﴿قال فما خطبك يا سامري﴾
لو نظرتَ إلى الآية وتدبرتها وقرأت عن سيرة موسىٰ عليه السلام لارتسم هذا المشهد أمام ناظريك.
موسى عليه السلام تربى في قصر فرعون وكان يأكل أحسن الطعام ويلبس أحسن الثياب ويمارس الرياضات،لذلك كان قوي البنية عظيم السطوة، وكز رجل من أهل مصر فقضى عليه.. فاضت روح الرجل بمجرد وكزة!..لك أن تتخيل غضبته.وعندما ذهب موسى للقاء ربه واستغل السامري غيابه فصنع عجلاً من الذهب الذي أخذه بنو إسرائيل من ساداتهم المصريين-وعلم موسى من ربه بفعلة السامري-تملَّكه الغضب وكانت غضبته شديدة كما بينَّا..
﴿فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً﴾
لم يقل سبحانه "غاضب"،فغضبان أبلغ في وصف معنى الغضب من لفظة "غاضب".ورغم شدة غضبه وقوته لم يتسرع في الحكم على بني إسرائيل بل استفسر عن الأمر قال:
﴿ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي﴾لم يكن بنو إسرائيل بالقوة التي تسمح لهم بمواجهة غضب موسى عليه السلام فمعلوم أنهم كانوا مُسخرين عند المصريين للعمل والخدمة، ورغم علمهم بما آل به الحال لموسى من الخروج من تحت جناح فرعون إلا أنهم يعرفون أيضاً أن موسى كان من عِلية القوم؛ لذا بدأوا يبررون خطيأتهم من بعد أن قالوا في غياب موسى
﴿هذا إلهكم وإلـــٰه موسى فنسي﴾..
وقفوا بذلة خاضعين ناكسي رؤوسِهم طالبين الغفران من موسى ورفع الإثم عنهم﴿قالوا ما أخلفنا موعدك بمَلكنا ولكنَّا حُملنا أوزاراً من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري﴾
لم يدركوا بعد أن قراراتهم بأيديهم لأنهم لم يعتادوا على مثل هذا، وُلِدوا عبيداً لساداتهم لذالك تركوا كل الوزر على السامري.
ما قاله موسى لهم قد قاله أخوه هارون من قبل،لكن الإجابة في الحالين مختلفة،ردوا على هارون بكبر وتعالٍ قالوا:
﴿لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى﴾لم يكن هارون ضعيف الهمة أو عاجزاً عن بني إسرائيل مكسور الجناح،لكن لأنه تربى كما تربى بنو إسرائيل ولم يشرب ويأكل من طعام القصر، لم يجدوا فارقاً بينهم وبينه -طوال عمرهم يعرفون أن هارون من بني إسرائيل له ما لهم وعليه ما عليهم- أما موسى وإن علموا مؤخراً إنتماؤه لشيعتهم إلا أنَّ السنين الماضية كان فيها موسى المصري وَلَدُ القصر، السيد ابن السيد صاحب المقام الرفيع؛لذا لم يجدوا حرجاً في رفع صوتهم في وجه هارون، تسللت الشجاعة الزائفة إلى بنات قلوبهم وتصوروا أنَّ خروجهم من أرض مصر نزع عنهم رهبة أهل القصر وأنهم ببساطة يستطيعون الوقوف في وجه موسى والإعتراض عليه، بينما أول ما وقعوا في يده رفعوا إثم العجل عنهم ونسبوه للسامري.
ربما كان موسى يعلم أن قومه شرار الناس، لكنه لم يتحمل فكرة أن يصدق هارون افتراءاتهم وتُراهاتهم.. تسلل الغضب إليه فأمسكه من حاشية ردائه يهزه هزاً عنيفاً يسأله وربما تسللت العبرات من بين أجفانه:
﴿يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلُّوا ألا تتبعني أفعصيت أمري﴾..
تتابع الأسئلة في حديثه يبين كيف كانت حالته وقتها، ربما يعلم موسى علم اليقين أنَّ أخيه وقف في وجه إسرائيل، وقد تكون تلك الحقيقة كانت غائبة عنه؛لذلك انهارت قواه وانفرط عقد غضبه في وجه من طلب مِن اللّٰه جعله وزيراً معه يشد أذره ويشركه في أمر النبوة﴿قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي﴾
لم يكن لهارون أن يترك أخيه في غضبه هذا دون معرفة سبب ما فعله هارون -هارون كان يسبق حلمه غضبه،وهو يعلم علم اليقين أن القوم لن يستمعوا له لكونه من أهلهم ومن طبقتهم- كما أنه لم يكن قوي البنيان كموسى لاختلاف البيئة التي تربيا فيها كما بينتُ.تحكَّم موسى في غضبه على أخيه، ووقع أثر كلامه على قلبه، التفت إلى السامري الذي ألقى بنو إسرائيل جل الإثم عليه.
﴿فما خطبك ياسامري﴾
سأل لعله يجد عنده بياناً كما وجد عند هارون، وهذا ربما تعلمه من حياة القصر، والسيادة؛ فليس من عدالة السيد قطع الرقاب قبل التحقيق في الأمر، أدرك السامري أنه هالك لا محالة؛ لقد وقع في يد موسى الذي تحدثت الدنيا بما فعلته لكزته في المصري، ربما جثى على ركبتيه يتوسل طالباً السماح من موسى، يذرف الدمع تكلفاً.﴿بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضةً من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي﴾.
حتى السامري لم يختلف عن شيعته من بني إسرائيل، وألقى اللوم من على كاهله، تحدث وكأن الأمر خرج عن سيطرته، كأن بصيرته في أمر أثر جبريل هي التي أودت به إلى ما فعل، قسَّم شخصيته لجزئين منفصلين، كأنه يقول: "كياني معك، ويصدقك، لكن نفسي هي المُذنبة ياموسى؛ سوَّلت لي ما لا يصح فوقع مني ما وقع"..
لعل السامري أذرف الدمع الكثير ليرق قلب موسى له..موسى يملك أن يفصل رقبته عن رأسه، وربما رقَّ موسى لحال السامري الباكي متصنعاً الندم، والتوبة، تركه موسى متوعداً إياه بالسخط، والغضب من اللّٰه ..
لكن موسى لديه ثورة غضب داخلية عظيمة لابد وأن تخرج، كما أنه توجب عليه ردع قومه الذين نشأوا على التعبد، والسجود للمرئيات المحسوسة..قال متوعداً، محذراً بلهجة شديدة التأثير:
﴿وانظر إلى إلــٰهك الذي ظلت عليه عاكفاً لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً﴾..مقالة بقلم:-
يمنى النجار.
__________________________يهمني رأيك في المقالة بصراحة..
أعتذر عن أي خطأ لغوي أو نحوي..
نشكر متابعتكم. 🌸
أنت تقرأ
مقالة،ٌ وديوان
Randomلن نسرف في وصف هذا الكتاب..فقط..إن كنت تبحث عن كلمات تعبر عن ما في خاطرك أضف هذا الكتاب إلى مكتبتك لن تخسر شيء على الأرجح...