نظر لها بوجه خالي من اي تعبير. أما هي فأكملت :
_ أيوة عايزة اطلّق... انت طردتني من المستشفى يوم الحادثة و ماخلتنيش اشاركك و جعك و رفضت حتى تبص ناحيتي ، قولت اسيبك لحد ما تهدى. لكن انت لسة زي مانت... انت ضعيف يا مالك وعنيد في الغلط... رافض كل حاجة و فاكر كدا بتثبت انك لسة زي مانت ،لكن لأ أنا كنت هاقدّر و احترم و أحبك أضعاف لو كنت بتعافر في المرض و ترضى باللي ربنا قسمه وتقول الحمد لله على كل شيء و تسمح للدكاترة و تسعى زي ما ربنا أمرنا بالسعي و الصبر و الحمد . لكن انت كدا ضعيف و إيمانك ضعيف عشان كدا برده مش قادرة اشوفك كدا... طلّقني انا مش عايزة ابني و لا بنتي يتربوا و يشوفوا أبوهم كدا مش عايز يعافر و لا يكون إيمانه بربنا كبير... كنت هاشيلك فوق دماغي لو كنت بتعافر و تكابر انك تخف و كمان ترضى بقضاء الله ودي الأهم،لكن انت مستسلم ...مستسلم و مش عايز تحاول انك تاخد علاجك و لا حتى يشوفك دكتور،و غضبان و ناقم على كل حاجة حتى نفسك ...
لم تستطع أن تكمل و تركته ينظر للفراغ دون أن يتحدث...
********
مشغول هو بالعمل و منهمك، قطعه رنين هاتفه. ابتسم عندما قرأ اسمها على الشاشة، ارجع رأسه للخلف و أغمض عيونه و تحدث:
_ جيتي ف وقتك
لم يصله رد... نعم أنها هي، كانت مترددة ان تفعل هذا لكن فعلتها لأنه ذهب قبل تراه و قد اتفقت معه أن يبدأوا من جديد . جاهدت لكي تتحدث و أخيرا تحدثت بهمس:
_خرجت من غير ماتصحيني
_ابتسم: ياااه كل المدة دي عشان تقولي الجملة دي!... ماردتش اصحيكي قولت سيبها تنام
_ أغمضت عيونها و تحدثت بنبرة حب: أكلت واخدت الدوا عشان ماتتعبش؟
_ لأ
_ تحدثت بقلق: ليه كدا يا زين؟ انت بتتعب نفسك الفترة دي... ما ينفعش كدا ماتقلقنيش عليك
_ خلاص ماتقلقيش
_ أجابت دون تفكير:انت بارد على فكرة و غير مسئول. صحتك هامل فيها و قلقني عليك. وكمان بتقولي كدا عادي
_ آه
_ياربي عليك بقا... اقفل اقفل...
ابتسم عليها و عاد لعمله بطاقة إيجابية و منتظر...
******
قرر اليوم أن يتأخر قليلا في الذهاب إلى المشفى. أدّى رياضته اليومية و عاد لغرفته و هو في غرفة الملابس وجد دون قصد حبوب مانعة للحمل. وقف صامتا لبعض الوقت ، و بعدها نادى عليها بصوت جهوري اهتزت له البنات فزعا و هي بالأخص. ذهبت له و عندما دلفت إليه تلقت صفعة جعلتها تسقط أرضا من قوتها و نزف فمها:
_ حمزة بصياح و غضب: حبوب منع الحمل بتعمل ايه هنا؟... مش عايزة تخلفي مني ليه؟!... انطقي!
لم تجيبه،فقط تنتحب بضعف و هي على الأرض :
_انطقي!... آخرتها ؟... انتي تعملي كدا؟و ليه؟ مش عايزة تخلّفي مني ليه ؟ قولي!...
دلفت سما و نسمة سريعا إليهم و جدوا ندى في حالة يرثى لها و هو كان يبدو مخيفا :
_نسمة بقلق: ندى!قومي...
_سما : أهدى ي حمزة مش كدا!
_ حمزة بحدة: مش عايز حد هنا. خدوها و اخرجوا عشان ماتموتش على أيدي لو فضلت دقيقة تانية هنا، احسنلك ماتفضليش هنا ... انتي طالق و امشي يلاااا روحي على ابوكي مش عايز اشوف وشك...
خافت منه الفتيات فالأول مرة يرونه هكذا و سريعا خرجوا و معهم ندى، و التي لم تنطق بحرف واحد و تبكي فقط... و أخيرا تحدثت:
_ سيبوني، انا ماشية
_نسمة: نسيبك ازاي؟
_مش هاينفع، خلاص طلّقني
_ سما: خلاص اللي انتي عايزاه، هاجيب يوسف من فوق عشان نايم و نروح معاكي ما ينفعش تمشي لوحدك وانتي كدا...
******
خرج من غرفة الاجتماعات، علم بوجودها بالمكتب وقرر أن يتسلّى قليلا،فهو كان منتظرها. تظاهر بالمرض عندما دلف المكتب:
_ قامت بسرعة بلهفة و قلق: زين! زين! شوفت؟، مش قولتلك انت هامل ف نفسك. خد اهو الدوا اهو و انا جايبة أكل معايا و عصير عاملهولك،خد يا حبيبي
_ اعتدل و نظر إلى داخل عينيها: بجد؟
_تفاجأت من تغيره: بجد ايه؟!
_حبيبك
_فهمت أنه كان يمثّل: انت بتعمل كل دا عشان تسمعها بقا
_ شوية
_ يعني تقلقني و تخليني ادّب المشوار لحد هنا عشان حضرتك بتلعب و تسمع اللي عايز تسمعه!
_ابتسم : عادي فيها ايه لما واحد يعمل مقلب ف مراته يعني
_ انا مش مصدقة انك تعمل كدا. بقا انت زين الهادي والرزين!
_هادي ورزين مع الكل بس مش لازم اكون كدا معاكي
_ ابتسمت بخجل : طيب
_رفع إحدى حاجبيه :طيب! بقا انا عامل فيلم عشان اسمع كلام حلو و تتغزلي فیّا و تأكليني و ف الآخر طيب!
_ضحكت عليه و قالت: انت طفل يا زين؟!
_ عادي يعني لما اكون ابنك و جوزك و صاحبك و حبيبك
_لاااا دانت رايق بقا...
*******
اتى عمر و سيف بسرعة لمنزل ندى عندما حادثتهم سما:
_ عمر : هي فين دلوقتي؟
_ سما بشفقة: نامت معيطة
_سيف : طب و انتو قاعدين ليه ؟
_نسمة بضيق: ازاي نسيبها لوحدها يا سيف بس
_ عمر: طب مين ف البيت دلوقتي؟ و ابوها عرف حاجة؟
_ سما: مي راحت لزين الشركة و شهد خرجت تجيب شوية حاجات و ياسين ف الشغل. و طبعا مالك ف جناحه و رحمة مش عارفة، حتى ماشوفنهاش لما سمعنا صوت حمزة و خرجنا على هنا و مصدقنا هديت و نامت. و ابوها لسة ماجاش من بره...
_ سيف: طب كل دا ليه؟ ليه عمل كدا؟
_سما بحزن: مش عارفين وهي ماتكلمتش
_ سيف : طب و بعدين ؟ نكلم زين؟
_ عمر: زين طالع عينه بين شغله و الشغل مكان مالك... بصوا احنا نستنى أما ابوها يجي.و يكون حمزة هدي شوية و لما يكون كلنا في البيت و زين يرجع ...
*******
خرج على كرسيه من جناحه و توجه إلى غرفتها في آخر الممر. وقف لحظات أمام الباب ثم أخذ نفس عميق و أمسك المقبض و دلف دون سابق إنذار إليها. أما هي فقد كانت شاردة تبكي بصمت و غير منتبه لأي شئ سوا افكارها و حزنها. انتفضت بصدمة عندما انتشلها من عالمها بكلماته الصارمة:
_ طب ليه عاملة جامدة و انتي كدا؟!
_ كفكفت عبراتها سريعا و قالت: انت مش هاتبطل تدخل كدا من غير إذن؟
_قولتلك مليون مرة انا ادخل وقت مانا عايز و من غير إذن على مراتي
_ خلاص لازم تتعود بعد كدا لما نطلّق
_ هاتي كوباية المية دي عايز اشرب...
و فجأة ... ألقى بالماء بوجهها و هي وقفت مصدوم من فعلته:
_ مالك بحدة: دي عشان نطقتي كلمة طلاق على لسانك. آخر مرة في حياتك تقوليها و لا تفكري فيها حتى... روحي بقا غيري عشان ماتخديش برد بسرعة وتعالي...
فعلت مثلما قال و عادت إليه :
_قرّبي واقفة بعيد ليه؟
اقتربت منه و وقفت أمامه:
_انزلي!
نظرت إليه بتساؤل فهتف : بقولك انزلي على ركبك!
جلست بوضع القرفصاء أمامه فاندهشت من فعلته، فلحظة جلوسها قام سريعا بضمها بين زراعيه. لحظات أو ربما دقائق صامتة دون كلمة أو صوت صادر منهما ، فقط ضربات قلبهما المتسارعة، هو مغمض العينين و هي أيضا و أيضا تنهمر دموعها بصمت.قطعه هو بصوت اجش هادئ و هو يملس على رأسها:
_ انا ماكنتش طايقك... انتي فوقتيني، عملتيها تاني و كسّرتي حصون و اسوار مالك يا رحمة... أخبار فهد ايه؟
_ابتعدت قليلا و نظرت له : انت حددت الإسم من غير مانعرف لسة ولد و لا بنت!
_ابتسم بعذوبة و قال و هو يمسح عبراتها: آه... لو ولد ان شاء الله فهد، فهد مالك ظهران. و لو بنت ان شاء الله نور، نور مالك ظهران
_ على الرغم من انك ديكتاتور و ماخدتش رأيي قبل كدا، بس ماشي عشان الأسماء حلوة بس
_عارف
_ مالك...
_قاطعها: انتي صح ،الحمد لله على كل شيء.انا هاخليهم يبعتوا للدكتور... هاصلّي و استغفر ربنا و أحمده و هاباشر العلاج و انتظر... و انتظر كمان اشوفك و انتي كرنبة
_ابتسمت و قالت برقة: الحمد لله...وبعدين انا هافضل قمر ف كل حلاتي حتى و انا كرنبة
_ ضحك و قال بين ضحكاته: طبعا، رحمتي على طول مزة
_ انا عايزة أكل و عايزة شوكولاته و كمان عايزة شيبسي
_ ضحك بشدة عليها فقالت بضيق كطفل: بتضحك على ايه؟!
_ الهرمونات بدأت ... مش كنا متخاصمين أحسن
_زمت شفتيها و قالت: خلاص بطّل ضحك و تريقة...
*******
صباح يوم جديد...يجلسون كلهم بدون حمزة و ندى، فهو لم يعد منذ أمس ولا يرد على هاتفه:
_ مالك لسيف: ها ي سيف لسة مش بيرد؟
_ لأ
_ زين لسما: انتو ماحولتوش تعرفوا ايه الموضوع؟
_ سما بحزن: لأ،دي كانت حالتها صعبة اوي كان كل همنا أنها تهدى وقتها...
_ عمر: تمام... انا لازم امشي بقا ع الشغل، و انتو يلا كل واحد فينا على شغله...
_ مالك: عندك حق، يلا امشوا دلوقتي عشان انتو شغلكوا كتير الفترة دي، وأنا و رحمة هانروحلها...
********
استيقظت منهكة نفسيا و جسديا، لا تتذكر عدد الساعات التي نامتها. أمسكت هاتفها لعلها تجد منه شئ،لكن وجدت سما باعثة لها برسالة:
" ندى... احنا اتطرينا نمشي لما باباكي جه. مش قولناله حاجة لحد مانتي تقرري هاتقوليله ايه... و كمان قولناله أنه مايدخلش عليكي و لا حد يدخل ولا يزعجك لحد مانتي تصحي..."
شرعت في الصلاة و أخذت تبكي بضعف لعلها تهدأ...
********
و جدت والدها ذهب للعمل و هي وحيدة بالمنزل ،خرجت الحديقة لكي تستنشق القليل من الهواء. دقائق ووجدت سيارة تدلف إلى الفيلا، وإذ بمالك و رحمة يخرجون منها. و ما ان اقتربوا منها حتى ارتمت باحضان رحمة و بكت و رحمة بدورها تهدأها إلى أن هدأت قليلا ،فبدأ مالك بالكلام:
_ ها يا ندى مالك ؟
_ ندى بحزن:طلّقني و مد ايده عليا تاني يا مالك...
_ اكيد في سبب
_ أيوة... اكتشف حبوب منع الحمل اللي باخدها
_اتسعت أعين رحمة من الصدمة ثم قالت: ايه! ليه يا ندى؟!
_ ندى ببكاء: عشان خايفة يا رحمة... من ساعة ما عرفت حمزة و انا خايفة... مش حاسة براحة ، مش حاسة بأمان... مش مطمنة... انا بحبه و اوي كمان بس... بس حمزة انا دايما بالنسبة ليه راحة ، الراحة اللي عايزها من أمه... كنت أمه ،على طول بحس بكدة... حمزة مش بيطمنّي ، مش بيحسسني بالراحة زي ماهو بيحسها مني ... على طول خايفة من لحظة يتغير... و اللي حسبته لقيته... من فترة حمزة متغير، كنت بكدّب نفسي لحد ما لقيت مرة بالصدفة رسالة مبعوتاله ع الفون من بنت اسمها زينب بتقوله 'بحبك'... ساعتها الدنيا لفّت بيا و لما اخد الفون بعدها وشاف الرسالة وشه لقيته بيضحك حتى ماكنش واخد باله اني قدامه... البنت دي عرفت انها دكتورة بتدرب معاه ف المستشفى ... انا ماكنتش لحمزة غير أم أو حد بيرتاحله أو بس حد لقيه مختلف عن البنات اللي بيعرفهم ،حتى دا دلوقتي مش متأكدة منه أو كانت فترة... خلاص يا رحمة...
اشفقت عليها رحمة و جلست بجانبها و أخذتها بين زراعيها. و تحدث مالك :
_ خلاص يا ندى اهدي... انا هاتصرف معاه
_لأ يا مالك خلاص... مش هاقدر ارجعله تاني مش هاقدر
_ ندى بتردد و حزن :انتي متأكدة؟
_ايوة
_تحدثت رحمة: قولتي لبابكي؟
_حاليا لأ، بس اكيد هاقوله بس من غير تفاصيل عشان بابا مش هايستحمل...
*******
عاد حمزة للقصر بدون أن يلتفت لأحد و ذهب لغرفته،لكن كلها لحظات و دلف إليه زين و مالك، فقد أخبر مالك زين فقط بما حدث. لكم زين حمزة لكمة قوية أدت إلى نزف أنفه مما زاد غضبه. فتحدث مالك بحدة له:
_ انت تستحق اكتر من كدا على اللي انت عملته
_عملت ايه يعني ؟!... طلقت واحدة ماتستهلش
_لكمه زين مرة أخرى و قال له: انت اللي طلعت مش راجل
_ حمزة بغضب: مش راجل؟ عشان طلقت واحدة كدابة و خاينة و لابسة دور التقوى!
_لكمه زين للمرة الثالثة وقال: اوعى تغلط فيها انت اللي زبالة و صدمتنا فيك
جن جنون حمزة من الهجوم المطبق عليه فهتف به مالك بغضب: أيه عايز تضربه ... اضربه، ردله الضرب يلا مانت مابقتش تعمل حساب لحد... ندى دي برقبتك و كويس انك طلقتها عشان فعلا انت متستحقش ضفر واحد منها ... أخبار زينب ايه يا دكتور العيلة؟
_ انصدم، فتابع مالك بحدة: إيه مستغرب؟... مستغرب ايه بالظبط؟ اننا عرفنا؟ و لا أن ندى خدت الحبوب عشان كدا؟...انت طلعت عيّل ماتستحملش مسئولية مراتك و لا مقدّر قيمتها... زعلان أنها مش عايزة تحمل منك، وانت السبب ... اه انت السبب، تعرف ... انت ماتستهلش تعرف هيا عملت كدا ليه عشان اللي عرفناه و شوفناه واتأكدنا منه ... يلا يا زين خلّي الدكتور يعيش أيام مهرقته المتأخرة ...
********
أسبوع مضى... مالك بدأ يتابع مع الأطباء... رحمة سعيدة بمالك و لا تخلى علاقتهم من تغيرات حالتها بسبب الحمل ... حمزة لا يتحدث مع أحد إلا للضرورة ... وفجأة تلقّوا خبر موت والد ندى إثر حادث سيارة ....
