💘رواية
جنون المطر ( 2 )
الجزء 7ركضت مسرعة تشق طريقها بين المنازل ترفع فستانها بيديها كي لا
يعيق حركتها وشعرها البني المموج يتطاير مع حركة رأسها يمنه
ويسرى وكأنها تبحث عن شيء ومكان تجهله رغم أنها تحفظ كل شبر
في تلك البلدة وتسير فيه وعيناها مغمضة لكن عقلها في تلك اللحظة لم
يستطع تركيب أي شيء وكأن ثمة من رماها في متاهة مغلقة وصلت
أخيرا لوجهتها التي ركضت نحوها بسرعة أكبر ما أن ظهرت لها حيث
تجمع بعض الشبان عند الباب المفتوح لمقهى البلدة الوحيد وهو
المبنى الوحيد أيضا المزود بجهاز تلفاز موصول بالأقمار الاصطناعية ,
ضربات قلبها تصرخ بين أضلعها بجنون تحاول الرؤية من فوق تلك
الرؤوس لتتأكد مما يقال وسمعت الناس تلغط به منذ قليل وصوت
الحديث عنه في ذاك الجهاز يصلها من بين الضجيج في الداخل ,
حاولت الدخول دافعة الواقف أمامها من كتفه ولم تستطع سوى إزاحته
قليلا ليظهر لها جزء من الشاشة المعلقة في آخر الجدار المطلي
بالأخضر الزيتوني , جمدت نظراتها على الخبر أسفل الشاشة فقبضت
أصابعها دون شعور منها على قميص الواقف أمامها وكل شيء
داخلها يصرخ بألم , كل ما سمعته من أخبار تتداول هنا مؤخرا وبعد
مقتل رئيس البلاد أن ابنا له دخل البرلمان وأن اسمه رعد , وأصبح
أسمه يتكرر في بلداتهم الصغيرة كل يوم بعد أن كان مغيبا عن كل
المشهد طيلة الأعوام الماضية ولم يكن يذكر اسمه أحد سوى بأنه ثمة
ابن لشراع صنوان لم يدخل المعترك السياسي ولم يكن له أي نشاط في
البلاد وأنه أقصى نفسه عن كل ما يخص الحكم والسياسة , وأن
أوضاع البلاد الأخيرة كانت السبب في ظهوره , حتى أن البعض اتهمه
بأنه يسعى لأخذ مكان والده بإظهار نفسه في الصورة أغمضت عينيها
بقوة وألم وعاد طيفه الذي لم يفارق ذاكرتها وقلبها لأعوام .. الشاب
الذي رحل حاملا معه قلبها ودموعها التي ذرفتها عليه على مر أعوام ,
الشاب الذي تعاهدت معه على الوفاء للأبد وعلى أن تنتظره مهما قست
الظروف , وما كانت لتتخيل أن ذاك الوعد سيكون ثمنه أعواما لا تنتهي
, بل ما كانت لتكون لغيره ولا لقلبها أن ينبض لسواه لكنها كانت تأمل
بأن تعيش على الأمل , أمل هي على استعداد لسقايته كل يوم كي لا
يذبل ويموت , أمل بأن تراه وتلقاه يوما من جديد , لكن أن يختار
الثنانيون أن يستقلوا بأنفسهم !أن تتوحد البلاد ليكون ثمن وحدتها
فراقها عنه للأبد ! أن يكون أحد بنود اتفاق ذاك التوحيد أن يقرر
الثنانيون مصيرهم دون أن يستقصوا من حقهم فيها !! ذاك ما لم
تتخيله أبدا ولم تجهز نفسها له , فلم يعد يمكن لأي سلطة ولأي كان ولا
للرئيس نفسه أن يفرض عليهم عكس ما اختاروه , بل كانت الضربة
القاصمة لقلبها حين كان ذاك الاختيار وبإجماع منهم أن يعيش
الثنانيون في قراهم يرفضون أي دخيل عليهم وأي خارج منهم , فكيفستكسر هي القاعدة وهي ابنة زعيمهم وهو ابن رئيس البلاد ؟ أي من
يُلزمان بالتنفيذ أكثر من غيرهم والمخالفة حين تكون من واحد منهما
معناها حرب وشيكة بل وأكيدة بين الجانبين فكيف إن كانت المخالفة
من كليهما , تراجعت خطوتين للوراء تمسك عبرتها وعيناها غشيتهما
سحابة من دموع أحالت عليها الرؤية , لا يمكنها تحمل ذلك أبدا ,
ترضى أن تعيش باقي عمرها على أمل شبه ميت على أن تفقده للأبد ,
على أن تعيش وهي تعلم أن لا لقاء يجمعهما مهما امتدت الأيام , تؤمن
بالمعجزات وبأن الله قادر على جمعهما في أشد الظروف قسوة لكن أن
يجتمع حي وميت أمر مستحيل تحقيقه, بل كيف يعيش حي بعد ميت
هويعيش أساسا على انتظاره وعلى أمل اللقاء به وهي من نذرت قلبها
له منذ كانت ابنة الخامسة عشرة ؟