رحمة

75 3 9
                                    

فتحت له الباب بعد أن قمت بالاتصال بأخى شريف الذى أخبرنى أنه سيرسل لى أحدا من أبناء عمى لنجدتى قام عمر بالصراخ وتوبيخى حتى سقط معاذ على الأرض حين انتابته نوبة الصرع جاء بعدها وليد ابن عمى فوجدنى مع ولدى وعمر يصمم على البقاء كنت أبكى على حالى وعلى حال أولادى فى تلك اللحظة أتى ذلك الاتصال الذى عرفت فيه أن والدى نُقل إلى المشفى طفلى مريض وأبى كذلك لم يزدنى الخبر إلا سوءا ماذا أفعل يا ربى كنت أبكى وأضرب بكفى على قدمى نهرنى وليد وأخذ عمر لأسفل على وعد أنهم سيوافونى بالأخبار لم أستطع التفكير بمجرد أن أغلق وليد باب شقتى انتابتنى نوبة بكاء هيستيرية التف حولى مازن ومروان كان معاذ صار أفضل حالا قمت بالاتصال بسهام وأخبرتها وطلبت منها أن تأتى لهم إن كانت متفرغة قالت لي طبعا بكل تأكيد أقل من ساعة وتجدينى عندك إن شاء الله جهزت نفسى على موعد حضورها وذهبت إلى المشفى ولحسن حظى كان عمر قد رحل قبل وصولى دخل أبى العناية المركزة كان نزيفا فى المخ قال الأطباء ربما لن ينجو منها توسلت لهم كى أراه سمحوا لى ولكن بمفردى مشيت بخطى مهتزة نحو سريره وهو موصول بكل تلك الأجهزة تقدمت ناحيته وأنا أبكى أمسكت يده التى طالما طوقنى بها جثوت على ركبتىَّ وبكيت وأنا أمسك يده بين كفىًّ قلت لا تتركنى يا أبى نظر لى وتساقطت الدموع من عينيه ضغط بكفه على يدى بشدة اقتربت من رأسه أقبلها فمسح دمعاتى بتلك اليد أحسست وهو يتمتم بتلك الأصوات أنه نطق اسمى كنت متأكدة أنه حان وقت فراقه لكن قلبى يكذب كل هذا قلت أسفة يا أبى أنى لم أستمع لك ولم آخذ بنصيحتك جلبت كل هذا الحزن إلى قلبى ربما كنت سأوفر أعواما من العذاب لو أنى أنصت فقط لك أشار على الطبيب أن أخرج من الغرفة حين التفت لأبى ثانية وجدت ذلك الجزء المشلول قد تحرك رفع أبى اصبع الشهادة به وظل ثابتا على هذا الوضع ركضت من الغرفة وارتميت فى أحضان والدتى قلت لها سيموت أبى يا أمى قالت هونى على نفسك يا رحمة ومن منا لن يموت اطلبى له الرحمة والزمى الدعاء طلبوا منى الرحيل بعد رؤيته حتى لا أترك ابنى وهو مريض فكرت أننى لا بد وأن أجلب الصغار لكى يراهم جدهم قبل وفاته رحلت مسرعة إلى بيتى وكنت قد طلبت من سهام أن تجهزهم نزلت معهم كان معاذ قد تحسن كثيرا وقدت السيارة بسرعة لأعود للمشفى حين دخلت وجدت الصراخ يملأ أرجاء المكان لم أستطع جعل أبى يراهم اندفعت نحو الغرفة لكنهم أوقفونى كنت أقول سيراهم أبى فقط لا أعلم من كان يدفعنى للخارج ومن يحتضننى كان كل شيء مشوشا من حولى أبى أبى كنت أنادى عليه فقط غطوا وجهه حملنى شريف من شدة مقاومتى لهم كتَّف يدى وسحبونى للخلف لم أفق إلا وأنا على سرير المشفى موصولة يدى بمحلول يغذى أوردتى قمت بصعوبة و سألت هل قاموا بتجهيز والدى للدفن أخبرونى أنه لم يجهز بعد لأنه سيدفن بمسقط رأسه فى الصباح الباكر مضت تلك الليلة يا أبى على قلبى وعمرى كما لم تمض أى ليلة أخرى حتى اليوم الذى قتلنى فيه عمر مع عشيقته كان لا شيء أمام ما أشعر به الآن جزء من روحى سحبت منى حين فاضت روحك لبارئها مرت ذكرياتى معك منذ كنت طفلة صغيرة تركض إلى أحضانك تعانقك حين تعود من عملك تعطى لها تلك الحلوى فتقفز فى فرح وسعادة حتى صرت فتاة كبيرة تنتظر قدومك بيتها بفارغ الصبر  ثم مرت سنوات تعبك ولجوئى إلى غرفتك لأبكى على كتفك وأزيل كل همومى تلك الطفلة بداخلى لم تكبر أبدا يا أبى  مازلت بحاجة هذا العناق الذى غاب الآن وللأبد يا عمرى مرت تلك الليلة وكأنها آخر ليلة فى عمرى لم أشأ أن أصدق أنك فارقتنى ربما سيخبرنى الطبيب أنه أخطأ وأنك مازلت حيا فزعت حين علمت أنك ستقضى  ليلتك فى ثلاجة الموتى حل البرد وقتها بكل جسدى كنت أشعر أننى أنا التى أنام بها انتظرت طلوع الصباح ذلك الذى مر على وكأنه دهر طويل ثم نزلت لأقبلك آخر قبلة يا حبيبى أخرجك عامل ثلاجة الموتى ووضعك أمامى على منضدة طويلة تغطيك تلك الملاءة التى صرت أكره شكلها أزاحها عن وجهك لأجد ابتسامة الرضا على وجهك الطاهر يا حبيبى إلى أين ستمضى يا أبى ...
خرجت من عنده مكسورا كل ما بى الآن ذقت ألما أشد من ألم ما فعله بى عمر أنه ألم الفقد وللأبد لن أراه ثانية سأستجدى صورته فى أحلامى لكى يطوف بى يحادثنى رحل من كان الدنيا وما فيها غسلوه وكفنوه وأدخلوا عليه الرجال فطلبت أن يقبله أولادى ثم خرج أمامى محمولا فى نعش على الأعناق أصوات تصدر ممن حولى تقول وحدوه  ويرد عليهم البقية يقولوا لا إله إلا الله صرت أنظر لذلك المشهد أهذه هى الدنيا التى نتصارع عليها ونؤذى بعضنا البعض بسببها رحل وكأنه لم يعش على وجه الدنيا لحظة وكأنه لم يمش على الأرض يوما صار مجرد نعش فى عربة إسعاف كنت أركب سيارة تمشى وراءه وأنظر لعربة الإسعاف تتقدمنا أول مرة أعرف شعور أن تشيع روحك أمامك حتى وصلنا إلى بلد أبى ذلك الوفى الذى وصَّى من سنين طويلة أن يُدفن مع عائلته كان عمر قد جاء في الجنازة كنت دخلت حينها إلى بيت جدى الذى فُتح بسرعة لاستقبال العزاء لهذا  لم أره إلا بعد الدفن الذى لم أستطع أن أحضره.
فيا لقلب الرجال كيف أدفن روحى أمامى ثم أغلق عليها وأرحل أتانى عمر ليعزينى فقام اخوتى بطرده من العزاء بعد انقضاء اليوم أخبروه أنه غير مرحب به بيننا قد قام بالواجب وعليه أن يرحل الآن بكى عمر وقال أنا ابن خالتكم دعونى أبقى معكم بأيام العزاء أعلم أنى فعلت أشياء خاطئة بحقكم لكن لا تطردونى هكذا من العزاء قام إخوته بأخذه للخارج

فى الصباح الباكر ذهبنا كلنا إلى القبر وجدت عمر جالسا عنده صدقا لا أعرف أين بات ليلته كان يبكى أمام القبر بحرقة تقدمت منه وقلت ابكِ أكثر يا عمر يستحق والدى البكاء عليه ذلك الرجل الذي أحسن إليك برغم رفضه لك لكنك لم تحسن إلى ابنته أبدا قال سامحينى يا رحمة أعدك لن أؤذيك ثانية لا أريد منك شيئا سوى أن تسامحينى قلت بل سل الله أن يسامحك على ذنوبك في حقه واترك حقى ليوم القيامة قبل أن يرحل طلب أن يشاهد الأولاد احتضنهم وظل يبكى وقال لهم أنا أسف جدا لا تغضبوا منى قامت خالتى واحتضنته وقالت أنا أسفة لك يا عمر كل ما حدث لك أنا شريكة به ما كان ينبغى على أن أتركك لوالدك يربيك مهما كان سيكلفنى الأمر لكنى أثرت السلامة والعيش في هدوء على حسابك يا بنى أنا سبب فى كل الخراب بداخلك والتفتت لى قائلة كفى عن لومه بمفرده يا رحمة أنا مجرمة مثله تماما  لأنى رميت ابنى لرجل مثل أبيه وفكرت في نفسى فقط ثم رحل عمر انقضت أيام العزاء الثلاثة وكنا قد عدنا إلى المدينة لتلقى العزاء فيها لم يظهر عمر فيهم ثانية .
بعد مرور أسبوع ‏جاءتنى رسالة هاتفية من حسام
‏ قال فيها أحترم قرارك مهما كان أحببتك كثيرا يا رحمة لا تغلقى الدنيا على نفسك أنت تستحقى ممارسة الحياة طيبتك ليست عيبا أبدا يا رحمة سأرفع عنك الحرج وسأطلب نقلى من المدرسة لكنى سأنتظرك أعلم أنك ستوافقين ربما فى يوم ما ستدركين أن الحياة تستحق أن نعيشها لا أن تعيشنا حينها ربما أكون أنا خيارا جيدا لك وربما سيكون أحدا غيرى لكنى لن أيأس يا جميلة أبدا

أرسلت له ردا موجزا قلت
ربما لو كنا التقينا فى زمن غير هذا الزمن  وبظروف غير تلك الظروف كنت سأحبك واختارك

‏لا أعرف كم من الوقت اختفى عمر بقيت مع والدتى بعد وفاة أبى طويت صفحة عمر وما فعلوه بى من عقلى وقلبى وتركتها لله هى بالفعل دنيا وليست جنة لتتحقق بها كل أحلامى أما عن أمنياتى وما احتاجه فكان الاختيار صعبا للغاية لا تخير الأم بين قلبها وروحها لا تستطيع الاستغناء عن أي منهم أولادى كل حياتى وأى تضحية سأفعلها من أجلهم هى عن طيب خاطر.

‏وفى يوم كنت أستعد للذهاب لعملى أنا وأولادى
فتحت باب الشقة ‏ فوجدت أمامها باقة زهور ربما وضعت فى الليل فور رؤيتى لها أدركت أنها من عمر كنت أحب هذا النوع من الزهور جدا وهو يعلم ذلك كم تمنيت  أن يحضره لى لكنه لم يفعل أبدا  هممت برميها ولكن استوقفتنى رسالة مطوية بداخلها كتب خارجها لا تلقى باقة الزهور واقرئى الرسالة فتحت الرسالة وجدته كتب فيها:

حبيبتى رحمة

لطالما تمنيتِ أن أهديكِ باقة زهور مع رسالة ورقية كنت تخبرينى دوما أن الرسالة المكتوبة بخط اليد لها وقع خاص على قلب المرأة حققت أمنيتك أخيرا ربما ليس كما حلمت لكنها حدثت أعرف أنى حقير وحطمت قلبك يوم غدرت بك وأهنتك يا حبيبتى قتلتك بإهمالى وخيانتى لك يا رحمة فقتلتينى أنت برحيلك كنتِ آخر خيط يربطنى بالله حين قطعتِ ذلك الخيط ضعتُ كثيرا استجاب الله دعاءكِ يا رحمة شربت من نفس الكأس واقتص الله لك منى جاءتنى الطعنة التى طالما سددتها لك و كنت أطلب منك أن تحتمليها ولكن أنا لم أحتملها فلتهدأ روحكِ الثائرة وليسكن جرح قلبك أولادى أمانة فى عنقك فقد صاروا يتامى حقا يتمتهم وأنا على وجه الدنيا لأعاندك والآن وأنت تقرأين رسالتى أكون قد فارقت الدنيا وليغفر لى ربى على الطريقة التى فارقت بها هذا الكون  ابدئى حياة جديدة لا تخافى من الوقوع فى الحب ثانية أنت لا مثيل لك كنت أجعلك تكرهين نفسك لكى أخيفك حتى لا تفكرى فى خيانتى أعلم أنك لم تكونى لتفعليها بى أبدا لكن شيطانى كان يدفعنى لايذائك أتمنى فقط أن تسامحينى وحين تقفى أمامى يوم القيامة ارفقى بى فأنا كنت ضحية فى البداية يا حبيبتى لن أستطيع أن أنهى رسالتى كما تنتهى على الدوام بكلمة المخلص وتحتها توقيعى لأنى لم أكن مخلصا أبدا لكِ فلتُسمى الأشياء بمسمياتها الحقيقية إذا

                                                 الخائن
                                                 ‏  عمر
                      (تمت بحمد الله)
#رواية
‏#يوم_اغتالوا_قلبى
‏#منى_وهبه

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 04, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

يوم اغتالوا قلبىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن