❤️اللهم صلي وسلم على نبينا محمد❤️
نهضت هيلين من نفاسها بارئةً نشطةً، فأخذت هي وصديقتها مرغريت تعملان في أرضهما بمعونة الزنجي «دومينج»، وهو رجلٌ كهلٌ قد نيف على الخمسين من عمره، إلا أنه كان فَتِيَّ الهمة والعزيمة، واسع الخبرة في شئون الزراعة الجبلية وأساليبها، فكان يغرس في كل أرض ما يناسبها من البذور والأغراس، ولا يفرق في ذلك بين القسمين ولا يمنح أحدهما من اهتمامه وعنايته أكثر مما يمنح الآخر، فزرع الذرة في التربة المتوسطة، والحنطة في الأرض الجيدة، والأرز في التربة السَّبِخَة، والقرع والقثاء وما أشبههما من النبات المتسلق حول الصخور وفوق رءوس الهضاب، وزرع البطاطا في التربة الجافة اليابسة، وشجيرات القطن في الربوات العالية، وقصب السكر في الأرض القوية المتينة، وغرس على ضفة النهر حول الكوخين أشجار الموز ذات الأوراق العريضة والأَفْيَاء الظليلة، ولم يفُته أن يزرع لنفسه بضع شجيراتٍ من التبغ يُروِّح بتدخينها عن نفسه هموم دهره وآلامه.
وكان يذهب فوق ذلك إلى الغابات البعيدة والأحراش النائية لاحتطاب الحطب واجتلاب أخشاب الوقود، ويقضي جزءًا عظيمًا من يومه في تمهيد الأرض وتذليلها، وتكسير الصخور ورصف الحصى، وإنشاء الممرات والمستدقات والجداول والأقنية، وكان يقوم بهذا العمل كله وحده راضيًا مغتبطًا لا أُعينه عليه إلا بالرأي والإرشاد؛ لأنه كان يحب سَيِّدَتَيْه حبًّا جمًّا، ويُخلص لهما إخلاصًا عظيمًا، وربما كان للغرام يدٌ خفية في ذلك النشاط الغريب المنبعث في أنحاء نفسه - كما هو الشأن في أكثر حركات الناس وسكناتهم - فإنه كان مغتبطًا كل الاغتباط بتلك الصلة التي نشأت بينه وبين الزنجية «ماري» في العمل، وبودِّه لو استحالت إلى صلةٍ أخرى غيرها أدنى إلى نفسه وألصق بفؤاده، وقد تم له بعد عام واحد من اتصاله بها ما أراد، فقد سمحت له سيدتاه بالزواج منها، فبنى بها ليلة عيد ميلاد فرجيني، وسَعِد بجوارها سعادةً لا تختلف في روحها وجوهرها عن السعادة التي يهنأ بها البيض المتمدينون.
وكانت ماري فتاةً نشطةً حاذقة، ذكية الذهن، صَنَاع اليد، متحليةً بكثير من الصفات الفاضلة. وقد استفادت في مسقط رأسها «مدغشقر» العلم ببعض الصنائع اليدوية التي يزاولها الناس هناك، فكانت تجيد صنع السلال من لحاء أشجار القصب، ونسج المآزِر والمطارِف من خيوط بعض الأشجار الليفية، وكانت تحسن القيام على خدمة المنزل ومنظَرَته وترتيب أثاثه وتربية الطيور الداجنة، ورعي الماشية، ومزاولة الطبخ والغسل، فإذا فرغت من عملها حملت ما فضل عن حاجة البيت من فاكهةٍ وحبوب - ولم يكن بالشيء الكثير - إلى سوق المدينة فباعته فيها ثم عادت ببضعة دريهمات تعطيها لسيدتيها.
أي إن المزرعة كان يعيش فيها امرأتان وطفلان وخادمان، وكلبٌ للحراسة، وعنزتان للبن، وبضع دجاجاتٍ للبيض، لا أكثر من ذلك ولا أقل.
أنت تقرأ
الفضيلة
Ficção Geral❤️اللهم صلي وسلم على نبينا محمد❤️ هذه الرواية للكاتب مصطفى المنفلوطي تتحدثُ هذه القِصةَ عن بول و فرجيني الصبيآن الذآن ربيا معاً في مكان ناءٍ بعيدا كل البعد عن الترف حيث كانا منذ الصغر يلعبآن و يلهوان معا و يقضيآن جل اوقاتهما في زرع النباتات و رعاي...