اليوم الثاني

576 33 106
                                    

05/03/2016

«يؤلمني أن أرى من لا أهتم له يتذكرني ويدعو لي في صلاته»

في تلك الليلة عدت متأخرة، لكنني لم أجد أي شخص في انتظاري، لذلك ذهبت مباشرة إلى غرفتي كي أنام، لكن قبل أن أغفو سمعت صوت الباب الخارجي يُفتح، مددت رأسي من باب الغرفة كي أرى من القادم، لمحت أخي رؤوف يترنح في مشيته في الرواق المؤدي إلى غرفته، ويدندن بكلمات أغنية، تنهدت بقلة حيلة فهذه حالته كل ليلة منذ سنة كاملة، فبعد خروجه من السجن مباشرةً تغيرت طباعه وتصرفاته بشكل جذري، أعدت إغلاق الباب واستلقيت على السرير وغرقت في سبات عميق.

مع مرور الأيام والأشهر أصبح الذهاب إلى الملهى عادة يومية، وزادت علاقتي بالمدعو إياد وتطورت أكثر فأكثر، حل شهر آذار ولم يتبقَ سوى أسبوع على زفاف أمينة، وزاد انشغال الجميع ما عداي، لم أكن مهتمة ولم أشارك في التجهيز كما تفعل أي أخت مع أختها، لم تكن علاقتي بأمينة جيدة بسبب اختلاف تفكير كل واحدة منا، كانت أمينة فتاة ملتزمة بارة الوالدين ترتدي الحجاب وتحفظ القرآن وتصلي كل الصلوات في وقتها، حتى صلاة الفجر لا أذكر أنها تكاسلت عنها يومًا، ولأكّن صريحة مع نفسي، كنت أشعر بالغيرة منها بسبب حب والدي الكبير لها وكأنها طفلته الوحيدة.

أذكر أنني في أحد الأيام عدت متأخرة كالعادة من الملهى، وكان الوقت متأخرًا لأنني دخلت بعد أذان الفجر، فوجئت بأمينة تجلس على السجادة وترفع يديها إلى السماء تدعو ودموعها تنهمر، كانت تدعو لي، نعم، أختي التي لم أهتم لها يومًا وكم كنت أمقتها في ذلك الوقت تدعو لي بالهداية، ولأخي بالعودة إلى رشده، بكيت وسالت دمعة يتيمة على خدي لم أفهم سببها حينئذ، لكن الآن أفهم السبب.

«بعد فوات الأوان، ليتني سمعت ما حدثني به قلبي وقتئذ… يا أختاه»

يوم زفافها كان يومًا ممطرًا، ليس غزيرًا بل زخات غيث ربيعي افتُتِح بها فصل الربيع، حتى الطقس بكى على فراقك يا أمينة كي يقتسم الدمع مع والديك، كانت أول مرة أرى فيها والدي يبكي، نعم، فلقد بكى بشدة عند خروجها وكأنه يزفها لقبرها لا لعريسها، كانت تشع نورًا بفستانها الأبيض الملائكي، طيبة قلبها وحسن خلقها شهدا لها في أحسن أيام حياتها، كل من حضر عرسها شهد لها بالخير والنبل، وكم تلقت دعوات الخير والحياة السعيدة.

«ليتني كنت بحسن أخلاقك يا أختي»

وكالعادة لم أفهم ما يدور من حولي، لم أفهم الحياة كما هي، بل كنت أراها كما أريدها أنا، لم أفهم حقيقة الحياة بل خدعت بالقناع الذي ظهرت به أمامي.

مر اليوم الجميل المنتظر لكل فتاة، فما الأجمل من يوم زفافها الذي لا يحدث سوى مرة في العمر؟ وعند عودتنا إلى البيت بمفردنا أنا وأمي دون أمينة، شعرت بفراغ ونقص سببه غيابها،عندما فقدتها شعرت بمكانتها وأهميتها في حياتي، ويا ليته بقي ذلك الفقدان ولم يتطور إلى فقدان الحياة.

مر شهر على زواجها وما زالت تلك العادة المنحصرة في الذهاب إلى الملهى، وتطورت علاقتي مع إياد فأصبحنا حبيبين، وفي يوم ميلادي قرر أن نحتفل به وحدنا، وهذا أسعدني لأنه وعدني بقضاء وقت جميل، ويا لذاك اليوم الجميل؛ اليوم الذي غير حياتي جذريًّا، وأزال من قلبي ما تبقى من طهارة، وجعلني مذنبة طوال سنين حياتي وما تبقى منها، حتى لو قررت التغير سأظل سجينةً للماضي.

اليوم الذي جعلني أعاني وجعل سنيني جحيمًا، اليوم الذي فقدت فيه عذريتي وطعنت شرف والدي بكل إرادتي، قد قدمت نفسي له على طبق من ذهب، وليست مرة؛ بل أكثر من ذلك حتى أنني لا أستطيع عدها.

¶-------------------------------¶

524 كلمة

كتب: 09/05/2020
نشر: 10/05/2020

سجينة الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن