اليوم الثالث

379 30 186
                                    

15/03/2016

«لم أتوقع منك يا سندي أن تستغل ضعفي وجهلي، كي أتوغل فيما فعلت»


كنت دائمًا أشعر بانقباض في قلبي، وشخص بداخلي يخبرني أن ذلك خطأ، صراع نفسي عشته في تلك الفترة، تناقض كبير كان يتوغل في تفكيري، ولكن هيهات، لم أكن أستمع إليه؛ فعنادي وتكبري كانا أقوى، ونقص إيماني وبعدي عن بارئي كانا السبب. 

في ذلك اليوم؛ تحديدًا الخامس عشر من أغسطس، يوم هلاكي الذي لا يمكنني أن أنساه، يعتبر يوم وفاتي الأول، عدت إلى البيت متأخرةً بعد قضاء ليلة حميمية مع إياد، وفوجئت بأخي العزيز رؤوف في انتظاري، دخلت الغرفة ودخل هو معي، جلس فأمرني بالجلوس بجانبه، صدمني كلامه حينئذ: 

 «أنا أعلم ما يحصل بينك وبين حبيبك إياد» 

اقشعر بدني وارتعدت أوصالي، لكن ما كان أقوى وبمثابة الصفعة التي تلقيتها منه هو:

 «إن أردت ألا يعرف أحد آخر فعليك أن تعملي فتاة ليل، وأن تحضري المال لي كل يوم»

أكبر صدمة تلقيتها طول حياتي كانت تلك، توقعت أن يضربني، أن يقتلني، أن يدفنني حية مثلما يحدث مع الفتيات والحكايات التي سمعتها، صدقًا ذلك أهون بكثير، كنت سأتقبل كل ما سبق، إلا أن ما فعله أفسد آخر أمل في التوقف عما أفعل والعودة إلى الطريق المستقيم، ولكن هذا ما تمنيته وما شعرت به في الوقت الحالي، أما آنذاك فقد ظننت أنني نجوت من العقاب، ولكنني لم أعلم أن عقاب الله الأكبر كان بقائي في ذلك الطريق، بل الانغماس فيه أكثر.

نعم، لقد استغلني المدعو بأخي، فكنت سببًا في جلب دخل مالي كبير له حتى يشتري تلك الحلوى المسماة بالمخدرات التي أذهبت عقله، لطالما سميتها بالحلوى بسبب طريقة تناوله إياها وحبه الكبير، يعشقها كطفل صغير يحب الحلوى، ويبكي مثله عندما لا يستطيع شراءها.

مرت سنتان على ذلك وهأنا في الثامنة عشر من العمر، توقفت عن الدراسة منذ سنة باختياري، لم أكن أحب الالتزام بشيء منذ صغري، وهذا أحد أسباب عدم مواظبتي على الصلاة، كانت هاتان السنتان كالقرنين بالنسبة إلي، تغيرت وتغيرت حياتي خلالهما، كنت كالعاهرة من رجل إلى رجل حتى أجلب المال، انتهت علاقتي بإياد بعد أشهر من بداية عملي، صدمني كلامه عند الفراق ولكنه كان متوقعًا وسليمًا بالنسبة إلي الآن:

 «لن أقبل البقاء مع فتاة سلمت نفسها إلي وعرضت جسدها على أكثر من رجل» 

أجل، ماذا كنت أظن؟ 

هذه السنة بالتحديد كانت سنة مليئة بالمصائب، وأسوأ ما كنت أتوقعه أن تعرف عائلتي بما أقوم به، ومن أخبرهم يا ترى؟ نعم، كان رؤوف… عقابًا لي بسبب رفضي المتابعة.

قبل ذلك بيوم أخبرته بقراري ورغبتي في التوقف عن ذلك، وكان جوابه جارحًا:

«وهل تظنين نفسك فتاة طاهرة لم ترتكب آثامًا كثيرة حتى تتوب ويغفر لها؟ استيقظي يا أميرتي من أحلامك، حتى إن فكرتِ بذلك ستبقين سجينةً للماضي، ولأنك فكرت في ذلك ستعاقبين وسترين ما جنيته على نفسك»

توقعت تهديده، لكنه حطمني بكلامه، أحقًّا لن أستطيع التوقف؟ أكُتب هذا على حياتي لآخر نفس؟ ألن يقبل الله توبة الزانية؟ ولكن ما حكمها؟ وما عقابها؟ كنت جاهلةً بديني وعقيدتي، جاهلة بعادات وتقاليد مجتمعي، لم أكن أعلم أن الفتاة عار على الرجال، وأن ذنب الذكر يُنسى في حين أن الفتاة تعيش بعارها حتى مماتها.

أكثر ما أحزنني رد فعل والدي، لم يصرخ ولم يضربني، لكن دموعه هطلت كالمطر الغزير وكانت كافية لتحطيمي إلى أشلاء، أخذت تفتت قلبي إلى قطع صغيرة دون رحمة، وكيف أُرحم وأنا لم أَرحم نفسي وأهلي، ثم كلماته التي قتلتني مرةً ثانية:

«اذهبي إلى القذارة التي اخترتها ولا تعودي أبدًا، انسي أن لك أهلًا، كما نسيت أن لي ابنة اسمها أميرة» 

أما أمي فلقد بكت كثيرًا، قامت بصفع نفسها أكثر من مرة وهي تنتحب ولامتني، كانت تقول: أهذا جزائي بعد الحرية التي قدمتها إليك؟ أهذا ما أستحق مقابل كل الحب والاهتمام الذي أعطيتك؟

«لا يا أمي، لا تستحقين هذا، أنا من أستحق ما حل بي، لو كنت أستطيع التغير لما آلمت قلبك ولو مرة يا عزيزتي»

كل شخص منهم قام بقتلي ألف مرة، كنت أشبه بالميت، لم أدافع عن نفسي، لم أقل أن رؤوف هو السبب لأنني بالفعل سبب ما حدث وما سيحدث، لقد وافقت بكل إرادتي، لمَ علي أن أهرب من الحقيقة؟

أما أمينة فهي الأخرى لم تنطق، لم تبكِ، لكن نظراتها كانت كفيلة بقتلي هي الأخرى كما فعل الجميع.

¶----------------------------¶

632 كلمة

كتب: 09/05/2020

نشر: 12/05/2020

سجينة الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن