في السيارة

136 4 4
                                    


مكنتش نبي نرقد وقاومت طوال الليل لكن خَضات السياره الهافته والهدوء في الطريق خلاني نستسلم الي النوم، مع انه السياره ضيقه (قابينة وحده) ووضعة النوم فيها متعبة. متهنيتش بالنومه لما انخضت السيارة بقوة نوضتني مخلوعة، وكان شكلها السياره مشت علي مطب بسرعة او شي زي هك. عدلت الوشاح وكنت نحساب روحي نحلم الي ان شوية واستوعبت شن يصير شبحت تحت رجلي وين ما حطيت كدس الحاجات اللي خذيتهم معاي وشبحت لجهت السواق وكان ساسي يسوق بإنتباه.
الاسبوع الأخير كان عصيب شوي لكن مر بسرعة بخيره وشره. اشترطت علي اهلي انه يتم موضوع الزواج في الاسبوع هذاك، وانه ميكونش فيه عرس، حصل جدال بسيط ووافقوا. لميت حوايجي وحاجاتي وذكرياتي، وكنت حريصة انه يمشي كل شئ بسرعة وبدون مشاكل والحمد لله صارت بعض الثغرات لكن مشو. يومها سمعت انه خالتي جاية تشوفني بش تباركلي، لكن اني تخبيت فوق السطح، الين محبوبه لقتني غاذي وقالت لي امي. وعلي طول جت امي مع تهزيباتها ونزلتني بالغصب بش نشوف خالتي منّي، كانت اخر مرة شفتها قبل خمسة سنين او اقل، وبعد ما سلمت علي قالت : « مشاء الله كبرتي وتغيرتي ووليتي مراه توا بتتزوجي وبتكوني اسرة وعاد سامحينا كان زعلتي اي شي درناه كانت لمصلحتك »
نعرف انه فيه احتمال كبير انه بتكون اخر مره نشوف فيها خالتي منيّ، كانت اكبر من امي وكان عندي زوز خالات اكبر منهم توفو من زمان، وخالتي هذي نشوف فيها علي وشك. مسكت روحي وقلت بنبلع الكلام، ولما فكرت انها دارت فيا هلبا بعد ماصارت (هذيك المشكلة) ونشرت اكاذيب وكلام علي واللي ضرني هلبا حسيت بغمه، سكتت شوي ورديت عليها واني نقرب منها ونفنص: « نسامحك نسامحك اكيد ياخالتي منّي شن درتي اصلا بش نسامحك ولا شي غير درتي علي الحومه كلها بيت بيت وقدتي تدوري وتدوي وتدوي بدون كلل او ملل، اي انا بنسامحك لكن ادعي ربك يسامحك » وانا كنت نقول في بالي بعد ما قلتلها الكلام " والله ماني مسامحه حد وبيجوكم يوم " وردت علي خالتي: « يابنيتي فكك من الكلام هذا توا انتي بتتزوجي وبتخلفي واللي صار صار وفات ». زادت نرفزتي اكثر واكثر وكنت نتنرفز من اي حد يخلي الحياة هي عبارة عن بنت تتزوج وكان ماتزوجتش فهي متسوي شئ زي اختي محبوبه وزي ماكنت اني قبل ايام بسيطة. مجتمعنا دار عادات وتقاليد تافهه لزواج، البنت لازم تكوَن نفسها لزواج وتتزوج لكن بدون تلفت انتباه اي راجل او تكلم اي شاب وتتواصل معاه مش رح تتخيل حياتها كيف بتكون مستقبلا الي بالزواج. تغيرت تقافات البنات وصار الكثير منهم اذا وصلن لسن العشرين يحسابو انه قطار الزواج فاتهم، وفيه ياخذو فيها انه قطار الحياة فاتهم، هل الناس مش حتشوفو للأنثي انها إنسان الا لما تتزوج ؟.
والراجل اذا ضروفه مسعداتش بيقولو له يا انت يا حني، مثل ماحاكالي ساسي في الطريق وقالي: « الناس القديمه قاعده تسأل فيا تزوجت ولا لا والجدد عندك ولاد او لا. هم وجهين لعملة وحده تعبوني هلبا من هذا الموضوع وصرت نعتزل الحياة بش حد مايكلمني علي الزواج ومن هني عرفت الصحراء. قلت لهم ضروفي ماتسمحليش لكن عندهم مفيش ضرف ميسمحلكش الا انك تكون عايب ففيه ناس وصلت بيهم لدرجة انهم يقولولي انهم بيشوفلي دكتور كان فيا شئ وفيه منهم يقولو بنجيبولك شيخ، لكن هل صعب انهم يتقبلو عذر انه منقدرش نتزوج توا لانه ضروفي ماتسمحليش ؟ مهما كانت ضروفي لكن الزواج شئ خصوصي مش مفروض علي نشاركه مع اي مخلوق، لكن توا الحمد لله درت حد للموضع هذا بعد 63 سنة معاناة »
ساسي يتكلم هلبا والشئ هذا فاجأني، فلما شفته اول مره كان هادئ ويادوب تكلم وتاني يوم مكانش اكثر من اول يوم، قللي انه اذا كان نبي نقعد هني فتره ونمشي معه او نمشي معه علي طول فقلت له علي الخيار التاني وياليت كل خيارات الحياة سهلة زي هك. في الطريق حكالي علي خوه وزوجته وكيف الحياة في الصحراء وحكالي بعض من قصص سفراته وعن بوه وخوه كيف توفو في الحرب لما كان صغير.
شبحتله وفي بالي ياريت (س س) اللي يسوق توا. المرة هذي اني بنبدأ الكلام منبيش نحسسه انه هوا يدوي بس فسألته: « الساعة كم توا ؟ » وتلفت لي بسرعة كأنه منتبهش اني قمت من النومة، خذا تلفونه وشاف الساعة ورد علي: « توا قريب الثلاثة » الثلاثة في الليل طبعاً، يعني اني معنديش ساعة راقدة وانا نحساب روحي راقدة اسبوع. علي الاقل مش اسبوع الزواج. كان فيه شئ مضايقني فقلت له: « مزال الطريق بش نوصلوا ؟ »
- « مزال. نمشي بشوية. مش مستعجلين. لكن بنوصلوا قبل الفجر ان شاء الله »
- « بهي انت متعبتش مرقدتش بكل الطريق طويلة »
- « لالا اني متعود علي الطريق الطولة اييي سافرت هلبا في الليل، مره سافرت في الليل وكان يومها .. »
وعرفت انه مش حيوقف علي الكلام ويبدا يحكي ويحكي وانا منقدرش نتحمل اكثر فقلت له: « نبي الحـ .. نبي نخش الـ ااا لو فيه كيف .. نبي .. »
- « فيه شيل قدامنا توا نوقف فيه »
علي الاقل يفهم علي طول، اول ما ركبت السيارة وكنت اقرب نقطه منه كنت نقول شن درت لروحي !! لكن بنجاوب علي روحي ونقول انه هذا افضل حل درته ونرتاح من العذاب اللي نعيشه مع اهلي، بعدين صبرت لروحي وقلت اكيد بنلاقي شئ جميل فيه لكن بعد التمعن الحق ماشفت شئ، كل ما نشبحله نشوف في راجل اكبر مني بثلاثين سنة وكل شي فيه عمره ستين سنة، لما كنت صغيره كنت نحلم احلام انه نعيش في حوش جنب البحر ونجيب صغار ونتجادل علي شن نسميهم لكن توا ويني ووين البحر توا تستني فيا الصحراء، الصحراء وطريقي توا بتاخذني الي الحمادة الحمراء مع زوجي ساسي، تجي فلساني لفظ " عمي " في كل مره نفكر اني اناديه لكن لازم نكون حذره فبايخة نحسسه انه شيباني من اول يوم مع بعض فمهما كان معنداش ذنب هوا ومادرش شئ غلط.
خفت سرعة السيارة ووقفنا عند مدخل الشيل، كانت الدنيا مظلمه وكان في نص الشيل فيه كاشف كبير وهوا الضئ الوحيد في المكان، فتح ساسي باب السيارة وقال: « شوي ونجي، بنشوف العامل يفتحلي البوابة نعرفه » ونزل. بالحق كانت الدنيا ظلام وموحشة وساسي خش لداخل الشيل ومشي لي غرفة بحدا الكاشف ومن غاذي معاش نشوف فيه. مشت دقائق من الوقت ورجع ساسي، وتبعه واحد حاط بطانيه خفيفة فوقه وفتح البوابة دخلنا بالسيارة الي الشيل، ومشينا لوراء الشيل ووقف غاذي ونزل ساسي وقالي وهوا يأشر بصبعه لمنطقة اغلبها ظلام: « بتلاقي حمام في هذوك الغرف بري واني بنعبي بنزينه »، ووصل ورانا الراجل اللي حاط بطانية فوقه ومعاه زوز بيادين. بينما انا نمشي قعد ساسي والراجل يزودو السيارة بالبنزينه وكان نوع السيارة زي ماقال ساسي انها (مازدة) زرقه واضح من شكلها انها قديمة الصندوق الخلفي كلها تعبا ببضايع ساسي وانا حطيت بضايع مني لابأس بها، وصلت للغرف وقعدت ندور علي بريزة الضئ لكن سمعت صوت خشخشة وراء الشجر اللي بجنب الغرفة وفجأة طلع قطوس اسود من غادي بسرعة وخلعني لين تراجعت وطاح قلبي، وقلت هي نخليه لبعيدن الحمام مش لازم توا بنتحمل وخلاص ورجعت الي السياره وكان ساسي يدوي مع الراجل بلغة مفهمتهاش، ركبت السياره ومشا الراجل وركب ساسي من بعدي فتح هاتفه وقالي: « فيه موضوع بنكلم خوي عليه توا قبل ما ننسي »
- « بالك تلقاه راقد توا »
- « هه خوي يسهر لتوا ميرقدش »
(س س) كان يسهر هلبا واكيد لتوا مش راقد، شن خطره علي توا ؟ انا متزوجة ومفروض منفكرش في حد تاني غير ساسي.
من اول رنة رد عليه خوه وكانت دوتهم عن فلوس او حجا هك فنسمع فيه يقوله « .. بيجيك الحاج إبراهيم خود منه الفين سيڤا قوله ساسي قالي، بتلاقيه كيف جاي من تشاد وماه خمسة .. » وقعدو يحكو قريب الخمسة دقائق وسكر الهاتف وولع السيارة وطلعنا من الشيل. فيه كلمة شدتني من كلامه وكنت نبي نعرف عنها فسألته: « كيف حال خوك »
- « اهه متاع ساعتين وتوا تشوفيه قدامك »
- « سمعتك تقول الفين سيڤا شن تعني السيڤا هذي »
ورد علي والسيارة قاعدة تمشي بشوي: « هذي عملة الفرنك الأفريقي يسمو فيه سيڤا نتعاملو بيها في تشاد »
- « تشاد ؟ ومن عندك غادي ؟ »
- « انا نمشي ديما لتشاد نخذم عند واحد يقلوله (المدير الكبير) ومرات احتمال بنمشي ليها في الاسبوع الجاي »
يبي يسيبني من اول اسبوع زواج لينا !! لكن اني مقدرتش نسكت راجلي ونبي نعرف شن يخذم وشن يدير فقلت له: « وشن طبيعة عملك مع (المدير الكبير) هذا ؟ »
- « هذا تاجر ليبي عنده شركة نقل ياخد بضايع من ليبيا وبيع فيها لتشاد والمناطق القريبة منها »
محبيتش نقصقص اكثر ولا انه عندي رغبة نعرف اكثر عن موضوع تشاد هذا. فقلت بنغير الموضوع وخطر علي شئ فناديته بإسمه لأول مره: « ساسي.. بنقولك حاجا لكن منبيش تضحك علي »
شبحلي بإستغراب وقال: « علاش نضحك قولي اللي تبيه انتي مرتي، غير الوعد »
- « انت تعرف انه اسمي كيف مداير وانا منحباش بكل بصراحة ومنحبش يناديني حد بيه فياريت متنادنيش بيه قدام خوك او مرت خوك او اي حد »
- « اهاااا الحق معك لكن شن تبي اناديك »
ابتسمت وقلت له: « سيڤا » وردلي الإبتسامه وقال: « بالك معاش نعرفو نتعاملو بالسيڤا بعدين "هـهـههه" خلاص تمام يا سيڤا اذا كان هذا يرضيك »
