💘رواية
جنون المطر ( 2 )
الجزء 12أغلقت باب الحافلة المخصصة بعملها والتي أنزلتها أمام منزلهم ودخلت
مجتازة السياج الخشبي المنخفض والمطلي باللون الأبيض الذي يشكل
سورا حول حديقة المنزل الصغيرة ببابه النحاسي الجميل , وما أن
عبرت الممر الحجري القصير حتى ظهر لها شقيقها نازلاعتبات المنزل
الخشبية المصقولة يديه في جيبيه وهو يقفز تلك العتبات وتمتم مجتازا
لها وقد وقفت تنظر باستغراب لتجهمه ومروره دون أن يقف
" حمدا لله على السلامة آنسةكنانة , والدك يريدك في مكتبه "
تنهدت بضيق تراقبه وهو يخرج من سور الحديقة للشارع وفي هذا
الوقت الذي يكون فيه نائما أغلب الأحيان ! وفهمت فورا أنه ثمة شجار
عنيف حدث بينه ووالدهما كالعادة ولازال ينتظرها دورها أيضا وهي
من تغيبت لأسبوع كامل بدلا من الأربعة أيام المقررة قبل الرحلة
الأخيرة وتعلم أن والدها لن يفهم ويتفهم عذرها إن أخبرته أن تأخرهم
كان بسبب عطل فني في الطائرة أخّر جميع رحلاتهم حتى العودة مما
أضاف يومان على جدولهم المقرر في شركة الطيران التي تعمل فيها ,
تحركت من مكانها وهمست تصعد الدرجات ببطء" الحل الذي يريح الجميع لدي أنا وقد رضيت به "
منذ أكثر من عام وما أن أنهت دراستها الثانوية اختارت أكاديمية
مضيفات الطيران لتحقق حلمها بأن تركب أي طائرة تطير خارجة من
هنا فهي ومنذ صغرها نمى في داخلها حب غير طبيعي لوطنها الأم
ووالدها كان السبب فيه حتى كبر معها ذاك الشعور بالانتماء فيداخلها ومع مرور السنين تحول لكره للبلاد التي تعيش فيها الآن وكم
حاولت إقناع والدها بالعودة للوطن وكم تمنت ذلك كل حياتها وحلمت
به لكن محاولاتها كانت تبوء بالفشل دائمافعائلتها اعتادوا على تلك الحياة وتأقلموا معها , وعمل والدها أو
الشخص الوحيد الذي قد يناصرها في هذا يمنعه من مجرد التفكير في
ترك البلاد لأنه كما يقول لن يجد مثله ليجد أفضل منه , وهكذا اختارت
العمل كمضيفة طيران لتطير من هنا لكل مكان ومن ضمنهمبلادها التي بالكاد تحصل على رحلة بعد وقت طويل لتنعم وإن بأن ترى
أرض المطار فيها وتستنشق هوائها المحبب وترجع , غرست مفتاحها
في باب المنزل وفتحته ودخلت لتقابلها نفحات من هوائه الدافئ بسبب
المدفئة الحجرية التي تتوسطه , الموسيقى الهادئة والأضواء
الصفراء الخفيفة .. أجواء والدتها المعتادة , أغلقت الباب بهدوء
ووضعت حقيبتها الصغيرة والقبعة الخاصة ببذلة المضيفات فوق
الطاولة الزجاجية عند بداية الردهة وتوجهت جهة الصالون الغربي قريبا من المدفئة التي أخذت أغلب
الجدار في تلك الجهة , ابتسمت وهي تتوجه جهة الجالسة على الأريكة
الطويلة تتكئ برأسها للخلف على مسندها , وصلت عندها وقبلت خدها
ورفعت شريحة الخيار الكبيرة المستديرة عن أحد عينيها وقالت بنعومة
مبتسمة
" مرحبا ماما "