يوم الإثنين... 1/1/2018
_المطار
وسط زحام صالة الوافدين واللوحات التعريفة بكل اللغات مرفوعة تتردد على مسامعها عبارات الترحيب الصادق والمجاملات ضجيج عجلات الحقائب كان طاغياً مع احضان، قبل، صرخات، دموع فرح وحزن لم يلفتها شيء مما ذُكر فقد كان تركيزها مع من كانت تحاور وهي تدفعه أمامها بالعربة……
- عام جديد يا صغيري. انا وأنتَ فقط، كما كنا دائماً وحدنا ندعم بعضنا في غربتنا؛ أما الآن…
(زفرت بضيق تنظر للأُفق مخرجةً معها الـ آآآه ثم نظرت إليه):
- أَتعلم لماذا عدنا؟
(ابتسم أدهم وكأنه فهم ما تقول لتبتسم بدورها وتردف)
- لتكبر في البلد الذي بدأ فيه كل شيء وانكشفت فيه كل الحقائق، المكان الذي صفعتني فيه الحياة صفعة خارت بها قواي راكعةً مستسلمةً هاربةً؛ بلد حبنا لتكبر وتحب فيه انت أيضاً، فتحب مثله ولتكن ذكياً مثله ووسيماً مثله، لكن… لا تكذب مثله وليكن أول درس لك في هذه الحياة أن تكون صادقاً مع من تحب ولا تكذب مهما بلغت من الحب، لأنك ستَكسِر وتُكسَر.
كان أدهم ينصت لدرسها الأول مركزاً مع نبرتها الناعمة وكأنها تغرد بموسيقى ما قبل النوم ويوزع ابتسامته الجذابة كمن ورثها عنه وكأنه يفهم ما تملي عليه؛ ليقطع حديثهم الشيق صراخ من آخر الممر زلزل رواسخ البناء:
"أهلاًااااً وسهلاااااااااً واخيراااً"
ليلتفت كل من في صالة الاستقبال لصوتها الحاد تاركين كل الانسجام والمشاعر والاحاديث ويركزوا مع ذاك اللقاء المميز. قهقهت دفنا عالياً ليضحك ادهم على مع ضحكتها، لتنظر اليه وتقول:
- ها قد أتت خالتك الحمقاء.
ركضت آسيا معانقة دفنة فارتدت إلى الخلغ حتى كادت أن تقع، حملتها ودارت بها، والصغير يرفرف بيديه تفاعلا مع الحركات التي تحدث امامه.
استمرت آسيا على حالها امام انظار الجميع لتزيل شوق سنين ثم تنحني الى ادهم الذي يحدق بها بفضول.
-(دفنا) لأعرفك يا صغيري هذه المجنونة "للأسف" خالتك.
ضربتها آسيا بعفوية على رأسها.
-(آسيا) لا تشوهي صورتي امام الصغير.
رفع ادهم يديه وكأنه يريد التعرف عن قرب. حملته آسيا طابعة على خدوده الكرزية عدة قبل لتقول لمن يتأملها بفضول بصوت طفولي جذبه:
- أهلا وسهلا ايها الوسيم، لا تكترث لما تقوله أمك لدينا من الوقت الكثير للتعرف اكثر، ليس ببرود كما عرفتنا امك "مقلدة دفنة" هذه المجنونة للاسف خالتك نانانااا.
ضحك ادهم على عفويتها لتكمل:
- لحسن الحظ انك عدت قبل ان تحولك امك الى شخص بارد مثلها؛ لأُربيك أنا ما رأيك؟ لتكون لطيفاً مثلي واجتماعي مثلي وتشع طاقة وحيوية و…… لتقاطعها دفنة
- وساذج ومتهور!! لا شكراً ابقي بعيدة عن إبني فأنا لا أتحمل نسخة اخرى منك.
-(آسيا) هيا هيا لنكمل كلامنا وشجارنا في المنزل فقد اوقفت السيارة في منتصف الطريق اسرعي قبل ان يحجزوا عليها لا بد انها تسببت الان بأزمة سير والناس يشتمونا.
ضحكت على اهمالها لتردف ممازحة
-(دفنة) مجنونة!! من اعطاكي رخصة القيادة؟
وصلوا حيثما اوقفت السيارة امام بوابة الخروج مباشرة مما تسبب ركنها اللامبالي بأزمة سير خانقة والناس تصرخ وقد احرقوا أبواق سياراتهم.
نظرت آسيا إليهم بثقة:
- لن تتعطل مصالح الدولة لعشر دقائق.
ثم ركبت السياره دون اهتمام لما تسببت وكأنها لم تفعل شيء
نظرت دفنة الى الكرسي الخلفي حيث موضع ادهم لتكمل:
- لا تنسى يا بني انها ستعلمك الإهمال وعدم الاحساس بالمسؤولية.
ضحكت آسيا فدفنة تقول الحقيقة ولا تبالغ بوصفها، لتفتح راديو المدينة متجاهلة كلمات دفنة الصريحة. فتضرب مسامعها مطلع اغنية فتحت كل الجراح التي حاولت دفنة اغلاقها او تناسيها طوال عامين ولّيا، اشاحت برأسها نحو النافذة لتتفقد اسطنبول وما تغير بها خلال السنين وتغمض عينيها مسلِّمة مشاعرها للاغنية.
....................................................
وصلوا مع انتهاء الموسيقى إلى المنزل الذي تفوح فيه رائحة الذكريات لتفتح عينيها ما ان ايقنت توقف السيارة لتقع بنظرها على بيت جدها وجد جدها ذلك البيت العريق الذي يحمل في رواسخه الذكريات بحلوها ومرها لتعود بالذاكرة الى الزمن البعيد واول نظرة ألقتها على ذلك القصر……
(flash back)........................
"كل شيء يحدث لسبب"
انطاكيا - 2012
-(عائشة) عزيزي هل أتت الشاحنة؟
-(ادهم) انها في الطريق اتصلت بالسائق واخبرني انه قد أخطأ في مكان المزرعة وها هو قادم
.....................................................
امام بوابة المزرعة الخشبية (بنبرة حزينة)
-(دفنة) أبي هل انت بخير؟
-(ادهم) آآااآه يا صغيرتي ماذا يجب ان اجيبك على هذا السؤال! …
رفعت رأسه المطأطئ لتلتف وتضمه من الخلف…
-(دفنة) ارجوك لا تحزن كل شيء سيكون على ما يرام لا تنسى اننا سنعود الى بيت جدي الذي ولدت وتربيت فيه …
مسحت دمعة سقطت سهوا من عينها قبل ان يلمحها ادهم فتؤلم قلبه لتردف…
- كما انني وآسيا نتوق لرؤية قصر جدي وجدك من كثرة حديثك المشوق عنه…
قالت كلماتها لتواسي كسر أدهم الذي ترى دموعه تسبح في مقلتيه تأبى النزول فقط لانه الاب القوي الصارم المهاب الذي لا ينكسر امام بناته
........................................................
-(آسيا) امي! هذا ليس عدلاً دفنة كانت ستدرس الطب البيطري لنكبر المزرعة ونربي المزيد من الحيوانات، لقد كان حلمها أن تساعد أهل المزارع وحيواناتهم دفنة لا تستطيع التخلي عن الارض ورائحة التراب. تروقها الحياة البسيطة كيف لها ان تعيش حين تنظر للسماء فتجد الناطحات تغطي زرقتها وتظر للأرض فلا تجد خضرة تكسوها!…
-(عائشة)منذ اتخاذ والدك هذا القرار وانا افكر بها لكن لا اتجرأ واسألها عن رأيها، هل باحت لك بشيء؟!
-(آسيا)لا، انت تعرفين دفنة انها كتومة المشاعر لا تظهرها أمام أحد، لكن ارى هذا في عينيها
-(عائشة)هل تعتقدين أنني واباكِ سعيدان بخروجنا من انطاكيا مكسورين بعد أن كان صيتنا يتلألأ بين الناس، ليسامح الله من كان السبب في ذلك وليغفر له اثناء دخول ادهم ودفنة حيث توضب عائشة مستلزماتهم
-(آسيا) هل حقاً سنعيش في البيت الذي ولدت فيه أبي؟
-(ادهم) أجل بيت جدي و جدك
تدخلت عائشة محاولة رفع الروح المعنوية لدى زوجها المكسور:
- لا تتواضع يا عزيزي اي بيت قل انه قصر عثماني قديم
-(دفنة) هل زرتيه يا امي؟
-(عائشة)أجل فعلت.
-(آسيا) هيااااا اخبرينا من البداية...
-(عائشة) حين بدأ ابوكي الخدمة عندنا حين رأيته اول مرة بلباسه العسكري وحذائه اللامع وذقنه المرسومة كان الشاب المثالي بمظهره واخلاقه لا يحتمل الخطأ كانت اعين فتيات البلدة عليه وانا كنت احداهن لكنني كنت اراقبه من بعيد لم اقترب ولم احدثه يوما قط حتى جائني في احد الايام وانا مستلقية على محصول القمح بزيٍّ الغجري المتعارف في تلك الفترة....
-(ادهم)كان فستانا احمر ذو اكمام طويلة وبطول يصل اسفل الركبة تملئه الازهار السوداء والبيضاء العشوائية وتغطي شعرها الاحمر بوشاح أسود مطرز كانت كمن يرسمها احد وسط محصول القمح الاخضر.
-(دفنة) هل تذكر كل هذه التفاصيل!!
-(ادهم) كيف لي ان انسى اول لقاء جمعني بأول من احببت!
-(عائشة ) جلس بجانبي دون استئذان وبدأ بالكلام الموزون الأول لقاء طرح الأسئلة المعتادة لأي شخص حتى بدأ يتعمق بالاسئلة الشخصية لأجيبه انا . . . -ماذا تريد ؟ اجابني بثقة اعجبتني :
-اريد التقدم لخطبتك واخذت موعداً مساء الغد لكن حين رأيتك اتيت لاعلمك بالموضوع حتى لا تتفاجئي حين أطرق الباب غداً
-( آسيا ) ألم تخف بأن لا توافق ؟ ؟
-(أدهم ) لا أبدا فقد انتبهت لمراقبتها لي بالخفاء ولمعة عينيها حين تراني وكنت اسمع صوت قلبي حين اراها كما اسمع صوت قلبها من خجلها المفرط الذي كانت تحمر به وجنتيها البيض وتتعثلم كلماتها فتخفي معالم وجهها كالاطفال ، كما الان مثلا . . . نظرت دفنا لامها التي احمرت خجلا التمسك وجنتيها مقبلة اياهما ليقهقه ثلاثتهم على شكلها الطفولي رغم بلوغها من العمر عمراً
-(آسيا ) وكأنك تتحدث عن دفنة يا ابي
-(أدهم) اجل انها تشبهها كثيرا وبكل شيء حتى التصرفات العفوية تخرج من دفنة وكانها تخرج من عائشة
-( دفنة ) وبعد ! ؟
-(أدهم) بعد أن تم القبول اخذتها لاسطنبول لتتعرف على عائلتها الثانية الى قصر داوود اوغلو الشهير فكانت تلك المرة الأولى التي ترى فيها اسطنبول . . . والباقي تعرفانه من استقرارنا في انطاكيا حتى هذا اليوم.... هااا قد وصلت الشاحنة هل انتهيتن من جمع كل شيء ؟ ! . . .
...............................................................(دفنة)
(أدهم)... أبوها
(عائشة).... أمها
(آسيا).... أختها
(أدهم"الصغير")..... إبنها
أنت تقرأ
فتاتي النرجسية 🌼
عاطفيةكيف لزهرة رقيقة ان يرافقها ذلك الوصف القاسي "النرجسية"؟ وقد رافقت تلك الصفة فتاتنا النرجسية كما نعتها به عاشقها المجون الذي التقى بها بعد سنوات تحمل بين ذراعيها طفلاً لا يعرف أنه من صُلبه!