اليوم الحادي عشر

116 16 12
                                    


17/04/2016

«يقال أن من لديه إرادة، يستطيع فعل المستحيل، ومن يريد التغير والتقرب إلى الله بقلب نقي، سيجد بدل الباب مئة باب حتى يفعل ذلك»

«لا يمكنني أن أقول أن الخطأ منك أنت فقط، بل دلال والدتك أحد أهم الأسباب، جهلك بداية كل شيء، واستغلال أخيك لك كان أسوأ ما حصل»

تكلمت باستياء حالما أنهيت قص قصتي المسماة بالحياة، ستكون حكاية جميلة لو قمت بكتابتها، ستكون رواية تراجيدية رائعة.

 لم أنبس ببنت شفة بل آثرت الصمت والاستماع إلى ما ستقوله وحسب، تكلمت بما فيه الكفاية، أريد الآن شخصًا يوجهني ويساعدني، لم أجد من يرشدني ويعلمني ما أفعل، من يجعلني أفرق بين الصح والخطأ.

«أتريدين حقًّا التغير والتكفير عن ذنبك؟»

سألتني فأجبتها بسرعة وكلي ثقة أن هذا ما أريده، هذا ما أسعى إليه وما أتمناه، وبإذن الله سأحققه:

«أجل أرغب في ذلك، من فضلك سمية، ساعديني فأنا أريد أن أتغير، أتحسن، لا أود البقاء في نجاستي تلك»

قلت كلماتي وأنا على وشك البكاء، حقًّا أرغب في التغير وأن أصير فتاةً أخرى، أن أغسل معاصي وأن يرضى عني الله وأن يغفر لي ذنوبي ويرحمني برحمته. 

وهذا ما حدث، مرت الأشهر وساعدتني سمية، كانت بمثابة الأخت لي، لم تشتمني يومًا بما كنت عليه ولم تذكرني بما حصل، ولم تزعجني، بل أنا من كنت بمثابة الإزعاج الأكبر لها، علمتني كل شيء ولم تبخل عليَّ بشيء، كانت موسوعة مليئة بالمعلومات، مثقفة في دينها، وكنت أسألها عن كل صغيرة وكبيرة أقوم بها، أستشيرها خوفًا من الخطأ في شيء ما، رافقتها في الجلسات التي كانت تقدمها في المسجد للفتيات وكم استفدت منها.

آوتني في بيتها دون مقابل، بل وكانت مرشدتي الدائمة، أول خطوة لي كانت ارتداء الحجاب، وكم شعرت بسكينة وراحة كبيرة فيه، أن تستر الفتاة جسدها هو أمر مريحٌ جدًّا، وأخيرًا لبسته وكان علي فعل ذلك منذ زمن، واظبت على الصلاة معها، منها ما نؤديها في المسجد كالجمعة ومنها في البيت، ولم تكن تفوت صلاة الفجر ولو مرة، بل كانت تفعل المستحيل لإيقاظي لأن نومي ثقيل، تقوم الليل وتقرأ كل يوم وردًا من كتاب الله، وحفظت هذه العادات منها وصرت أطبقها بالحرف، ذكرتني كثيرًا بأختي أمينة، حتى أنني أراها فيها، تشبهها إلى حد كبير. 

«رحمك الله أختاه»

تغيرت وبدا ذلك جليًّا على وجهي، تصرفاتي وانطباعاتي كلها تغيرت، حتى أنني نسيت من وكيف كانت أميرة القديمة، ومع كل هذا لم أستطع التخلص من الماضي الذي كان له دور كبير في حياتي، كلام الناس كان جارحًا، أني سأعود لما كنت عليه عاجلًا أم آجلًا، هذا حطم معنوياتي قليلًا في البداية، لم أرحم من لسانهم، أمشي ويشيرون بالبنان ويقولون:

 «هذه كانت فتاة ليل، عاهرة، والآن تريد أن تتوب، أولا تعلم أن عارها سيمشي معها أينما تذهب، وستعود قريبًا إلى ما كانت عليه»

وكلمات أخرى جارحة أكثر وأكثر، لا أعلم لم لدينا مجتمع يغفر للذكر ذنبه حتى ولو زنا هو الآخر لكن الفتاة يبقى ذنبها خلفها حتى ولو تابت، مع أننا سواسية عند الله وسنعاقب بالعدل، ألم يقل أن الله يغفر لمن يشاء؟ ألا ندعو دائمًا للناس بالهداية والعودة إلى الطريق إن ضلوا؟ إذًا لمَ إن فعلوا فلن تنسوا ماضيهم، ولا تتركون الشخص في حاله؟ 

هذا هو العائق الأكبر بالنسبة إلي، كالجدار الذي لا يهدم أبدًا، صلب ومن المستحيل كسره، كلام الناس، كانت تخبرني سمية دائمًا ألا أهتم، ألا أكترث، هذا هو عمل البشر؛ أن يحطموا أي شخص مهما فعل، حتى ولو كنت ملاكًا دون خطأ، سيختلقون لك الذنب ولو من تحت الأرض، كلامها صحيح وأنا أثق فيه، لكن القول أسهل من الفعل دائمًا.

ساعدتني على العودة إلى الدراسة، وأن أدرس من البيت، أريد ذلك لسببين، أن أجد سلاحًا أقاتل به فلن تدوم لي سمية، أثقلت عليها كثيرًا مع أنها لم تبدِ لي ذلك ولو مرة، بل كانت كالأم الحنون لي، تقول دائمًا:

«سعيدة أنني كنت من ساعدك وفخور بك وبالإنجاز الذي حققته في هذه الشهور، إرادتك ورغبتك في التكفير عن خطاياك كانت صادقة، وسهل الله لك، فالله يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم، وإذا رأى عبدًا ضل عن طريقه، سيسخر له من عباده الصالحين من يساعده، سيغفر له إن استغل الفرصة، وسيضله أكثر إن لم يجد فعل ذلك»

كلماتها كانت تحفزني وتنسيني كلام الناس المحبط، وكم فرحت بذلك، أما السبب الثاني لإكمال دراستي فهو تحقيق حلم أبي، كم كان يتمنى أن أدرس وأنهي دراستي، أن أرفع رأسه بين الناس ويقول هذه بنيتي، لكنني فعلت العكس ودسست وجهه في التراب، كم أرجو من الله أن يسامحني هو وأمي، هذا أقصى ما أتمنى يا ألله.

¶-------------------------¶

699 كلمة

سجينة الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن