❤️اللهم صلي وسلم على نبينا محمد❤️
كانت تعيش في هذه الأرض قبل عامٍ واحدٍ من حضور «مدام دي لاتور» امرأةٌ صالحة كريمة رقيقة الحال اسمها «مرغريت»، وفدت إليها على أثر نكبةٍ حلت بها في مسقط رأسها «بريتانيا»، وخلاصتها أن نبيلًا من النبلاء الاصطلاحيين - أي الذين اصطلح الناس على تلقيبهم بهذا اللقب - نزل بلدتها للاصطياف بها فرآها فأحبها، وكانت فتاةً غريرةً ساذجة تصدق كل ما يقال لها، فصدقت ما حدثها به عن الحب والزواج، والسعادة والرغد، كأنما خُيِّل إليها أن العظماء في أحاديثهم وعهودهم كما هم عظماء في مظاهرهم وأزيائهم، لا يخلفون إذا وعدوا، ولا ينكثون إذا عاهدوا، فاتصلت به اتصال الزوج بزوجها حينما وعدها أن يتزوج منها عند عودته إلى وطنه واستئذان أبويه.
وما هي إلا أيامٌ قلائل حتى ملها واجتواها كما ملَّ الكثيرات من أمثالها من قبلها، فرحل عنها فجأةً أعظم ما كانت غبطةً به وأملًا فيه، وترك لها تحت وسادتها شيئًا من المال خيل إليه أنه الثمن الذي يقوم لها بوفاء ما بذلت من عرضها وشرفها، فجن جنونها وهرعت إلى فُرضة البحر التي علمت أنه سيسافر منها، فلم تر من سفينته الماخرة على سطح الدأماء إلا ما يرى الرائي من أعقاب النجم المغرب؛ فبكت ما شاء الله أن تفعل، ثم عادت إلى منزلها دامية العين قريحة القلب، ولم تلبث إلا قليلًا حتى شعرت أنها تحمل جنينًا في أحشائها، فأُسقط في يدها وعلمت أنه قد استحال عليها البقاء بين أهلها وقومها بعد ما فقدت تلك الجوهرة الثمينة التي هي كل ما تملك العذراء في يدها، وكل ما تستطيع أن تقدمه مهرًا لزوجها، فأزمعت الرحيل إلى إحدى المستعمرات النائية لتواري في قاعها السحيق سوأتها وعارها، فوفدت إلى هذه الجزيرة بعد عناءٍ كثير، وعقباتٍ كبيرة واستطاعت بمعونة بعض المحسنين الراحمين أن تبتاع لها خادمًا زنجيًّا يعينها على أمرها ويساعدها على حراثة الأرض التي أوت إليها واستخراج ثمراتها.
وعاشت هنا عيش الصالحات القانتات لا تعرف أحدًا من الناس ولا يعرفها أحدٌ سواي، وكانت تجلس دائمًا على هذه الصخرة العالية أمام كوخها ترضع ولدها وتنسج نسيجها، فلما وفدت هيلين «مدام دي لاتور» رأتها جالسةً في مكانها الذي اعتادت الجلوس فيه، فعجبت لأمرها وأنست بمرآها أنسًا عظيمًا؛ لأنها ما كانت تتصور قبل أن تراها أن في الناس إنسانًا له حال تشبه حالها، فدنت منها وحيتها ثم جلست بجانبها وأخذت تسائلها عن شأنها، فقصت عليها مرغريت قصتها كما وقعت، وكشفت لها بشجاعةٍ وإخلاصٍ عن مكان المصرع الذي زلت فيه قدمها، ولم تكتمها من أمرها شيئًا، ثم ختمت حديثها بقولها: إن الله لم يظلمني، ولم يقس علي فيما فعل، بل عاقبني على جريمتي التي اقترفتها عقابًا عادلًا شريفًا، فله العتبى معطيًا وسالبًا، وله الحمد على نعمائه وبأسائه.
فرثت لها هيلين «مدام دي لاتور» وأوت إليها، وأعجبها منها إخلاصها وصراحتها، وقوة يقينها وإيمانها. فلم تر بدًّا من أن تمنحها من بنات قلبها مثل ما منحتها، فأفضت بسرها، وحدثتها حديثها من مبدئه إلى منتهاه. فقالت لها مرغريت: أما أنا يا سيدتي فقد لاقيت عقوبتي التي أستحقها بما أسرفت على نفسي، وفرطت في أمري، فما شأنك أنت وأنت فتاةٌ صالحةٌ شريفة لا ذنب لك ولا جريرة!
أنت تقرأ
الفضيلة
General Fiction❤️اللهم صلي وسلم على نبينا محمد❤️ هذه الرواية للكاتب مصطفى المنفلوطي تتحدثُ هذه القِصةَ عن بول و فرجيني الصبيآن الذآن ربيا معاً في مكان ناءٍ بعيدا كل البعد عن الترف حيث كانا منذ الصغر يلعبآن و يلهوان معا و يقضيآن جل اوقاتهما في زرع النباتات و رعاي...