أعلنت كل مملكة من الممالك الأربعة المجاورة لليبرا بدء رحلة تغيير جذرية في ثوابتها خاصةً بعد كشف المؤامرة التي دُبرت ضدهم.. شاكرين الحظ.. ممتنين كل الإمتنان لأمير أرض الحكمة الذي خلصهم منها.. معترفين بأخطائهم وأولى خطواتهم في إثبات إدراكهم للدرس الصعب والتجربة المريرة كانت تبديل أسامي أوطانهم بِمَ يليق حتى يستعيدوا مكانتهم المفقودة تحت وطأة هوس حكامهم السابقين.. فمملكة (الكوريدون) التي تميزت بالهرج والمرج وكثرة الإحتفالات أصبحت (جراڤيس) والتي تعني في اللاتينية (جدية).. كما تم أختيار ملك جديد سيحكم المملكة وفقاً لبروتوكولات وشروط تضمن سير النظام إتباعاً لرغبة الرعايا.. أما عن (ستيلاي) التي غرقت في حب التنجيم وإستطلاع الفلك بشكل مفرط تغير إسمها للنقيض تماماً لتصبح (ڤيروس) والتي تعني في اللاتينية (واقعية) وأعلن سكانها تنصيب ملكهم الجديد أيضاً بشروطهم الخاصة.. والحال لم يكن مختلفاً في (إيبريوس) فبعد جلوس (رولاند) على عرش والده وتوليه مقاليد الحكم قام بتغييرات كبيرة وملحوظة بدءً من الإسم الذي أصبح (أوڤاس) والتي تعني (العنب) نسبة لأشجار الكروم التي تميز المملكة..ثم إلغاء عمل الحانة وتحويلها لسوق ضخم يتم عرض ماينتجه المزارعين بشكل يضمن توزيع الثروات بالتساوي على الجميع كلٍ بقدر عمله .. وإلتزم الملك الشاب بإتفاقية إتحاده مع مملكة (أجريكولاي) تنفيذاً لشرط چايدن .. ولم يتوانى في تقديم المساعدة لڤيرونا التي إعتلت عرش والدتها بعدما أخبرت الجميع بِمَ حدث ولاقت ترحيب شديد بقراراتها والتي كانت عبارة عن إعادة الإسم القديم لآجنوس.. وإحياء حدائق الياسمين.. ومنع ممارسة الرذيلة أو العمل بها منعاً باتاً ووضعت قوانين صارمة تصل للإعدام أو النفي خارج المملكة لمن يخالف الشروط وهي الزواج الصحيح المعلن .. كما ألزمت النساء بإرتداء الملابس البيضاء المحتشمة وخصت نفسها بتغطية رأسها بقلنسوة حريرية تشبه الحجاب.. وبعد مرور قرابة الشهرين إجتمع الحكام الأربعة لمناقشة الأوضاع الجديدة وإتخذ الجميع قرار بالإنضمام لإتحاد الممالك بقيادة الأمير چايدن الذي سيتم تنصيبه ملكاً خلال أيام قليلة وبناءً عليه تم إرسال مبعوث رسمي لإبلاغ القصر في ليبرا بمطالبهم
*************
في قصر آلابيستر /
إجتمع الأخوين لوريس ومارسيل بأفراد العائلة الحاكمة لمشاروتهم في الرسالة التي تلقاها القصر بواسطة مبعوث حكام الممالك المجاورة وبعد مناقشات إستمرت لبضع ساعات تم إرسال الرد بالموافقة وإنصرف أعضاء مجلس الحكم وبدأت مناقشة من نوع آخر بين الملكين الشقيقين وزوجتيهما والأم ريڤا وڤيالوس الحكيم.. والمبادرة بالحديث كانت لمارسيل الذى بدي على ملامحه الإرتياح لإقتراب عودة إبنته الغالية قائلاً بسعادة : وأخيراً ستعود أميرتي
ردت عليه الأم ريڤا مبتسمة بمراوغة : لكنها لن تعود بمفردها ياجلالة الملك
زم مارسيل شفتيه بحنق طفولي : أعلم يا أُماه أنها ستعود برفقة چايدن
لكزته سيلڤيا في كتفه قائلة بمرح : تقصد برفقة زوجها
تأفف مارسيل بنفاذ صبر : علمنا ياسيدتي وتم وضعنا أمام الأمر الواقع وإنتهينا
ضحك الجميع على ردة فعله الطريفة ثم تحدث لوريس بنبرة واثقة : لقد مر شهرين على زواجهما وأعتقد أن هذا وقتاً كافياً ليعودا إلى ليبرا
نظرت چوليا لزوجها تقول بعتاب : ماذا بك يالور؟.. إترك الولد على راحته مع زوجته
أجابها لوريس ضاحكاً : سمو الأمير لديه مهام أخرى غير الزواج وهيلينا زوجته هنا وهناك
قاطعهما ڤيالوس : لنرسل إليهما الفرس لتعود بهما.. صمت لثواني ثم أردف موجهاً حديثه لچوليا بلهجة مطمئنة : لا تقلقي ياعزيزتي.. راحة چايدن حيث توجد بلاء الرأس ولا فرق بين ليبرا وأي مكان آخر بالنسبة له طالما هي بجانبه
أومأت چوليا لوالدها بموافقة قائلة : حسناً يا أبي.. كما تشاء
_ إذن لتذهب صهبائهما الجميلة وتحملهما فوق ظهرها كما فعلت خلال رحلتها معهما وتعود بهما لموطنهما الحبيب
قالتها الأم ريڤا وإبتسامة مشرقة تزين وجهها قبل خروجها لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الجميع
************
عودة إلى چايدن وهيلينا/
مضت الأيام سريعاً كنسمة الهواء على سمو الأمير وبلاء رأسه.. شهرين كاملين مرَّا كالطيف.. ستون يوماً بستون ليلة وهيلينا لم تفارق أحضان چايدن حتى أصبح جسده موشوماً بنور زمرديتيها .. يستقبل الشمس كل صباح من وجهها ويودعها كل مساء عندما تدير للنافذة ظهرها وكأن المشرق والمغرب إقتبسا السحر من قداسة حُسنها وهو عاشق متيم.. وأصيل المشاعر لايتماسك ويرتبك أمام جمالها.. أما هي فلم تكن أقل منه شغفاً بقربه.. تنتظر غفوته بعد كل وصال محموم وتظل مستيقظة.. تتأمل تقاسيم وجهه المليح وتتوه بين خصلاته الناعمة.. تمرر أناملها الرقيقة فوق ثغره وتقبله بإمتنان وتعبس عندما تسمع إنتظام أنفاسه أثناء النوم وتقول بهمس مشتاق لرحيق مبسمه العطر (إن القبلة مثل السلام فردها ياجميل المُحيَّا والروح).. وأحياناً تأخذها أفكارها بعيداً وتتذكر لقائهما الأول.. وتبتسم لتراقص الصدفة المُفتعلة داخل مقلتيها وتداعب الفرحة قلبها حينما يطن صوته في أذانها بمرحباً ومنذ قالها ولم تعد تفقه شيئاً سواه والحقيقة أنه لم يكن مُرَحِباً بل مَرّ حُباً وعبر عشقاً وسكن بين ثنايا أنفاسها طفلاً مدللاً لم تحمله في حشاها وبينما هو كان نائماً بعمق كعادته بعد كل لقاء حميمي يجمعهما سوياً إنتبهت هيلينا لتساقط الثلوج بالخارج.. نهضت سريعاً لتشاهد هذا المنظر الرائع عبر زجاج النافذة الشفاف وإبتسامة مشرقة تزين وجهها.. وقفت تتابع مايحدث ضامة قبضتيها إلى صدرها مبتهجة كالأطفال وبعد وقت ليس بقليل تململ چايدن في نومته لكنه تفاجأ بخلو مكانها بجواره.. إستقام قليلاً يبحث عنها بعينيه الناعستين .. وجدها تتأمل شيئاً مبتسمة بوجل شديد .. حاول نفض غبار النوم عن رأسه ونهض مرتدياً ملابسه ثم خطى نحوها وعينيه تأكلها بشوق ورداءها العسلي يتلاعب بعقله خاصة أن خصلاتها الذهبية تمتزج معه بتناغم يفقده صوابه ويجعلها كالشمس في أبهى صورها.. إقترب منها بهدوء يطالع جمالها بمقلتين يفيض بهما العشق.. وأثناء إنشداهه بقدها المُهلِك مر بخاطره لحظاتهما طيلة الشهرين وتلقائياً إبتسم وأحاطها بذراعيه من الخلف مبعثراً قبلات رقيقة أسفل عنقها فإلتفتت إليه تسأله ببراءتها الفطرية : لماذا إستيقظت؟.. هل أزعجتك؟
أجابها بصوت أجش مازالت آثار النوم عالقة به : كلَّا ياحبة قلبي لم تزعجيني قط لكنني شعرت بالبرد لعدم وجودك بجانبي
إستسلمت لأحضانه ونامت على صدره قائلة : كنت أشاهد هطول الثلوج
نظر للنافذة بجوارهما قائلاً بإعجاب : إنها مبهرة للغاية وتخطف الأعين
إبتعدت هيلينا عنه برفق وأمسكت كفه قائلة بإبتسامة عذبة : أحب صوتك حينما تتحدث ودوماً أتسائل في نفسي كيف لصوت كهذا تسلل من وتر كمان وقصبة ناي أن يستقر في حنجرتك
ضحك چايدن بخفة على حديثها اللطيف قائلاً : هيلينا!.. سأخجل هكذا
رفعت أناملها الرقيقة تداعب وجنته قائلة بحب : نبرتك الهادئة الحنونة أفسدت بقية الأصوات في أذني فما عدت أشتهي صوتاً سواه
جذبها لتستقر بين ذراعيه مجدداً يجيبها بتنهيدة عاشقة : أتذكرين مادار بيننا عندما إلتقينا أول مرة؟
ردت عليه بأعين مغمضة ونبرة مرحة تكلل كلماتها : بالطبع أذكر سخافتك وصلفك وطريقتك المتعجرفة
حملها من خصرها متجهاً بها نحو إحدى الشلتات المتراصة بجوار النافذة ثم جلس وأجلسها بين ركبتيه يقول ضاحكاً : أنتِ محقة لقد تعاملت معكِ بشكل غير لائق لكنني كنت أحاول إخفاء تلعثم أنفاسي التي تعثرت في زمرديتيكِ .. رؤيتك جعلت روحي ترف إليكِ منذ النظرة الأولى وخشيت أن تغلبِ عقلي بإبتسامتك الحلوة فنظرت إلى عينيكِ فغلبتِ كُلِّي
طوقته بذراعيها الصغيرين قائلة بمزاح : كنت تقول لي لا تلمسيني وتهددني هكذا بملأ فمك وأنت واقع في غرامي ياقرة عيني
داعب عنقها الرقيق بأنفه قائلاً : أجل يا بلاء الرأس حتى أنكِ لم تستجيبِ لتحذيراتي لكِ بعدم الإقتراب مني وإقتربتِ ياعنيدة وكانت النتيجة أن إبتلعك قلبي
تعالت ضحكاتها تقول من وسطها : تقصد أنني داخلك الآن ياسمو الأمير؟
رفع حاجباً متسلياً يجيبها بتحدي : بلى.. أنتِ بداخلي ومن قبل لقائنا بكثير
توقفت عن الضحك بشق الأنفس تسأله بعدم تصديق : كيف؟
جاوبها راسماً زمرديتيها بمقلتيه العاشقتين : قديماً كان أسلافنا يعتقدون أن الإنسان لديه أربعة أرجل وأربعة أيادي وقلبين وعندما دبت الروح فيه إنفصل لنصفين.. رجل وإمرأة كلاً منهما في مكان مختلف وعليهما البحث عن بعضهما طيلة حياتهما ليكملا فراغهما ويعيشا سوياً إلى الأبد
فغرت هيلينا شفتيها تقول بإعجاب : هذا أعمق مفهوم للحب سمعته في حياتي
أومأ لها برأسه إيجاباً ثم قال : إنه عميق للغاية وأحبه كثيراً وأصدقه لدرجة أنني أشعر بأثر تشابك أضلعك بأضلعي وأحياناً تؤلمني عندما تبتعدين عني
تنهدت هيلينا بسعادة قائلة : دائماً تدهشني بغزلك ياسمو الأمير
رد عليها بنبرة مرحة : سبق وقلت لكِ غزالي لا يليق به إلا غزلاً كهذا
مالت برأسها لتنام على صدره قائلة بأعين مغمضة : كلما تحدثت عن حبك لي تجعل النجوم تتساقط فوق قلبي دفعة واحدة وتبعثر الحروف على لساني ودوماً أخبر نفسي أنني لن أستطيع الوصول لجزء من وصفك لهذا الحب رغم أنني أحبك حد الجنون.. صمتت لثواني ثم أردفت بولهٍ : أنا وقعت في غرامك قبل لقائك وعندما رأيتك همست أنت وسمعت أنا فغافلني قلبي وسقط أسيراً لكلماتك
إقترب چايدن منها أكثر حتى لامست أنفاسه العطرة بشرتها البيضاء هامساً فوق شفتيها : أتعلمين؟.. لم أتخيل أبداً القصة التي يمكن أن نحياها سوياً ولا أي مرحلة من المشاعر سأصل إليها معكِ ... سكت لبرهة مشدداً عناقها ثم قال : لكنني أدركت هذا الشئ الذي تسرب منكِ تحت طبقات جلدي وإستوطن ثنايا روحي وكأنك أتيتِ على أطراف القدر لأمتنع بعدك عن الهوى وتكونِ النجم الوحيد الذي أضاء عتمتي
دفنت هيلينا وجهها في حنايا عنقه تستنشق رائحته الرجولية الجذابة تقول بصوت خافت دغدغ مشاعره : أنت أجمل هاوية ألقيت روحي فيها وأذوب بك وبدفأ أحضانك وأعشقك حد الثمالة
أبعدها قليلاً عنه يجيبها بنظرات مسلطة فوق مبسمها الوردي : الرد تلك المرة على هذا الحديث لن يكون بالكلمات .. وفي طرفة عين كانت شفتيه تعزف لحنه الأثير على أوتار خاصتها ولطالما كانت القبلة بلاغة مطلوبة بينهما وأفصح من حروف الأبجدية أجمع وتخبر عن عشق يسكن ويتغلغل بأركان قلبيهما ويختبئ في حضن الصمت وحينما يدرك سمو الأمير أن مايحاول شرحه لن يُفْهَم مطلقاً .. يضطر لكتابة خواطره فوق أوراق ثغرها بحبر مصنوع من ريقه السُكر.. فحبه لها يجري بعروقه مجرى الدم ويلعب بحدائق أوردته.. يغزو بطغيانه أمان شطئانه ويغتال نبضاته الهادرة بجنون .. إغتيال غريب.. عنيف ولطيف كالهمسات خلف حدود السماوات السبع.. وبعد وقت طويل فصل قبلته وصدره يعلو ويهبط يقول ناهتاً : لو كان حبي لكِ فقط بالكلمات لجف لساني ولم يعد لحروفي وجود لكني ياحبة القلب أضمك في كل زاوية من زوايا روحي عساكِ تقرأِ قصائدي التي لم يتسنى لي قولها
جاوبته بصوت هارب مسبلة أهدابها تحاول الخروج من تأثير قبلتها الشغوفة : كفى يا چايدن.. أشعر بقلبي سيتوقف من فرط هدره
ضم رأسها إلى صدره واضعاً كفه على شقها الأيسر قائلاً : سلامة قلبك ونبضك ياروحي
أطبقت جفنيها قائلة بلسان ثقيل أثراً لنعاس داهم زمرديتيها : أشتهي تفاح الورد كثيراً
قطب جبينه متسائلاً بتعجب : هل تتحدثين بجدية؟
جاوبته بضعف : أجل.. رائحتها تتسلل لأنفي منذ يومين وأشتهي أكلها بشدة
رد عليها مستنكراً طلبها الغريب : هيلينا! حبيبتي تلك الفاكهة يستحيل وجودها هنا وتحديدا بهذا الوقت ..... إنتبه لإنتظام أنفاسها في النوم فضحك على برائتها وإستقام يحملها بين ذراعيه ثم وضعها فوق الفراش ودثرها جيداً يقول مبتسماً بقلة حيلة : آه منكِ يابلاء الرأس.. تتدللين على قلبي وتشتهي شيئاً غيري .. لكني سأسعى جاهداً لأجلبه لكِ ياروحي
أنهى حديثه دامغاً وجنتها المخملية بقبلة عميقة وألتقط سترته العلوية ليرتديها ويخرج بحثاً عما تشتهيه جميلته المُدللة ... وقف أمام المنزل يفكر بحيرة شديدة.. كيف وأين سيجد تلك الفاكهة النادرة فتفاح الورد لا ينمو إلا في المناطق الإستوائية وتحديداً شرق جزر الهند والملايو والحصول عليه مستحيل حرفياً وبعد وقت طويل قضاه يسير بين نوارات الياسمين المحيطة به من كل جانب إنتبه لوجود طفل صغير يركض خلف فراشة ملونة ويلاعبها ببراءة.. توقف چايدن يتأمل ملامحه مبتسماً لجماله وقرب الشبه بينه وبين هيلينا.. نفس العينين الزمرديتين ووجهها الأبيض المستنير بتقاسيمه الدقيقة حتي زمة شفتيها الصغيرتين وخصلاتها الذهبية اللامعة.. إلتفت الصغير لچايدن بأسارير مبتهجة وركض نحوه ضاحكاً ثم أمسك كفه يقول بنبرة طفولية : أنا أنتظرك منذ وقت طويل.. لماذا تأخرت؟
نظر چايدن إليه مذهولاً من الألفة التي أحسها تجاهه.. هناك شيئاً داخله يحثه على حمله وإحتضانه كأنه قطعة من قلبه إنشطرت عنه وتجسدت فيه.. أفاق من شروده على صوت الصغير : هيا بنا لأعطيك ماتبحث عنه
إتسعت حدقتيه بإندهاش أكثر وإنحنى لمستوى طوله ممسكاً كتفيه برفق يسأله : من أنت؟
إبتسم وأجابه : صغيرك
حمله چايدن بين ذراعيه يقبل وجنته بحنان فطري قائلاً : ما إسمك إذن؟
أحاط الصغير رقبته بذراعيه قائلاً ببراءة : أبناء عائلتنا الملكية يولودون موشومون بأسمائهم أسفل أعناقهم
أزاح چايدن جانب السترة البيضاء الخلفي التي يرتديها ليرى إسمه لكنه لم يجد شئ فقال له متعجباً : إنه لايظهر
رد عليه الصغير بإبتسامة محببة : أنا لم أولد بعد
قطب چايدن جبينه متسائلاً بعدم فهم : كيف ؟
أجابه الصغير ببساطة : مازلت في طور التكوين وجئت لأدلك على مكان شجرة تفاح الورد التي تبحث عنها
لم يستطع چايدن النطق من شدة تعجبه فتكلم الصغير مجدداً يشير إلى اليمين : إنها هناك.. خذ منها ماتشاء لكن إحذر من عطبها السريع ... أنهى الطفل حديثه ثم إختفى مخلفاً وراءه شعاع أبيض يضئ بحروف كلمة AYAN (آيان) بينما وقف چايدن لبضع دقائق بأعين جاحظة.. فاغراً فاهه يحاول إستيعاب الموقف وما زاد دهشته أنه وجد الشجرة بنفس المكان الذي أشار إليه الصغير.. حك مؤخرة رأسه يشعر بتعجب ممزوج بالغباء وسار نحوها ليقطف بعضٍ من ثمارها اللذيذة وبعد وقت ليس بقليل عاد إلى هيلينا وبحوذته ماطلبته وتفاجئ بأنها مازالت نائمة.. جلس بجوارها يمسد شعرها قائلاً بحنان : إشتقت إليكِ
تملمت هيلينا قليلاً فإبتسم على لطافتها وجمال وجهها وأمسك كفها ملثماً إياه بعمق قائلاً : يافتنة عيني أنا مقيد بنظرة من زمرديتيكِ
صدرت منها آهة خافتة جعلته يتمدد جوارها ليأخذها بين ذراعيه عاضاً شفته السفلى : ياويل قلبي أنا منكِ ومن حركاتك المغوية ياحبة الكستناء
فرقت هيلينا جفنيها بتثاقل تتمتم بإسمه فقربها منه أكثر دافناً وجهه في حنايا عنقها يقول بنبرة والهة : بعثرِ آهاتك فوق صدري فإنّي أشتاقك حد الإختناق
سألته مطبقة جفنيها : لماذا تشتاق لي وأنت معي؟
أبعدها عنه قليلاً ينظر لشفتيها برغبة قائلاً : لأنني تركتك وخرجت لأجلب لكِ تفاح الورد ياوردتي
إتسعت زمرديتيها تهتف بسعادة : حقاً؟
رد عليها مغمضاً عينيه وأنفه يلاحق أنفاسها التي لامست صفحة وجهه : بلى ومعي منها الكثير
تهللت أساريرها كثيراً ونهضت تبحث عن طلبها ولم يتمالك نفسه فإنفجر ضاحكاً على مظهرها اللذيذ قائلاً وهو يمد يده إليها بالثمار : ها هي ياحبيبتي
تناولته منه سريعاً ثم أكلتها بنهم وتلذذ شديد ومع كل قضمة من شفتيها كانت تتأوه بخفة وكأنها وجدت ضالة كبرى بينما هو جلس بجوارها يتتبع حركاتها بعينين عاشقتين وقلب يرتجف لرؤية إيماءتها.. شارداً في تفاصيلها وزمة شفتيها حول ما تأكله.. يتمنى أن يبقى بجانبها ..نبضة لخافقها وحروفاً لكلماتها.. يود لو تحوله بنظرة من عينيها إلى شمس أو قمر أو حتى نجمة تتلألأ في نور لياليها.. كما كانت له في محنته صبراً ولحناً شجياً أعانه على تجاوز المستحيل لتكون هي همس روحه وحياته.. ملكاً له وحده وأميرة لأمانيه ومليكة تجلس بثقة فوق عرش أضلعه.. إنتظرها حتى إنتهت ثم داعب وجنتها يمازحها : يالكِ من إستغلالية
رفعت أنظارها إليه تقول بخجل : آسفة.. لم أتمالك نفسي عندما رأيتها
جذبها لتستقر بين أحضانه قائلاً وهو يطعمها المزيد : بالهناء لقلبك ياروحي
أمسكت هيلينا بواحدة تقربها من فمه قائلة بإبتسامة : تذوقها ستحبها كثيراً
أطاعها وأكلها متلذذاً برائحتها التي تشبه رائحة الورود الجورية قائلاً : إنها شهية للغاية لكنها لا تؤكل إلا بين قلبين عاشقين
سألته بعدم فهم : كيف؟
أجابها وهو يرفع أحد الثمار أمام شفتيها مبتسماً بعبث : هكذا.. وما أن همت بقضمها حتى أزاحها ليحل هو مكانها ويغمرها بقبلة ناعمة جعلتها تستسلم له بإشتياق لأنفاسه العطرة .. وها هي روحه تصدر ألحاناً وقلبه يعزف البداية وعندما إلتقط هدر خافقها على صدره إشتعلت نار آهاته وبدء دخان خياله بالتصاعد فصدق من قال (العشق كالعسل إن وصفته شئ .. وإن تذوقته شئ آخر) فرَّق چايدن عناق شفتيهما يقول بوجه مُحمَر وصوت يرتجف رغبةً بها : أنا أغرق بكِ يوماً تلو الآخر وأعشقك بكل مافيَّ من عنف وإصرار وكأنكِ تحملين قلبي بين ثنايا روحك
ردت عليه مستندة برأسها فوق كتفه : كلما أحببتني أكثر أزداد جمالاً ويزيد عمري عمر وأحبك لأني أرى فيك طفلي عند الحب وأبي عند الضعف وأخي عند شجارنا وكل البشر حينما أشعر بالوحدة
شدد عناقها يقول ضاحكاً بمرح : أرى أن جميلتي تنافسني في الغزل
رفعت حاجبها تجيبه بثقة : منك نتعلم ياسمو الأمير
أخذ يدغدغها بأنامله حتى إستلقت على ظهرها يقول متعمداً إضحاكها : ياروح سمو الأمير وقلب سمو الأمير ونور عين سمو الأمير
حاولت تفادي لمساته تقول بميوعة ودلال جعلا أجراس العيد تدق في رأسه : كفى يا چايدن بشرتي تتحسس
تأوه بخفة من حركاتها المغوية وإعتلاها قائلاً بزفرة محمومة : آكلك وآكل تلك البشرة التي تصيبني بالجنون
وبينما هما على تلك الحالة إنتبهت هيلينا لوجود الفرس تطل من زجاج النافذة تلقي عليهما التحية بسعادة لرؤيتهما فهمست له أن يتوقف : چايدن.. مهلاً
رفع وجهه عنها يهمهم بخشونة : ماذا؟
نظرت له قائلة بتعجب : الفرس تقف بالخارج
إستقام في نومته مستلقيا بجوارها يتسائل : ما الذي أتى بها الآن؟
ردت عليه وهي تلملم الغطاء حول جسدها العاري : أعتقد أنها إشارة عودتنا إلى ليبرا
نهض سريعاً يقول بعدم فهم : سأتفقد الأمر بنفسي.. وبالفعل خرج من المنزل وجد الصهباء الجميلة تقف بالإنتظار.. إقترب منها مبتسماً يحدثها بعينيه : مرحباً يا جميلتي
رفعت الفرس قائمتها الأمامية تعبيراً عن سعادتها تحرك رأسها يميناً ويساراً بطريقة أضحكته .. دلك عنقها الكبير بكفه واضعاً جبهته على جبهتها العريضة يقول بمرح : يبدو أنكِ جئتِ لنعود معكِ إلى المملكة
جاوبته الفرس بإشارة من أهدابها الكثيفة فتنهد بقلة حيلة : حسناً سأخبر هيلينا ونأتي سوياً
إبتعد عنها زافراً بحنق لإنتهاء وقت خلوته بزوجته وسيضطر للعودة إلى ليبرا.. دخل المنزل مجدداً وعلامات الضيق تظهر جلياً على وجهه فأيقنت أن ماتوقعته صحيح ورغم شعورها بنفس ضيقه إلا أنها حاولت رسم إبتسامة زائفة فوق ثغرها وإقتربت منه تمسك كفه قائلة : لِمَ كل هذا الحزن ياقرة عيني ؟
أجابها مطرقاً برأسه لأسفل : سنعود اليوم للمملكة
مدت أناملها الرقيقة ترفع وجهه قائلة بحنان : وماذا فيها؟.. نحن الآن زوجين وسنكون معاً في كل الأحوال
إحتضنها قائلاً : لم أكتفي منكِ بعد
مسحت على ظهره تقول بحب : وأنا أيضاً لكننا لن نكتفي من بعضنا البعض أبداً وأعدك بأنني سأكون لك كما تريد في أي مكان سواء هنا أو بجناحنا الخاص داخل القصر
أبعدها عنه قليلاً يداعب خصلة هاربة من شعرها فوق جبينها قائلاً بمراوغة : حسناً لكن دعينا نكمل ما بدأناه أولاً
ضحكت على حديثه قائلة : سنكمله في وقت لاحق.. لا يجب علينا ترك الفرس منتظرة كل هذا الوقت
زم شفتيه بإعتراض طفولي : هيلينا.. سأشتاق إليكِ هكذا
تراجعت للخلف تقول وهي ترتدي ملابسها : لا ضرر من بعض التأجيل ثم أنني مشتاقة لأبي كثيراً
رفع حاجبه متزامناً مع زاوية شفته العليا يهتف بإستنكار : مَرحَى.. يالفرحة قلبي
أقفلت هيلينا أزرار سترتها ترمقه قائلة بتحذير : چايدن
رد عليها متذمراً : چايدن ماذا؟.. ألا تعلمين ماذا سيفعل بنا هادم اللذات؟
شهقت هيلينا : لاتقل هكذا على أبي.. لن أسمح لك
لكزها في كتفها قائلاً : سمجة وحمقاء مثله
ردت له الضربة تقول بغضب : عديم التربية
خبطها على مؤخرة رأسها يقول بحنق : وماذنبي إذا لم تحسن والدتك تربيتي يابلاء الرأس؟
دلكت مكان خبطته وضحكت رغماً عنها قائلة : سأحاسبها على هذا الخطأ حينما أراها وأجعلها تعلمك الأدب من جديد
تخصر يجيبها بإبتسامة لزجة : ليس من شأنك يا أختاه.. أمي ستتولى الأمر ولتربيكِ خالتي أنتِ ووالدك أفضل
قهقهت هيلينا عالياً فإبتسم لضحكتها الجميلة يقول بمرح : سأفقد عقلي بسببك يامصيبة
توقفت هيلينا عن الضحك بشق الأنفس تقول متأبطة ذراعه : هيا بنا يازوجي العزيز الفرس ستتجمد من الإنتظار
فرد ظهره يباعد بين كتفيه قائلاً بثقة مبالغة : حسناً لنعود وأرى رد فعل والدك على إتمام زواجنا
دفعته بنفاذ صبر قائلة : هيا يا آخر صبري في الحياة
أطاعها على مضض وخرج برفقتها وما أن رأت هيلينا الفرس حتي ركضت نحوها تعانق رقبتها الكبيرة : كيف حالك ياعزيزتي؟ .. أجابتها الفرس بصهيلها مُرَحِبة بينما باغتها چايدن وحملها لتمتطيها ثم تبعها ممسكاً باللجام يقول : لننطلق إلى موطننا أولاً ونزيل تلك الأشواق هناك.. وبحركة من ساقيه على جانبيها أعطاها شارة الإنطلاق لتقطع بهما الطريق بسرعة مضاعفة كالبرق.. وأثناء رحلتهما إنتبه لترنح هيلينا وتراخي جسدها بعض الشئ فتوقف يتفحصها متسائلاً بقلق : لماذا تبدين متعبة هكذا؟
تحدثت هيلينا واضعة كفها على فمها بصوت مكتوم : أشعر بالدوار
أمسك بها جيداً وأنزلها معه يسألها بخوف : ماذا حدث؟
لم تستطع هيلينا مقاومة شعورها بالغثيان وإبتعدت عنه لتفرغ مافي معدتها بإعياء شديد زاد من فزعه عليها.. أسندها بعدما إنتهت يقول والقلق متملك منه : لنسترح قليلاً .. أنهى حديثه طابعاً قبلة عميقة فوق رأسها وجلس وأجلسها بين ركبتيه يستند بها على قائمة الفرس الأمامية وإنتظر حتى إستفاقت نوعاً ما ثم أدار وجهها إليه يسألها بحنان : هل أصبحتِ أفضل؟
ردت عليه مبتسمة بضعف : أجل.. هيا بنا لنواصل الطريق
مسح وجنتها بكفه قائلاً : نستطيع المكوث أكثر
أومأت برأسها نفياً : كلَّا يا حبيبي أنا بخير
إضطر للإمتثال لرغبتها وساعدها حتى تمتطي الفرس مجدداً بحذر شديد لمتابعة رحلتهما وكلاً منهما يحمل في قلبه شئ مختلف .. هو خائف والقلق يأكله حد اللعنة وآلاف الأفكار السيئة تداهم عقله وكلما إشتد خوفه أحكم قبضته حول جسدها وكأنه يريد تخبئتها بين أضلعه كي لايمسها ضُرٍّ فيصيبه ضعفه .. أما هي رغم إعياءها إلا أنها كانت في قمة سعادتها لرؤية حبه لها بعينيه .. فقد يظن البعض أن سماع كلمة (أحبك) أجمل شئ بالحياة لكن الأجمل أن تراها داخل أعين من تحب .. فالعيون لا تكذب ووعودها لا تُحنَثُ أبداً وسيد أمراء ليبرا يمكنه محو أثر التعب بعناق ونظرة وقبلة رقيقة من شفتيه
***********
أخذ الطريق وقته وأخيراً وصل ولي العهد وأميرة المملكة أمام أسوار ليبرا العزيزة.. ولم يكونا بحاجة لطلب الإذن بالدخول فالأبواب إنفتحت تلقائياً على مصاريعها لإستقبال الغاليان العائدان بعد غياب دام شهرين بفرحة وسعادة تناسب إشراقة طلتهما.. دخلا سوياً يداً بيد وعين تغرف عشقاً لعين تقول أذوب بك وقلباً يضم كل معاني الهوى لقلب يرد الشوق بشوق يفوقه أضعاف وما أن رأت هيلينا والدها حتى ركضت نحوه تعانقه وتقبل كفيه بلهفة كبيرة مما جعل چايدن يقف مكتفاً ذراعيه حول صدره ومقلتيه تخبر عن غيرة دبت في جميع أوصاله فهل يجوز أن تحتضن رجلاً غيره بكل هذا الحب؟ وهل يصح أن يشعر بالدنيا كلها تنحشر في حلقه لمجرد عناق بينها وبين والدها؟.. الحقيقة أنه يغار أسوء منها ويحترق عندما يسبقه أحد ويهدي قلبها فرحة ويتمنى أن تكون أسباب سعادتها بين يديه هو فقط والآن بداخله مليون حرب صامتة ومليون حريق .. كأنه يلمس الجمر في راحة كفه ويدَّعي أنها مكعب ثلج ويجاهد على إخفاء مايعتمل بصدره ويبتسم إبتسامة ( لم يحدث شئ لكنني سأبرحك ضرباً عندما أختلي بكِ ياغبية ياعديمة الإحساس )..أفاق من شروده على صوت والدته تقول له بحنو بالغ : حللت أهلاً يا عزيزي
أجابها وعينيه مسلطة على هيلينا : سلمتِ يا أُماه
عانقته تهمس بجانب أذنه مازحة : لا تكن أحمق مثله ياسمو الأمير
أحاط والدته بذراعيه يضحك بخفوت قائلاً : إنها صفات وراثية لم أستطع تجاوزها
إبتعدت عنه چوليا تحتوي وجهه المليح بين راحتيها قائلة : أرى أن وسامة صغيري وصلت حد القمر وأكثر بقليل
لثم چايدن باطن كف والدته يقول بحبور : أنا أشبه القمر الماثل أمامي ياسيدة جمال الكونين
قاطعهما لوريس بمرح : وأنا ياسمو الأمير؟.. أليس لي من هذا الحب جانب؟
فتح چايدن ذراعيه يحتضن والده قائلاً : لك كل الحب يا أبي ثم أن جلالتك ليس لك مثيل فكل أشباهك الأربعين إجتمعوا بك
شدد لوريس عناقه : إشتقت إليك كثيراً
رد عليه چايدن مبتسماً من خلفه : وأنا أيضاً
تدخلت سيلڤيا ترمقه بعتاب طفولي : ألم تشتاق إليَّ ياسمو الأمير؟
إبتعد چايدن عن والده برفق ليجذبها إليه يقول بلهجة مرحة : وهل لي ألَّا أشتاق يازوجة عمي؟
تعالت ضحكات سيلڤيا قائلة : ستظل خفيف الروح ياصغيري
وجهت الأم ريڤا حديثها إليه بإبتسامة هادئة : أنا تركتك لهم وبقيت آخراً حتى آخذ أكبر عناق منك
بادلها چايدن إبتسامتها بأخرى أكثر عذوبة وإحتضنها حضناً طويلاً دون حديث فأردفت هي : ياروح قلب ريڤا.. أتى النور والخير بقدومك
إنحنى چايدن على كفيها يقبلهما بإمتنان قائلاً : النور في وجهك والبركة بوجودك ياحبيبة
تنحنح ڤيالوس الحكيم يقاطعهما بلطافة كعادته : من الواضح أنك نسيتني سيد چايدن
مال چايدن برأسه جانباً ينظر إليه بشقاوة وأجابه ضاحكاً : حاشاك روحي أن أنساك سيدي الحكيم
جذبه ڤيالوس من ذراعه قائلاً : تعالى ياولد
وبينما الجميع على تلك الحالة الدافئة من تدفق المشاعر كانت هيلينا في عالم آخر مع والدها.. تارة تحتضنه وتارة أخرى تقبل وجنته وتتلمس خصلاته ولحيته الناعمة.. أما هو فكأنه عاد من الموت.. يهيم بصغيرته ويشبع وحشته لها ومقلتيه تتسع بإنشداه لتستقبل نور زمرديتيها بغبطة.. غير مكترثين لهذا الذي إقترب داخله من التفحم.. وبعد وقت ليس بقليل تحدثت هيلينا لوالدها مستندة برأسها على كتفه : إشتقت إليك كثيراً يا أبتي.. كثيراً جداً
دمغ مارسيل جبهتها بقبلة عميقة يقول : وأنا أيضاً ياروح أبيكِ وكدت أموت من القلق عليكِ وهرمت هنا وأنا أنتظر مجيئك بفارغ من الصبر المر
أمسكت هيلينا كفه تلثم ظاهره قائلة : بعيد الشر عنك.. سلامتك من الموت والهِرَم ياغالي
لم يستطع چايدن البقاء صامتاً أكثر من ذلك ورمقهما باستنكار قائلاً : أتمنى أن تنتهي وصلة إزالة الأشواق تلك قريباً .. أريد أخذ زوجتي لجناحنا الخاص حتى نرتاح من عناء الطريق
إنتبه له مارسيل وإبتعد عن إبنته ليقف أمامه مكتفاً ذراعيه خلفه قائلاً : كيف حالك ياسمو الأمير؟
رد عليه چايدن بسماجة مقلداً وقفته : بخير
صمت مارسيل قليلاً ثم رسم إبتسامة لزجة على وجهه قائلاً : إشتقنا إليك يا ابن أخي
أجابه چايدن بنفس طريقته : من القلب للقلب ياعماه
مط مارسيل شفتيه بحنق طفولي : المملكة تنتظر تتويج ملكها الجديد منذ شهرين
رفع چايدن حاجباً متسلياً يتعمد إثارة غيظه : معذرةً لقد تزوجت مؤخراً وأنت تعلم أن مشاعر المتزوجين حديثاً تكون في أوجها خاصة بالشهور الأولى
صك مارسيل أسنانه : مبارك عليكما الزواج
حانت منه إلتفاتة نحو هيلينا وجدها تقف بوجه مُحمَر ووجنتين ستنفجران من شدة الغضب فأمسك كفها بتملك يجيب مارسيل بجمود : شكراً
حاولت سيلڤيا تلطيف الأجواء التي بدأت بالإشتعال بين طرفين غيرتهما عمياء تقول لچايدن بتوتر : خذ زوجتك وإذهبا لتستريحا قليلاً ياصغيري
إستوقفها مارسيل بنظرة متحدية : هيلينا ستمكث في جناحي الليلة.. أنا مشتاق لابنتي وأود قضاء وقتاً أطول معها...إنتظر چايدن رد هيلينا الذي نزل على رأسه كدلوٍ من الماء البارد حيث لم تعطه مجالاً للإعتراض وقالت لوالدها بموافقة : حسناً يا أبي.. أنا أيضاً أرغب بالبقاء معك
حالة من الصمت المريب سادت المكان وكأن على رؤوسهم الطير قطعها مارسيل يتأبط ذراع إبنته بتشفي واضح في نظراته : هيا بنا يا أميرتي لترتاحِ بين أحضاني كما كنتِ تفعلين بالماضي
وقف الجميع متوجسين من رد فعل چايدن الذي كان يعض شفتيه غيظاً.. يقاوم رغبة عارمة في تكسير رأس هذا الأحمق وإنتزاع ذراع بلاء الرأس منه وأخذها للبعيد ليعاقبها على إحراجها له وتبلد مشاعرها بهذا الشكل وبعد عناء مع نفسه لضبط أعصابه التي أوشكت على الإنفجار إنصرف لجناحه والشياطين تتراقص داخل مقلتيه ..
*************
دلفت هيلينا برفقة مارسيل لجناحه الخاص على إستحياء شديد ورغم خوفها من رد فعل چايدن إلا أن قلبها لم يطاوعها لترفض طلب أبيها فهو رجلها وفارسها الأول ولم يكن لها مجرد أب بل كان جنتها في الدنيا.. وطن كبير داخل عالمها وحب لايموت أبداً ومعطف أمانها في ليالي عمرها المتقلبة ويبقى هو أوفى حبيب ولو أحبها أهل الأرض جميعاً ويقينها به يغنيها ويشبعها حد الإفراط.. يقين خالي من مغبة الغدر وألم التيه وآهات الخسارة.. خلاصة عاطفية ساحرة مشحونة بكل الإنفعالات سوى عاهة الفقد.. ظل مارسيل يتأملها وكأنه يشبع ناظريه من تلك التي أصبحت زوجة لرجل يشاركه حبها رغماً عنه.. تارة تلتمع عينيه بدموع فَرِحة وتارة يختنق من فكرة لمس چايدن لها ومكوثها معه طيلة شهرين .. والآن أصبح متأكد أنه إمتلك أميرته إمتلاك الأزواج لكنه مضطر لتقبل الأمر الواقع وسيحاول قدر الإمكان ألا يتهور ويخطفها بعيداً عن أعين رجال الدنيا بأكملها لتظل إبنته هو فقط لا زوجة ولا حبيبة ولا أي شئ آخر سوى إبنة مارسيل المدلل وبعد صمت دام لبضع دقائق أمسك كفها وجلس وأجلسها بجواره قائلاً : متى كبرتِ وإشتد عودك ونضج هكذا ؟.. أخفضت هيلينا بصرها خجلاً ولم تستطع الرد عليه فرفع ذقنها بأصابعه ليعيد زمرديتيها إليه يقول مبتسماً : أعلم بأنكِ يغمرك التعب منذ ولادتك حتى لو لم تظهرِ هذا وكنتِ دوماً طاقة مضيئة تنيرين حياتي وسندي القوي ونبعي الذي أرتوي منه فأخبريني كيف لي الآن أن أتقبل مشاركة رجل آخر فيكِ؟
أجابته هيلينا والدمع يتلألأ بمقلتيها : أنت أعظم الرجال في نظري يا أبي وأقسم لك بحياتك الغالية أنه لو وقع الغبار على قميصك لإنثنى قلبي عليك ومازلت أتبع خطوك
ضم مارسيل رأسها لصدره قائلاً بتأثر : ليتني إستطعت الإحتفاظ بكِ داخل عيوني.... صمت لثواني ثم أردف بتنهيدة متوجعة : أعذرِ أنانيتي يابنيتي فأنا أعشق ما أملكه وأنتِ جزء مني
رفعت كفه لشفتيها تقبل ظاهره : وأنت يا أبتي بطلي الأوحد وإستقامة ظهري وتراب قدميك تاج فوق رأسي
وبينما هما على تلك الحالة العاطفية دخلت عليهما سيلڤيا بوجه محتقن وملامح واجمة من فعلة زوجها وماجعل الغضب يتصاعد داخله موافقة هيلينا وإنصياعها لطلبه الأحمق في أول ليلة بعد عودتها مع زوجها.. إنتبها لها والمبادرة بالحديث كانت لمارسيل يقول بنبرة مغلفة بالتحدي : تعالي سيلڤيا.. لماذا تقفين كالتمثال هكذا؟
رمقته سيلڤيا بغيظ تصك أسنانها : ألن تكف عن تصرفاتك الصبيانية يا ابن ألبير؟
رد عليها رافعاً حاجبيه باستنكار : أليس لي حق فيها؟.. أم أنكِ غفلتِ عن كوني والدها؟
حركت رأسها يميناً ويساراً تقول بضيق : لن تتغير أبداً
هب واقفاً يهدر بأعين مشتعلة : كلَّا لن أتغير ولن يستطيع أحد محو حبي لإبنتي ورجاءً إلتزمِ حدود الأدب حتى لا تصبح المشكلة بيننا
فغرت سيلڤيا شفتيها قائلة بمقلتين جاحظتين : ولك وجه تهددني أيضاً ؟
هم أن يلقنها درساً في الآداب الزوجية لكن هيلينا إستوقفته بإعياء : كفى يا أبي.. أرجوك لا تتشاجر معها بسببي
فزع والديها لمنظرها المتعب وشحوب وجهها وبادرت سيلڤيا بإمساك ذراعها تسألها بقلق : ماذا بكِ ياحبيبتي؟
أجابتها هيلينا بضعف : الدوار يضرب رأسي وشعور بالغثيان يفتت معدتي منذ الصباح
تهللت أسارير سيلڤيا بشكل أثار تعجب مارسيل فسألها : أنتِ مجنونة يا إمرأة؟.. إبنتك مريضة ماكل هذه البهجة التي تقفز من وجهك؟
رمقته سيلڤيا بضيق متعمدة إستفزازه : لن أخبرك حتى أتأكد أولاً
والسؤال تلك المرة كان لهيلينا التي إندهشت من ردة فعل والدتها : مما سنتأكد؟.. أنا لا أفهم شيئاً من حديثك يا أُماه
ساعدتها سيلڤيا لتنهض معها قائلة بسعادة واضعة كفها على بطنها : ستفهمين عندما تفحصك قابلة القصر ..
أطاعتها هيلينا بتوجس من حديثها الغامض بينما وقف مارسيل يتابع خروجهما بذهول عندما فهم ماترمي إليه زوجته ورغماً عنه إبتسم وإستصاغ فكرة أن تكون هيلينا كما توقعت والدتها.. همس لنفسه بسعادة : لتكن أنثى جميلة مثل من ستنجبها
*************
في جناح چايدن /
مكث چايدن في جناحه ذارعاً الأرض تحت أقدامه ذهاباً وإياباً حتى تعبت منه.. كلما حاول الهدوء أو الجلوس يهب واقفاً كالملسوع.. يفكر في تلك التي جعلت من قلبه جمرة متقدة أشعلت نيران غيرته.. يجاهد علي إثناء رغبته في الذهاب إليها وإزهاق روحها من التقبيل.. الحمقاء.. عديمة الشعور تعلم جيداً أن القتل في قانون عشقه مباح عندما تشتد غيرته وأنه مجنون بها للحد الذي يقتله إنشغالها عنه.. يغار عليها من مكانها وزمانها ولو وضعها داخل جفونه سيغار منهم أيضاً .. يغار ويحترق من أشياء تافهة لا تعبر ذهنها أبداً وهو في حبها كالأطفال لا يرضيه سوى الإمتلاك وبعد صراع طويل.. دامي بينه وبين أفكاره تهاوى فوق الفراش بتعب ينهت من فرط توتره.. أطبق جفنيه وبركان أشواقه مستمر بالإنفجار وزمرد عينيها يرتسم بمخيلته ليخترق صدره كالرصاص.. رفع راحتيه يمسح بهما وجهه وخصلاته في محاولة بائسة للتهدئة يقول بخفوت : رحماكِ هيلينا.. رحماكِ على قلب ينشطر ألماً بغيابك.. أنهى كلماته بزفرة غاضبة وروحه تعجز عن وصف شعوره فكيف لها أن تفعل به مافعلت غير عابئة بلوعته المتأججة ولا بآثار الدمع وحمرة البكاء التي مازالت عالقة بأهدابه وكأنه ملهاة تلهو بها ساعة فراغ.. ألا تعلم أنها سماءه الممتدة يميناً ويساراً لتحتضن كل أوجاعه كالأقمار التي تزين جوف الفضاء.. كيف سيستيقظ اليوم التالي دون النظر إلى الشمس التي إعتاد أن تشرق كل صباح من وجهها لتدفئه وتغرف من السعادة وتعبأ حياته وينام مطمئناً بها ويصحو فرحاً ويحتمي بحبها من الخوف والهم والظلم والناس.. وبمنتهى القسوة والإجرام إرتضت المبيت والنوم فوق وسادة لا تحمل رائحته بجوارها .. وفجأة طرأت له فكرة ستجعلها تندم على مااقترفته ولتتذوق ماصنعت كفيها الرقيقتين.. إبتسم بلؤم مخالف لطبيعته الحنونة ونهض سريعاً ليخرج حتى ينفذ ما جال بخاطره
*************
عودة إلى هيلينا /
إستقامت هيلينا في جلستها وهي تغطي نفسها بعدما إنتهت القابلة من فحصها.. لا تعلم ماذا تقول وأي ردة فعل يجب أن تعطيها على هذا الخبر الذي سمعته منذ قليل.. يختلج صدرها الكثير من المشاعر المتناقضة.. فرح وقلق.. حماس وخوف.. سعادة وترقب.. وتتسائل في نفسها كيف سيكون شعورها حينما تتلمس يده الصغيرة وتقبل وجنته الرقيقة.. كيف ستنتظر تسعة أشهر حتى ترى جنينها.. سمو الأميرة لاتحب الإنتظار أبداً ولن تطيق صبراً لتشعر بقلبه ينبض بجوار قلبها.. إبتسامة خجولة شقت ثغرها عندما تخيلت حركاته الحميمة تحتدم بين دواخلها فتمنت قدومه بسلام لتقر عينها وعين والده به.. رفعت كفها تغطي فمها لتداري إتساع إبتسامتها وصوت القابلة يتردد في آذانها قائلة (مبارك ياسمو الأميرة.. أنتِ حامل بشهرك الثاني).. جحظت عينيها حينما أيقنت أن تلك النطفة اللطيفة تكونت داخل رحمها منذ أول لقاء زوجي جمعها بچايدن وشهقت بخفة عندما تذكرته تقول بهمس غير مسموع (كيف سأخبره؟.. وكيف ستكون ردة فعله؟.. والأجمل كيف سيصبح أب وهو مازال صغير السن؟).. مئات الكيفيات تلوح برأسها ولا تستطيع منعها.. أفاقت من شرودها علي صوت والدتها تهتف بسعادة : مبارك ياحبيبتي
أجابتها بخجل : سلمتِ يا أمي
إقتربت منها چوليا التي كانت حاضرة معهما هي والأم ريڤا تقول والفرحة تقفز حولها : أنا لا أصدق نفسي.. سأرى حفيداً لي وسأحمل ولد ولدي بين ذراعي وأستنشق رائحته
قاطعتها الأم ريڤا بمرح : ومن أخبرك أنه سيكون ولد؟.. أليس من الممكن أن تلد هيلينا أنثى تشبهها؟
ردت هيلينا على حديث جدتها بعفوية : كلَّا ليكون ولداً يشبه چايدن
ضحك الجميع على حبها الشديد لسمو الأمير فخجلت وأخفضت أنظارها ببراءة جعلت من وجهها لوحة حمراء رائعة.. بينما جلست چوليا بجوارها تحيطها بذراع والأخرى تضعها فوق بطنها تمازحها : تُرى كيف ستكون ردة فعله حينما يسمع هذا الخبر السعيد؟
رفعت هيلينا أكتافها تجيبها بخفوت : لا أعلم
تدخلت الأم ريڤا قائلة : ما رأيكن أن نؤجل إخباره ليوم التتويج ؟
نظرت هيلينا لجدتها تؤيد حديثها بحماس : حسناً أنا موافقة
بينما إعترضت سيلڤيا : هل سنخفي حدثاً مهم كهذا عنه؟
قالت لها چوليا مبتسمة : لا تقلقِ ياعزيزتي.. يوم التتويج قريباً للغاية.. كل الحكاية ثلاثة أيام على أقل تقدير
إضطرت سيلڤيا لإطاعتهن ووافقت أما هيلينا فبرغم تأييدها للفكرة إلا أنها تتوق شوقاً لتخبره وترى رد فعله حينما يعلم بوجود قطعة جميلة منه تسكن أحشائها وستناديه بأبي وتقفز فوق ظهره وترث شقاوته ولطافته وقلبه الحنون..وبينما هي تهيم بأحلامها الوردية تفاجئت بإحدى الجواري تدخل عليهن بملامح مرتبكة تقول بصوت مهزوز : عذراً سيداتي لكن هناك شئ غريب حدث داخل الحرملك
سألتها چوليا بترقب : هل أصيب أحد بمكروه؟
شبكت الجارية أصابعها بتوتر تجيبها وأنظارها موزعة بين هيلينا والأرض تحتها : سمو الأمير چايدن
إنتبهت هيلينا لحديثها وبادرت بسؤالها سريعاً : ماذا به چايدن؟
ردت عليها الجارية والخوف مسيطر على كل ذرة من جسدها : أرسل حارس جناحه يطلب جارية لقضاء الليلة معه وهذا تصرف لا يليق وغير مسموح به لرجل متزوج
إنتفضت هيلينا من مكانها وهبت واقفة ولم تعطي مجال لمزيد من التساؤلات وخرجت من الجناح تتفقد الأمر وسط أنظار والدتها وخالتها وجدتها اللاتي ألجمت الصدمة ألسنتهن.. وأثناء سيرها في الرواق المؤدي لجناحه .. تصارع أفكارها محاولة كبح كل رغباتها العنيفة التي تأججت بداخلها لتقتله وتوزع دماءه على الممالك الخمسة تفاجئت بيد تجذبها لترتطم بصدر صلب ورائحة تحفظها عن ظهر قلب إخترقت حواسها.. شهقت بفزع وكادت أن تهوى على وجه من سحبها لهذا الممر الضيق بصفعة قوية إلا أنه كان أسرع منها ورفعها من خصرها قائلاً بسخرية : إلى أين ستذهبين ياروح أبيكِ؟
تنفست الصعداء عندما وصل صوت چايدن لمسامعها وقالت بنبرة مرتجفة : أخفتني أيها الأحمق
أنزلها ببطأ حتى لامست أقدامها الأرض لكنه إحتفظ بجسدها الصغير بين ذراعيه يسألها بصوت مشحون : من تدعين بالأحمق؟
حاولت التملص من حضنه تجيبه بغضب : أنت ياسمو الأمير
أحكم قبضته حولها فإضطرت للثبات مجبرة يقول بهدوء أخافها : سأقطع لسانك الطويل هذا إذا كررتيها مجدداً
تداعت نظراتها قليلاً لكنها حاولت إصباغ حديثها بالتحدي تصك أسنانها : إبتعد عني وإلا...
قاطعاً بصوت جهوري : وإلا ماذا؟
رفرفت هيلينا بأهدابها الكثيفة تحاول السيطرة على غلالة دموع وخزت جفنيها أثراً لصراخه بها وسألته بشفتين مرتعشتين : ما الذي حدث؟
شعر بألم تسرب لقلبه عندما رأى الخوف البادي على ملامحها وأسند مقدمة رأسه فوق كتفها قائلاً بخفوت : لا يهم.. عانقيني
تعجبت بشدة وسألته بعدم فهم : ماذا بك؟... صمتت لثواني ثم أردفت بغيظ : ولماذا طلبت جارية لتقضي الليلة معك؟ أطبق جفنيه يجيبها بأنفاس محمومة : إخرسِ هيلينا.. إخرسِ وعانقيني فقط
إمتثلت لطلبه بريبة وإحتضنته بينما هو ظل يترنح بجسدها يمينا ويساراً دون أن يتفوه بكلمة وكأنه يحتاج هذا الأمان ليلملم شتات نفسه أولاً ثم يعاقبها لِمَ بدر منها تجاهه لكنها تريد الإطمئنان عليه والتاكد من أمر الجارية فحدثته بخفوت : قل شيئاً
أجابها بولهٍ شديد : لا أريد الكلام.. أريد سماع نبضات قلبك تضرب فوق أضلعي
مسحت على ظهره بحنان تسأله : أنت بخير؟
رد عليها بتنهيدة عميقة : لا تسأليني عن حالي لأني حتى لو سقطت السماء على عاتق روحي سأقول دائماً أنا بخير
إستسلمت للدفأ الذي أحاطها به ثم سألته مجدداً : چايدن أرجوك أخبرني ما الأمر؟
إبتعد عنها برفق يقول وعينيه تخترق زمرديتيها بوهج أخبرها أنه يقف على حافة الإنفجار : هل يجب أن أموت حتى تأتيني؟
عقدت حاجبيها قائلة باستنكار : بعيد الشر عنك ياقرة عيني
نظر إليها بعتاب قائلاً : تباً لشوقي الذي يقتلني في غيابك ألف مرة وليس قادراً على إحضارك من تلقاء نفسك ولو مرة
إحتوت وجهه الحزين بين راحتيها تقول والدمع يترقرق بمحجريها : أنا حقاً لا أفهم ماذا تعني ولِمَ كل هذا الألم الذي يقطر من كلماتك
رفع حاجبه يسألها ساخراً : حقاً؟.. هل تريدين إقناعي بأنكِ غبية إلى هذا الحد؟
قطبت جبينها تحاول سبر أغوار هذا الرأس اليابس قائلة : تحدث بوضوح من فضلك
إستدار ينظر للجهة الأخرى مكتفاً ذراعيه خلفه ضاغطاً على أعصابه ألا تنفلت ويضعف أمام رغبته في تقبيلها : إذهبِ لتنامِ بين أحضان والدك وأنا سأقضي الليلة مع إحدى جواري الحرملك
لم تدري هيلينا بنفسها إلا وهي تضربه بقبضتيها على ظهره قائلة بغضب عارم : إفعلها وسآخذ روحك قبل أن تفكر في خلع ملابسك
تأوه بشدة من خبطتها العنيفة وإلتفت إليها هادراً بأعين مشتعلة : سقطت ملامحك يا بلاء الرأس.. ألا ترغبين في تناول القش كي تصبح ضربتك أقوى من ذلك؟
زادت حدة نظراتها وهددته بعصبية : سأقطع رأسك ولسانك و..
تخصر ثم قاطعها يرفع حاجباً متسلياً : وماذا؟ .. إلتوت زاوية فمه بإبتسامة عابثة مائلاً برأسه جانباً ونظراته تتفحصها بشوق ممزوج بالغيرة يقول قاصداً إثارة إستفزازها : لن تستطيعِ فعل شئ لأنكِ من بدأتِ بالتخلي ولتتحملِ نتيجة أفعالك ياسمو الأميرة
زفرت هيلينا بحنق شديد طاحنة ضروسها : لا تخرج شياطيني من جحورها.. أنا بالكاد أتحكم بأعصابي
إستمر في مضايقتها بتحدي : وأنتِ ماذا فعلتِ منذ قليل يا إبنة مارسيل؟.. ألم تجعليني أفكر جدياً وفي قتلك أنتِ وأبيكِ وعبثتِ بمقدرات وطن كامل ينتظر تتويجي ملكاً عليه؟
كتفت ذراعيها حول صدرها فأربكت ناظريه بحركتها وسألته بنفاذ صبر : كل هذه الضجة لأنني رغبت في قضاء بعض الوقت الخاص مع والدي؟
امسك ذراعها يضغط عليها قائلاً بتهديد : لا يوجد وقت خاص بينك وبين مخلوق غيري.. فهمتِ أم ستفقديني صوابي أكثر من ذلك؟
شعرت هيلينا بدوار خفيف يضرب رأسها لكنها تماسكت أمامه قائلة بألم خفي : حتى والدي؟
_ حتى نفسك
قالها چايدن ثم إحتواها بعناق أخبرها بمدى إشتياقه الموجع لها متحدثاً بهدوء : أنا لست طماع ولا أريد الكثير.. أحتاج فقط لشئ واحد فإعطني إياه برضا خاطر
أغمضت عينيها متسائلة : ما هو؟
إنحنى بشفتيه ليبعثر قبلاته أسفل عنقها وخلف أذنها يجيبها بأنفاس محمومة : أنتِ
هتفت عليه بدلال أشعل رغبته فقال بخفوت دغدغ مشاعرها : أنا مجنون وطائش ومنحرف ومغيب في عشقي لكِ ويمرضني إبتعادك عني وحين ذهبتِ مع والدك ولوحتي لي مودعة شعرت بأن الدنيا سقطت مني ... صمت لثواني ثم أردف بنبرة والهة : أود إدخالك بجوار قلبي كي لا يفترق نبضي عن نبضك وأملأ صدري من روحك وإكتفي ولايبقى مني لروحي موضع ولا مكان
همست له برقة : أنا أحبك
أبعدها عنه قليلاً وقبل أن يقتنص ثغرها وصل لمسامعه صوت مارسيل يستوقفه : حللت أهلاً يا ابن أخي
إعتصر چايدن جفنيه بقوة يتقبض جانباً في محاولة منه لممارسة أقصى درجات ضبط النفس قائلاً بغيظ : ها قد عدنا للسماجة وثقل الظل
إقترب منهما مارسيل عاقداً ذراعيه وراءه يمط شفتيه : هل تقول شيئاً ياسمو الأمير؟
رسم چايدن إبتسامة لزجة على وجهه ثم أحاط خصر هيلينا بذراعه يقربها منه متعمداً مضايقته : أبداً لا أقول شئ
رمقه مارسيل بنظرات ضيقة قائلاً : من الأفضل ألا تقفا هكذا في الممر أمام أعين الحراس
رد عليه چايدن بنفس تعبير الوجه المستفز : نحن أحرار.. نقف هنا أو ندخل الجناح أو حتى نخرج على العامة.. في كل الأحوال هيلينا زوجتي.. ز - و - ج - ت - ي ياعماه
أنهى حديثه ضاغطاً على حروف كلمة (زوجتي) وكأنه يحشرها بعقل مارسيل مما جعل هيلينا تتوتر وتحاول التملص من قبضة ذراعه لكنها توقفت عندما غرس أصابعه بجسدها لدرجة آلمتها.. أما مارسيل فآثر الصمت أمامه كنوع من ترويض نفسه لتقبل حقيقة كونه زوج إبنته الوحيدة وساد صمتاً مشحوناً بينهم قطعه چايدن وهو يمسك كف هيلينا : نستأذنك ياجلالة الملك سندخل جناحنا لننام .. وبحركة مفاجئة إستدار يسحبها خلفه بتملك بينما هي حانت منها إلتفاتة نحو والدها تعتذر له بعينيها فابتسم بوجل هامساً بصوت لم يصل لآذانها لكنها إستطاعت قراءة شفتيه : ستصبحين أجمل أم رأيتها في حياتي .. رفعت هيلينا كفها تداري إبتسامتها الخجولة فأرسل لها قبلة في الهواء يضحك قائلاً : مبارك ياروح أبيكِ
***********
دخل چايدن الجناح بغضب شديد لم يفلح في كبح جماحه.. عنادها يفقده صوابه ويجعله شخص سيء للغاية.. هو عالق بها تماماً كإسمه ويحبها حباً شاهقاً لا تخدشه المسافات ولا ينقصه غيرة والدها وتملكه الغير منطقي ولا يمسه أحد ولا يعلو فوقه شئ ويحتاج قربها كحاجته للهواء الذي يتنفسه وعليها مراعاة ذلك.. وقف أمامها متخصراً يطالع تمردها البادي على وجهها قائلاً بتحذير : إياكِ وتكرار ماحدث مجدداً
قلدت وقفته المتخصرة تميل بجذعها للأمام تسأله بنظرات ضيقة : وما الذي حدث لتفتعل كل هذه الدراما السخيفة؟
ظل صامتاً لثواني وعندما تاه الحديث وإنعقد لسانه قرر التعبير بطريقة أوقع وأعمق ويفضلها كثيراً وإحتضن شفتيها الغبيتين.. الحمقاوتين.. المغويتين بشفتيه .. يبثها رغبته في تكسير فكها وإلتهام هذا اللسان المستفز وما كان منها إلا الإستسلام كعادتها.. أميرها الصلف.. العنيد.. الغيور بحماقة أشد من حماقة والدها.. يعرف كيف يخطف أنفاسها وبيعثر الكلمات الغاضبة داخل جوفها بذكاء ودلال يبهجها وبعد وقت ليس بقليل فرَّق چايدن عناق ثغريهما قائلاً بصوت أجش : لا تبتعدِ عني وإلا سأبرحك ضرباً المرة القادمة
أجابته بصوت هارب أثراً لقبلته المخملية : آسفة.. لن أفعلها مجدداً
أفلت تنهيدة مرتعشة من بين شفتيه قائلاً : أخيراً فهمتِ
إقتربت منه تعانقه بقوة قائلة : لا تؤاخذني ياقرة عيني.. لم أتعمد مضايقتك
ناداها بتأنِّ كأنه يحاول تذوق حروف إسمها : هيلينا.. فردت عليه بأعين مغمضة : ماذا؟
أحاط جسدها بذراعيه ثم حملها بخفة يقول بنبرة ذات مغزى تعلم منه إلى أين سينتهي بها الأمر بعدها : أقبلك وأقبل والدتك التي جلبتك لحياتي وأقبل العمر الذي أوصلك إليَّ وأقبل زمرديتيك المهلكة
خبأت رأسها في صدره تهتف بخجل : چايدن.. ماذا تفعل؟
إستلقى بها فوق الفراش يعتليها قائلاً ويديه تعرف طريقها الصحيح نحو ملابسها : أستكمل ماتم مقاطعته قبل عودتنا ياقلب چايدن.. وكما توقعت أخذ الحديث بينهما مجرى آخر وكعادته جعلها تنصهر معه ودوامة مشاعرهما تذيب كل الغضب.. يتعانقان جسداً بجسد وقلباً بقلب والبادي أكثر حباً .. تستدير أرواحهما كالأساور حول معصميهما.. مع العروق تلتحم وبالأعصاب تنعقد ليغرق هو بها حد الثمالة وتختصره هي في لمسة أناملها الرقيقة.. وبعد إنتهاء هذا اللقاء المحموم جذبها لتستقر بين ذراعيه يقبل جبينها المتورد قائلاً : أحبك لأن فيكِ كل مايأخذ عقلي ويضاعف النبض في قلبي ويرسم الحب على رئتاي بأنفاسك العطرة
إقتربت منه أكثر حتى نامت برأسها أسفل ذقنه تقول بولهٍ : أنيق هو قلبي حين أختارك حبيباً له
ضحك بخفة ثم قال : أنتِ محقة فأنا أليق بكِ أكثر من أي شئ آخر
تذكرت هيلينا أمر الجواري ونهضت بنصف إستقامة تستند بمرفقها على الوسادة قائلة بضيق لا يتناسب مع حالتهما : تليق بي أم تليق بالحرملك ياروح والدتك؟
قهقه بشدة قائلاً : يالكِ من حمقاء وتصدقين أشياء خزعبلية
رفرفت بأهدابها تسأله بعدم فهم : ماذا تقصد
جذبها لتتوسد حضنه مجددا قائلاً بنظرات تأكل ملامحها : كانت خدعة حتى أستدرجك لتأتي إليَّ
فغرت شفتيها تقول بمفاجئة : يامخادع ! وأنا التي كنت على وشك سحق رأسك
صمت قليلاً ثم قال دامغاً خصلاتها بقبلة عميقة : أتعلمين لماذا أحبك هكذا؟
همهمت بخفوت : لماذا؟
جاوبها ممرراً أنامله فوق ذراعها العاري : لأن دخولك لحياتي كان حنون بشكل مفرط وكأنكِ تعتذرين لي نيابة عمن آذاني وبينما كنت أرفض كل العالم إستقبلتك داخل قلبي بإمتنان وصرتِ أنتِ قبولي الوحيد وسط معاناتي .. سكت چايدن ينتظر منها رداً على حديثه لكنه إنتبه لإنتظام أنفاسها بالنوم فإبتسم لبراءتها ووجهها المُحمر بإغواء لطالما إفتتن به.. وضمها إلى صدره يحيط جسدها بدفأ وحماية واضعاً ساقيها بين ساقيه ولم يستغرق سوى القليل ليلحق بها وغط في سُبات عميق إعتاده كثيراً منذ أصبحت أفروديت خاصته زوجة له
أنت تقرأ
خادم الوشم (Jayden)..(مكتملة)
Fantasyفانتازيا خيالية أنا لم يشفني السحر.. لا قطرة ليمون ولا نجمة أطفأتِ نورها فوق وجعي.. لم توقظني رشفة ماء من زبرجد البحيرة ولا ماسة حمراء تدفقت من شلال آجنوس... فقط أنتِ .. حبكِ أزال لعناتي.. روحكِ فصلت وشمي عن وريدي.. قبلتكِ معافاتي وجسدك ماء محايات...