بديت كأنه نتقبل في هدرزته، فحبيت نعرف عليه اكثر لكن المره هذي مش عن شغله نبي نعرف عن عليته فقلت له: « معندكش خوت غير خوك اللي قلتلي عنه »
- « كان عندي خوي اكبر مني لكن توفي الله يرحمه زي ماقلتلك وكان عندي اخت اكبر منا كلنا وتوفت حتي هي وتوا قعدنا انا وخوي بس »
عائلته بسيطة، ومرات يكون هذا شئ كويس لاني كنت عايشة مع عيلة كبيرة وشفت المشاكل اللي جت من وراهم، لكن مرات مش كل العائلات زي بعض، تفكيري في اهلي ضيق خاطري ومكنتش نبي نفكر فيهم وكان فجواتي شئ نبي نطلعه فقلت لساسي: « انا عندي ثلاثة خوات بنات وثلاثة خوت ولاد تعرفهم ؟ »
- « انا الحق منعرفش ولا حد منكم وماشفتش الا خوك محمد وعادل واصلا انا اول مرة نشوفهم في هذاكا الأسبوع »
- « كيف؟؟ ماله من وين عرفتني »
استغربت من كلامه كنت نحساب انه صاحب خوي محمد او واحد من صاحبه اكيد وضفت لكلامي: « يعني انت مش صاحب خوي محمد ماله من قالك علي »
- « لا انا منعرفش خوك محمد ولا حد من خوتك انا حكالي عليك راجل ايه راجل اسمه الحاج إبراهيم »
الحاج ابراهيم ؟ زعما يكون نفسه اللي حكي عليه علي الهاتف من بكري ؟ من يكون ؟ لكن التفكير مش حيعطيني جواب فسألته: « ومن يكون الحاج إبراهيم هذا معمريش سمعت بيه كيف يعرفني ؟ »
خذا ساسي شيشة مية وشرب منها وبعده قال: « الوعد. انا منعرفش كيف عرفك توا اكيد بنتلاقو بيه وبنسألوه كيف يعرفك لانه انا كلمته مره وقلته نبي نتزوج ودورلي علي بنت الحلال اذا صادفت معك فقالي تمام ومره كلمني ونعتني علي حوش خوك محمد وصار اللي صار وانا مكنتش متوقع انه يصير كل شئ جدي هك وبالسرعة هذي لكن نصيبات والحمد لله ربك سهل، وعطينا الوعد »
مخذيتش شئ مفيد من كلامه وانا بديت جدية ونبي نعرف شئ واضح ومعاش همني اذا بيقول انا نقصقص هلبا فقلت له: « الحاج إبراهيم هذا نفسه اللي تكلمت عنه في المكالمة من بكري »
- « شكلك تستمعي كويس. ايه نعم هوا ذاك »
- « به كيف شكله ولا شن يخدم بالك فات علي يوم ولا كنت نعرفه »
- « مانضني تعرفيه الحاج إبراهيم واحد تشادي شيباني كبير في السبعين من عمره رقيق هلبا وبشرته سودا صافية سنونه مدايرهم كلهم من الذهب وديما شاد سبحة طويلة في يده، وفي الخدمه هوا المسؤول عن كل شئ من بعد (المدير الكبير) »
سنون ذهب مره وحده. معمري شفت او سمعت عن حد زي هذا لكن كيف عرفني ؟ لعلي انه نلقاه ونسأله بنفسي.
ومر وقت وخيم الصمت، لين سألني ساسي: « لما تلاقيت مع خوك عادل محكيتش معاه علبا غير لما تميت اجرائات الزواج معاه لكن قالي شئ او لمحلي انك درتيلهم مشكلة او شي هك قبل كم سنة شن كان يقصد »
واضح انه عادل كان يقصد (هذيك المشكلة).ارتبكت ومعرفتش شن نرد عليه فقلت له: « مشكلة وقصة طويلة توا نحكيهالك مرة تانية »
- « احكي حتي توا حني شن عندنا نديرو السيارة تمشي والدنيا ليل ومزال الطريق طويلة »
تنهدت تنهيدة طويلة وقعدت ساكة، زعما نقوله ؟ هوا راجلي اكيد لازم يعرف توا ولا بعدين لكن هل الكلام هذا وقته ؟ معنديش حل اخر فقلت: « هذا... قبل كم سنة سنوات.. بعد مابوي سافر لفرنسا بفتره... صار.... صار انه... » وحسيت الكلام ثقيل وتعبني هلبا ولكن اني مجبوره اني نكمل فحاولة وقلت...

______________

والي هذا الحد حبيت ننهي الفصل التاني

رواية سِيڤاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن