يظل تساؤلي... هل دائما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن؟!... لأني تعرّفت عليك و كنت كالرياح ظهرت دون سابق إنذار؟ ...
********
يا إلهي أحدهم يحاول سرقتها وهي على بعد من الشركة و يجذب حقيبتها وهي مذعورة و تدافع باستماتة عنها كأنها كنز ثمين.
اتجه إليها و ساعدها و لكمه العديد من اللكمات ثم امسكه من تلابيب قميصه و اتجه إلى حرس الشركة بغضب:
_ انتو واقفين شكل وخلاص؟!... ازاي حد يتجرأ و انتو واقفين هنا و كمان مش واخدين بالكو منها... انتو بهايم بهايم ...
بحث عنها وجدها واقفة تبكي بخفوت و تهندم ملابسها و تنظر بتمعن داخل الحقيبة و حولها. كانت كطفلة تائهة تريد من يطمئنها و يبث لها الامان، لا يعلم لما اتجه إليها مرة أخرى و مهتم بها و بما تفعل و يحاول أن لا تبكي. وعند اقترابه منها رن هاتفها و كانت صدمته و إعجابه بذات الوقت :
_ شهد محاولة الثبات والضحك: أيوة يا ماما. معلش يا ست الحبايب قفلت الفون لما لقيت خناقة وانتي عارفة انا بموت فى مشاهدة القتال... هههههه أيوة دا واحد كان بيضرب ولا اكنه فندام و بيلف اللفة اللي برجله دي ولا التاني يا لهوي رد عليه بلكمة رامبو يااااه كان مشهد يستحق المشاهدة... خلاص بقا ي زوز انا داخلة على الشركة اهو و خلاص هاجبلك الحاجة وأنا راجعة و هاكل خلاص بقا سلام .
و لحظة غلقها تحولت ملامحها للتعب ولاحظت من وقف متصنما لما تفعله و تقوله:
_شهد بتردد: ياسين بيه... انا متشكرة جدا على شهامتك و مساعدتك
_رد بإيجاز: تمام ... يلا عشان الشغل ...مرّ اليوم بعد انهاكه بالعمل وحيرته..
تبا لما كنت أفكر ان اضحكها؟!... لما اهتم بها؟! ... لما أريد النظر لوقت أكثر لمجرّتيها السوداء ذات اللعمة الخاصة بها هي فقط؟!... لما كنت أريد معانقتها وهي تبكي؟! ... لما بالأساس لم اعنفها لسبها لي بالمصعد ؟. لما افكر بطفولتها؟... لما يا ياسين لما ؟... انت ياسين ظهران الذي لم يأبه قط بانثى على الأرض ولم يفكر بها بهذه الطريقة... أنت لم تراها كثيرا ،لكن كل مرة بموقف غريب معها و شعور جديد منك تجاهها ... تبا أيها العقل توقف عن التفكير ....
********
عاد مالك من العمل ودلف إلى الغرفة، و جدها بالشرفة تجلس و تلعب بالهاتف ، أخذ ملابس و دلف للحمام. خرج وهي ما زالت على حالها، تحدث و هو يجلس موليها ظهره على أحد الكراسي بالغرفة و يرتدي الحذاء:
_ مالك : انا مسافر الصبح، وضبي شنطة لأسبوع ...
لم يلتقي رد و ساد الصمت للحظات التفت خلفه و جدها تنظر له بدهشة و حزن و دموعها تنزل على وجهها بصمت. عند التفاته لها بصدمة وراء تعابير وجهه الباردة تلاقت أعينهم للحظات قليلة قطعتها عندما وقفت و مسحت دموعها بسرعة و قالت بهدوء:
_ حاضر ... انا هانزل اشوف الباقي وصلوا عشان احط الأكل ...
ظلّ مكانه متجمد يفكر بحالتهم و نظرتها التي تحمل الحزن و العتاب.ابله انت أيها العقل، ترى حزنها و تهرب منها بأنك غاضب منها أيضا... مهلا يا قلبي ساتبعك،فاسبوع مدة كافيه للخصام معها فأنا لا أشعر أني بخير بدونها و لا انام جيدا بدون احتضانها و أشعر بضيق لبعدها ...
********
بمكان آخر كان يفكر بصاحبة العيون المحيرة، ذات الهدوء و الجمال و الاناقة و الدهاء في الحديث... يا الله لما افكر بها ؟!، انا لم أتحدث معها سوا دقائق.. ايعقل سليم القفاص يفكر و يريد انثى؟ ... انا من لم التفت لمن يتهافتن عليّ و لم أفكر بالارتباط قط... أريدها هي ، أريد أن أتحدث معها فقط، أن أرى ابتسامتها ... ايعقل خلال دقائق؟!...
********
بالقصر بعد تناول العشاء و تحدث الشباب بعض الوقت وعلموا بسفر مالك المفاجئ. جلسوا كأخوة يتبادلون الحديث لبعض الوقت بدونها فقد تحججت بأنها تريد أن ترى مسلسل ما بالغرفة. صعد إليها لم يجدها فعلم أنها بمكانها المفضل، هبط إليها وجدها تجلس بجانب الزجاج ضامة أرجلها إلى صدرها و تضع شال على كتفيها و تنظر إلى الحديقة بشرود...شعرت به أنه بنفس المكان و لكنها لم تعيره إهتمام و تحاملت على قلبها و مشاعرها وارداتها باحتضانه و معاتبته والبكاء وأيضا النوم باحضانه فهي أيضا لم تنم جيدا طوال الأسبوع و أيضا تكاد لا تأكل...
حاول التحدث بحدة خافيا مشاعره :
_ انا مش قولتلك تحضري الشنطة ؟!
_ حاولت الا تبكي و تحدثت بهدوء: الشنطة جاهزة زي ما قولت و هي في اوضة اللبس.
_ نظر لشحوبة وجهها من قلة النوم و الأكل، حاول التحدث معها، لكنها قاطعته وهي تهم بالذهاب:
_ مالوش داعي الكلام. انت مسافر و قررت و هاتنفذ و مافرقش معاك طول الأسبوع و كمان رايح تغيب أسبوع تاني. الكلام لا هايقدم ولا هايأخر ، تروح و ترجع بالسلامة . وتركته خلفها يغلي من الغضب...
كيف تتحدث هاكذا و كأنها لا تبالي؟... كيف تكلمني وهي توليني ظهرها و تذهب؟ ... كيف تحدثني هكذا؟... إذاً كما تريدين لا تريدين المصالحة، فاليحدث هكذا و أكثر أيضا فكرامتي فوق كل شئ فأنا تنازلت و أتيت لاتصافى معكي وانتي لم يفرق معكي...
*********
سطعت شمس يوم جديد، بالقصر، الكل ذهب إلى العمل و هو قد غادر قبل أن تستيقظ و ظلّت بالمنزل حزينه شاردة. قاطع شرودها رنين الهاتف يعلن عن ندى :
_ أيوة يا ندى
_ أيوة يا رورو
_رورو؟!
_ههه ايوة رورو، انا قررت ادلعك يا ستي فيها ايه لما ادلع صحبتي العسل يعني؟
_ ماشي يا ستي. انتي عاملة ايه ؟
_ انا تمام الحمد لله، يلا بقا بدل القاعدة في البيت تعالي نروح النادي نقضي الوقت هناك
_ما ينفعش يا ندى ،اولا انا مكسلة ثانيا انا ورايا حاجات اعملها ف البيت و بعدين هاعمل الغدا عشان لما يجو من الشغل.
_ يا بنتي بطلي كسل و بعدين احنا اتفقنا على الجروب اننا كلنا هانقضي اليوم في النادي و هما لما يخلصوا شغل هايحصلونا
_لحظة ! انتي قولتى جروب؟!
_ أيوة يا ستي، زي ما توقعت انتي لسة ما شوفتيش الفون بتاعك ،و قاعدة شاغلة نفسك بشغل البيت... يا بنتي احنا عملنا جروب لينا كلنا ع الواتس و اتفقنا خلاص
_ اتفقتوا امتى دا لسة ماشيين من يجي ساعتين على الشغل لحقتوا؟
_هههه أيوة يا ستي و بصراحة فكرة الجروب دي جت ف وقتها، تسلم البت نسمة على فكرتها. بقولك ايه قومي البسي و تعالي يلا و نسمة جاية و نتقابل هناك و بعدين هما هايجو. و انتي يبقى شوفي الرسايل بعدين بقا...