خاتمة قتلتني عيناها بقلمي حنين أحمد (ياسمين)

3.5K 146 43
                                    

الخاتمة
بعد عدة سنوات
في مصر

تعالت صرخاتها برواق المشفى الذي ملّ منهما
والعاملين به يرمقونهما بنظرات تتراوح بين
الدهشة والمرح وهو يسير خلفها بهدوء كما اعتاد
على تلك الصرخات يدفع الكرسي المتنقل دون
حديث وهي تواصل صراخها كلما فاجأتها آلام
المخاض:"هقتلك يا عامر، هقتلك.. أنت السبب"
رفع بصره بملل وهو يحرّك رأسه بصمت قبل
أن يخفض رأسه يهمس لها:"وأنا اللي كنت بضربك
على ايدك عشان تحملي يا لين؟ مانتي اللي
بتحرّضيني على الرذيلة وانا الصراحة بموت فيها"
"آخر مرة مش هخلّيك تلمسني تاني"
صرخت بوجهه لينتفض وهو يضع إصبعه بأذنه
دلالة على الألم جراء صرختها بأذنه قبل أن يبتسم
بسماجة ويغمزها بوقاحة قائلا:"طب عيني في
عينك كده؟ دي تالت مرة أسمع الكلام ده وكل مرة
بت..."
ضربة على رأسه قاطعت حديثه ورُسُل تسأله:
"بتقولها ايه بيغيظها كده؟ ابعد عنها يا عامر كفاية
اللي هي فيه حرام عليك"
زمّ شفتيه حتى لا ينفجر ضاحكا فلو أخبرها عن
حديثه المتبادل مع زوجته وهي على وشك الولادة
ربما فقدت وعيها من الخجل ليبتسم دون حديث
ولين تصرخ:"خليه يبعد عني يا رُسُل"
أومأت رُسُل مهدئة إياها لتصرخ لين مرة أخرى:
"طلّقني يا عامر .. طلّقني"
"حاضر يا حبيبتي هطلّقك لما تقومي بالسلامة"
قالها عامر بسماجة لينفجر كرار ضاحكا وهو
يهتف به:"شنو بيج انته؟ هسه هذا وقت شقى
(مزح)"
ضحك قائلا:"ياعم ماهو كل مرة بسمع نفس الكلام وكل مرة طلقني طلقني.. وهي ال ..."
قاطعه صراخها باسمه ليضحك وهو يقترب منها
مرة أخرى لتتجهم ملامحه وهو يلمح الدموع
بمقلتيها ليضمها له بقوة وهو يهمس لها:"اوعي تنزل دموعك يا لين.. انتي عارفة هعيّط معاكي وهنتفضح قدام ابن خالك.. اوعي تضيعي هيبتي قدامهم.. قوليلي بس اعملك ايه وانا هعمله..
والله لو ينفع اولد مكانك لهعملها بس ماتعيطيش"
استكانت بين ذراعيه للحظات قبل أن تقبض على
ذراعيه بقوة قائلة:"هموت يا عامر.. مش قادرة"
"بعيد الشر عنك يا قلب عامر، لين المرة دي
بجد.. اخر طفل لاني معنتش هستحمل اشوفك
بتتألمي كده كل شوية.. وإن كان على الرذيلة
نحلها من غير ولاد"
ضحكت من بين دموعها ليبتسم لها بحب وهو
يضمها له بحنان قبل أن يودعها على باب غرفة
الولادة لتختفي كل ملامحه المسترخية ويظهر
القلق الذي أخفاه عن عينيها ببراعة وهو يذرع
الممر أمام الغرفة ذهابا وإيابا في انتظار خروجها
سالمة مع طفلهما الثالث أو طفلتهما المرهقة كأمها!
*****
عادت إلى المنزل منهكة وحزينة لأن لين والطفلة
لم تعودا معها.. دلفت إلى غرفتها بعدما اطمأنّت
على طفليها لدى جدتهما هديّة وكالعادة تمسّكا
بالنوم معها خاصة أن طفلي عامر ولين معهما
تبعها كرار وهو يرمقها بتفحص غفلت هي عنه
" هاي شبيچ رسل شنو ديصر وياچ، من چنا
بالمستشفى واني داشوف خوفج هواي على لين؟
تره هاي مو اول مره تجيب بيهاا ليش هل
الخوف؟"
رمقته بصمت للحظات قبل أن تقول بخفوت:
"مش عارفه يا كرار، يمكن عشان كلامها كل شوية
انها هتموت في الولادة دي! تعبتلي أعصابي حقيقي"
ضحك كرار بمرح وهو يقترب منها على غفلة منها
" هي مخبله وانتي تعرفينه زين"
"لا هي كانت فعلا خايفه و.."
انتفضت صارخة بفزع وهو يحيط بها ضاحكا وهو
يقول:" مسكتچ هسه منو راح يخلصچ مني؟"
أغمضت عينيها بخجل هامسة:"كرار!"
تنهيدة عميقة فلتت منه وهو يهمس:"أحبج"
"وأنا"
همست بها وهي تدفن رأسها بصدره ليرفع رأسها
وهو يقول:" ارفعي راسچ رُسُل اريد اسمعهاا منچ
وانتى اتبوعين على راسن"
لم تستطع الرد وهي تغمض عينيها بقوة ليضحك
بخفوت قائلا:" مااعرف شلون لحد هسه تستحين
مني حتى بعد كل هل السنوات على زواجنا!"
شعرت ببعض الضيق بنبرته لتعض على شفتيها
قبل أن تفتح عينيها وتنظر له مباشرة هامسة
بالانجليزية والتي تجيد التعبير عن مشاعرها بها
أكثر من العربية:"أحبك كرار"
همّ بالحديث ولكنها أوقفته قائلة: "لا أعلم كيف ولا متى أحببتك بهذا العمق! ربما منذ المرة الأولى التي اصطدمنا بها بانجلترا، وربما عندما قابلتك مرة أخرى بمنزلكم بالعراق وشعرت بالحزن وقتها لأنك لم تتذكّرني.. وربما عندما غادرت العراق وقلبي مكسور بسببك أو ربما عندما جمعنا القدر أخيرا معا وتحقق حلمي بالزواج منكَ.. حقا لا أعلم متى أو كيف ولكني أحبكَ كثيرا وسأظل أحبك حتى الرمق الأخير"
لم يستطع النطق للحظات ولكن المشاعر على
وجهه كانت معبرة عن مدى تأثّره بكلماتها.
احتدت أنفاسه وهو يمسكها بين ذراعيه يرمقها
بنظرات عاشقة لم تفتر يوما طوال سنوات زواجهما قبل أن يقترب بوجهه منها لتلفحها أنفاسه الحارة وهو يقول:" مو اگلولك لو نحچي مو عربي چان شبعتك بووووس"
"كرار.."
همست ليلتهم باقي حروفها بشوق جارف ولم يعد
هناك معنى للكلام بعدها فلغة العشق لا تحتاج
لحروف!
****
في العراق
" اويلي ضي ماراح تجوزي من هاي غيرتچ والله
احرچتني گدام الرچال"
قالت نبأ بغضب ليرمقها بغضب أكبر وهو يهتف:
" مو گلتج عوفي الشغل نبأ.. موگلتچ اني مااريد
احد يشوفج لا تگولي اني مگلتلچ شنو يصير بيه لما
احد يباوع عليچ او يحچي وياج"
ابتسمت داخلها فهي تعلم جيدا أن إصرارها على
الاستمرار بالعمل هو ما يجعله دوما على حد
الاشتعال ولكن ماذا تفعل!
لا تريد أن تشعره بالأمان أبدا.. رغما عنها مازال
بداخلها خوف من خذلانه لها حتى لو لم يحدث
طوال سنوات.. ولكن هذا الخوف الذي يموج
بداخلها هو ما يكبلها عن الرضوخ لرغبته فقط
خفّفت حضورها للعمل من أجل الأطفال.
