اليوم الرابع

255 28 58
                                    

18/03/2016

«ألا تكفي الخسارة التي حلت بي إلى الآن؟ ألن أتوب بعد كل هذا؟»


مرت سنة لم أر فيها أي فرد من عائلتي، كانت أخبارهم تصل إلي فقط، وأبشركم، أصبح اسمي على كل لسان، سمع الجميع بما حصل، أن أميرة زانية، عاهرة، فتاة طعنت شرف أهلها، وكل شخص يضيف بهاراته الخاصة على الحكاية، ومن كان له الشرف في نشر الحكاية؟ الصديقة التي بسببها صرت ما أنا عليه، هي من شجعتني، هي من عرفتني بإياد؛ منال ونعم الصديقة حقًّا.


لا شيء أصبح يهمني في هذه الحياة، ومع كل هذا لم أتوقف عن عملي وفعلي الشنيع، وجدت مأوى عند امرأة تتاجر بالبنات مقابل الحصول على السكن والمال.


أكثر شيء لم أتوقع سماعه هو أن أمي مريضة سرطان، وقد تم نزع ثديها، كما وأدى خطأ في العملية إلى شلل يدها اليمنى، صعقت وانصدمت، بكيت حتى نزف قلبي لأنني السبب، أنا السبب فيما حل بها، لو لم أغضبها، لو لم أجلب العار لهم وأصبح اسمهم على كل لسان لما حصل هذا، إن الله يعاقبهم على ما فعلت ويعاقبني بهم، هذا كل ما فكرت فيه. 

«لِمَ لَمْ أفكر حينئذ أنه اختبار أو فرصة للرجوع إلى طريق الهداية؟»


كان مؤلمًا جدًّا لأنني شعرت بالفقدان، بعد كل تلك الأشهر التي قضيتها بعيدة عنهم شعرت بخسارة شيء غال يكاد يفقد، أنا أفقد أمي بالتدريج، أنا السبب في عذابها ولن تشفى إن بقيت هكذا تفكر فيّ، من المستحيل أن تنساني، هي من كانت تبكي لبكائي وتضحك لضحكي، هي من كانت تسهر على مرضي وكانت تقول: «إن حصل شيء لأميرة فسأموت»، ولقد كنت صادقة في كلماتك يا أماه. 


أمي الغالية مريضة بسببي، أنا السبب في البلاء الذي حل بكل فرد من أسرتي بمجرد ذهابي أو بسبب الذنب الذي اقترفته، بكيت كثيرًا تلك الليلة، امتصت وسادتي كل دموعي حتى جفت، لكن لماذا لم أتعظ؟ لماذا لم أكفر عن ذنبي وأتوب إلى خالقي بعد كل ما حصل؟ أكان علي أن أكمل السير في ذلك الطريق القذر حتى أفقد أعز الناس؟ نعم؛ فهذا ما حصل.


مرت سنة على آخر خبر سمعته عن أهلي، نصفه جيد والآخر سيئ، البشارة السارة هي كون أمينة أصبحت أمًّا، ويا للصدفة..  ولد في اليوم نفسه الذي ولدت فيه، لم أحب ذلك خوفًا عليه لأن ذلك اليوم مشؤوم، لكن مع هذا فرحت لها كثيرًا وتمنيت لها من كل قلبي الحياة السعيدة مع أسرتها الصغيرة، وأن تربي ابنها أحسن تربية، وألا يكون عاقًّا كخالته أو خاله. 


أما الخبر السيئ فهو أن حال أمي أخذت تسوء مع مرور الأيام، لم تتحسن ولو لحظة، أحزنني هذا، رغبت في أن أكون بجانبها وأن أخفف عنها مثلما كانت تفعل، لم أعانقها لحظة الوداع، أريد أن تسامحني، اشتقت عناقها الحنون وهي تخبئني من كل مكروه يصيبني، حقًّا أنا محتاجة إليك أكثر من أي وقت أمي، أصبحت بلا روح، فقط جسد يسير كي يكمل يومه، ذلتني الحياة ولم أعد أحتمل كل هذا.


فكرت أكثر من مرة في الانتحار، كان قرارًا لإنهاء هذه المسرحية الهزيلة، لكني لم أستطع، ما زلت جبانة حتى أواجه الموت، فكرت في عاقبتها، أعلم جيدًا أنني لو فعلت فسأعذب أشد العذاب في الآخرة، وكأنني لو بقيت على هذا المنوال سأترك بصمة خير في كل مكان أذهب إليه، لم لا أتوب؟ لم لا أسجد لخالقي راجية منه إصلاحي؟ لم أفكر في ذلك حينئذ حتى، كنت بعيدة بعد الشمس عن الأرض عن ديني وخالقي.


¶---------------------------¶

513 كلمة

كتب: 09/05/2030

نشر: 14/05/2020

سجينة الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن