الفصل التاسع عشر

6.9K 380 9
                                    

تأكدت سيلڤيا من وصول رسالتها ثم إلتفتت نحو الجميع قائلة : عليَّ اللحاق بها الآن.. إلى لقاء قريب بعد إنتهاء مهمتنا في (إيبريوس)..
أنهت حديثها بابتسامة مطمئنة وخرجت لتغادر ليبرا.. ممتطية جوادها الذي رافقها في جميع تنقلاتها داخل المملكة وخارجها.. أمسكت اللجام بيديها تنظر إلى الأمام بأعين ثابتة نحو هدفٍ لا تحيد عنه أبداً .. روحها المحاربة تقاتل في أكثر من جبهة .. تخوض حرباً ضروس.. غير متكافئة الرُحى.. ضد عدو أحمق لكنه شرس بالقدر الذي جعله يخفي أهم فرد في عائلتها ويسجن الآخر داخل تعاويذه الشيطانية.. إبتسمت سيلڤيا عندما مرت على القصر الذي إنكشفت به أهم أسرار المملكة وتذكرت ماحدث بداخله بينها وبين والدتها
(Flash back )
بعد إنتهاء سيلڤيا من إلقاء التعويذة الخاطئة على الأم ريڤا.. جثت على ركبتيها تتحسس وجهها البارد قائلة ببكاء : يجب أن تضحي من أجلنا ياساحرة المملكة

همست لها والدتها بصوت خفيض حتى لا تثير إنتباه هيلينا التي كانت تراقب مايحدث في صمت مذهولة : أتركيني وإتجهي الآن إلى قصر (لابيدوس)
سألتها سيلڤيا : ماذا سأقول لهيلينا؟
أجابتها الأم ريڤا بنبرة غير مسموعة : أخبريها أنكِ ذاهبة إلى قصر (السولانا) لتحررِ چوليا.. هيا ياإبنتي أسرعِ
إنتبهت سيلڤيا لإقتراب إبنتها منها تمسكها من ذراعها قائلة : إستقيمِ من فضلك
رفعت عينيها الدامعة إليها قائلة ببكاء : لم أرد فعل ذلك
ساعدتها هيلينا على الوقوف تسألها بنبرة عاتبة : لماذا فعلتيها إذن؟
إرتمت سيلڤيا بين أحضانها منتحبة اكثر بالبكاء تحاول إختلاق مبررات لما حدث أمامها ثم قالت : لأنها تستحق أكثر من ذلك
أحاطتها هيلينا بذراعيها تشدد على عناقها قائلة : إهدئي.. لقد مضى
إبتعدت عنها برفق تقول بخفوت وهي تمسح دموعها : أبلغِ والدك بموت ساحرة المملكة إلى أن أنتهي من مهمتي التالية ..
نظرت إليها هيلينا متسائلة بترقب : أين ستذهبين؟
أجابتها وهي تنحني لتلقط العصا بيديها : إلى قصر السولانا..
لم تعطها فرصة لحوار آخر ثم استدارت متجهة للخارج بخطوات واسعة.. إمتطت جوادها منطلقة به نحو قصر ( لابيدوس).. تاركة الجثة الوهمية للأم ريڤا بالداخل.. ولم تمر إلا دقائق قليلة حتى إختفت كلياً لتسبقها إلى هناك ... قطعت سيلڤيا المسافة بسرعة قصوى.. تحمل في صدرها مشاعر مختلطة مابين الخوف والفضول وكلاهما قاتلان لأعصابها.. وقفت أمام هذا القصر المهيب تتطلع إليه بأعين منبهرة من جماله فلطالما كان أفخم قصور ليبرا.. تحيط به هالة مقدسة يستمدها من قدسية ساكنه.. تصميمه مستدير تعلوه قبة مخروطية في نهايتها تمثال للأب بيتر كاهن السحرة والمتنبئ بميلاد چايدن.. نقوش واجهته عبارة عن رسوم متحركة.. تجسد تاريخ الممالك الخمسة وبالرغم من أهمية هذا المكان إلا أنه لا يوجد حوله حراس.. تحيط به أشجار مصفوفة بشكل منظم يبعث على السكينة لمن يدخله.. بوابته لا تنفتح إلا للموثوق بهم نظراً لما يحتويه من أسرار.. إنتبهت سيلڤيا للبوابة التي إنفتحت على مصراعيها .. تحركت إلى الداخل بخطوات رتيبة وما أن تعدت الحاجز المؤدي للرواق حتى إنغلقت مرة أخرى ..مكثت مكانها تنتظر الأمر بالإقتراب.. آتاها صوت يدعوها أن تدنو اكثر : إقتربِ بنيتي
لبت الدعوة مقتربة من صاحب الصوت.. تسير في ممر أرضيته عبارة عن لوحة فنية من البلور الأحمر المزين بنقوش محاكية للمنحوتة على الواجهة الخارجية.. طافت المكان بأنظار ذاهلة وشفتين منفرجتين بتعجب شديد.. تنتقل ببصرها بين الأعمدة الشفافة المصطفة على الجانبين.. كل عمود يحكي قصة من قصص ليبرا عبر نقوش مسحورة تتحرك وكأنها حيوات سابقة لأبطال تلك الحكايات.. كل حكاية منقوش فوقها أسماء أصحابها.. إتسعت ابتسامتها عندما قرأت إسم الملك الراحل (ألبير).. والد لوريس ومارسيل وسلفهم العظيم ..
وصلت إلى نهاية الممر متعجبة من العمود الأخير الذي يحمل إسم والدها (ڤيالوس الحكيم) لكن هناك جزء مفقود في حكايته.. النقوش تبدء من نقطة معينة وهي إحراق الأم ريڤا للمساعد (كيڤن) وتنتهي بما دار بينهما في قصرها .. لم تستغرق وقتاً طويلاً في التفكير وقطع حبل تعجباتها هذا العجوز ذو الوجه البشوش بلحيته البيضاء الطويلة وردائه الأبيض المخملي.. جالساً على كرسي ضخم مكتوب أعلاه كلمة (لابيدوس) والتي تعني في اللاتينية القديمة (ساحر).. هذا اللقب الذي لم يحظى به أحد من قبله.. نظر إليها مبتسماً بحنو بالغ ثم ناداها قائلاً : تعالي عزيزتي.. إنتظرتكِ لسنوات طويلة
بادلته سيلڤيا إبتسامته بأخرى أكثر عذوبة وركضت نحوه تحتضنه باشتياق شديد قائلة : إشتقت إليك كثيراً
مسد الأب بيتر على شعرها بكفه المجعد قائلاً : وأنا أيضاً بنيتي مشتاق إليكِ بشدة
إبتعدت عنه برفق منحنية إجلالاً له قائلة : بورِكْتَ يا أبانا ودُمتَ تاجاً على رؤوسنا ..
أشار لها أن تجلس على الكرسي المجاور له قائلاً : إجلسِ يا حبيبتي.. لدينا الكثير لنخبرك به
أطاعته وجلست بترقب تنتظر ما ستؤول إليه الأمور بينما هو سألها بملامحه البشوشة : كيف حالك يا صغيرتي؟
أطرقت برأسها لأسفل ثم أجابته : لست بخير..أتخبط بين الماضي والحاضر بشكل مريب وأكثر شعور مسيطر على قلبي هو الخوف من المجهول
تنهد الأب بيتر مردفاً : أعلم أنكِ قدمتِ الكثير إلى ليبرا ومازال لديكِ طريق طويل لن يستطع أحد غيرك إستكماله
رفعت سيلڤيا أنظارها إليه متسائلة : وهل يوجد أصعب مما أمر به الآن؟
أومأ لها إيجاباً قائلاً بتأكيد : السر الأكبر
رمقته بعدم فهم  : انا لا أفهم شيئاً
إستوقفها بكفه ثم فرقع بإصبعيه لتظهر الأم ريڤا على الفور أمامهما جالسة على الكرسي المقابل لسيلڤيا ..
جحظت عينيها مما حدث ونهضت مسرعة تحتضن والدتها ولم تستطع السيطرة على دموعها قائلة ببكاء : كدت أموت من القلق عليكِ يا أمي
مسحت الأم ريڤا على ظهرها قائلة بحنان : أبليتِ بلاءً حسناً ياصغيرتي.. أنا فخورة بكِ حد السماء
إبتعدت عنها قليلاً طابعة قبلة عميقة على رأسها ثم قالت بحب : بوركتِ ياحبيبة
قاطعهما الأب بيتر بصوته الرخيم : إجلسِ سيلڤيا لنطلعك على أهم أسرار ليبرا
إنصاعت لأمره متجهة إلى مقعدها مرة أخرى وجلست بتوجس بينما تحدثت الأم ريڤا : حان وقت كشف جميع الأوراق لأن المرحلة القادمة خطرة للغاية ويجب توخي الحذر حتى نستطيع فك الطلسم الأعظم
تسائلت سيلڤيا بحيرةٍ : أي طلسم تتحدثين عنه يا أمي؟
بدأت الأم ريڤا في سرد أحداث الماضي البعيد بألم مفرط : عندما قام اللعين كيڤن بالإعتداء عليَّ واضعاً بذرته الشيطانية في رحمي رغماً عني.. لم أستطع التخلص منه لأنه اصابني بتعويذة منعتني من إجهاضه وهذا ماتعلمينه أنتِ فقط.. لكن لهذه القصة بقية محزنة
نظر الأب بيتر إلى الأم ريڤا يستوقفها بعينيه ليكمل هو : هذا الشيطان لم يكتفي بذلك بل فعل جريمة أبشع منها.. بعد ولادة لوكا أخذه تحت حمايته وعلمه جميع تعاويذه السوداء ليستكمل خطواته في سلب ليبرا كل ماهو عزيز .. وچايدن المجتبى للخلاص والتحرير
سألته سيلڤيا مجدداً : تحرير من؟
أجابها بما صدمها : ڤيالوس الحكيم
نزلت إجابته على رأسها كحجر قسمها نصفين وتحدثت فاغرة شفتيها : والدي؟!.. ڤيالوس الحكيم مازال على قيد الحياة؟!
أومأت الأم ريڤا برأسها إيجاباً ثم أردفت : بلى.. لكنه مسجون ولن يتحرر إلا بخلاص چايدن لأن هذا الأحمق المدعو لوكا ربط الآنجيوس بكل التعاويذ الخفية وهذا الخطأ الثالث الذي وقع به دون دراية
تسائلت سيلڤيا بصدمة : هل يعلم لوكا بأمر والدي؟
حركت الأم ريڤا رأسها نفياً قائلة : كلَّا وهذه نقطة ضعفه لأن كيڤن هو الذي قام بحبس ڤيالوس في سجن لا يعلمه أحد سوى شخص واحد
تدخل الأب بيتر متحدثاً بثقة : هذا الشخص يكون أنا وللأسف الشديد لن استطيع إخبارك بمكانه حفاظاً على حياته وحياة چايدن
اطبقت سيلڤيا جفنيها بصعوبة متسائلة : وما المطلوب مني؟
أجابتها والدتها : چايدن لن يتحرر إلا بواسطة عصا ڤيالوس وتلك العصا لن تعمل سوى مع فردٍ يحمل دمائه وأنتِ الوحيدة المعنية بالأمر
تحدث الأب بيتر بتركيز : بعد خروجك من لابيدوس ستتجهين إلى قصر السولانا لتحرري شقيقتك وهناك ستخبريها بكل شيء حتى يطمئن قلبها على ولدها لكن إحرصي ألا يصل الحديث لمسامع لوريس ومن ثم ستتبعين إبنتك خارج ليبرا وبحوذتك عصا ڤيالوس لتتنقلي معها من مملكة لأخرى وعند بلوغكم آجنوس ستنتهي مهمتكما وتعودا إلى ليبرا مجدداً لتنتظرا عودة ولي العهد مع جده الأعظم
إبتلعت سيلڤيا ريقها الجاف بصعوبة قائلة : وماذا عن أمي؟
أجابتها والدتها : أنا سأقيم في كهف ميجرات.. ومهمتي خداع لوكا بصرياً وإخفائكم عنه بواسطة بعض التعاويذ السوداء التي لن أستطيع ممارستها داخل ليبرا
نظرت سيلڤيا إلى العمود المنقوش أعلاه إسم والدها متسائلة بتعجب : لماذا يوجد جزء مفقود في قصة أبي؟
أجابها الأب بيتر : لأن قصة والدك لم تكتمل والجزء السابق منها مطموس ولن يظهر إلا بتحريره
تحدثت الأم ريڤا موجهة أنظارها إلى سيلڤيا : يجب علينا التحرك الآن ياصغيرتي.. إعتني بنفسك وابلغِ سلامي إلى چوليا
نهضت سيلڤيا من مقعدها منحنية إحتراماً لهما قائلة بثقة : أنا لها وسأقوم بمهمتي على أكمل وجه
نظر إليها الأب بيتر قائلاً بفخر : بوركتِ بنيتي ... بينما إبتسمت لها والدتها قائلة : حاولي تدبر أمر اتصالات لوكا عبر غرفة الأوعية وإستغلِ قرب الشبه بيننا حتى لاينكشف الأمر
تراجعت سيلڤيا خطوتين إلى الوراء ثم قالت : لا تقلقي ياحبيبة.. سأتوخى الحذر
لوحت لهما مودعة وإتجهت إلى الخارج لتقوم بما كُلِفَت به ..تتبعاها بأنظارهما حتى إختفت تماماً ثم نظرت الأم ريڤا إلى الأب بيتر مطولاً بحديث صامت .. ذو مغزى كبير بينهما.. ومن العدم ظهر في المنتصف طريق مؤدي إلى كهف ميجرات.. إستقامت متجهة نحوه وقبل أن تسلكه التفتت مجدداً إليه .. تحدجه بأعين تحمل الكثير من الأسرار التي لا يعلمها أحد سواهما فقط.. إختفت داخل الممر تاركة إياه يردد هذه الكلمات : لنا عظيم أبى أن يسكن جسده الارض والسماء.. تصدع لسيرته رعودٌ في ظاهر الأفق.. يسطع البرق إجلالاً لكرامته.. فاجأه حبساً وماكان منه إلا أن يستتر.. إرتبط خيطه بقدر المجتبى.. ليتحرر ويحرره .......
أفاقت سيلڤيا من ذكرياتها على صهيل الجواد منبئاً بوصولها إلى كهف ميجرات فشدت اللجام لتوقفه ثم ترجلت مندفعة نحو الداخل لتوافي والدتها بآخر الأخبار

خادم الوشم (Jayden)..(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن