عـاد الصمـت يـسود الأجـواء مـره أخـري دون أن يقطـعه شـيء تـلك المـره.. فقـد هـدأ "ريّـان" بـل وارتسمـت إبتسـامه رزينـه هـادئـه علـي شفتيـه.. وهـذا مـا أقلـق "هـدي" بتلك الفتـره التـي قضتـها معـهما علمـت أنـه حكيـم هـادئ فيمـا عـدا مـا يخـص صغـيرته
لا يتحـدث فقـط يتـرك الحـريـه لـيداه لتـعبر عـن مـا يـجـول بـخاطـره
لـم تفيـق إلا عـندما ارتمـت" ضـي" بـأحضـانها وبقـلب أم يـخشـي الفـراق مـره أخـري علمـت قرارهـا فـ شـددت علـي أحضـانها قـبل أن تتـركها صـغيرتـها وتفعـل مـا توقعـت
ذهبـت إليـه مـره أخـري ثـم شبكـت أصـابعهما معًـا وقـالت بنـبره ثـابته لا يشـوبها أدنـي تـردد وهـي تبسـم لـه
_هخـتار عيلتـي.
والعـائله هـي "ريّـان"!
*****
دس "ريّـان" بعـض النقـود بيـد السائق ثـم تمتـم ببعـض عبـارات الشـكر قـبل أن ينـطلق السـائق ويـرحـل
سـارا سـويًا قـبل أن تقـول "ضـي" وقـد انتبهـت للتـو لـ حلتـه السـوداء
_ريـّان!
_أجاب بـ إبتسـامه :عيـونه
حمحمت بخجـل وتسـاءلت
_أحـنا رايحـين فـين!
اتسعـت ابتـسامتـه وتـوقف فـجأه ولـم يتحـدث فقـط أشـار بعينـيه إلـي الأمـام...تقلصـت المـسافه بيـن حـاجبيها بتـساؤل ومـع ذلك نـظرت إلـي الأمـام حيـثما أشـار
انتـظرت لـثواني قـبل تُضـيء الأنـوار فشهقت بسـعاده وهـي تعـود للخلـف عـدة خـطـوات بتـلقائيه...
حـلم الطـفولـه يتـجسـد أخـيـرًا عـلي أرض الـواقع..."ريّـان" رسـم أولـي خـطـوات النجـاح...
تبًـا لازال يتـذكـر وعـدهما معـًا...مـطعم خـطت عليـه حـروف "ضـي القـمر" بـ اللكـنه الأنجليـزيـه.
شـردت إلـي ذكـري بعيـده المـدي ولكـنها محفـوره بـذاكرتها جـيـدًا
دلـف الصـغير "ريّـان" إلـي حـديقـة الملـجأ يبحـث عـنها بعـينين مـزعورتين وبصـوته الطـفولي ينـادي عليـها ولكـن رد سـوي شهقـات مـرتفعه صـعدت مـن إحـدي الأركـان
تتبـع مـصدر الصـوت حـتي وقـف أمـامها بـ شفتـين مـذموتين مـن الغـضب قـائلًا
_مـش قـولتلك يـا ضـي متـطلعيش الجنيـنه الجـو بالليل بـرد
رفعـت عينـاها المتـورمـه مـن البـكاء دون حـديث فـ انحنـي الصـغير سـريعـًا يربـت عـلي خـصلاتها
_مـالك يـا ضـيي!
عـادت شهقـاتها تـرتفع وهـي تـخرج مـن خلفهـا ورقـه كـبيره كُتب أعـلاها بخـط كبيـر "بيـت الأحـلام"
رُسـم بـها بيـت ليـس بكبيـر بـل متـوسط الحجـم باللـون الأسـود يـحيط بـه حـديقه صـغيـره زُرعت بـأركـانهـا إحـدي الأشجـار التـي يتـدلي مـنها أرجـوحـه صـغيـره زُينت بالـورد الأصـفر ومـن إحـدي غـرف البيـت خـرج سـهم صـغير وكُتـب جـواره بـخط طفـولي "مـكتبـة قـراءه"
همـست بـصـوت متحشـرج وهـي تـشيـر إلـي الرسمـه
_اتـريقـوا علـيا لـما قـولتلهم ريّـان هيعملّـي زيـه لـما نكبـر.
كـورت قبـضتها الصـغير وراحت تـفرك عينـاها بـطفـوليه شـديـده وهـي عـلي وشـك البـكاء فـربت عـلي كتفها ثـم قـال وهـو يُـزيل دمـوعها
_أوعـدك لـما نكبـر ويكـون عنـدنا فلـوس كتـير هعملك زيـه
ابتسمت الصغيره وصفقـت بـفرحه ثـم طبعت قُبله رقيـقه عـلي وجنتـه ابتسـم عـلي إثـرها وتساءلت بفـضول
_رسمـت إيـه أنتَ كـمـان
تنـاول الـورقه مـن جـواره ووضعهـا أمـامها فشـهقت الصـغيره بـ إنبهـار قـائله
_واااو... جميـل أوي يـا ريّـان
ابتسـم لـها ولكـنها عـادت تتحـدث بـ إستنكـار وهـي تـطرق بـ سبـابتها علـي ذقنـها
_بـس أنتَ لـيه مخترتـش اسـم ولا لـونتـه
_رفـع كتفـيه وأجـاب :جيت أختـارهم معـاكِ
_هتفت سـريعـًا : هيكـون بالأسـود
_كنـت مُتـأكـد
ضحكـت الصـغيـره ثـم تسطـحت عـلي الأرض تنـظر إلـي السمـاء بـشرود فـ فعـل مثـلها وتسطـح جـوارها وهـو يشبـك أصـابعهما مـعًا... دقائـق مـن الصمـت قـبل أن تقـع عيـناها عـلي القمـر فـ هتفت بـ حمـاس وهـي تنـظر لـه
_إيـه رأيك نسمـوه مطعم ضـي القمـر!
الصـغير وعـد وهـا هـو الـرجـل ينفـذ.
********
بـعد رحيلهم مـباشرة نـظرت لـه "هـدي" بقهـر قـائله
_مبسـوط وأنتَ بتضيعهـا للمـره التـانيه!
لكـزته فـي صـدره بقـوه واستـطردت بـحسـره مـريـره
_إحساسك بالنـدم مخليـك مـش متـوزان ومـش عـارف أنت بتـعمل إيـه!
قبـض عـلي أصـابعها وهمـس بتحـذير
_هـدي!
انتشـلت أصـابعها بـ عنف وصـرخت بـ إنهيـار
_بـس بقـي كفـايه.. هـدي تعبـت...وقـربت تكـرهك ومبقتـش أخـاف مـن تهـديدك..بنتـي معـاها راجـل واثقـه أنـه يقـدر يحميهـا مـن مليـون واحـد زيـك..
لهثـت بعـنف ثـم مسـحت دمـوعها....وضعـت ورقـه بـجـواره عـلي الطـاوله واستـطردت بجـفاء وكـأن شيـئًا لـم يكـن
_بنتـك مـوجوده فـي العنـوان دا واعتقـد أنـها هـتكـون محتـاجك الـوقت دا فـ اتمنى أنـك متخذلهـاش المـره دي كمـان
ثـم سـارت عـدة خـطـوات قـبل أن تسيـدير قـائلـة بـ ثبـات مُـزيف وكـلماتها السـامه تطعـنها قـبله
_ويـاريت تـحافظ عـلي شـوية الـذكريات اللي بينا وتطلقنـي..
وقبـل أن تسيـدير لتـرحل أمسـك يـديها وهمـس بـ نبـره راجيـه حمـلت بـين طيـاتها ضعـف التقطـته بسـهوله
_متسبينيـش....أنـا ضعـيف مـن غيـرك!
مـا تلك المُفـاجأت.. بالصبـاح يعتـذر والأن يتنـازل عـن كبـرياءه ويعتـرف... حقًا "مُهـاب" يخـالف تـوقوعـاتها تـلك الفتـره
تـوقف أمـامها يـرمقها للحـظات قـبل أن تتمـرد عينـاها لتسقط تلك الدمعـه التـي ظلـت حبيسـه لسنـوات... وتصـدع قنـاع القـسوه والجمـود ليـظهر آخـر يشـع ضعـف وانكسـار
كـان ذلك رد فعـل طبيعي فـ بأشـارة واحـده مـن القلـب الـذي شعـر بالخـطر عمـل العقـل وعـاد للتفكـير بـتوازن... فـ تـذهب القـسوه والعـناد إلـي الجحيم
وكـأن صـاعقه نـزلت مـن السمـاء عـليها...يبكـي ويـطالبهـا بالبقـاء !
اللعنـه... اللعنـه عـلي ذلك الجـسد الخـائن الـذي كـاد يستجيب إلـي إشـارة هـذا القلب الخـائن هـو الأخـر مـا إن استمع إلـي كلمـاته الهـامسه
_أنـا أسـف..بـس وقتـها كـان غصـب عنـي أنتِ عارفه أنـا بحبـك وبخـاف عليكِ أزاي... إحسـاس العجـز كـان بيقتـلني وقتهـا
_ردت بـإستنكـار مُـتهكم :عجـز! .. مُـهاب العـمري وعجـز فـي جملـه واحـده!
مسـح وجنـته ثـم إستـدار يـوليـها ظهـره قـائلاً بحـزن أخفـاه بنبـرته الهـادئه
_أنتِ مفـكره أنـي زعـلان أنـي ودتـها ملـجأ!... صـدقيني لـو رجـع الـوقت تـاني هـوديهـا مـن غيـر تـردد!
حقًـا أُرهقت من حـديث دون فـائده فـ التزمـت الصـمت تنـتظر البـاقي مـن حـديثه قـبل أن يجلـس عـلي الأريكـه ويبـاغتها بسـؤاله
_مسـألتيش رجعت من المـوت أزاي؟
*******
فـاقت من شـرودهـا عـلي يـد "ريّـان" تـجذبها ولازالت مـبهوره ممـا يحـدث قـائلًا وهـو يـرمقهـا بنـظرات عـاشقه
_مـش هنقـص الشـريط!
أومـأت بسـعاده وهـي تتجـه معـه إلـي الشـريط الأحمـر..قـصـا الشـريط مـعًا وبعـدها انطلقـت التهـاني فـرحـة مـن الجمـيع تبعها تقـديم قـطع الشـوكولاتـه والكـثير مـن الحلـويات المُعلبـه والمشـروبات الغـازيه
********
تذكرت "هـدي" وقتهـا حـزنها عـلي ابنتـها وألـم فـراقها جعلهـا تنسـي كـل ذلك!
عـاد يستـدير لـها ثـم جثـي أمـامها عـلي ركبتيـه وقـال بمـراره
_أنـا أيـوه بخنقـك بغيـرتي بـس عـمري مـا شكيـت فيكِ يـا هـدي.. أنـا بثـق فيـكِ أكـتر مـن نفـسي بـس تقـدري تقـولي أن حـكاية الصـور دي جـاتلي علـي طبق مـن دهب
شحـب وجههـا بـشده وابتلعت ريقـها بتـوتـر هـامسـه
_يعنـي إيـه
قـام مـن مجلسـه ثـم جلـس لجـوارها يُشعـل لفـافة تبـغ ينفث فيـها عـن غضبـه
_لمـا سـافرت علشـان أخلص شغـل مـع شـركـه اكتشفت أنـه شغلهم مش كـويس قطعت العقـد ومكانش عنـدي مشكله أدفع الشـرط الجـزائي.. بس تصميهـم علي الصفقه مكـانـش مـريحني
عـودة للـوقت السـابق
قـرر "مُهـاب" اتبـاعهم فـ إصـرارهم لـم يـكـن مُـريح أبـدًا ونـظرًا أنـه شخصـيه معـروفـه لا يُستهـان بـها استطاع بـعد تعـب ومجهـود شـديدين جـمع بعـض المعلـومات عنـهم
هتـف بعصـبيه وهـو يشـير للـماثل أمـامه
_اسمـع يـامتـر.. إذاكـان فـي احتمـال خمسـه في المـيه إنـي أكمـل الصفقـه دلـوقتي مستحيل.. الغـي الصفقـه دي فـورًا
جـفف ذلك المحـامي حُبيبات العـرق عـلي وجهه ببـعض المحـارم الـورقيه وأردف بعـمليه
_يـا مُـهاب بيـه الشـرط الجـزائي كبيـر وهيـفرق مـعانا ومتنسـاش الصفقـه اللي هنمضيها كـمان أسبـوعين
فـرك جبينـه بتعـب وأردف بـإصـرار
_أسمع اللي بقـولك عليـه يـا متـر
أومــأ الأخـر بـ إستسلام وقـال
_اللـي تـؤمر بيـه سعـادتك..
ثـم أستـأذن ورحـل ومـا إن دلـف إلـي الخـارج ارتمـي "مُـهاب" عـلي المقعـد التـابع لـمكتبه وتنـاول تلك الأوراق التـي تحـوي معلـومات هـامـه ستـلقـي بيهـم فـ الجحيم... يبـدو أن الأمـر أكبـر مـن مجـرد صفقـه وعصـابه!
أخـرجـه رنيـن الهـاتف مـن شـروده تنـاوله فـ وجـد رقـم غيـر مسجـل نظـر إليـه مـطولاً ولكـن بالأخيـر قـرر أن يـجيب
_أيـوه!
جـاءتـه ضحـكه رجـوليه تبعـه صـوت مَـازح لكـنه قـاسـي
_سمـعت أنـك تتقـن الأنجليـزيه!
وفـورًا علـم هـويـة المتصـل فكـزّ عـلي أسنـانه بغـيظ ورد بكلمـات مقتضبـه
_مـاذا تـريد ؟
_ردد بـبسـاطه :لا شـئ سـوي تلك الأوراق بيـدك.
ارتفـع طـرف شـفاه بـإبتسامـه سـاخـره وتشـدق
_أتظـن أنـني أحمـق لأعطيـك أوراق بتـلك الأهميـه...
_ضحـك الأخـر وأردف : ولأنك لسـت أحمـق ستعـطيني الأوراق بكـل هـدوء..
زمـجـر "مُهـاب" وأردف بـوعيـد
_سألقـي بيكـم جميعًا إلـي الجحيـم قـريبًا
_صـدقني سيـد مُهـاب اللعـب مـع تلك المنـظمومه ليـس بالسهـل.. الأمـر أكبـر مـن صفقـه وبـعض سـارقين
سكتت قلـيلاً ينتـظر رده إلا أنـه لـم يتحـدت فـزفـر الأخـر بتهكـم وأردف
_كـنت مُتأكـد لذلك أحضـرت لـه مفـاجأه أظنـها ستنـال أعجـابك... واحـد..اثنـان..ثلاثـه
ومـع انتـهاء حـديثـه دق البـاب بـ لطـف فقعـد "مُـهاب" حـاجبيه فـضحك الأخيـر وأردف بـ تسليـه
_هيـا افتـح البـاب هـناك مفـاجأه بـ إنتظـارك
ومـا إن فـتح البـاب حـتي وجـد عُلبـه صغـيره فتحـها بتـوجس فـوجد بـداخلها هـاتف ومـا إن أضـاء شـاشتـه حـتي وجـد زوجـته تجـلس بـحديقـة المنـزل تحـمل بيـدها كتـاب وبجـانبها كـوب مـن القهـوه
مشـهد أكـثر مـن عـادي ولـكن تلك النقطـه الحـمراء التـي ظهـرت علي ملابسـها البيضـاء لـم تـكن عـادية أبـدًا... هـوي قلبـه بفـزع وارتسمـت ملامـح الـذعر بلتقائيه لـم يستطع التحكم بـها
فضحـك ذاك الـرجـل بشـده وأردف بـخبث وهـو يعي مـدي تـأثير تلك الكلمـات علـيه
_عجـبًا! كيـف لـتلك الفـاتنـه أن تـكون ابنـة سـائق! .. يليق بـها أن تكـون ملكـه أو....أو زوجتـي
يتـغزل بـزوجتـه أمـامه! أخطـأ تلك المـره فـي إثـارة غضبـه..
أطـاح بكـل شـئ عـلي المكـتب ثـم صـاح بصـوت جهـوري،قـوي
_أيـها الأحمـق..لـو أنـكَ أمـامي الأن لقتـلك دون تـردد
_رد الأخـر بـ بـرود :أهـدأ يـا راجـل أنـا أمـزح فـحسب
أغمـض "مُـهاب" عـينـاه بـإرهـاق ثـم نطـق أخـيـرًا بـإيجـاز بـعد إن سحـب نفـس عميـق وزفـره عـلي مـهل
_اختـصر...أيـن سنلتقـي؟
فـرك الأخيـر طـرف ذقـنه وأردف بـهدوء
_سـأرسـل لـكَ العنـوان بـ رسالـه...
لـم يـرد وكـاد يغـلق الهـاتف إلا أن صـوت ذلك البغيـض صـدح مـن جـديد مُحـذرًا يفـوح مـنه الشـر
_إيـاك والغـدر..فـ نحـن استـطعنـا بسهـولـه اختـراق جيـش حـراستك دون أدنـي مجهـود.. ونستطـيع أيضًا التخلـص مـن تلك الفـاتنه دون أن ينتبـه أحـد..
لـم ينتظـر المـزيد وأغلـق وجلـس ينتـظر الـرساله عـلي أحـر مـن الجـمر ولـم يـدري أنـه ينتـظر مـصيـر مـن الفـراق المحتـوم