أطبقت الأم ريڤا على جفنيها تتنهد بألم : أتمنى لك الخير بنيّ ولتعود إلى ليبرا سالماً ..بينما هي على هذه الحالة كانت هناك من تقف خلفها تراقب البلورة بشغف شديد تتأمل صورة هذا الشاب الوسيم .. تهيم في عالم أحلامها متمنية أن يصبح واقعاً تلمسه بيديها.. تمرر عينيها على ملامحه بإعجاب وتمهل لتحفر تفاصيله الدقيقة داخل ذاكرتها ..هكذا كانت هي تشاهد من بعيد طيلة السنوات الماضية لا تجرؤ على السؤال عن هوية ذلك الفتى الذي يشغل تفكير جدتها ووالدها حتى قررت الأم ريڤا إستغلال هوسها به وصارحتها بكل شيء يخصه منذ ولادته فأصبح كل أملها أن تقابله وجهاً لوجه... أفاقت هيلينا من شرودها على نداء الأم ريڤا بعد إنتباهها لوجودها.. حاولت إستجماع نفسها تخفي توترها أمام جدتها التي هتفت عليها عالياً بتعجب : هيلينا!.. لماذا تقفين هكذا؟!
إبتلعت ريقها بصعوبة خجلاً من نظرات جدتها المتفحصة تحاول التحدث بصوت واضح : لا شيء جدتي.. جئت أطمئن عليكِ
إبتسمت الأم ريڤا على إحمرار وجنتيها وأردفت : إقتربِ حبيبتي.. أود الحديث معكِ
سارت هيلينا نحوها بخطوات سريعة نوعاً ما متحفزة لما ستحدثها به ينبأها حدسها بأن الأمر له علاقة بچايدن.. وقفت أمامها تفرك في أصابعها بتوتر قائلة بخفوت : حسناً جدتي.. ماالأمر؟
أمسكت الأم ريڤا بكفها البارد تقربها منها حتى أجلستها بجوارها قائلة : لماذا تراقبين البلورة من بعيد؟ .. أنتِ الآن على علم بكل شيء
أخفضت هيلينا بصرها بخجل قائلة : لم أقصد المراقبة أنا فقط لم أرد مقاطعتكِ
رفعت الأم ريڤا وجهها بسبابتها تنظر في عينيها بحب : عيناكِ لا تخبرني بذلك
إبتسمت هيلينا بطفولة : لا تخجليني يا جدتي
ضحكت الأم ريڤا على ردة فعلها ثم قالت : إذن قلب نور ليبرا يخفق من أجل أحدهم
فغرت هيلينا شفتيها مصعوقة من حديث جدتها تحاول تدارك الأمر قائلة بتوتر : لماذا فسرتِ الأمر بهذه الطريقة؟
ضيقت الأم ريڤا نظراتها مداعبة وجنتها : يبدو أن مدللتي غافلة عن كون جدتها تعلم السر قبل العلن داخل ليبرا وخارجها .. فمابالك بقلب صغيرتي؟
أطرقت هيلينا برأسها لأسفل مرة أخرى قائلة بخجل : لا أعلم متى حدث ذلك لكنني أحبه وبشدة
إحتضنت الأم ريڤا وجه حفيدتها بين راحتيها قائلة : أعطيكِ الحق كاملاً بنيتي.. لا حكم لنا على أهواءنا وهكذا حكم هوى قلبك
نظرت هيلينا بحزن لجدتها تقاوم دموعها التي بدأت بالتجمع داخل محجريها : لكنه هوى بلا أمل.. چايدن لا يعلم حتى بوجودي في هذا العالم
تحفزت الأم ريڤا لبدء الحديث الذي تنتوي على مفاتحتها به ثم قالت بنبرة تحمل التشجيع : ومن قال أن هواكِ بلا أمل؟
إنتبهت هيلينا لما تسمعه تسألها بلهفة : ماذا تقصدين جدتي؟
تشجعت الأم ريڤا أكثر عندما لمحت شعاع الحب يطل من نظراتها : حان دورك يا عزيزتي في إستعادة ولي العهد .. تصلبت أنظار هيلينا على وجه جدتها التي ألقت كلماتها على رأسها كالماء الساخن تشعر وكأن الأرض تموج بها من تحت قدميها... ساد الصمت بينهما للحظات حتى قررت الأم ريڤا قطعه قائلة بترقب لردة فعل حفيدتها : لِمَ كل هذا الشرود حبيبتي؟
أجابتها هيلينا بملامح ساهمة : هل سأقابل چايدن؟
إبتسمت الأم ريڤا لما إستشعرته من حب هيلينا لچايدن قائلة بلهجة مشجعة : أجل ستقابلينه وتتحدثين معه ومن المحتمل أن يقع سمو الأمير في حب حسناء ليبرا
تحولت ملامح هيلينا من الشرود إلى الهيام فكم تمنت رؤيته عن قرب وما سمعته على لسان جدتها تعدى سقف طموحاتها وأحلامها بكثير فهل يعقل أن يعشقها ولي عهد ليبرا دون أن يلتقي بها ولو لمرة واحدة؟ ..أفاقت من شرودها على صوت الأم ريڤا : أود سماع رأيك هيلينا.. هل ستساعدين چايدن في العودة إلى المملكة؟
جاوبتها سريعاً دون تفكير : حسناً جدتي.. أنا على أتم إستعداد لفعل اي شئ تطلبينه مني
أرجعت الأم ريڤا ظهرها إلى الخلف براحة ثم أردفت : إذن عليكِ أن تعاهديني بشئ أولاً
تسائلت هيلينا بتعجب : أعاهدك؟
أومأت الأم ريڤا إيجاباً قائلة بتأكيد : ستعاهدينني على أن الإتفاق الذي سيتم بيننا سيظل سراً لن يعلم به أحد خاصة والدك
حاولت هيلينا فهم سبب إخفاء الأمر على والدها وقالت : أبي على علم بكل شيء منذ البداية وأعتقد أنه سيغضب كثيراً إذا إكتشف الأمر
نظرت لها الأم ريڤا بثقة قائلة : وسيمنعك أيضاً لذا يجب إتمام الأمر بعيداً عنه
حركت هيلينا رأسها موافقة تقول بلهفة : حسناً وأنا قبلت إتفاقك وأعاهدك على أن ماسيدور بيننا سيظل في طي الكتمان
ربتت الأم ريڤا على كفها قائلة بإبتسامة : الآن يجب كشف بعض الأسرار حتى تسلكِ الطريق دون الوقوع في أي خطأ
تحفزت هيلينا أكثر قائلة بحماس : كلي آذان صاغية
تابعت الأم ريڤا حديثها بجدية : أولاً يجب أن تعلمِ شيئاً في غاية الأهمية ألا وهو أن چايدن مصاب بلعنة أخرى غير الوشم وهذا حفاظاً على حياتك
تعجبت هيلينا قائلة بفضول : ما هي؟
حاولت الأم ريڤا إستجماع الكلمات في عقلها فالأمر مخجل بعض الشيء وهيلينا مازالت صغيرة لتخبرها به لكنها مجبرة على فعل ذلك حتى لا تخسر حياتها وأردفت بهدوء مفتعل : لم يكتفي لوكا بذرع الوشم بين أوردة چايدن بل أصابه بلعنة أخرى أكثر إيذاءاً أملاً في إنقطاع نسل لوريس للأبد.. تلك اللعنة تقتل كل أنثى يضاجعها فبمجرد إطلاق مائه بداخلها تموت في الحال
شهقت هيلينا بفزع واضعة كفها على فمها تنظر لأسفل بحياء قائلة : هل چايدن لديه علم بهذا الأمر؟
إبتسمت الأم ريڤا قائلة : لديه علم حتى أنه قرر عدم الإقتراب من أي فتاة مرة أخرى
شعرت هيلينا بالغيرة تتسرب إلى قلبها وتبدلت ملامحها إلى الغضب قائلة :
هل قام چايدن بلمس إحداهن؟
رفعت الأم ريڤا إصبعي السبابة والوسطى أمام وجهها قائلة : فعلها مرتين فقط وعندما أدرك خطورته إمتنع تماماً حتى لا يقتل المزيد من الفتيات
صمتت هيلينا للحظات تحاول تجاوز غضبها ثم أردفت بتساؤل : من أين أتى بالفتيات وسط هذه الغابة الموحشة التي يعيش بها؟
حاولت الأم ريڤا إمتصاص غيرتها الواضحة على قسمات وجهها وقالت بهدوء : الأوكانا بها بعض الأكواخ المجاورة للكوخ الذي يعيش به چايدن لكنها بعيدة نوعاً ما.. ثم أن هذا كل مالفت إنتباهك؟
نظرت هيلينا إلى جدتها بعيون دامعة قائلة ببكاء : عذراً جدتي.. لم أستطع ضبط إنفعالاتي
ربتت الأم ريڤا على وجنتها بحنان قائلة : لا عليكِ عزيزتي وما سأخبرك به سيؤكد لكِ أن ماحدث يصب في مصلحة چايدن أولاً ثم مصلحتك
مسحت هيلينا دموعها محاولة الإنتباه لما ستسمعه قائلة : وما مصلحة چايدن في ذلك؟
إستقامت الأم ريڤا في جلستها مرة أخرى تدعوها بعينيها للتركيز ثم أردفت بإهتمام : إستمعِ إليَّ جيداً هيلينا وأمعني التفكير في كل حرف ستلتقطه آذانك لأن أي خطأ غير مقصود سيودي بحياة چايدن ثم حياة الجميع
إنتفضت هيلينا ذعراً تقول بفزع : حياة چايدن؟
أومأت الأم ريڤا إيجاباً : حياة چايدن مهددة منذ ولادته وإبعاده عن ليبرا كان حماية له والآن الخطر يداهمه ولحسن حظه أن اللعين لوكا أخطأ في أمرين إذا تم إستغلالهما من قبلنا سوف ينجو ونحن من بعده
أمسكت هيلينا بكف جدتها تحثها على إستكمال الحديث : وأنا على أتم إستعداد لتنفيذ ماستكلفينني به
أطبقت الأم ريڤا على جفنيها ثم أردفت بحزن : الخطأ الأول الذي وقع به لوكا هو أنه عندما قطر لچايدن في فمه من السائل الذي ظن أنه سيقضي على نسل لوريس لم يكمل الكمية الكافية لذلك .. فما وصل لجوف الصغير آنذاك ثلاث قطرات فقط والباقي خرج مع لعابه أثناء صراخه
حاولت هيلينا فهم الأمر وتسائلت بإهتمام قائلة : وماذا يعني ذلك؟
إبتسمت الأم ريڤا قائلة بثقة : هذا يعني أن الثلاث قطرات ستقتل ثلاث فتيات فقط وبعدها سيصبح طبيعياً كأي رجل
نظرت هيلينا إلى جدتها بتوجس قائلة : وهناك فتاتان تم قتلهما بالفعل والمتبقي واحدة
أكملت الأم ريڤا حديثها بلهجة تحذيرية : إحرصِ على ألا تكون هذه الفتاة أنتِ
أشاحت هيلينا بأنظارها بعيداً تحاول إخفاء دموعها قائلة بصوت مختنق : تقصدين أن أجعله يفعلها مع أنثى غيري؟
أدارت الأم ريڤا وجه هيلينا إليها مرة أخرى قائلة بثباتها المعتاد : هذا حفاظاً على حياتك أولاً .. وثانياً حتى يتخلص چايدن من هذه اللعنة التي تؤرق حياته كشاب يافع
أسبلت هيلينا عينيها بحزن قائلة : حسناً جدتي.. ماالأمر الآخر الذي أخطأ به لوكا؟
نهضت الأم ريڤا من مكانها وسط أنظار هيلينا المتعجبة تتجه ناحية خزانة فضية عتيقة وقامت بفتحها لتخرج منها عصا سحرية .. وقفت تتأملها لثواني ثم قالت بخوف : عندما طُرِدَ لوكا بعد إكتشاف مجلس السحرة أمر ممارسته السحر الإسود داخل المملكة.. قمت بإحاطة ليبرا من الخارج بهالة زرقاء تعمل كدرع حماية لها.. ومن تطأ قدميه هذه الهالة وهو يحمل أي تعويذة سوداء يخر صريعاً على الفور .. وذلك ماغفل عنه
أدركت هيلينا ماتقصده جدتها وتملك الخوف منها قائلة : تقصدين أن چايدن سيموت إذا دخل إلى ليبرا بهذا الوشم اللعين؟
إقتربت منها الأم ريڤا تجلس بجوارها قائلة بخوف : للأسف ماتقولينه صحيح
إرتعدت أوصال هيلينا من الرعب متسائلة بصوت متحشرج: وما الحل؟
رفعت الأم ريڤا عصاها السحرية أمام وجه هيلينا قائلة بثقة : الحل في هذه العصا
أمسكت هيلينا بالعصا تتفحصها : لم أفهم
تناولتها الأم ريڤا منها مرة أخرى ثم أردفت : ستفهمين كل شيء بعد تنفيذك لمهمتك الأولى
حركت هيلينا رأسها بتأكيد : حسناً ..أخبريني بما عليّ القيام به
أعطتها الأم ريڤا العصا مرة أخرى قائلة بلهجة آمرة : إذهبِ إلى كوخ الأوكانا لتحررِ سيلڤيا من جسد فيدرا
نظرت هيلينا إليها بعدم فهم قائلة : سيلڤيا تلك تكون والدة چايدن؟
أومأت الأم ريڤا نفياً : كلا.. سيلڤيا تكون والدتك أنتِ .. وسأقص عليكِ أمرها لاحقاً والآن حرريها حتى لا تتأذى من الآنجيوس عندما يلتف حول جسد چايدن.. أنا أتوقع أن لوكا سيفاجئنا خلال الفترة القادمة ولن يبقي على فيدرا حية طالما إنتهت مهمتها بالنسبة له
نهضت هيلينا من مكانها قائلة بحماس : حسناً جدتي سأنجز مهمتي الأولى على وعدٍ منك بأن تخبريني أمر والدتي
نظرت لها الأم ريڤا بفخر قائلة : أنا أثق بقدراتك حبيبتي.. تخفي جيداً حتى لاينتبه إليكِ أحد وإن إحتجتِ مساعدة قومي برسم دائرة بواسطة العصا وستظهر صورتي أمامك
قلَّبَت هيلينا العصا بين يديها : أعدك أنني سأحسن إستخدامها
إستقامت الأم ريڤا ناهضة من مقعدها تمسك بكفها قائلة : أحضرِ إبنتي إليّ سالمة .. لقد إشتقت لها كثيراً
إحتضنتها هيلينا بحب : لا تقلقِ سأنفذ الأمر بأقصى سرعة
أبعدتها الأم ريڤا عن أحضانها برفق قائلة : سأنتظركما بفارغ الصبر
خرجت هيلينا من قصر الأم ريڤا ترتدي عباءة بغطاء رأس تخبئ وجهها تماماً حتى لا يتعرف عليها أحد.. تضع عصا جدتها في إحدى طيات رداءها .. متعهدة لنفسها أن تنفذ ماإتفقت عليه معها.. إمتطت جواداً ينتظرها بالخارج وإنطلقت به سريعاً لتخرج من أسوار ليبرا متجهة نحو غابة الأوكانا حيث يوجد هوسها البعيد عن الأنظار.. يختلج صدرها ضربات عنيفة تصدر من قلبها الذي يدق بشدة ترقباً للقائها الأول به.. لكن عليها أولاً تحرير والدتها التي لا تعلم عنها شيء حتى تعيدها إلى المملكة مرة أخرى ومن ثم ستتابع ماعزمت على فعله
أنت تقرأ
خادم الوشم (Jayden)..(مكتملة)
Fantasíaفانتازيا خيالية أنا لم يشفني السحر.. لا قطرة ليمون ولا نجمة أطفأتِ نورها فوق وجعي.. لم توقظني رشفة ماء من زبرجد البحيرة ولا ماسة حمراء تدفقت من شلال آجنوس... فقط أنتِ .. حبكِ أزال لعناتي.. روحكِ فصلت وشمي عن وريدي.. قبلتكِ معافاتي وجسدك ماء محايات...