مَدَام دي لَاتُور

338 8 3
                                    


.❤️اللهم صلي وسلم على نبينا محمد❤️
.
.
.
.
وأنشأ يحدثني ويقول :
في عام  1726 قدم هذه الجزيرة فتى من <نورماندي> اسمه (مسيو دي لاتور ) ليطلب رزقه في هذه الجزيرة المقفرة بعد ما أعياه طلبه في فرنسا ، وعجز عن أن يجد له فيها معينا حتى من أهله وذوي رحمه . وكانت تصحبه زوجته وهي فتاة نبيلة ،جميلة الصورة ، كريمة الخلق ، طيبة العنصر ،  أحبَّها وأحبَّته ، واراد يخطبها الى قومها فأَبَوْها عليه لأنه كان فقيرا مُقِلاًّ ، ولأنهم كانوا من المدلِّين بأنفسهم وبوفرهم وثرائهم ومكانتهم في الهيئة الإجتماعية ، فلم يكن مما يهون عليهم ان يُصهروا إلى رجل ليس من أكفَّائهم ولا نظائرهم فتزوجها سرا بدون مهر ، وهاجر بها الى هذه الجزيرة عله يجد سبيلا الى العيش فيها  فتركها هنا وسافر إلى جزيرة (مدغشقر) ليبتاع منها طائفة من الزنوج يستعين بهم عند عودته على استصلاح بعض الأراضي المهجورة ، فيقتات منها هو وزوجته ، فلم يتح له الحظ الذي اراد، لانه سافر الى مدغشقر في الفصل الذي يوبأ فيه مناخها ويمتلئ فيه جوّها بالحميّات والرياح السامة القاتلة ، فلم يلبث ان اشتكى شكاة ذهبت بحياته . وكان يحمل معه بعض الاثاث وشيئا  من المال فتناهبت الايدي هناك ، كما هو الشأن دائما في تراث الغرباء من الأوروبيين الذين يموتون بعيدا عن اوطانهم في تلك الجزر النائية ، فأصبحت امرأته ارملة مسكينة لا سند لها ولا عضد ، ولا من يعينها على امرها ، الا جارية زنجية كانت قد ابتاعتها عند حضورها ببعض دريهمات ، ولم تكن تعتمد على ما يعتمد عليه اكثر المهاجرين المقيمين في هذه الجزيرة من عون الحاكم ومساعدته ، او الصلة ببعض اصحاب الجاه والنفوذ لأنّها كانت اجلّ في نفسها من ذلك ، ولانها لم يكن يعينها بعد ان فقدت ذلك الزوج الكريم الذي كان موضع آمالها ووجهة حياتها ان تكون لها صلة مع احد من الناس كائنا من كان.
اكسبها يأسها قوة وجلدا ، وصحّت عزيمتها على ان تعتمد في حياتها على نفسها ، وان تتخذ لها قطعة من الارض تستصلحها بيدها هي وجاريتها ، علّها تجد فيها قوّتها ومرتزقها .
والارض في هذه الجزيرة على جدبها و إقفارها لا يعدم ان يجد فيها الانسان بضع قطع خصبة صالحة للنماء والاستثمار ، ولكنها كانت تريد العزلة والانفراد والفرار بنفسها عن ابصار الناس واسماعهم فتركت المواضع الخصبة الميثاء واوغلت في المجاهل البعيدة تفتش عن قطعة ارض معتزلة في سفح جبل او بطن غور ، او وراء منقطع  لا يطرقها طارق ولايمر بها سابل ، حتى اذا وصلت الى هذا المكان الذي نحن فيه ، فأعجبها  منظره الهادئ المنفرد وسكنت نفسها اليه سكون الطائر الغريب الى العش المهجور ، وكذلك شأن البائسين المنكوبين ، يشعرون دائما بحاجتهم الى الفرار بانفسهم من ضوضاء العالم وجلبته المعتزلات النائية القصية ، والمواطن الخشنة الوعرة ، كانما يخيل اليهم ان صخورها وهضابها قلاع حصينة يعتصمون بها من كوارث الدهر وارزائه ، او كأنما يتوهمون ان هدوئها وسكونها يسري الى قلوبهم وافئدتهم فيروّح عنها بعض ما بها، ويملؤها  راحة وسكونا.
الا ان العناية الإلهية التي تتولى خراسة الانسان وتمده بلطفها  وعنايتها من حيث لايقدّر ولا يحتسب ، وترى له دائما خيرا مما يرى لنفسه ، أبت ان تسلمها الى وحشتها وكآبتها ، فأتاحت لها صديقة كريمة تُؤْنِسُ وحشتها ، وتعينها على أمرها .
.
.
.
.
.
.
.
 

----------------------

  توضيح:
  .تحدث الشيخ عن مدام دي لاتور التي وجدت نفسها تطمأن الى  هذا المكان بعد طرد قريتها واهلها  لها بسبب زواجها . ووفاة زوجها وبقائها وحيدة في حياتها مع جاريتها.
.
.
.

الفضيلة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن