يا عامر؟!"
قالتها لين التي ظهرت من العدم وهي تقف بجواره متخصرة لينتفض عامر قائلا:"بسم الله الرحمن الرحيم.. هم بيطلعوا امتى دول؟! لا ياحبيبتي ده انا بقولهم ان الجواز ده عامل زي البطيخة.. يا تطلع حمرا يا تطلع...."
صمت وهو يراها تزجره رافعة حاجبها ليكمل مصطنعا الارتباك والخوف:"يا تطلع حمرا برضه.. ماهي لازم تبقى حمرا امال يعني هتبقى بني"
ارتفعت الضحكات عاليا لينهض كرار وهو يقول:
"اشوفكم يوم العرس"
رمقه الجميع بريبة ليقول زيد:"لوين رايح كرار؟"
"لزوجتي"
قالها ثم اختفى من أمامهم ليضحك عامر وهو يقول:"ياعيني الواد اتجنن قبل مايتجوز امال لما يتجوز هيحصله ايه"
"عامر!"
زجرة من لين جعله ينتبه أنها لازالت موجودة ليقول متذمرا:"ايه يا لين موراكيش حاجة تعمليها؟ مالك كابسه على نفسي كده ليه؟ سيبيني افك شوية مع العرسان واستعيد الذكريات"
"ده على اساس اننا متجوزين بقالنا عشرين سنة يعني"
قالتها لين ضاحكة ليجيبها محركا حاجبيه: "تصدقي ياحبيبتي كل ثانية معاكي بتعدي كأنها سنة"
"نعم!"
قالتها لين وهي تكاد "تردح" ليقول ضاحكا:
"اقصد كل ثانية بعيد عنك بتعدي كأنها سنة"
"اه افتكرت"
قالتها مهددة ثم غادرت ليتابع بصوت خافت سمعه كلا من زيد وضي اللذين انفجرا بالضحك حالما قال:"وكل ثانية معاكي بتعدي كأنها عشر سنين.. يالهوي ان ايه اللي خلاني اتجوز بس؟ ما كنت قاعد واكل شارب نايم براحتي لا حد بيقولي خد الزبالة وانت نازل ولا حد بيقولي اتأخرت ليه
ولا روحت فين.. يا صغيّرة على الهم يا لوزة" .
***
بعد يومين
"احذري انا وين!"
قالها كرار ما إن فتحت الخط لتضحك قائلة:
"وين!"
"اويلي على العراقي من شفافج حبيبتي"
ابتسمت بخجل وهي تقول:"انت في مصر؟"
ضحك بمرح ثم قال:"اي انا بمصر، مگدرت اكون بغير بلد بعيد عنج، اريد اصير اقرب الج من أنفاسج"
تنهيدة حارة فلتت من بين شفتيها ليتأوه قائلا بحنق:"انتي تتعمدين هيج رُسُل، تتعمدين انو تزيدين من ناري واني راح احترگ.. بس اني قريب منج وراح اجي الج ووگتها....."
قطع حديثه بنبرة ذات مغزى فهمّت بالحديث ليقاطعها رنين جرس الباب فعقدت حاجبيها بريبة وهي ترمق الهاتف تقول داخلها:
"غير ممكن! هل هو كرار؟! المجنون"
هرعت للخارج بعد أن ارتدت ثوب الصلاة لتفتح الباب فوالدها كان بالعمل وقد نسيت الخط مفتوحا وكرار يسألها من الطارق ولكنها لم تسمعه فقد تجمدت مكانها حالما فتحت الباب وهي ترمق الزائر بصدمة:"توم!"
"كيف حالك رُسُل؟ أفتقدك كثيرا"
ابتسمت بارتباك وهي تقول:"مرحبا توم، كيف علمت مكاني؟"
"من يسأل لا يضيع طريقه رُسُل، أليس هذا ما تقولونه؟"
قالها وهو يرمقها بغموض فرمقته بعدم ارتياح وهي تقول:"هل هناك شيء توم؟ أظن أننا أنهينا كل الحديث بآخر مرة"
برقت عيناه ببريق مخيف جعلها ترتجف داخليا وهي تبحث بعينيها عن أي أحد ولكن الهدوء يعم المكان ولا يوجد أحد بالجوار.
"ما بيننا لن ينتهي رُسُل، لن ينتهي أبدا"
قالها وهو يخطو إليها مقتربا بطريقة غريبة ونظراته أخافتها فعادت للخلف بخطوة وهي تقول:"لم يوجد شيء بيننا من قبل توم ولن يوجد لذا من فضلك غادر قبل أن يأتي أبي ويراك
ووقتها لن أضمن رد فعله"
ابتسم بخبث قائلا:"ولكني أعلم أن والدك لن يأتي بالوقت الحالي وأعلم أيضا أنكِ بمفردك بالمنزل.. فلا تحاولي خداعي رُسُل"
"لا أفهم ماذا تريد توم؟!"
قالتها بحدة وهي تفكر .. هل يراقبها؟ وماذا يريد من كل هذا؟!
"أنتِ رُسُل، أريدكِ أنتِ ولن أتنازل عنكِ مهما حدث.. ستكونين لي أو لن تكوني لأحد"
تظاهرت بالثبات وهي تقول:"لقد تزوجت بالفعل توم ولم أعد أصلح لا لك ولا لسواك.. لا لأحد سوى زوجي وفقط"
برقت عيناه بقوة وهو يهتف:"كاذبة!"
"بل صادقة، ألم يخبرك جواسيسك بموعد زفافي بعد أقل من أسبوع كما أخبروك عن مواعيد أبي!"
اقترب منه لتتقهقر للخلف بريبة وهي ترمقه بحذر وترى مظاهر الجنون على ملامحه.. أكان هكذا دوما أم أنه تغيّر بهذه الفترة؟!
"مَن هو؟!"
لم ترد وظلّت ترمقه بصمت ليقول وقد استنتج من هو:"كرار أليس كذلك؟! كيف رضيتِ به بعد أن نبذكِ رُسُل؟ كيف تخلّيتِ عن كرامتك بهذه الطريقة؟! لقد توّجتك ملكة على عرش قلبي وماذا فعلتِ أنتِ؟ خنتني وارتبطت بمن أذلّك وخذلك من قبل.. كيف تكوني بهذا الغباء!"
"لا دخل لك توم، غادر من فضلك وكُف عن إثارة المشاكل"
ضحك بشر وهو يقول:"لا رُسُل.. لن أغادر إلا بعدما أحصل على ما جئت من أجله"
رمقته بقلق ليمسك بذراعها بقسوة يقرّبها له ويدلف لداخل المنزل وهي تتملص من بين يديه بقوة دون جدوى وهو يقول بجانب أذنها:"لن يحصل عليكِ أبدا رُسُل، لن أتركه يحصل
عليكِ.. ستكونين لي أولا وبعدما أنتهي منكِ لن يرضى بكِ سواي"
مدّ ذراعه الآخر ليغلق الباب خلفهما بعدما نجح بالسيطرة على مقاومتها وإدخالها داخل الشقة لتصدح صرختها عاليا وبلحظات حدث كل شيء بسرعة كبيرة.
وجدت نفسها تتحرر من بين يديه وهو يتراجع بعد أن تم لَكْمِه بقوة وتوالت ضربات ولكمات وقد لاحظت توم وهو يحاول الدفاع عن نفسه أمام كرار الذي لم تفهم كيف جاء ولا متى وجون الذي كان يصرخ به ويضربه بقوة وحقد.. أما هي فقد وجدت نفسها بحضن شقيقها أندي الذي كان عائدا من الخارج مع جون لتتمسك به بقوة وهي تغمض عينيها غير مصدقة لما يحدث، تتخيل نفسها بكابوس مريع تريد أن تفيق منه ولا تعلم كيف!
عدة لحظات ووجدت نفسها تخرج من حضن أندي لحضن كرار الذي حملها ضاما إياها بقوة وهو يهمس لها:"لا تخافين حبيبتي، لتبجين.. انا هنا رُسُل، أنا هنا حبيبتي"
ما إن استنشقت رائحته حتى ضمّت نفسها له بقوة وهي تندس بحضنه أكثر تريد الشعور به يحيطها.. يحميها من كل شيء يدخلها داخل صدره حتى لا يستطيع احد الاقتراب منها أبدا ولا أذيتها.
"كرار!"
همستها بتوسّل ألا يكون حلما وأن يكون حقيقة..
