01/04/2016
«يا لهذه الحياة التي لا تفارق صغيرًا ولا كبيرًا قبل أن تذيقه مرها»
«لم أستطع تحمل رؤية نظرات الانكسار في عيونهم والخذلان الذي سببته لأمي، لم أعتد رؤية دموع الألم تنزل على وجنتي والدي بسببي، الكلمات التي ألقاها على مسامعي كانت قاسية»
توقفت عن الكلام بسبب الشهقة التي هربت من جوفي، تذكر ذلك اليوم ليس بالشيء الهين.
حل صمت رهيب على الغرفة، كل واحدة منا تفكر في شيء مختلف ولكن حكايتنا واحدة، قطعت الصمت بسؤالي الذي فتح مئات الجروح التي كادت أن تندمل، لكني وبكل بساطة أعدت فتحها دون رحمة مني، حياتنا متشابهة، هذا ما فكرت فيه حينئذ.
«أعتذر من كل قلبي يا شيماء من تشبيه حياتي بحياتك، فأنت عشت الجحيم دون حول ولا قوة، أما أنا فعشته بكل إرادتي»
«وأنت، لماذا وصلت إلى هذه الحال؟ عشت معك قرابة الثلاث سنوات، راقبت فيها تصرفاتك، لست بهذا السوء، أنت الوحيدة التي لم تنس صلاتها، حتى طيبة قلبك...»
حركت رأسي مرارًا وتكرارًا وأنا أرفض هذا الواقع ثم استرسلت: «هذا المكان ليس مكانك، صدقيني»
ابتسمت بوهن فور إنهائي كلامي، وقفت بعدما كانت تجلس بجانبي على السرير متوجهة نحو درج الخزانة كي تخرج منه كتابًا أو ربما مذكرة، ظننت ذلك في الوهلة الأولى، لكن سرعان ما اتضح الأمر عندما جلست بقربي متربعة القدمين فوق سريري، وضعت الوسادة على حجرها واستقر فوقها ذاك الألبوم الذي عرفت هويته عندما فتحته.
قلَّبت الصفحات بسرعة وكأنها تبحث عن شيء محدد إلى أن استقرت على صورة تحمل أربعة وجوه، أسرة مكونة من أربعة أفراد، ولكن المفاجأة في تلك المرأة، وكأنها نسخة من شيماء مكبرة، العينان الخضراوان نفسهما، صورة طبق الأصل.
«أهذه أنت أم والدتك؟»
رغبت في سؤالها وطرحت هذا التساؤل في عقلي، اعتقدت ذلك لكن العكس حصل؛ حيث ترجم لساني السؤال ونطقه. تأملت الصورة هنيهة قبل أن ترفعها لشفتيها مقبلة إياها فسقطت قطرة من ذاك الماء المالح المتدفق من زمرديتيها، ومسحتها بسرعة وشرعت في الحديث:
«كنت أعيش بين أسرة متحابة، أمي وأبي وأخي، حياة جميلة عادية كأي فتاة أخرى، كان والدي دائمًا ما يحاول تحفيظي القرآن ويعلمني الصلاة رغم صغر سني، أما أمي فدائمًا ما تخبرني أنها بجانبي إذا احتجت إليها وإن حصل يومًا وذهبت فإنني أعلم أين سألجأ، بالطبع إلى خالقي سبحانه وتعالى، لن يتركني، سيكون دعائي مستجابًا كلما سجدت أناجيه، لم أعلم لم أخبرتني بكل هذا، كأنها أحست بذهابها أم ماذا؟ أخي الكبير عمر لطالما كان بمثابة السند لي، مواقف كثيرة محفورة في عقلي تجعلني أحن إلى تلك الأيام، أحن لعائلتي فردًا فردًا. تلك الأجواء الدافئة والتجمع الصغير، كنت أعشق طقوسنا المتمثلة في جلسات آخر الليل كي يروي لنا والدي قصة وجب علينا استخراج المغزى الديني منها، أو قصص الأنبياء كي تزداد معرفتنا بديننا»
توقفت شيماء عن السرد وهي تأخذ نفسًا عميقًا، ما حكته جعلني أتذكر عائلتي، لم تكن بهذا الشكل ولم أشعر بالدفء كما شعرت به بمجرد تخيل حياتها، لكن الحنين إليهم أخذني بعيدًا ولم أستيقظ منه سوى على صوتها، ابتسمت ضاحكةً وقالت:
«شعرت بالحنين إلى تلك الأجواء، وانغمست في الحكاية، أنت مستمعة جيدة»
«بل طريقة سردك وحكايتك جعلتني أغوص في التخيل، وماذا حصل بعد ذلك؟»
نطقت تلك الكلمات وأنا أجاهد محاولة إخراج ابتسامتي، بسبب دموعها المتلألئة في مآقيها.
مسحت بضع دمعات سالت على خدها وأكملت:
«بدأ كل شيء في ذلك اليوم الذي ظننت أنه سيكون كسائر الأيام، إلا أن القدر لعب لعبته وقلب حياتي رأسًا على عقب، توفي أبي وأخي في حادث سيارة، نجت أمي لكن الضرر الذي حل بها جعلها ترقد في العناية مدة شهر فوافتها المنية بعد ذلك، فقدتهم واحدًا واحدًا، لم يبق لي أي شخص، أصبحت يتيمة الأبوين في سن لم تتعد التاسعة، وبسبب هذا وضعت في ميتم، فأكملت عيش باقي أيامي فيه»
شعرت بالحزن تجاهها، ولم أمنع دموعي من النزول، حياة قاسية أكثر مما أستطيع وصفها، عانت في سن صغيرة وتيتمت في سن أصغر، في ذاك الوقت كنت أعيش أوقاتًا جميلة مع أهلي، أطلب فيحضر، في حين رميت هي في دار للأيتام ولا يجب عليها أن تتذمر، فرق شاسع بيننا، عاشت بعيدة عن أهلها غصبًا عنها، في حين كنت أنا من اخترت هذا الطريق وتركتهم.
¶---------------------------¶
627 كلمة