20/04/2016
«لكل بداية نهاية، ولكل نهاية بداية، لا شيء يسمى بالنهاية، فالنهاية مجرد بداية لحياة أخرى»
وضعت القلم والمفكرة جانبًا عندما سمعت صوت صغيرتي الباكي، هذا يعني أنها قد استيقظت ولن تعود إلى النوم حتى وقت لاحق، لكنها فعلت ذلك في الوقت المناسب فلقد أنهيت كتابة المفكرة المكونة من أحد عشر يومًا من الكتابة، كان من المفترض أن تكون أطول لكنني اختصرت كثيرًا، ولم أذكر أحداثًا كثيرة بالنسبة لي لأنني أستحي أن أذكرها.قمت بإرضاع ابنتي أمينة، سميتها كذكرى لأختي وكم أتمنى أن تكون بمثل أخلاقها، جلست وأنا ألاعبها بعض الوقت وأحملها بكل حب، عندما وضعت أمينة فهمت معنى الأمومة والخوف على مولودك من كل مكروه، وكم هو شعور جميل.
«السلام عليكم»
التفت إلى الصوت، شردت ولم أنتبه لدخوله لولا إلقائه السلام.
«وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته»
رددت التحية، فأكملت بحماس:
«محمد، لقد أنهيت كتابة المذكرة أخيرًا، شعور جميل حقًّا، متحمسة للمشاركة وإلقائها في المحاضرة على مسامع الفتيات بأمل أن تساعدهم على شيء ما»
ابتسم وجلس بجانبي على السرير، أخذ أمينة في حضنه بعد تقبيلها ولاعبها قليلًا وهو يقول:
«وأخيرًا... ظننت أنك لن تفعلي، أتمنى أن تكون كذلك حقًّا»
تأملته وهلة قبل أن أقف كي أذهب وأحضر الغداء، في كل صلاة أشكر الله أنه وهبني محمد، هو نعم الزوج والأخ، كان بمثابة نقطة تغير أخرى في حياتي، ساعدني على أشياء كثيرة، منها التخلص من ثرثرة الناس، وأن أرتقي في ديني أكثر، حفزني على مواصلة الدراسة، وسأدخل الجامعة قريبًا في التخصص الذي راقني؛ وهو الأدب العربي.
محمد يعد شقيق زوج سمية الراحل، كان مغتربًا في فرنسا حتى يكمل دراسته، وعاد بعد سنة من مكوثي عندها، شخص ملتزم يخاف الله، ويحترم المرأة بشكل كبير، ربما هو مثال من فئة الرجال التي ستنقرض قريبًا، إن لم نرسخ الفكر في رؤوس أطفالنا القادمين، علم بكل قصتي وحتى توبتي، وكان رد فعله رائعًا عندما قال:
«الإنسان ليس معصومًا عن الخطأ، لكن يجب عليه أن يعدل عما فعل، فالله يغفر لعبده إن عاد إليه بقلب سليم، وإن استطاع فعل ذلك فيجب عليه أن يكون فخورًا بنفسه لأنه ليس بالشيء السهل»
وها نحن متزوجان منذ سنتين، لم يسئ لي في يوم، وكم كانت فرحته كبيرة بابنتنا الصغيرة، حبه لها فاق الحدود.
«أين شردت يا أميرة؟»
قطع علي شرودي فانتبهت أنني تركت القدر حتى احترقت مكوناته قليلًا، أسرعت ورفعته ووضعت الأكل على الطاولة.
«في الحقيقة، أمور عدة... أفكر في رد فعل أمي وأبي عند اللقاء، هل سيسامحانني وهل سيتقبلانني مرة أخرى يا ترى؟ حقًّا أنا خائفة»
بعد كل تلك السنين سألتقي اليوم بهما، والخوف لم يرحمني، ولم يدعني أغفو ليلة أمس.
«لا تقلقي عزيزتي، مهما كان، لا يوجد حنان يضاهي حنان الأب وحنان الأم، بل بالعكس، سيفرحان لما أصبحت عليه، لا تدعي الماضي يؤثر فيك، ولا تكوني سجينةً لماضيك، كل شيء سيكون مثلما تريدين، لا تنسي أني معك»
كلماته كانت كدواء وضع على قلبي فشفاه، حفزتني كلماته ورجوت الله أن يسهل أمري، لم أرد الذهاب إليهما قبل أن أتغير، وأن أكون فتاة أخرى كما تمنى أبي أن أكون في يوم من الأيام.
وهأنا أقف أمام أمي وأبي ودموعي قد تجمعت في مآقي دون سابق إنذار، جلست جاثيةً أمام قدمي أمي، أقبل كل إنش يقع عليه ناظري، وأنا أطلب منها الغفران، أن تسامحني وتردني إلى حضنها الدافئ، مهما كبرت وحتى إذا صرت أمًّا، أبقى في حاجة إليها ومتعطشة لإشباع نفسي من دفء حضنها وحنانها، حرمت نفسي منهما سنين ولا أود أن أحرم أكثر.
أمسكتني ورفعتني لحضنها وهي تحاول بيد واحدة، أما الأخرى لا حول لها ولا قوة، وهذا جعلني أجهش بالبكاء أكثر، ضمتني وعانقتها بكل ما أوتيت من قوة، خائفة من أن يكون هذا حلم، تشبثت بها كصغير ضاع من أمه وقد وجدها أخيرًا.
وقفت وابتعدت عنها، فتوجهت إلى أبي الذي كان واقفًا يشاهد الموقف، ترددت قليلًا وأنا أنظر إلى ملامحه، حتى فاجأني بمعانقته لي، وكم كان شعورًا جميلًا، إحساس أن والديك راضيان تمام الرضا عنك لا يوصف أبدًا.
لحظة تمنيتها وها قد حصلت بفضل الله، وبفضل كل من ساعدني، أمينة، عائشة، سمية، محمد، إرادتي، لا أستطيع التعبير أكثر فقد تم لم شمل الأسرة مرة أخرى، لا تنقصنا سوى أمينة، ورؤوف الذي غادر البيت منذ زمن، أدعو الله أن يهديه أينما كان.
من قال أن العاهرة لا تتوب؟
ختمت قراءة مذكراتي بهذه الجملة على كل من قد حضر ذاك المؤتمر، حقًّا، من قال أن العاهرة لا تتوب؟ هل اتخذوا عند الله عهدًا أنه لن يغفر لها أم ماذا؟ لذلك لا تدعوا الناس يؤثرون في قراراتكم، ولا تدعوهم يحطمون ثقتكم أن الله سيغفر لكم، إن عدتم بقلب نقي، ولا تدعوا الماضي يؤثر فيكم، حتى لا تصبحوا سجناءه مثلما كنت في يومٍ من الأيام سجينته.النهاية
726 كلمة