"گلب كرار وروحه"
"لا تتركني أبدا"
"ابدا رُسُل، ما راح اعوفج ابدا حبيبتي"
نحنحة قريبة جعلته يهمس لها بمرح مصطنع:
"راح انزلج رُسُل گبل ان يگص جون راسي عن جسمي، بس دقيقة حتى يطمن عليكي ويروح"
أقرن قوله بالفعل وأنزلها على الأرض لتترنح بوقفتها فيسارع بإسنادها إلى جذعه القوي لتغمض عينيها بقوة وهي تتمسك به رافضة أن تفتح عيونها تخشى أن تجد ذلك الوغد أمامها مرة
أخرى.. ليهتف كرار بعنف وقد أدرك ما يجول بخاطرها:"افتحي عيونج رُسُل"
حرّكت رأسها برفض وهي تغمض عينيها بقوة أكبر ليشعر بيديها ترتخيان ويراها تستسلم لفقدان وعيها فهتف بها بعنف وهو يشعر أنه سيعود لقتل ذلك الوغد:"لتفقدين الوعي وإلا أسوّي شيء متهوّر راح تندمين عليه گبلي خاصة انه گدام جون واندي"
كان يهددها فقط حتى تفتح عينيها ليطمئن عليها فقد تركهما جون منذ لحظات حتى يبعد الوغد بعيدا قبل أن ينهي حياته..
ارتجفت بين ذراعيه لتنسل دمعة خائنة من بين عينيها ليضمها له وهو يكاد يحطّم أضلعها دون وعي ليزفر براحة وهو يشعر أنها عادت إلى مكانها الطبيعي بحضنه قرّبها منه أكثر حتى اختلطت أنفاسهما ثم ارتشف دمعتها بشفتيه بشغف هامسا:
"لتبجين حبيبتي، افتحي عيونج وإلا أمسح دموعج بشفافي وراح تصير فضيحة إذا باوعلنا أحد ووقتها متلومين إلا نفسج لأن مراح أكتفي بدموعج"
لم ترد وهي تتمسك به وكأنها تمنحه الإذن ليفعل ما يشتاقه ولكنه لم يفعل فهو لا يضمن رد فعله إذا ذاق رحيقها أن يتركها مرة أخرى!
"رُسُل!"
همسة قلقة من نور جعلتها تفتح عينيها وهي تخرج من حضن كرار الذي تركها على مضض وتركض لتندس بحضن والدها ودموعها تنهمر على وجنتيها بقوة وشهقاتها تتعالى ونور يضمها له بقوة وهو يربت على ظهرها يهدهدها حتى شعر
بارتخاء جسدها بين يديه ليهتف بجزع:"رُسُل!"
هرع له كرار وبلحظة كان يحملها بين ذراعيه بخفة ويضعها على الأريكة وهو يربت على وجنتها برفق دون جدوى..
ليدخل جون بهذه اللحظة وأدرك ما حدث ليقول:
"لا تقلقا، هي لم تفقد الوعي كما تظنان، هذه عادتها كلما شعرت بالخوف أو القلق تلجأ للنوم هربا من مشاعرها"
زفرا براحة نسبية ونور يشعر بالمرارة لأنه لم يكن بجانبها يشعرها بالأمان، يضمها عندما تخاف أو تقلق.. لم يكن بجانبها حتى ليعرف عادتها ك جون!
وكأنه أدرك ما يفكر به نور فهمس له معتذرا للمرة الألف ربما:"آسف نور!"
أومأ برأسه دون حديث وهو يقول:"أنا من أخطأت بالاختيار من البداية جون، ليس ذنبك أبدا"
****
جالسة على السرير الخاص بها، عيناها تدوران بالمكان تبرقان بحقد هو جزء لا يتجزأ من شخصيتها.. وهي تتذكر ما أوصلها لما هي فيه.. (محتجزة خلف القضبان بسجن حقير مع أحط
أنواع البشر)
زفرت بقوة وهي تتوعد ويليام من زجّ بها بكل ذلك وتلعن حماقتها بافتراض أنها ربما تستطيع أن تنفد من عقابه ليفاجئها بعقاب لم تتخيله أبدا!
لم يكتفِ أنها خسرت جون تذكرة أمانها بالعالم وأطفالها الذين ربما لم تكن متعلقة بهم كثيرا ولكنها تشعر أنهم من إنجازاتها، أطفالها الذين اختاروا تلك الجاحدة على الحياة معها.
عادت بذاكرتها إلى ذلك اليوم الذي فقدت به وعيها لتفيق وتجد نفسها على الفراش بجانب جثة صديقها اللزج!
ملابسها مليئة بالدماء ومجروحة عدة جروح صغيرة بكفها وساعدها وبجانبها سكين كما يبدو طُعِنَ به صديقها عدة طعنات وقبل أن تتحرك كانت الشرطة تملأ المنزل وتقبض عليها .
حاولت إفهامهم أنها ليس الفاعلة ولكن كل الدلائل كانت تشير إليها بقوة لا تترك للشك مجالا .
أفاقت من شرودها على هزة عنيفة لجسدها كادت معها تسقط عن السرير الضيق فرفعت بصرها لتجدها تلك التي يخاف منها الجميع بالسجن فنهضت متمهلة لترمقها بريبة وهي
تقول:"ماذا تريدين؟!"
رمقتها الأخرى بتمهل مثير للاستفزاز وهي تقول:
"لقد جاءتني توصية عالية بكِ تُرَى ماذا فعلتِ لتثيري غضبه إلى هذا الحد؟!"
ارتجفت داخليا وهي تخمّن ما نوع التوصية التي وصلتها لتزدرد ريقها بخوف وهي تقول:"لم أفعل شيئا"
ضحكة عالية من الأخرى جعلتها ترتجف فعليا وهي تفكر أن عقابها لم يبدأ بعد!
وكم كانت محقة بذلك فقد بدأت حياتها بقلب الجحيم للتو!
*****
ليلة حنة رُسُل
تشعر بالتوتر والفتيات تدرن حولها تحاولن أن تغيّرن من مزاجها المتوتر القلق دون جدوى .
"ايه يابنتي مالك؟ بقى ده شكل واحدة فرحها بكره؟!"
قالتها لين ممازحة رُسُل لترسم ابتسامة باهتة على شفتيها وهي تقول:"منمتش كويس"
"اكيد كله بسبب حبيب الگلب (القلب)"
قالتها خولة ممازحة لتكمل نبأ وهي تتنهد بطريقة مسرحية:"اكيد سهرتي البارحة طول الليل تحجين ويه كرار على التليفون وهو يگولج شراح يسوي من راح تصيرين بين يديه وحدكم"
شهقة خجولة من رُسُل جعلتهن ينفجرن بالضحك عليها ولين تقول:"واضح ان الوقاحة في العيلة دي متأصلة زي الغباء بالزبط.. يا عيني على حظك يا رُسُل يا بنتي"
ضحكت خولة وهي تقول:"هذا على اساس انو انتي مو من العائلة لين!"
حرّكت كتفها بدلال وهي تقول:"لا خلاص.. من وقت ماتجوزت وانا بقيت من عيلة حبيبي عامر وبس"
"رُسُل!"
همستها نبأ فرفعت بصرها إليها لتقول بابتسامة:
"لا تخافين, تره كرار يحبج هواي"
ابتسمت لها بحب وهي تقول:"عارفه، أنا بس...."
صمتت حائرة لتقول نبأ بتفهم:"أفهم هواي ما تحسين بيه رُسُل، وافهم انو انتي تتمنين انو امج وياج بس مو كارين اكيد.. ولكن ام ثانيه مثل عمتج نورية الحنونة او جدتك الرائعة بس شراح اگول!"
صمتت للحظات ثم تابعت:"اتأكدي اننا كلنه وياج حبيبتي وماراح نعوفج ابدا"
قطعت حديثها لتتابع بغمزة شقية قائلة:"تره اني مااظن انو كرار راح يعوف الج فرصة انو تفكرين بغيره باجر.. اصلن اني خايفة انو راح ياكلج بلقمه وحده مِن عيونه تشوفج"
ابتسمت رُسُل بخجل قبل أن تقول:"انتي كده بتطمنيني وال بتخوفيني أكتر!"
ضحكت عاليا لتندس بينهم خولة وهي تقول بغيرة:"انتي شدگولين من غيري؟ رُسُل انتي صديقتي اني وبس لا تنسين ابدا"
دخلت نورية وهي تنبههن أن النساء قد اجتمعن بالخارج ولابد أن تخرجن جميعا لتسير معها رُسُل ومن خلفها الفتيات لتغادر نورية للحظات ثم تعود بصينية الحناء وعلى حوافها الشموع والتي زيّنتها بنفسها مع الجدة..
التفّ حولها الجميع وهن يغنّين أغاني من الفولكلور الشعبي المصري ويرقصن بمرح وسعادة..
"اهو جالك اهو, ريّح بالك اهو"
"وياللي على الترعة حوّد على المالح"
"مدّي ايدك يا عروسة.. مدّي ايدك للحنة
مدّي ايدك يا عروسة..مدّي ايدك واتحنّي"
"بس الوله يجي.. بس الوله يجي
يجي عالمحطة وانا ادبحله بطة
يجي عند دارنا وادبحله حمامنا واشاورله يجي
يجي عالتسريحة واحطله ريحه"
"يحيا ابوها يحيا.. يحيا ابوها يا جدعان
يحيا ابوها وشنبه اللي محدش غلبه"

رواية قتلتني عيناها بقلمي حنين أحمد (ياسمين) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن