٨-ماض وحاضر

1.5K 92 7
                                    

منظور الراوي

احست نادين بالامان في ذلك المكان رغم تقزز معظم سكان القري من كونها لقيطة الا انها تعلمت ان تعيش لا مبالية بما يعتقده الاخرين . توقفت عن التصرف كفتى وجعلت شعرها ينمو من جديد. وقررت ترك الماضي ورائها والبدء من جديد .
كانت دراستها هي املها وحلمها الوحيد.
فبعد انهاكها في العمل معظم النهار كانت تتحامل على نفسها لتدرس حتى ساعات متأخرة من الليل على الدوام. كانت تبكي عندما لا تفهم درسا فهي تعلم ان لا احد هنالك ليشرحه لها فتخاف ان ترسب في الاختبارات ولا تتأهل للنجاح.
وعندما شعرت ان لا امل ارسل الله في طريقها نهى، طالبة في المرحلة النهائية من الثانوية والتي قامت السيدة رضوى بتعريفها على نادين بعدما عرفت انها تحاول انهاء دراستها.
نهى رغم انها لم تكن الاذكى الا انها كانت طالبة مجتهدة وقد ساعدت نادين في فهم ماتعصى عليها فهمه من الدروس.كما انها اصبحت صديقة نادين الوحيدة بالرغم من ان ام نهى كانت توبخها دائما لانها قد منعتها من مخالطة الفتاة اللقيطة.
معا كانت الفتاتين تقضيان بعض الوقت في الدراسة والبعض الاخر في الاشاعات التي كانت تسردها نهى ،جاعلة نادين مستمتعة وهي تعيش تلك اللحظات الخالية من الهموم وتمكنها من العيش ولو لبعض الوقت كفتاة مراهقة عادية.

وهكذا مرت الشهور واتى اخيرا ذلك اليوم الذي حققت حلمها وهو يوم تخرجها من الثانوية بشهادة نجاح كانت بالنسبة لنادين اغلى ماامتلكته في حياتها.
شعرت بسعادة غامرة واصبحت فخورة وواثقة بنفسها وهي تقرر انها لن تدع اي شيء يوقفها من ان تصبح كل ماتريد.. بالرغم من انها في تلك اللحظة لم تكن قد ادركت بعد ماتريد ان تكونه .
ارادت ان تشارك فرحتها مع باران لكنها عدلت عن ذلك وهي تفكر انه على الارجح قد نسي امرها وقد لا يعني له خبر حصولها على شهادة الثانوية شيئا ففضلت ان تحتفل بتخرجها امام جدول صغير يمر خلف حقل الفراولة التي تعمل به مع صديقتها التي انسحبت خلسة من بيتها لتقابل نادين. هناك اخبرت نهى تحكي لنادين انها لا تخطط لمواصلة دراستها وانها ستتزوج من شخص ثري وتعيش معه في المدينة. وعندما سألت نادين عن حلمها اخبرتها انها تحلم بالحصول على ارضها الخاصة في مكان بعيد عن الجميع في الغابة حيث تزرع كل ماتحتاجه وتعيش مع الطيور والارانب  البرية دون اي بشر ليعكروا سلامها.
ثم سرحت في تفاصيل حلم يقظتها .

سحبها من عالمها الخرافي المثالي صوت السيدة رضوى وهي تطلب من نادين التحدث في موضوع ما. فودعت نادين صديقتها وذهبت اليها .
كانت السيدة رضوى تنتظر نادين امام الحقل وهناك اخبرتها ان ابنها والذي يدرس في جامعة في المدينة قادم لزيارتهم وان الغرفة التي تقيم فيها هي في الحقيقة لمحمد - ابنها - ولاتدري ماذا تفعل بذلك الشأن .
لم تتوقع نادين ان ترى نفسها في ذلك الوضع الصعب بلا مأوى فجأة. واخبرت الخالة رضوى بانه لا بأس وانها ستغادر .
لكن الخالة رضوى ابدت قلقا عارما وهي تحلف انها لن تدع نادين لوحدها في هذه الدنيا وقد اعتبرتها كأبنة لها ، وحذرتها من انه لا مجال ان تجد من يؤويها في تلك المنطقة بأكملها . لذلك اقترحت على نادين ان تشاركها غرفتها بينما يذهب السيد ايمان لينام مع محمد .
احست نادين بأنها مزعجة لهم وانها عبء ثقيل وحاولت اقناع الخالة رضوى دون جدوى بأن تدعها تذهب لذلك في النهاية وافقت على الامر رغم انه وضع لم يكن مريحا لاحد .
في تلك الليلة تفقدت نادين مخبئ نقودها السري في احد اركان الغرفة ولم يكن الكثير فرغم عملها لشهور طويلة لدى تلك العائلة الا انهم لم يكونوا يعطونها شيئا من المال ، عدى عن بضع مرات كان فيه محصول الفراولة مربحا اكثر من المفترض فيقوم السيد ايمان بمكافأة جهود نادين ببضع عملات ورقية ونظرات الخالة رضوى الممتعضة.
كان مالديها قد يكفيها لاسبوع على الاكثر اذا رحلت في تلك المرحلة . ولم تستطع النوم ليلتها. كانت تفكر في الهرب الى الغابة والعيش كفتى الادغال لكن البرد في تركيا شتاء كان ليقضي عليها دون شك. ارادت ان تتصل بباران الذي قد يساعدها لكنها لم تملك الشجاعة او الجرأة لتطلب منه اكثر مما قد منحها.
لذلك في الاخير ورغم استياءها وشعورها السيء حيال الامر قررت ان تبقى كما اقترحت عليها الخالة رضوى.
_____________________________________________
منظور باران

دُمْيَة▪.▪( مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن