{26.5: مقامرة عمياء}

711 68 512
                                    


الثلوج لا تعرف للأرض وعداً، والنار تأكل في محفل ليلي ضيفه الهلاك.

***

تكاثف الدخان هارباً نحو السماء من سوء ما يشهد لعل غيوم تلك الليلة ترضى به سحاباً، فأعلن سواده لسكان البيوت القاصية أن هلمّوا و اخرجوا لتشهد أعينكم هلاك القصر ومن فيه، ليجتمع الناس مذعورين بعد انقضاء ذروة المحرقة.

لم تكن ألسنة اللهب تشبع بماء الصهاريج ولا بما امتلأت به الدلاء والكراجل.. فلم يقتل جوعها في النهاية سوى البَرَد الذي ساقته الريح الشتوية متأخرةً مع قدوم أول الفجر.

قد حل بعدها صبح غريب دفئه عن معهد الشتاء.. لتسطع أطياف الشمس الحمراء قبل أوانها على مشهد اللحم والأحشاء التي التصقت بقاياها على الأرائك والسجاد، وعدد من هياكل الأيادي المسودة وهي متشبثة في الستائر ومقابض الأبواب، لكن الرماد المتناثر في الهواء قد أشفق من ذلك المشهد، فكان كالغشاوة يحول دون فضح تفاصيل المأساة المدبرة التي أهلكت نسلاً بأكمله.

أمام السور الذي لم يحرس آل ڤيناري من الموت، كان يقف رجلٌ أحدب مَهينٌ هزيل، لو نظر إليه ناظرٌ لاستشعر في الحال أن هنالك ما ينقص جسده..

بدت عيناه البنيتان الضيقتان قانعتين بما أمامها من ركام ورماد
"أعلم بأنه عمل صعب، لكن لذلك يوجد مرتزقة، صحيح؟"

خرج من بين الشجر حوله رهط من الرجال والنساء ملثمي الوجوه يكتسون عباءات بالية على اختلاف ألوانها، فنادى الأحدب فيهم
"فليحصِ كل واحدٍ منكم عدد الجثامين، تأكدوا من اكتمال العدد.. بمن فيهم المولود، ثم انتظروا الإذن من سيدي بتنظيف الفوضى"

ضُرِبَت الأيادي بامتثال على الصدور، ثم دخل جميعهم الى اطلال القصر بعيون متربصةٍ لأدنى حركة في المكان.

_________________________________________________

_في تلك الأثناء_

لهاث.. لهاث
يتبعه لهاث

بعد ساعات من الركض نحو المجهول، توقفت قدما الصبي كلاوس لمّا بلغهما من الإنهاك ما غلب هلعه.

رفع رأسه للسماء في ضلالٍ تام، وكان خداه مكتفيين من خطوط الدموع والوسخ إثر ما سكبته عيناه المتورمتان من ألمٍ طوال ركضه.. لكنه أدرك للتو أن أشجار التين قد تسترت عليه تحت اوراقها العفيفة.

رحبت به في بساتينها المهجورة للشتاء وبرودته، حيث ما عاد يأتيها أحد بعد انقضاء الحصاد.

روميلداحيث تعيش القصص. اكتشف الآن