💘رواية
جنون المطر ( 2 )
الجزء 8مررت كفها وأصابعها البيضاء الرقيقة ببطء على زجاج الشرفة المغلقة
تراقب حدقتاها الزرقاء ارتطام حبات المطر القوي بأوراق الأشجار
والضباب لازال يغلف ذاك الجو الصباحي الكئيب , تكره أن تفكر في
أنها اجتازت المرحلة الإعدادية وأمامها الآن تجربة جديدة كم تخشى أن
تقضيها في سكن للطالبات في إحدى المدارس الداخلية وهذا ما تتوقعه
فظروف وجودهم هنا حكمت عليهم بالتخفي والكتمان طوال الوقت فكان عليها أن لا تحتك بأحد في مدرستها , لا صديقات لا جيران ولا
أحد يجب أن يعلم شيئا عنها غير أسمها المستعار , وحتى منزلهم هذا
لم يكن يعلم عنه أحد فهكذا كانت القوانين التي كان عليها أن لا تخترقها
, قوانين كان عليها إتباعها حرفيا دون أي أخطاء من أجل سلامتها
وسلامة والدها قبلها بل ومجموعة كبيرة ستكون في خطر إن هي
تهورت في شيء , هذا ما أفهمها إياه والدها ومنذ صغرها فعاشت
وتأقلمت مع الصمت وتنفيذ الأوامر والوحدة التامة , حتى مربيتها التي
أحبتها طوال عمرها ومنها تعلمت كل شيء عن أمور هذه الحياة من
أبسطها حتى أكثرها تعقيدا وأكثرها حساسية فقدتها أيضا وللأبد , تلك
المرأة البسيطة الرائعة التي سرقها منها المرض الذي لازمها لعامين
كاملين قبل أن يسلبها حياتها فرحلت وتركت لها فراغا صعُب عليها
ملأه والتأقلم معه فهي كانت الشخص الوحيد الذي يمكنها التحدث إليه
عن كل شيء وأي شيء , من لو كانت موجودة الآن ما سمحت لها
بأن تخضع لضغوط عمتها وخرجت تلك الليلة متسللة من هنا حيث
الخطر والمجهول . أغمضت عينيها ببطء واتكأت بطرف جبينها على
زجاج الشرفة وصورة ذاك الشاب ارتسمت أمام عينيها فورا فهي لم
تنسى من تفاصيل ملامحه شيئا ... شعره الأسود المرتب عيناه ونظرته
الحازمة الواثقة .. ملامحه التي تنطق وسامة وشخصيته التي تكاد
تجزم أنها جزء من شخصية والدها , قبضت أصبعها على الزجاج
البارد وليست تفهم لما لا يغيب عن تفكيرها ؟؟ لماذا لا يفارقها طيفه لا
في صحوتها ولا نومها !فتحت عينيها التي امتلأت حدقتاها الواسعة بالدموع وهمست بحزن
" لو فقط أعلم إن كنت بخير , لو فقط تتاح لي الفرصة مجددا لكي
أشكرك وأعتذر منك "
أجفلت مبتعدة ونظرت خلفها سريعا ما أن سمعت تلك الطرقات على باب غرفتهافمسحت عينيها بسرعة بظهر كف يدها الذي مسحته سريعا في قميص
بيجامتها السميكة الدافئة وخرجت منها الحروف مختنقة بعبرتها
المكتومة وهي تقول" تفضل الباب مفتوح "
دار المقبض ببطء وانفتح الباب كاشفا عن صاحب ذاك الجسد الطويل
الذي أغلقه خلفه فورا فابتسمت له بحنان هامسة " .... جدي "فتح ذراعاه لها فركضت جهته فورا وارتمت في حضنه وقد طوقها
بذراعيه بقوة وقبل رأسها متمتما بابتسامة " كيف هي صغيرتي
الجميلة ؟ "