خلف المرآة

26 3 0
                                    

فتحتُ عيناي في نفق مظلم طويل بلا نهاية يمتد حتى مرمى البصر، سرتُ بضعة خطوات قليلة ثم أصبحت الخطوات جرياً ثم هرولة، ركضت كالمجنونة أتلفت بحثاً عن مخرج، أو بصيص ضعيف من النور خارج النفق الكئيب.

'أين أنا'

'أين ذهب الجميع'

'هل تُركتُ وحيدة مجدداً؟'

ركضت وركضت حتى لمحت من بعيد شعاع ضوء باهت يلوح لي في نهاية النفق، هرعت إليه ولكن، في لحظة زُلت قدمي وهويت على الأرض، لم تعانق جبهتي الأرض هذه المرة، بل امتدت الأرض بلا نهاية وتحولت إلى بئر من الطين وجذبتني نحو الأعماق.

في مكانٍ ما هويت، نظرتُ حولي فإذا بمرآة ضخمة عملاقة سوداء تُحيط بي من كل جانب، من الأعلى حتى الأسفل، من اليمين حتى اليسار.

وهناك وجدتُني، بداخل المرآة أقبع، أنظر إلى نفسي بعيون باكية، كانت نفسي داخل المرآة هي أنا الطفلة، بينما نفسي خارج المرآة هي أنا الشابة، تمعنتُ النظر إليها فوجدت الخلفية وراءها هي غرفتي الصغيرة في منزل والداي.

كانت الطفلة داخل المرآة تنظر لي لكنها في الحقيقة كانت تنظر لإنعكاسها في المرآة، والكثير من الدموع تلطخ وجهها، بعد وقت قليل مسحت دموعها وخرجت من الغرفة، وتغيرت صورة المرآة لتُظهر لي المكان الذي تتوجه إليه، كانت غرفة والداي التي أصبحت غرفة والدتي فقط بعد وفاة والدي، مازلتُ أذكر ذلك الأمر وكيف شهدتُ موت والدي، بقت الكوابيس المخيفة تطاردني لمدة طويلة وكنتُ أرتعب من فكرة الموت، ثم مع الوقت تناسيت الأمر، لكن ظلت فكرة الموت تأرقني.

دخلت الطفلة الغرفة، تبحث بعينيها عن والدتها، لكنها لم تجدها.
بعد موت الوالد أصبحت تصرفات الأم غريبة، تغادر البيت كثيراً، وأحياناً تبقى في الخارج لوقت متأخر، تصرفاتها اللامبالية قدمت طبق من ذهب لألسن الناس، فلم يتوانوا عن إطلاق الشائعات عنها، والبعض تكلم بلا حرج عن كونه رأها برفقة رجل غريب، وكيف أنها أطلقت جماح نفسها بعد وفاة زوجها.

جلست الطفلة بتعب على الكرسي الصغير، وأمسكت معدتها بألم، لا تتذكر حقا آخر مرة تناولت فيها كمية كافية من الطعام، وشعور الجوع يفترسها كثور هائج، إلا أن البيت فارغ من أي شيء يصلح للأكل.

مر وقت قصير حتى سمعت باب المنزل يُفتح، لتزلف منه إمرأة أربعينية بشعر أسود طويل، وجسد هزيل ضئيل، وملابس مبتهجة تكسوه، عند النظر إليها لن تلمح أي مظهر يدل على أنها أرملة فقدت زوجها من مدة ليست بقليلة، كان وجهها تعلوه لمسة إرهاق، وأسفل عينيها يقبع سواد من قلة النوم، لم تكن جميلة ولم تكن قبيحة إلا أن عينيها الزرقاوتين كانتا مميزتين وجميلتين، وكانت بشرتها مجعدة بشكل خفيف، كانت تبدو كنسخة مكبرة عن روح.

كانت تحمل بين يديها كيس من الفاكهة، ألقته إلى روح التي ما لبثت بتناول الفاكهة الواحدة تلو الأخرى بجوع شديد، وجلست بإهمال على الأريكة، نزعت الجاكيت الذي كانت ترتديه ليظهر على زراعيها العاريين آثار عديدة من الجروح التي تملئ زراعيها، كانت جروح خفيفة لكنها كثيرة وبدت من فعل سكين صغير.

زهرة نازفةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن