يا ذا العيون الغامضة كم من مرةٍ عذبتني... يا ذا الملامح الجامدة كم من مرةٍ اربكتني... يا ذا الطباع الباردة كم من مرةٍ اضعفتني... عذبتني واهنتني و اربكتني واضعفتني لكن يظل بوجودك قوتي ولا افهم مشاعري...
كانت في عالم آخر، كانت لأول مرة تلاحظ ملامح وجهه الوسيمة فالأول مرة تكون بهذا القرب منه، حيث اول ما أن تفاجأ بالرصاص القادم من الشباك حتى احتضن رحمة وانخفض بها وظل محتضناً إياها خوفا عليها. أما هي فلكل جزء من وجهه كان لديها له تعبير أو وصف :
يا الله على هذا المالك... عيناه ككوكب بني لامع في ملكوت خاص... رموشه الطويلة الكثيفة متراصة بإتقان... ملامحه الرجولية حادة كرسمة منتظمة الزوايا... لحيته المهندمة تزيده وسامه... يا الله ماذا يحدث لي؟!
بعد أن لاحظ توقف الرصاص انتبه لهذه السارحة بملكوت خاص، اعتقد انه من خوفها فاشتد احتضانه لها هامسا :
_ متخفيش يا رحمة ... متقلقيش الحمد لله جت سليمة ...
كلماته جعلتها تفوق من دوامتها، انتبهت على وضعهم:
_ احممم، خلاص ممكن نقوم ؟!
لاحظ خجلها من احتضانه لها، تركها وما أن تركها حتى لاحظت أن إحدى الرصاصات أصابت كتفه، فاسرعت بدون تفكير :
_ مالك!... دم... انت متعور ... انت بتنزف يا مالك لازم نروح المستشفى حالا ...
اتسعت اعينه من قلقها، ولأول مرة يوافقها و لا يحاول الاعتراض بل أحب في داخله هذا القلق البادي عليها، وما زاد دهشته و فرحته بداخله أنها أسرعت بامساك يده السليمة واصطحبته للخارج...
_ الجد بصدمة: في ايه ؟... ايه اللي حصل؟!!!
_ رحمة بسرعة: متقلقش ي جدي ، لما نرجع هاحكليك لازم نمشي دلوقتي ... ماتخفش....
********
بالمشفى كانت بجواره تتابع باهتمام وصمت تمضيد الطبيب للجرح ، وهو عيناه مصلطة عليها بصمت :
_الطبيب: الحمد لله جت سليمة والرصاصة سطحية ... والاسعافات الأولية ساعدتك انك ماتنزفش كتير... التفت لها الطبيب بابتسامة: انتي دكتورة؟...
_ رحمة بهدوء ورقة: لأ... بس خدت دورة اسعافات أولية قبل كدا
_ الدكتور بإعجاب: اووه... جميل ... احيكي بصراحة
قاطعهم مالك بغضب: طب ماتخد رقمها
تنحنح الطبيب: نعم ؟!
مالك بحدة : أصل دا اللي فاضل تاخد رقم مراتي وأنا قاعد بتفرج إعجابك بيها....
لحظة !!!... اقال مراتي؟!... اعترف لأحد اني زوجته؟!.... دق ناقوس الخطر ... هذا لا يبشر بالخير... بالأول توهاني به في ظل خوفي الذي لم أشعر به بقربي منه، والثاني لهفتي عليه من دون شعور مني؟... والثالث اعترافه بأني زوجته أمام أحد غير من في القصر وغضبه من الطبيب الغير مبرر؟!!!.... حقا هذا ناقوس الخطر ... لا يمكن لا يمكن.... كانت تحدث نفسها بهذه الكلمات المتوترة غير منتبهة للذي يتابعها بصمت وهي شاردة ، ثم قطع الصمت:
_ مش نقوم بقا والا ايه ؟... هيا المستشفى حلوة كدا؟!
_ هاا؟!... أيوة صح ، زمان جدي قلقان وكل اللي في البيت قلقانين يلا ...
أمسك يدها فجأة أحست برعشة من لمسته تلك ...اندهشت منه ثم أخذت تفكر طوال الطريق: أنه ناقوس خطر آخر... لا يمكن ... لا يمكن ... أنه فقط يحب أن يثبت ملكيته لي ... أنه متملك ... إنه قاسي ... إنه.... إنه... إنه غريب....لا بل انا غريبة...
*******
وصلوا القصر كان الكل منتظر بقلق:
_الجد بقلق : ايه ي ولاد ... مالك حصل ايه؟... انت كويس يا ابني؟!
_ أسرع زين : مالك ... رحمة ... ايه اللي حصل؟... وانت يا مالك ماتصلتش بحد فينا ليه؟
_ حنين بلهفة مسرعة إليه تحتضنه: حبيبي ...مين عمل كدا؟... حاسس بحاجة يا حبيبي؟
_ مالك بهدوء و برود: اهدوا يا جماعة أنا بخير الحمد لله...
_ياسين : مين اتجرأ على مالك ظهران؟...
_ عمر: مين لعب ف عداد عمره؟
_ حمزة: انا دخلت المطبخ لقيت رصاص على الحيطة و لقيت الدنيا بايظة...
_ مالك بحدة : أيوة ي حمزة رصاص انضرب علينا من شباك المطبخ...
_حنين: بس احنا ماسمعناش حاجة ..
_ مالك : ماهو كان من غير صوت
_ شاكر: وازاي ماحدش من الحرس اللي بره ؟
_ مالك : يا جدي دا قناص... واكيد كان في برج الحمام اللي في الحتة الفاضية اللي قدام القصر
_ سيف: كل دا و ماحدش شاف يا مالك ازاي؟
_ مالك: دا اكيد واحد محترف ... وبعدين البرج على مسافة بعيدة عن القصر وكدا هايضمن أنه ماحدش هايخد باله و كمان مستخدم كاتم للصوت.... اللي عمل كدا بيهوش بس كتحذير.
_زين : تحذير؟!... دي تاني مرة يا مالك ... لازم نعرف مين الكلب اللي اتجرأ على عيلة ظهران
_ مالك : دا هو كدا خدمني ... طلقات الرصاص اللي في الحيطة هاتوصلني ليه عاجلا أو آجلا... وبعدين شكله كدا عايز يلعب بينا الأول ، أنه يعمل كدا مرتين وبين المرتين فترة و بيهوش بس دا بيعرفنا كمان أنه ممكن يعمل اي حاجة من غير خوف وأنه يقدر يوصل للبيت ... مايعرفش بيلعب مع مين.
_ حمزة محاولا تخفيف التوتر: حلو بردو انك تكون ظابط قوات خاصة وذكي كمان...
ابتسم الكل، ثم قالت حنين بحنان:
تعلى ي حبيبي أستريح فوق... وأنا هاطلب ممرضة عشان تغيرلك ع الجرح
_ مالك ناظرا لرحمة: مافيش داعي ... اولا انا مش عيل صغير... ثاينا انا كويس ... ثالثا رحمة شافت بيتغير للجرح ازاي وهي اللي هاتعمله ... وبعدين دي معاها دورة اسعافات أولية بتخلي اي حد يندهش...
لاحظت رحمة إلى ما يرمي اليه مالك، فهو غضب من الطبيب. ابتسمت على هذا الأسد الغريب والذي أحيانا يكون لطيف ...
*******
بصباح اليوم التالي بأحد مقرات الشرطة :
_ مالك: شريف... انا عايز معلومات بسرعة ... الرصاص دا من بندقية قنص خاصة اعرفلي مين اشتري النوع دا واوصلي بسرعة للمعلومات ... الكلب بيلعب على عيلتي
_ شريف: متقلقش يا كبير كل حاجة هاتتنفذ زي مانت عايز ... بس هو شوية وقت انت عارف عشان اوصل الكلب دا هاخد وقت دانا هدور بين ناس كتير... بس لعب ف عداد عمره اللي يلعب معاك ي أسد
_ مالك : ماشي ي شريف هستنا منك اللي انا عايزه بس ياريت بسرعة عشان اعرف اتصرف.
_ علم وسينفز يا أسد ...
********
بالمستشفى تحدث حمزة مع والد ندى بخصوص علاقته بها:
_ الأب : إن كان عليا يا دكتور فأنا موافق ... انا عارف قد ايه انتوا عيلة مأصلة وانت يا ابني من معاملتك باين قد ايه راجل و مسئول ... أما ندى فهي اكيد موافقة عشان خلتك تكلمني وهي حكتلي زي مانت حكتلي على فكرة... بس خلي الموضوع رسمي بعد العملية ان شاء الله
_حمزة: انا متشكر جدا لحضرتك على كلامك الحلو دا ... وان شاء الله اكون على حسن ظنك دايما ... ماشي بإذن الله بعد العمليه ولما تخرج من هنا هاجيب اهلي و نطلبها رسمي...
*******
كان سيف ينتقل من فندق إلى آخر بالقاهرة إلى أن وصل أخيرا للفندق الموجود به الطفلة الاوزعة كما يصفها بينه وبين نفسه...
دلف المطبخ لم يجدها، وجد والدها فقط يباشر عمله. زفر بضيق وخرج، وجدها تتحدث مع شاب بأحد الممرات... تغيرت ملامح وجه سيف للضيق والغضب بعد رؤيتها واقفة مع هذا الشاب ، تابع المشهد من بعيد وجدها تتغير ملامح وجهها وتبتعد ببطء، ثم فجأه صفعت هذا الشاب صفعة قوية وأخذت تبكي كطفل صغير. وقبل أن يقترب منها الشاب متعصبا من صفعتها له ذهب إليها :
_ نسمة ! في ايه؟... انت عملتلها ايه؟
_ الشاب : معملتش حاجة
_ نسمة: لأ عملت ... انت قذر وحيوان وزبالة
_ الشاب : يا باشا دي بت عايزة تتربى
_ سيف بحدة : احترم نفسك ياض انت
_ الشاب بضيق : يا سيف باشا... وقبل أن يكمل، صاح سيف بغضب:
ماهو مش معقول هاتضربك بالقلم من غير سبب، انت مرفود وإياك المحك مرة تانية قدامي.
اتسعت عيون نسمة من الصدمة . التفت إليها وجدها على حالها تبكي بطفولة بصمت:
_ أهدي يا نسمة... مش هايقدر يعمل معاكى حاجة ... كان عايز ايه منك؟... قولي .
_ انت طردته ليه ؟
_ نعم ياختي ؟!
_ أيوة ماكنش فيها داعي تطرده... تقطع عيشه ليه؟!... اديني هاشيل ذنبه
_ يا بت انتي هبله!... آمال ضربتيه ليه وانتي خايفة عليه... ثم ازاي تقفي تتكلمي معاه اصلا؟!...
_ هو آه صحيح كلب وحيوان و اتعدى حدوده معايا، بس ماكنش فيها داعي تطرده من الشغل حرام، الله اعلم بقا بحاله، انا ماحبش ان حد يتقطع عيشه و رزقه
_ الصبر... اتعدى حدوده ازاي بقا ياختي
_ أصل.... يعني ... ماهو... بص...
_ قسمن عظما يا نسمة لو مانتقطي لاسفعك قلم يعرفك ان الله حق... انطقي بقولك...
_ قالي أنه عايز يقرب مني ونتصاحب كام يوم ... ارتحت ؟!
_ ابن...
_هش اوعى تشتم عيب
_ وانتي خايفة عليه أنه اترفد؟
_ أيوة دا رزق وبعدين مانا ظرفته حتت قلم علمه الأدب
_ بت ... انتي هبله شكلك ... غوري من قدامى...
_ بت؟!... غوري؟!... ايه قلة الزوق دي؟... وبعدين انت مالك بيا اصلا وبتكلمني كدا كأنك قريبي ..
_ اقترب منها بغضب...
وقبل أن يتحدث هرولت من أمامه. اندهش من هذه الفتاه و ما ذاد حيرته أنه انتبه لاهتمامه بها محاولا الرد على اسالتها و فهم ما يحدث له ...
*******
بعد مرور اليوم الشاق على الكل بالعمل حتى رحمة التهت بتنظيف الغرف متجنبه هذه الحنين التي تراقبها بحقد... دلف مالك إلى غرفتها بدون طرق الباب، كانت ترقد على السرير بهدوع تستمع إلى اغاني بسماعات الأذن وما أن رأته أمامها انتفضت من مكانها:
_ في ايه؟
_ في أن عايز اغير ع الجرح واطهره... مخضوضة ليه كدا؟
_ انك ماخبتش ع الباب مثلا
_ انا ادخل وقت مانا عايز
لم يكن لها قوة لتتحدث اكثر يا فارهقت نفسها بالتنظيف.
_ ماشي استنى اجيب علبة الحاجات وجاية
جلس على حافة السرير ، وما أن أتت هم بفك أزرار القميص:
_ رحمة بصدمة: انت بتعمل ايه؟
_ مالك بهدوء: سلامة الشوف... الجرح ف كتفي هاتغيري عليه ازاي وأنا لابس ؟... ساحرة مثلا انتي؟!
_اه صح
ابتسم على خجلها وبلاهتها بخفيه. جلست بجواره تطهر الجرح ، ساد الصمت لدقائق. هو يتأملها بتركيز وهي تمضد جرحه لا تريد النظر بوجهه خاجله منه لكن كلاهما كشفتهم دقات قلبهم المتسارعة:
_ رحمة بهدوء ورقة لا تليق بسواها: انت بتتوجع ؟...
_ آه
_ انا اسفة هاخفف أيدي
_بس مش ايدي اللي وجعاني
نظرت له بتساؤل، ظلوا ينظرون لبعضهم بصمت رهيب للحظات إلى أن قطعهم دلوف حنين بدون طلب إذن الدخول:
_مالك بحدة: انتي ازاي تدخلي كدا من غير ما تخبطي على الباب ؟
_ حنين بصدمة من حدته : أصل ...
_ مالك بغضب : لا أصل ولا فصل اطلعي برة واياكي تتكرر...
_ حنين بحزن : بس انا كنت جاية اطمن عليك واعرف ازاي بتغير ع الجرح عشان اغيرلك انا عليه بعد كدا
_ مالك بحدة : انا قولت قبل كدا اني رحمة هي اللي هاتعمل كدا لازمتها ايه بقا انتي؟
_ حنين بغيظ من رحمة: بس انا مراتك لازم انا اللي أقوم بكدا.
_ مالك بغضب: ورحمة مراتي... ومتنسيش نفسك مرة تانيه واطلعي برة بقا عشان ماتغباش عليكي.
خرجت حنين والغضب والحزن يملأ قلبها. أما هو عاد بنظره لرحمة التي لم تتحدث و ظلت تتابع بصمت كالعادة :
_ ها وقفتي ليه؟
_ وقفت ايه؟
_ تغيير ع الجرح
_ ماهو خلاص خلصت... معلش بقا لو كانت ايدي تقيلة وأنا بغيرلك عليه ووجعتك
لم يتحدث ثم همّ بالخروج وقبل أن يخرج قال بهدوء:
تصبحي علي خير يا رحمة.
لا لا لا لا ... ناقوس خطر آخر يصدر ... لا يعقل ... رحمة ... و مراتي ... يطردها و ينظر لي بهذه النظرات الغريبة ... وأنا اتجمد أمامه ... دقات قلبي المتزايدة ...لحظة وقلبه كان يدق بعنف هو الآخر ... مستحيييللل...
*******
مرّ يومان من بعد الحادث لم يكن فيهم أحداث جديدة سوا تغير مالك مع رحمة التي كانت على عتبة الجنون. و تفكير سيف في الطفلة الاوزعة. ونجاح عملية ندى.
عاد حمزة إلى القصر مساءا متعب و مجهد، كانت تنتظره رحمة :
_ حمدالله على السلامه ... ها... ايه الأخبار؟
_ حمزة بتعب: الحمد لله العملية نجحت... تعبت اوى يا رحمة، كنت على أعصابي ... أول مرة احس اني هافقد أعصابي ف عملية بعملها
_رحمة بابتسامة وهدوء: ما هو دي مش اي حد بردو ... دي اللي وقعت الأسد فيها....
_ ضحك حمزة ثم قال: ماشي ياستي... بتحفلي عليا ... انا طالع أستريح بقا
_ مش هاتاكل ي حمزة ؟
_ لأ مش قادر بجد يا رحمة كل اللي عايزه اريح جسمي وأنام ... وآه صحيح اعملي حسابك هاتيجي معايا المستشفى بكرة عشان تتعرفي عليها .
_ ماشي ... بس انا عندي سؤال... هو انت مافضلتش جنبها ليه؟... مش دي جدعنة المحب برده يا دكتور!
_ حمزة بابتسامة مرهقة: يا بنتي انا متفق مع أبوها مافيش حاجة رسمي غير لما تقوم بالسلامة وتخرج كمان من المستشفى... وأبوها قاعد جنبها لما تفوق و مارديش اقعد معاه شكله بيغير على بنته ، حسيت كدا من ساعة ماكلمته ف الموضوع ، فجيت أستريح عشان أكون فايقلها بكرة إن شاء الله
_ ابتسمت ولم تتحدث ...
*******
بصباح اليوم التالي كان يتحدث مالك بالهاتف بتركيز وما أن انتهى حتى أجمع الشباب بغرفة :
_ سيف : في ايه يا مالك على الصبح؟
_حمزة : أيوة انا لازم اروح المستشفى...في ايه؟
_ زين بهدوء: وصلتله يا مالك ؟... انتبه الجميع فهموا ماذا يقصد . تحدث بعد صمت:
_ أيوة وصلتله ... صلاح العوضي
الكل أصابتهم الدهشة من هذا الاسم:
_ عمر بغضب: لازم يتعلم الأدب و يبقى عبرة للي يتجرأ علينا..
_ مالك ببرود : هايحصل... دا فتح أبواب جهنم عليه والمرة دي هايتمنى الموت ....