رأى على ملامحها المغلقة الصراع الدائر
بداخلها بين خوفها من خذلانه لها مجددا وبين
رغبتها في راحته.. رأى وأدرك على الرغم أنها تنجح معظم الوقت في إخفاء مشاعرها عن العالم بأجمعه ولكن لن تنجح أبدا بإخفائها عنه.. هو من رباها على يديه، هو من يعلم جيدا كل خفايا نفسها حتى لو قاوم عشقها بحماقة من قبل .
رفعت رأسها تهم بالحديث عندما أصمتها بقبلة
حارة تحولت لعناق كاسح أربك كل مشاعرها
كعادته كلما لمسها بهذا الشوق الذي لا ينضب
أبدا لتنحي كل أفكارها وشكوكها وما يقلقها
وتنجرف معه بمشاعرها متناسيين أنهما مازالا
بغرفة المكتب بالشركة وأن هناك من ينتظرهما!
****
اشتعلت عيناها بقوة وهي تراه يقف مع تلك الحية
التي تمقتها لتقترب منهما راسمة على شفتيها
ابتسامة واسعة تخفي بها غيرتها وعدم ثقتها بنفسها بسبب مظهرها المتغير من الحمل فقد ازداد وزنها بصورة ملحوظة عن الحمل الأول وهذا يسبب لها الضيق كثيرا.. تذكرت نصيحة نبأ لها لذا أخفت كل مشاعر الضيق والغيرة واقتربت منهما بثقة مصطنعة..
"زيد!"
نادته برقة ليلتفت متفاجئا بوجودها قبل أن يبتسم
بسعادة ناسيا من تقف معه برد فعل أثلج صدرها لتزيد بالدلال وهي تضم نفسها له مقبلة وجنته هامسة بحب:"هواي اشتقتلج"
حسنا تفاجأ كثيرا برد فعلها فهي على الرغم من
جرأتها بينهما ولكن أمام الناس تكون خجولة كثيرا
ليفهم أنها تغاار فيبتسم بحب وهو يضمها له
بقوة هامسا:"وانا اشتقتلج هواي يا كلب زيد"
رمق الواقفة بجانبها ترمقهما بلا خجل بازدراء
فحركاتها كلها مكشوفة له ويبدو أن أيامها بالشركة
باتت معدودة ليقول:" روحي للا ستاذ شريف وهو
راح يفهمج شتريدين في الشغل اني ماعندي وكت"
رمقتها خولة باستخفاف قبل أن يقودها زيد لمكتبه وما إن دلفا إليه حتى قال:" كل ما تجين لمكتبي اتذكر ذاك اليوم الي حددنا موعد زواجنا"
ابتسمت بحب وهي تقول:" واني هم اتذكره كل
ماااجي الك"
صمتت للحظات وهو شعر أنها تريد إخباره بشيء
ليصدق حدسه وهي تقول:" هاي البنيه مااريدهاا
بالشغل"
ابتسم بخفة وهو يقول:"وشنو السبب؟"
"ما احبها"
قالتها بغيظ ليضحك قائلا:" شنو يعني ابطله من
الشغل واكلوله مرتي مااتحبج"
زمّت شفتيها بضيق ليقرّبها منه وهو يقول:
"انتي تعرفين زين خوله انو ماگو اي مرة بالكون
كله انو تلفت نظري اله لو بنظره عابره"
"حتى واني بهل الشكل؟"
قالتها وهي ترمقه بحزن لتتسع عيناه بصدمة!
هل تتحدث بجدية؟!
هل ترى نفسها ببطنها المتكور لوجود طفله بداخله قبيحة؟!
"غبية يا خولة"
"شنو؟!"
هتفت بعدم تصديق لسبّه لها ليهتف بجدية:
" مااعرف شراح اسوي وياج خوله لو اگدر اخليج
تشوفين نفسج بعيني مااتخرت على سويتهاا"
زفر بخفوت وهو يمسك يدها يضعها فوق قلبه
وهويتابع: " بس الي اكدر اسويه انو خليج تحسين
بدگات گلبي الي يركض كل ماعيني توگع عليج"
نبضاته المتسارعة جعلت الدموع تطفر بعينيها
لتلقي بنفسها بين ذراعيه وهي تهتف:
"أحبج زيد، أحبج هواي"
"وأنا واني هم احبك ياگلب زيد"
*****
"بطّل بقى يا عامر الله، ذليخة ايه اللي هسمي بنتي باسمها؟"
قالتها لين بغضب ليكبح عامر ضحكته وهو
يشاكسها:"طيب خلاص بلاش زليخة هنسميها
أم السعد أو أم الهنا.. قولي بقى ان الاسم مش
عاجبك ها قولي"
"عامر!"
زمجرت بغضب ليقهقه نور الذي جلس كابحا
ضحكاته عليهما وهو يقول لها:"يابنتي الواد بيهزر
معاكي وانتي مابتصدقي تعصبي"
ثم نظر لعامر وهو يقول:"خف تعوم يا عامر البنت
لسه خارجة من ولادة ومش قادرة لغلاستك"
انفجر عامر ضاحكا وهو يقترب منها مقبلا جبهتها هامسا لها دون أن يسمع أحد:"البوسة هنا بس عشان الرقابة لما نروح ههريكي بوس"
تلوّن وجهها إثر همسه ليحرّك نور رأسه بلا فائدة
قبل أن يصله صوت عامر:"وانت مش ناوي تتجوز
بقى يا خالي؟ ايه ماحنّتش لأيام الشقاوة؟ وال جون
مالي عليك حياتك"
انفجرت لين ضاحكة وشاركتها رُسُل التي دلفت
قبل الجملة الأخيرة لعامر لينتفض نور واقفا وهو يتوعده ليركض عامر خارج الغرفة ويصطدم بجون الذي وصل لتوّه ليتحمد لعامر ولين سلامة مولودهما ليرمقه جون بدهشة وهو يرى الأب الذي
رزق بطفلة يركض خارج الغرفة وخلفه نور يتوعّده ليهتف:"ماذا هناك عامر؟ ما الذي يحدث نور؟"
توارى خلفه عامر يمسك بملابسه من الخلف وهو
يقول:"احكم انت يا عم جون .. بقول لخالي يتجوز
ويجيب واحدة تونّسه ف وحدته فقالي جون موجود ومالي عليا حياتي و.."
انفجر نور ضاحكا وهو يهتف:"على اساس انه فاهمك بقى!"
رمقه جون بريبة وهو يقول:"ما الذي يهذي به؟
ولماذا يكرر اسمي كثيرا"
ضحك نور وهو يشير له ألا يهتم:"مجنون ألا تعرفه!"
أومأ جون موافقا إياه ليتحركا داخلين الغرفة تاركين عامر واقف خلفهما وهو يردد:"مجنون؟ والتاني بيهز راسه! لا وداخلين يشوفوا بنتي.. طب يبقوا يحلموا يبوسوها وال يشيلوها بقى"
ليصمت للحظات قبل أن يقول:"وال اقولكم بلاش هخليهم ياخدوها امال انا هستفرد بلين امتى.. بس بعد الاربعين بقى"
قالها وهو يهنئ نفسه على ذكائه قبل أن يدلف
للغرفة التي تحولت لحالة من الضحك كعادته
عندما يتواجد بمكان هو ولين.

تمت بحمد الله 
مع تحياتي حنين أحمد (ياسمين)

🎉 لقد انتهيت من قراءة رواية قتلتني عيناها بقلمي حنين أحمد (ياسمين) 🎉
رواية قتلتني عيناها بقلمي حنين أحمد (ياسمين) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن