وقعت عليهم الجملة كالصاعقة، فهمّ الجد واقفا :
_ انت بتقول ايه ي ولد ؟!
وقف صامتا وعلى وجهه بسمة غامضة، لا يهتم بما يقوله الاخرون وصب كل تركيزه عليها . وهي أيضا، وكأن العالم خالي تماما من البشر وهو فقط أمامها تتابعه بصمت و على وجهها الضيق و الدهشة وتفكر بكل الاحتمالات.
_الجد: بقولك رد عليا؟
_ياسين: مالك انت بتقول اي ؟
_ممالك ببرود: قصدكوا على مدام ظهران يعني؟... أيوة دي دلوقتي مدام رحمة مالك ظهران. مراتي العزيزة والورقة أهي عقد جواز اهو ...
صعق الكل وظلوا مصدومين لبعض الثواني لكن زين كان أول من تحدث :
_ مراتك ازي والعقد دا حصل امتى التاريخ إلى ف العقد دا؟ ، هو هو وقت ما كانت رحمة في المستشفى...
_مالك: برافو ... أيوة انا إللي زورت العقد ماحدش يدخل وعشان ماحدش يدخل بيني وبنها ... وأنا هاكتب عليها عند المأذون ... ايه رأيك ي زوجتي المصون وافقي عشان ماعندكيش حلّ تاني .
كان الكل يحدق بصدمة ، كيف له أن يصل لهذا الحد ... ولماذا رحمة ؟...
_الجد: رحمة... تعالي معايا ع المكتب... وانتو خاليكو هنا
بالمكتب:
_ حصل ايه ي رحمة ؟
قصت له ما حدث بالمشفي
_ هو عمل كدا عشان عارف ان بكدا ماحدش هايعرف يقف قصاده واستغل نفوذه وعلاقاته عشان ينفذ وانتي توافقي ... انا اسف ي بنتي
_ لله الأمر من قبل و من بعد ... بص ي جدي انا هوافق ، أهو على الاقل هاكون مراته بجد وواحد زي مالك هايعمل إللي عايزه حتى لو بالغصب و خارج الدين .
خرجت رحمة بجمود مصتنع:
_انا موافقة ي مالك...
_مالك : تمام ساعة المأذون يوصل ...تمّ عقد القران وسط حزن و صدمة الموجودين إلا مالك فهو كان يبتسم ابتسامة شر و غموض ليفعل ما يشاء معها بدون اعتراض أو تدخل الآخرين فهي الآن زوجته يفعل ما يشاء معها .
_الجد بحزن: روحي ي بنتي خدي هدومك على اوضة مالك
_مالك ببرود : أظن دلوقتي ي جدي انا الوحيد اللي ليا الحق فإني اطلب او أأمرها ، وهي هاتفضل زي ماهي ف اوضتها بتاع الشغالين زي ماهي وأنا ومزاجي. واه صحيح ماحدش يعرف بجوازي منها انا مايشرفنيش تكون مراتي واحدة زيها.
أول ضربة منه لها، فها هو يبدأ طريق اهانتها وهي صامته.
_مالك : تعالي معايا أوضتك عايز اكلملك في حاجة كدا ، قومي فزي...دلفوا الغرفة وكانت الضربة الثانية مجموعة صفعات متتالية على وجهها من مالك ، وهي وقعت على الأرض وكأنها مخدرة من كثرة الألم:
_مالك: دا بس البداية... عشان تعرفى تتكلمي وتقلي ادبك على سيدك . ومن النهاردة إللي اقوله يتسمع واللي اعمله يتنفذ من غير مكرر ... فاهمه...
_لما يصله منها رد فصاح : قولت فاهمة !
لم يصله رد أيضا فامسك بها، ولكن صدمته بعيونها المحيرة ودموعها الغزيرة ونظرتها التي بها حزن وغضب و ضعف و عند ... لا يعلم ما حدث له فأول مرة أحد ينظر له نظرات كنظراتها . فاستعاد وعيه وجموده مرة اخرة :
_ لما اكلمك تردي عليا وتبصيلي... قولت فاهمة؟...
_ ماشي.. فاهمة . قالتها ببرود عكس نظراتها و ودموعها.
********
بمكان ما خارج المحروسة كان يجلس رجل واضح عليه الخبث والغضب :
هانت ي ولاد ظهران نهايتكوا على ايديي ... استنوا عليا....
********
بأحد فنادق ظهران كان يجلس عمر منهمك بإعطاء تعليماته للموظفين إلى أن أتت فتاة جميلة بعيون عسلية ذات لمعة جميلة و بشرة بيضاء وشعر بني داكن ، مرتدية فستان وردي إلى الركبه وحذاء رياضي كانت بريئة وجميلة :
_ من فضلك... فين صاحب اليلة هنا
عمر باستغراب: ليلة؟!... انتي مين وعايزاه ايه؟
_ حضرتك عندك إجابة قولها ماعندكش مافيهاش داعي ترد سؤال بسؤال
_ انا ي ستي صاحب اليلة ... اخلصي وقولي عايزة اي ف يومك دا
_ انت ازاي تتكلم كدا؟!.. المفروض واحد زيك يتكلم بأسلوب أحسن من كدا خصوصا مع النزلاء ف المخروبة ديت عشان السمعة
_ عمر بنرفزة اخافتها: بت انتي اتادبي بدل ما علمك الأدب ... اخلصي قولي عايزة ايه مني ... انا مش فاضيلك.
_ انا كنت قولتلهم يجبولي تشوكليت في الثلاجة إللي ف الجناح بتاعي ماحدش جاب وطلبت تاني ماحدش سأل فيا .. تقدر تقولي دا ينفع ي صاحب الفندق ي محترم؟
_ عمر بغضب مكتوم : اطلعي على فوق بدل وربي اهينك هنا قدام الناس... واضح انك تافهه ومش لاقية حاجة تسليكي و كمان مش لاقية حد يربيكي ... اطلعي قال الاخيرة بصياح
ذهبت الفتاة والدموع والخوف على وجهها .
*******
مرّ أكثر من أسبوع على زواج مالك من رحمة وطبعا لا تخلوا الاهانات بالكلام والضرب من مالك لها في ظل حزن الآخرين . لكن رحمة أمامهم كانت تتعامل بطريقة عادية وكما تعودت معهم، وهم يجارونها محاولة منهم للتخفيف عنها...
إنه يوم الإجازة والكل بالمنزل ويعم الهدوء بالقصر ، من يقرأ ومن يجلس بشرود و من يعمل و من يتحدث مع الاخر ومن مازال نائما. إلى أن استمعوا لصوت سيارات وفجأة إطلاق نار و دخول عشرات الرجال ملثمين القصر الكل كان يهاجم وأسود ظهران كانوا ينقضون على الرجال بوحشية و عنف إلى أن انتهوا :
_ زين بعصبية لأحد الرجال مازال على قيد الحياة: أنطق يلا مين اتجرا وبعتكوا... لكن لا رد
_ صاح مالك بأحد الرجال. و بعض رجال الأمن لم يبقى منهم على قيد الحياة: الكلب دا تاخدوه ع المخزن لحد ما نشوف هانعمل معاه ايه...
_حمزة: رجالتنا ماتت مافيش غير خمسة ستة عايشين .
_سيف : مين ليه عين يتجرأ علينا؟
_عمر: مين ما كان حكم على نفسه بالموت بأبشع الطرق...
لكن انتبه الكل للجد و صدمهم:
_ رحمة .... فين رحمة؟!!
ما أن سمع مالك هرول سريعا إلى غرفتها، و ما أن دخل اندهش من هيئتها فلاول مرة يراها بهذه الحالة. مشاعر غريبة اجاتحته لأول مرة. وجدها تجلس بأحد أركان الغرفة ،ضامة أرجلها إلى صدرها بخوف وتبكي في صمت وعلى وجهها علامات ضرب ووجهها متورم .تقدم إليها مسرعا:
مالك بهدوء: رحمة ... أهدي ... انتي كويسة؟... ماتخفيش انا معاكي ... اهدي.
نظرت له دون أن تتحدث وهي كما هي على حالة الذعر والضعف والحزن. قام مالك بامساك يدها بلطف غير معهود عليه واوقفها وخرج بها وهو محتضن كتفيها . وما أن خرجت فقدت وعيها، حيث رأت الجثث ميتة بأبشع الطرق ودماء بكل مكان و على ملابس الشباب...
أسرع مالك بحملها إلى غرفته وخلفه الباقين قليقين عليها بشدة وخاصة بعد ما رأوا حالة وجهها :
مالك: مالها ي حمزة ؟
حمزة: الحمد لله ، اغمي عليها بس من الصدمة بس هاتلي برفان نفوقها.
حمزة بابتسامة رقيقة اغضبت مالك: عاملة ايه ي رحمة؟... و مين عمل في وشك كدا؟...
سيف متسرع: حد دخلك م الحيوانات إللي هجموا ع البيت؟.
رحمة بضعف : لأ
نظر الكل لمالك فقد علموا أنه السبب بما حدث لوجهها :
مالك ببرود : اطلعوا برة و حلّوا الموضوع ونضفوا القصر معلش ي جدي وانت معاهم عشان تستريح .
خرج الكل حزين على حالها . تقدم منها في هدوء قاتل وجلس بجانبها على السرير وحاول أن يلمس وجهها، فابتعدت عنه:
_ هششششش... اهدي مش هاعملك حاجة... بس قوليلي انا مضربتكيش غير بالقلم ... الجرح إللي فوشك دا منين؟...
_ابتسمت بألم وحزن وسخرية: مانت لما ضربتني بالقلم مشيت على طول و مابصتش اني وقعت على سن الكوميدينو.
_ خلاص اهدي ... و متنزليش تحت دلوقتي خالص. قبل أن يكمل بكت رحمة بشدة ، ولم يشعر مالك بنفسه إلا وهو يحتضنها و يهدأها... ابتعدت عنه وقالت بهدوء وسط بكائها:
_ أبعد عني ... مش عايزة أفضل هنا و مش هاقدر أفضل ف البيت هنا تاني... _ اسكتي ونامي دلوقتي
_ لأ...
_ قربها من صدره سريعا : هشششش... قولت اسكتي ... وماتعنديش و تعصبيني وإذا كان على إللي شوفتيه تحت... احنا هانروح بيت تاني .. بس مش هاتنزلي غير لما يخلصوا من كل حاجة ....
لم تتحدث فقط ابتعدت عنه وجلست بصمت...
********
بمكان آخر:
هههههههه ، سيبهم يدوروا شوية على مين اللي عمل كدا.... المهم دي كانت البداية اني اعرفهم اني اقدر اعمل اي حاجة...
