"روح"
هتفت بها طفلة في مقدمة طابور المدرسة، وأشارت لروح التي تقف في الخلف لتذهب إليها:
"قفِ بجانبي حسنا؟" أومأت روح بسعادة عارمة، كانت تشعر بالفرح أن أحدهم تحدث معها و دعاها لتقف بجواره في طابور المدرسة، لطالما كانت تتمنى أن يكون لها صديقة، وربما وجدت بصيص أمل أن تفعل ولكن، اقتربت منهم طفلة أخرى وقالت بسخط: "اتفقنا أن تحجزي لي بجواركِ؟"
فقالت الطفلة لروح: "يمكنكي العودة لمكانكِ الأن". رمشت روح عدة مرات قبل أن تجر قدميها لمؤخرة الطابور، وكان عليها أن تعود للخلف أكثر مما كانت عليه قبل أن تناديها الطفلة نظراً لأن عدد الطلاب زادوا، وقفت وحيدة في الخلف تحت أشعة الشمس الحارقة، وكان قلبها الصغير يحرقها أكثر من أى شيء آخر.(في الفصل)
وقفت المعلمة على مرأى من التلاميذ وقالت:
"ستقيم المدرسة حفلاً بمناسبة عيد الأم، وسيتم إختيار عدد من التلاميذ من كل فصل للمشاركة في تقديم الحفل وأداء بعض الأدوار في المسرحية التي سنقدمها، لذلك من يرغب في الإشتراك يرفع يده"
كانت روح ترغب في شدة برفع يدها والإشتراك، لكنها أضعف من أن تفعل ذلك، مع حماسها الطفولي لصعود المسرح ورؤية الجميع ينظر إليها بينما تقوم بأي أداء، لكنها لم تجرؤ على الإشتراك، كلما تشجعت لرفع يدها تزداد دقات قلبها ويرتجف جسدها بخوف وتشعر بالإختناق في صدرها.
إنه الخوف من فعل أي شيء، عنف والديها وقسوتهما، ومعاملة الأطفال السيئة لها زرعوا بداخلها هذا الضعف والإهتزاز في شخصها، وخوفها من فعل شيء حتى لا تفشل فتزداد تعاستها، بل وابتعاد الجميع عنها جعلها تشعر بالكره، الكره الشديد تجاه نفسها، لذا كان من المستحيل أن تجد الشجاعة والثقة في الإقدام على أي شيء.
مر أسبوعين قبل موعد الحفل تمت خلالهما التجهيزات اللازمة له؛ الأطفال يحفظون أدوارهم، والمسرح تم بناؤه في ساحة المدرسة، كان التلاميذ يؤدون أدوارهم في الفصل للمرة الاخيرة قبل الحفل، منهم من يغني ومنهم من يمثل، ومنهم من يعزف على ألات مختلفة، واجهت المعلمة مشكلة بتغيب أحد التلاميذ المشتركين، كان له دور ثانوى لكن بتغيبه سيترك فجوة في الأداء، لذلك أسرعت لبقية التلاميذ وطلبت منهم أن يتطوع أحد لأخذ هذا الدور، شعرت روح بأنها فرصة ثانية وأخيرة لتصعد على المسرح، بقدر خوفها لكنها لم تتوانى برفع يدها فاختارتها المعلمة، وأعطتها سؤال واحد عليها حفظه والصعود للمسرح وطرحه أمام الملأ والنزول، الأمر بسيط لكنه سيحقق مرادها.
بدأت الحفلة، كان معظم أهالي الطلاب موجودون، وهناك شخصيات مهمة تمت دعوتهم للحضور من قبل مدير المدرسة، كانت الحفلة جيدة والجميع منسجم فيها، حتى جاءت آخر فقرة، كان هناك طفلة تتقدم مجموعة من الأطفال، بدأت برنامجها قائلة: "حصلت الأم على تكريم خاص في الدين الإسلامي، وقد جعل الله سبحانه وتعالى رضاها وطاعتها مقترناً بطاعتة ورضاه سبحانه، والإنسان الذي يعق والدته ويغضبها يلقى العقاب الشديد في الدنيا والآخرة، وتعدّ الأم أكثر الأشخاص حقاً في صحبة الإنسان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال:أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أبوك (متفق عليه).
أنت تقرأ
زهرة نازفة
Short Storyكنتُ أتساءل، كيف لهذا الكيان الطيني-جسدي-ألا يُزهر، فيُحيل اليأس داخلي إلى ربيع وردي، بدلاً من أن ينزف دماً تسوّد له جوارحي...