الفصل الحادي عشر

8.8K 242 20
                                    

جـاءهـا صوت من خلفها: " أوه ، كلا ، لا تفعلـي .علـى الأقل ليس قبل أن تغسلي هذه الكلبة القذرة."
استدارت لترى جايمس واقفاً أسفل السلم ، وهو يحمل الكلبة تحت إبطه ، متابعاً قوله: " قيل لي أنك أحضرتها إلى هنا .فعليك إذن أن تنظفيها .كيف حالك يا ميلودي؟"
ازدردت ريقها محاولة أن تبعد نظرها عنه ، ولكن عبثاً. كان هناك بلحمه ودمه ، طويلاً أسمر وسيماً كعادته. وشعرت برغبة هائلة في أن تلتهمه بأنظارها. ولكنها سبق وأذلت نفسها أمامه بما فيه الكفاية، ولا تريده أن يعلم أنها من الممكن أن تكرر هذا العمل مرة أخرى.
أجابته: "فـي أحسن حـال ." 
ابتسم ابتسامـة شلـت تـفكيـرها .وسـألها: " ما الذي تخفينه فـي ذلك الكيس؟ بندقيـة ؟ " 
قـالت : "كلا." وأضافت دون تفكير ، " لم أكن أعلـم أنك هنا."
قهقه سيث ضاحكاً بشكل لم يعرفه منذ أسـابيع ، كذلك ضحك جايمس وهو يـقول: "هذا بينما أوهم نفسي بأن رؤيتي قد تسرك." ثم وضع الكلبة عـلى الأرض . ولم تشأ ميلودي أن تصف مشاعر الفرح التـي انتابتها والتي جعلتها تعجب لقدرتها على الوقوف هادئة بهذا الشكل. وقالت: " إن ما عنيته هو أنني لم أرى سيارتك خارج المنزل."
قال: "ليس عندي سيارة ، فقد استأجرت سيارة من المطار."
كان عليها أن تدرك أن هذه زيارة سريعة. ولكنها فكرت فـي أنه يستحق شيئاً من الإطراء لاهتمامه بوالده، فقالت : " ما هي المدة التـي تنوي بقاءها هنا ؟ " 
ألقـى نظرة علـى سيث قائلاً : " لم أقرر بعد . إن ذلك يعتمد علـى عدة أشياء، الأولى هو كم سيستغرق من الوقت جعل أبـي يفكر بالمنطق."
قالت : " وإذا أنت نجحت ، ماذا بعد ذلك؟ " فحدق فيها طويلاً إلـى درجة جعلت قلبـها يخفق بين ضلوعها بعنف شديد. وانتظرت أن تسمع منه شيئاً رائعـاً ، كأن يقول: ثم يأتي دورنا بعد ذلك يا ميلودي .دورك ودوري .ولكن بدلاً من ذلك ، أخذ يصفر بشفتيه وهو ينظر من النافذة ثم قال : " أوه ... هذا وذاك." 
نظرت إلى ظهره وقالت بحدة : " يبدو أن هذا الأمر فـي منتهى الخطورة . فلماذا إذن لا آخذ الكلبة لغسلها فـي الخارج ، وأتركك تتابع مع هذا وذاك ؟ "
كـان النهار مشمساً ، والنسيم يحمل رائحة الصيف . وكانت شجرة الصفصاف بجانب كوخ سيث مكتملة الأوراق ، بينما أزهار متسلقة تحت نافذة غرفة الجلوس كانت ترسل شذاً عطراً .
جلست الكلبة ماتي على الحشائش الدافئة وقد بان السرور عليها ، وهي تستسلم إلى المشط الذي يفك عقد وبرها . وتمتمت ميلودي وهي تعمل بنشاط: " أتمنى لو نتبادل أمكنتنا ، أنت وأنا . فقد انتهت متاعبك ، يا حلوتي ، ولكنني أشعر بأن متاعبي قد بدأت من جديد ." 
جاءها من خلفها صوت يقول : " إن مخاطبتك لنفسك ذات دلالة غير حسنة ." وأدركت هـي أن جايمس تبعها حاملاً دلواً مليئاً بالماء .
أجابته: " كنت أتحدث إلى الكلبة ."
قال: " وهل هذا أفضل من الحديث معي؟ " 
تجرأت علـى النظر إليه وهـي تقول: " ربما . إنك تبدو بصحة جيدة يا جايمس." 
قال: " هذا ما لا استطيع قوله بالنسبة إليك ."
تقدم يفرغ دلو الماء في حوض الغسيل الذي كانت قد أحضرته من السيارة قبل أن تشرع في تنظيف ماتي ، وتابع قوله : " إنك أنحف مما يجب يا ميلودي ." وجلس بالقرب منها وهو يطوي كمي قميصه ، متابعاً قوله : " لم هذا ؟ "
شعرت برغبة فـي أن تخبره أنها ، منذ رحيله ، فقدت شهيتها للطعام ولم تعد تجد لذة للحياة .ولكن رائحته أثارت فيها ذكريات لم تشأ أن تقرنها بمقل هذا الجواب . فقالت بدلاً من ذلك، بصوت أجش: " إن النحافة هـي الموضة." 
قال: " والموضة هذه مهمة جداً لك." وأخذ الكلبة ، غير آبه باعتراضها ، وغطسها بعنف في الحوض وبدأ يصب عليها الماء وهو يتابع قائلاً: " إنني أعجب من أن تكلفي نفسك عناء التقاط حيوان قذر مثل هذا دون اهتمام بمعرفة سلالته وحسبه ونسبه، لماذا أحضرتها إلى أبي ؟ هل روبرت يرفض قطعاً أن يبدو بجانبها ؟ " 
شعرت ميلودي بأنها حمقاء حقاً حين صدقت ولو للحظة واحدة، أن جايمس قد تغلب علـى مشاكله وأدرك أن عليه أن يبقى إلى جانبها هي وأبيه.
اعتراها الغضب لرجائها العبثي في حدوث معجزة ممن أوضح منذ البداية أنه لا يعتقد بالمعجزات.
قالت: " قد تكون صدمة لك يا جايمس ، ولكن عدم وجود نسب لهذه الكلبة ليس له علاقة بالسبب الذي أحضرتها إلى سيث، وإنما لتسلي قلبه العجوز المستوحش، وتملأ وحدته الطويلة ، وليكن في علمك ، ولو أن هذا ليس من شؤونك ، أنني لم أرى روبرت منذ أسابيع ."
مـع دهشة جايمس الواضحة لجوابها الحماسي، بقي فـي منتهـى الهدوء وهو يقول : " هل معنى هذا أنه خارج حياتك؟"
أجابت : " كلا ، فهو باقٍ ، على الدوام ، جزءاً من حياتي .إنما شاءت الصدف أن يكون في إجازة الآن."
قال: "فهمت.أظن فـي هذا جواباً عن سؤالـي التـالي ."
قالت: " وما هو سؤالك ذاك؟"
لم تظهر ابتسامة جايمس أية غمازة وهو يقول: " السؤال هو أنك أدركت أنه الرجل المناسب لك . وهكذا قررت أن تحتفظي به." 
قالت بضجر: " أسمع يا جايمس .إنني أجمع الملابس القديمة الطراز وليس الرجال. إن روبرت صديق لـي . وسيبقى هكذا علـى الدوام . ولكنني سأقول الآن ، ولآخر مرة ، عندما أريد علاقة ما ، سواء مع إنسان أم حيوان ، فإنني أبحث عن الشعور والإخلاص وليس التناسب والتلاؤم ، ولا يهمني نسب الرجل أكثر مما يهمني نسب الكلبة .فالمهم عندي أن تتوفر مقدرة علـى الحب وتلقي الحب ." وتوقفت برهة وهي تهز رأسها ثم استطردت: " ولكنك شخص متعجرف يا جايمس إلى حد يجعلك لا تفهم شيئاً من هذا." 
قال وهو يجلس القرفصاء غير مصدق : " أنا متعجرف؟"
قالت وهي تفك وبر الكلبة بالشامبو : " نعم .إنك منذ اللحظة الأولى التي تقابلنا فيها ، رفضت أن ترى ما هو واضح . وبدلاً من ذلك ، احتقرتني و انتقدتني و حاولت أن تولد فـي ضميري شعوراً بالذنب لأشياء ليس لي يد فيها ، مثل أنني ولدت من أسرة غنية ، وما زلت تفعل ذلك، وقد أدركت فجأة أنني تعبت من كل هذا . أصبح مملاً جداً يا جايمس."
قال: " لقد عدت إلى هنا لأعقد معك صلحاً، فهل يمكن أن يصدر هذا التصرف عن شخص يفتش عن الأخطاء فـي المرأة؟"
قالت : " إذا كان هذا هو هدفك ، فمن الأفضل أن تعود من حيث أتيت،ذلك أنني أريد شيئاً أكثر من هذا." 
قال: " ماذا تريدين أيضاً؟"
هزت رأسها قائلة : " إذا كنت تريدني أن أعلمك الأشياء حرفياً ، فما جدوى النقاش؟ " 
قال: " حسناً تباً لذلك يا ميلودي ، إنني أحاول جهدي معك فمدي أليّ يد العون." 
قالت متمنية أن لا تندم بعد ذلك علـى شجاعتها هذه : " كلا .لقد سبق ومنحتك من نفسي أكثر مما أعطيت أي رجل آخر، وسأستمر في العطاء طول حياتي . ولكن الحق كان معك ، يا جايمس. إذ لا يجب أن يقوم شخص واحد بكل المحاولات ، ولهذا عليك أن تفتش في نفسك جيداً عن الأسباب التـي جعلتك تعود إلى هنا."
انتزع زجاجة الشامبو من يدها وألقاها بعيداً وهو يقول: " لقد جئت لأجلك .تباً لك .لقد عدت بعدما لم استطع صرفك عن ذهني ، ولأنني ظننت أنك ربما كنت حزينة من دوني." 
قالت ببرود : " أعفني من إحسانك هذا .فإنني لا أرحب به أكثر مما فعل أبوك عندما حاولت أن أقدم له إحساني."
أخذ يشتم بألفاظ لا يمكن أن تسمع في بيئة راقية، وسمعتها هي دون أن تتحرك.
أخيراً قال: " حسناً ، وماذا علـيّ أن أفعل؟"
قالت: " حاول أن تكتشف ذلك بنفسك."
تنهد قائلاً وهو يرفع ناظريه إلى الشجرة : " حسناً ، فلنتزوج." 
كاد قلبها يتوقف عن الخفقان .ولكنها حاولت أن تتمالك هدوءها وهي تجيب بأدب: " كلا. شكراً." 
سألها : " لِمَ لا؟"
أجابت: " حاول أن تكتشف هذا أيضاً ، بنفسك."
قال: " إنك تختبرين قدرتي على الصبر ، يا امرأة."
كان كلامه يؤثر في نفسها ولكنها قالت: " وماذا عن عدم اهتمامك بمشاعري؟" 
نفض عن قميصه رغوة الشامبو ، وهو يقول: "انك تعرفين تماماً ما أريد أن أقول ، يا ميلودي، فلماذا تصرين علـى أن أتلفظ بالكلمات المناسبة تماماً؟" 
أجابت: "لأنني لن أصدق ما تعنيه حتى تقوله باقتناع."
أخذ يشتم مرة أخرى ثم قال: "ولكنني أنا هنا بنفسي، أليس كذلك؟"
أجابت:"هذا لا يكفي يا جايمس." ثم ابتدأت ترفع الحوض 
سألها : " ماذا ستفعلين بهذا الحوض؟"
أجابت: " كان من الأفضل أن أتوجك به ، ولكنني سأعيد تعبئته بمياه نظيفة لكي أغسل الكلبة ، ثم أعود إلى بيتي."
قال: " أعطني ذلك الحوض .ماذا تريدين أن تثبتي ؟ أنني جلف فظ ، أدع امرأة تحمل ما يفوق وزنها؟" 
قالت: "كلا. أنني معتادة علـى الأعمال المنزلية ." 
نظر إليها طويلاً ثم قال : " لا أخاف على يديك فقط، بل وجهك أيضاً، وهذه الثياب التي ترتدينها لن تعود كما كانت أبداً." 
لاحت على وجهه ابتسامة وهو يتابع قائلاً: " ألست أكبر قليلاً من أن تعبثي بالأقذار هكذا، يا سيدتي؟" 
قالت: "لا يهمني هذا."
قال: "ولكن هذا يهمنـي." ومد يـده إليـها ليلمسها ولكنها ابتعدت عنه قائلة: "لا تفعل هذا، من فضلك." 
قال: " لِمَ لا، يا ميلـودي ؟"
أجابت وهي ترتعش: "لأنني لا أثق بك."

513 - كوني لي سيدتي - كاترين سبنسر ( قلوب عبير ) دار النحاس ( كاملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن