مرّ ما يقرب شهر وقد رحلت الست حسنية إلى الرفيق الأعلى وظلت رحمة بعرين ظهران بالفعل بمفردها وسط هذه الأسود الطاغية، وسط مناوشات من الإهانة والعنف تارة والسخط تارة والإعجاب تارة. لكن ماهو المؤكد أن اسود ظهران تعودوا على وجودها بالقصر و يلجؤون إليها في متطلباتهم حتى لو بالإهانة فبلاول والأخير هم أحفاد ظهران يتميزون بالعنف والقسوة وإهانة حواء.
كانت تجلس مع شاكر بحديقة القصر الشاسعة، فقد تقربت رحمة منه و هو يعاملها بلطف و حب عكس شخصيته وهي بدأت تثق به :
_ انا ممكن اسأل حضرتك سؤال لو مافيش عند حضرتك مانع؟
_ انتي بالذات ماتخفيش تقوليلي حاجة ابدا. انتي حفدتي السابعة وبنتي الوحيدة وصحبتي ي رحمة، انتي كل يوم معزتك بتزيد عندي من ادبك و اهتمامك و انك مسئولة.
_ ياااه يا شاكر بيه كل دا ؟، انا فعلا بشكرك ، وأنا كمان مش بحس مع حضرتك اني خدامة ابدا وبحس حضرتك من عيلتي بعد أبويا وامي الله يرحمهم... بس حضرتك قولتلي اني بفكرك بحد وكمان انا بشوف نظرة استغراب من الكل على معاملتك معايا حتى انا أوقات بستغرب ان شاكر بيه بجبروته واللي بيظهر مع أحفاده انا لأ!.
صمت قليلا ثم ابتسم وقال:
_ انتي بتفكريني بنهى مراتي الله يرحمها، كان بردو مالهاش حد ف الدنيا وكانت بتتعامل بأدب وحدود مع الناس... كانت جمال مصري بجد من جواها كمان كانت طيبة وجدعة زيك كدا. استحملتني لحد ماكونت نفسي واستحملت قرفي وأنا تعبتها معايا بصراحة بس ماكنتش استغنى عنها ابدا كنت قاسي مع الكل إلا هيا، كانت بتعرف تهديني ازاي وتخليني أحس أن أهم حاجة ف حياتها حتى بعد ماخلفنا أحمد و محمد ولادي.
نظرت رحمة باستغراب فقال:
_ أيوة العيال إللي هنا دي احفادي ولاد عم، كل واحد من عيالي خلف تلات ولاد أحمد الكبير خلف مالك و ياسين وعمر أما محمد فخلف زين و حمزة وسيف أصغر واحد فيهم...وبعدين تعالي هنا ايه خدامة دي انتي هنا مسئولة البيت و انا إلى عمال اقولك حفدتي وبنتي و صحبتي تتك نيلة ف حلاوتك . ضحك كلاهما على هذا الجد الحنون والفكهاي الذي لا يعلم عنه أحد.
***********
في اليوم التالي كانت رحمة ذاهبة لشراء مستلزمات للبيت غافلة عن من يسير خلفها بعين بها الحقد و الخبث، رأى عمر أثناء دلوفه إلى قصر ان احد يسير خلفها فاثاره فضوله و ريبته و سار خلفهم. بعد أن ابتعدت رحمة عن القصر لاحظت بأيدي تشدها بقوة من الخلف...
_ حسن!!!. قالتها بدهشة وخوف.
_ آه حسن ي ست هانم، عملالي شريفة و جامدة وانتي قعدالي ف بيت كله رجاله و خارجة داخلة براحتك. طب مانا جيتلك بالزوق عاملتي عليا نمرة قدام الناس و ضربتيني بالقلم، كنتي قوليلي انك غاوية فلوس ماكنتش قصرت.
_ أخرس ي حيوان انت وابعد عني بقولك.
_ أبعد عنك؟... دانا مصدقت لقيتك عشان اخد حقي منك ي حلوة و المرة دي غصب عنك. ثم أمسك بها وحاول أن يفقدها الوعي. لكن تفاجأ بلكمة اطرحته الأرض و على وجهه الدماء الخارجة من فمه:
_ انت مين ي حيوان انت؟! وانتي حطالي السماعات ف ودنك مش دارية ان الكلب دا ماشي وراكي؟
_ بتتحامي ي رحمة في ولاد الزوات للدرجة دي. دانتي طلعتي جامدة بقا وأنا معرفش. انت إللي كلب ع فكرة انا عايز منها إللي هي شاطرة فيه ومخلية واحد زيك يريل عليها.
انهال عمر عليه بالضرب واللكمات و السباب إلى أن افقد وعيه،ثم اتصل ببعض الحراس من القصر :
_ الكلب دا تاخدوه على المخزن إللي ف القصر و تخلوه يفوق لحد أما اشوف هاعمل فيه ايه. ثم التفت إلى من تفرش الأرض بزهول وصمت دون أن تتحدث وتنظر ال الفراغ وفي صدمة، اقترب منها:
_ قومي معايا
أخذها إلى القصر تحت نظرات الجد المندهشة و وجه رحمة الشاحب:
_ رحمة انتي كويسة؟! وانت ايه الدم إلى ع التيشرت دا وجايه معاك ليه انت مش مسافر ؟
_ اه كنت مسافر وكنت راجع من السفر وقبل ما دخلت لقيت دي خارجة وببص لقيت حد ماشي وراها ودي ولا على بالها،و حكى له ما حدث . فى ظل تسمّو رحمة وشحوبها، وفجأة هبط الشباب إلى اسفل بحثاً عن الصوت العالي و حركة الحراس الغير طبيعية ، فقد كان عمر يصيح في رحمة:
_ ماتتكلمي، ساكتة ليه؟... شاكلك عاملة عاملة ولا شمال زي م الحيوان دا بيقول ماهو انتي ماتكلمتيش من وقتها وعامله محترمة وانتي تعرفى أشكال قذرة زي الواد دا.
_ عمر!!! احترم نفسك وماتتكلمش من غير ما تعرف الحكاية وانت مادتهاش فرصة توضح وواضح اصلا أنها مصدومة م إلى حصل . ثم صمت قليلا الكل منتظرين توضيح فاكمل شاكر:
_ تعالوا كلكوا اقعدوا هنا وانتوا هاتفهموا. وانت ي عمر صوتك مايعلاش تاني . ثم أكمل بحنو:
_تعالىي يا رحمة جنبي واحكي كل حاجة وانتي مين عشان كل واحد في العيال دي يعرف حدوده.وماتبصيش عليهم بصيلي ي حبيبتي واهدي كدا دانتي جامدة....
_ انا رحمة على زايد متخرجة من كلية التجارة، وحيدة أمي وأبويا الله يرحمهم وكنت ساكنة جنب الست حسنية الله يرحمها هيا كمان... واللي حضرتك شوفته دا ي عمر بيه دا حسن، ابن صاحب البيت كان عايز يتجوزني وأنا رفضت، وفي يوم تعدى حدوده معايا فضربته بالقلم وهو مسكتش فقعد يزن ع دماغ أبوه ومن يومها بيضايقني لحد ماابوه ترضني من البيت وكنت يوميها برده سيبت الشغل في شركة عشان مديري ماكنش مظبوط فجيت هنا منها شغل وحتة ابات فيها ومافرقش معايا غير اني مانمش ف الشارع و اتفاجأت بيه النهاردة .
حلّ الصمت على الكل فكلهم نسوا بغضهم وسخطهم على جنس حواء إلا واحد من لا تعرف الرحمة طريق إلى قلبه ، وهو مالك.
**********
حلّ الظلام والارتباك موجود بمنزل جمعة:
_الواد راح فين كل دا؟!... دا مشي من الصبح وادينا اهو الساعة تمانية ولسة مجاش والي موغوشني أنه مش بيرد ع المحمول.
_ ان شاء الله كويس. يارب ماتوجعني فيه يارب دا الحيلة وابني إللي طلعنا بيه م الدنيا يارب احرصه.
_ يارب ي سعدية... يارب
**********
في مخزن القصر يدلف شاكر و رحمة و عمر :
_قوم ي زفت انت
فاق حسن علي دلو ماء بارد من عمر
_ ااااااه انا فين....
أجاب شاكر هذه المرة:
_ انت وقعت في أيدينا ي كلب عشان تتعدى ع واحدة من عيلتنا.
_عليتكو ؟!.... دي وحيدة ثم إن انتو عيلة ظهران ودي مش م العيلة انتو هاتسطعبطوني عشان تدارو عليها؟
صفعة شاكر عدة صفعات زادت من تألمه:
_ أيوة دي حفدتي ي حيوان... ليك عين تتلكم دانت هتموت النهاردة ي كلب ع قلة ادبك..... بس اقولك انا هاعمل فيك زي ما هي تحكم ماهي إللي ليها الحق ي تموت ع طول ي تتعذب وتتمنى الموت...
تحدث شاكر بحنان إلى رحمة بعيد قليلا عن هذا الحسن وتحت صمت عمر و ملاحظة ما يحدث:
_ ها ي حبيبتي... تحبي نعملك فيه ايه؟
_ بص حضرتك انا بشكرك ع حبك و اهتمامك و بردو بشكرك ي عمر بيه ع انك ساعدتني بس...
_ بس ايه ي رحمة قولي ي بنتي ما تفكريش كتير.
_ حضرتك انا عارفة انو بني آدم خسيس وحيوان ... بس دا وحيد أمه و أبوه ، هو اه صحيح تعدى حدوده أكثر من مرة ويستاهل الحرق بس هو اخد إللي فيه النصيب فبقول يعني تسيبوه يمشي يروح لأهله انا مقدرش اتحمل ذنبه وهو جبان هايتلم...
يا ربي بعد كل دا وعايزة تسيبه اي البت دي...يتحدث عمر لنفسه
_ ماشي ي رحمة إللي انتي عايزاه... عمر! أتأكد من أنه أتعلم الأدب وسيبه يروح لحاله وارميه قريب من اي مخروبه تعالجه أو تتصل بأهله.
**************
مرّت الأيام وقد تغيرت أجواء القصر فأصبحوا يحترمون و يعاملون رحمة كأنها من العائلة والأوضاع تغيرت حيث بدأوا يتجمعون وعلى الرغم أنهم مازالوا كما هم تجاه جنس حواء و قساة، لكن عندما يعودون القصر فيتصرفون بلين واحترام. حيث الجد أوضح لرحمة أنهم يحتاجونها ويحتجون الأم والأخت والصديقة ويتعلمون الرحمة واللين وهذا ما تفعله رحمة . وتغير الجد أيضا فبدأ يتعامل معهم كما يتعامل مع رحمة. و بدأ بصيص الأمل والنور بالظهور وروح العائلة تبدأ في الظهور بعرين ظهران ويظل معدوم القلب "مالك"كما هو...
وفي يوما ما بفندق من فنادق ظهران بصالة الاستقبال، رأى عمر مالك مجهد و على وجه تعبيرات غضب و الشراسة :
_ عمر! خللي حد من رجليتنا ياخد إلى فوق دي ويوديها اي مستشفى من بتوعنا ويهتم بالحوار .
_ انت كويس ي مالك؟...
_ ماترغيش كتير ي عمر ويلا تعالى روحني مالييش مزاج اسوق.
وهو يتبعه رد على مكالمة:
_ انتي بتتصلي ليه؟... يهمك في ايه اني أفضل ف الفندق ولا معاكي؟... بقولك اي عندك حق الليلة جنبك ع الترابيزة، تخديه وماشوفش وش أمك تاني...
*********
بالقصر و كان عمر ومالك يصعد كلا منهم إلى غرفته، و رحمة تهبط السلم وما أن رآها مالك:
انتي بتعملي اي؟!!!.... انتو كلكوا زبالة وانهال عليها بصفعة جعلتها تقع على السلم وفقدت الوعي....