بدأت الليالي السوداء في ذلك المكان المقيت بالكشف عن أسوء مافيها فمع كل ليله كان لابد من وجود جثه هامده ملقاة هنا او هناك وبسبب ضعف الضوء الموجود في المعتقل لم نكن لنعلم بوفاه الشخص إلا عند حلول صباح اليوم التالي عند قدوم أحد الحراس لمراقبة الوضع العام .
مضى على وجودي هناك إلى الآن يومين وبضع ساعات مرت علي كدهر لم استطع النوم خلالها اكثر من ساعه، كادت قله النوم مع كثره التفكير تقتلني قبل اجلي!! فقلة النوم تودي بالشخص ليصبح اكثر عدوانية والى اضطراب كبير في عمل الدماغ لكنني كنت معتادا على الامر بحكم عملي الذي كنت اقوم به عند ضابط المخابرات الجويه فقد كان يملك (كولابا) على جسر الرئيس وسط المدينه وكان المكان لايغلق ابدا فكان عملي ليلا يبدأ من السابعه مساءا حتى السابعه صباحا ليأتي شخص آخر ليستلم النقود ودفتر المبيعات ويدقق في البضاعه للتأكد من عدم وجود أي نقص فيها ثم انصرف إلى جامعتي صباحا لقد كان ذلك العمل مرهقا جدا بالنسبه لي ولكن قله وجود الماره ليلا كانت تكسبني بعض الوقت لاغفو فيها على ذلك الكرسي المكسور لاكتسب بعض النشاط واستمر بحياتي بشكل طبيعي لم أكن املك وقت فراغ ابدا ولكن ذلك لم يكن يحزنني ابدا فأنا لا احبذ الجلوس في المنزل ابدا فقد كان عمري ١٠ سنين حين بدأت العمل كان ابي يعلمني ان العمل هو اساس الحياه وانه تكمن قيمه الانسان في عمله على صغره او كبره على حد سواء فلا اهميه للانسان دون عمل يقتات منه دون الحاجه باي شخص آخر.
كان عملي هناك ليلا يكسبني المزيد من القوه والصلابه ويقوي من شخصيتي اكثر فقد كان اغلب زبائن المحل من الضباط الذاهبين للمراقص الليليه او من العساكر ممن قد وجد لنفسه صديقه يتسكع معها ليلا فياخذ لنفسه علبه سجائر ويمضي في طريقه إلى احدى حانات المدينه.
كنت ادرك الفرق الشاسع بين وجهي المدينه ليلا ونهارا فقد كانت مكتظه بالماره صباحا اغلبهم من الطبقه الفقيره او طلاب الجامعه والموظفين الذين يعملون ليستطيعو الاستمرار في العيش رغم ظروف الحرب القاسيه وبين اولئك المتسكعون ليلا الباحثين عن بعض اللهو والفتيات ليقضو بعض الوقت المقرف معهن.
كان الليل شديد القبح له رائحه كريهة يملؤها الخبث ورائحة الخمر وكافه انواع المحرمات والمتسكعون ليلا كانو من طبقه اللصوص، لصوص البلد نهارا وعلى مرأى الناس ومخموريها ليلا مفتعلين اقبح انواع القذارات.
وكان النهار جميلا مشرقا يوحي لناظره بطيبه ذلك الشعب الكادح الساعي وراء لقمه عيشه بلا ملل او سئم تاركا خلفه كل انواع الاكتئاب او المبالاه بما سيأتي به المستقبل فقد كان غالبيه الناس ممن يعيشون كل يوم بيومه .
اما انا فقد كنت اعيش الوجهين أرى هذا وذاك فاقارن بينها احزن على نهارها واغضب على ليلها كانت تملئني مشاعر الكره لأولئك الاوغاد الذين يسرقون منا ليعودو ليلا ليضعو بضع ليرات ثمن كوب قهوه ليصحو من سكرتهم مع ترك بقشيش هه
كنت اتمنى لو انني استطيع ان ارمي تلك النقود في وجوههم او ان املك سلاحا اوجهه نحوهم فاقتلهم واخلص البشريه من شرهم وشر افعالهم المقرفه تلك
لكن ماكل مايتمنى المرء يدركه .
اما النهار فكان كفيلا بخلق بعض الامل في خاطري والتفكير ببعض الايجابيه وانه لابد للقيد أن ينكسر يوما ولابد لهذا الشعب أن يصحو من غفلته ويسترجع ذمام اموره فينقلبو على من ظلمهم وسرق حقهم. أذكر مره انني كنت امشي متجها نحو الفرن القريب من مكان سكني لاجد طفلا صغيرا قد وجد قطعه خبز واقعه على قارعه الطريق ليلتقطها ثم يقبلها ويضعها في مكان مرتفع، من علم هذا الطفل ذلك العمل الجميل وكم هو الفرق شاسع بينه وبين ذلك المتسكع ليلا، هل يستوي هذا بذاك؟كانت شخصيتي تبنى على المقارنه بين ما تلقاه عيني ليلا ومايراه قلبي نهارا بين الاسود والابيض بين الخير والشر كانت علاقاتي الشخصيه بين هذا وذاك اعيش وكان لي وجهين ابتسم صباحا لذلك الطفل ثم اكرر الابتسامه التي تخفي حقدا على ذلك الضابط لقد كنت مجبرا على الموازنه بين الأمرين.
وكأنني اعيش بين عالمين مختلفين تماما عالم يسوده الاشرار في كل مكان من قتله للاطفال ولصوص ومخمورين لايكترثون لاي منكر يقترفوه وبين شعب مغمض العينين محني الرأس لايقوى على رفعه لكي لاتكسر رقبته .
كان ذلك العمل هو شراره الفتيل الذي بلور شخصيتي وتوجهي، فقد كنت استمع لبعض الأحاديث الجانبيه التي يتفاخر فيها أحد الجنود وهو يخبر صديقه بتلك المرأه التي اغتصبها يوم الاقتحام على بلده في الغوطه فيرد عليه زميله بأنه قد سرق مبلغا من المال عند دخوله ايضا، فكان ذلك الحوار يملئني بمشاعر الكراهيه لذلك الجيش الذي تم تاسيسه لحمايه الشعب لا سرقته او انتهاك اعراضه، فبدأت حينها بالتفكير بشكل جدي بأن عليي القيام بواجبي تجاه شعبي تجاه وطني الذي يسلب امام عيني ولكن مالذي استطيع القيام به انا؟ فذلك الفساد كان كالسوس الذي ينخر الخشب مستفحلا بشكل كبير.
مرت الايام وداخلي يحترق ألما على كل لحظه اقف فيها عاجزا عن القيام باي شيء إلى أن جائتني تلك السيده الثلاثينه ذات ليله لتسالني عن اسمي فانكرت عليها هذا وسالتها عن هويتها فلم تجب والحقتني بجمله ارعبتني قائله
- انا من يطرح الاسئله هنا فأجبني هيا
= بصراحه لقد انتابني بعض الخوف فكان منظرها يوحي بانها تابعه لأحد الافرع الامنيه او أنها تابعه لإحدى الوزارات فكانت العربه التي تستقلها فاخره جدا من نوع BMW سوداء اللون لاتستطيع رؤيه مافي داخلها فاجبتها على الفور فسالتني عن عمري فاجابتها ثم اتبعت قائله من اي مناطق العاصمه انت فاجبتها مذهولا مشككا من كل تلك الاسئله ثم طلبت مني قاروره ماء وتركت لي الف ليره وقتها مع أن ثمن القاروره لم يكن اكثر من عشرين ليره وقتها وغادرت المكان دون اي كلمه أخرى. لقد استنكرت الموقف بشده وتعجبت كثيرا فقد كانت المره الاولى التي تحدث معي تلك القصه فمن تلك المرأه وماكان هدفها من كل تلك الاسئله ؟
أنت تقرأ
ساعات الاعتقال
Mystery / Thrillerالقصه تتكلم عن الأفكار التي راودتني أثناء اعتقالي في زنزانه داخل المعتقل وعن الاسباب التي ادت لهذا وعن طريقه هروبي من المعتقل ومحاسبه الخائن الذي وشى بي اتمنى لكم قراءه ممتعه