اليوم الثامن

147 17 68
                                    

10/04/2016

«هناك كلمات إن سمعتها من شخص ما قد تغير أشياء فيك، فكرة أو تصرف، دون أي قصد منه، هذا ما يسمى بالصدف الجميلة»

 
مرت أيام معدودة على الحوار الذي دار بيني وبين شيماء، زادت كآبتي وزاد ألم قلبي أكثر وأكثر، شعور سيئ يراودني وكأن أتعس الأخبار قادمة في الطريق، أخبرت شيماء بما أشعر وطلبت مني التفاؤل وألا أتشاءم كثيرًا.

فكرت كثيرًا في كلامها حتى أصبح الأرق يزورني كل يوم، وطرد النعاس من عيني، لم أصل إلى شيء وما زال التردد يتمكن مني، تردد دون سبب، شعور غريب لا أستطيع تفسيره، أريد العودة إلى أهلي، والاعتذار إليهم... لكن عند التفكير بكل ما فعلت وما حل بهم بسببي أكره نفسي أكثر وأرى أن البعد عنهم أفضل بكثير، ماذا عن رؤوف؟ هل ما زال كما هو؟ إذا عدت هل سيرغمني على هذا مجددًا؟

قطع تفكيري صوت صراخ دوى في تلك القاعة التي نتناول فيها الطعام، لم أكترث كثيرًا، فعادة ما تحصل مشاجرات عديدة ينتج عنها صراخ مماثل، لكن ما لفت انتباهي حينئذ اسم شيماء الذي كانت تردده تلك الفتاة، وخزٌ في قلبي جعلني أنهض بسرعة متوجهة إلى غرفتي، ما بها شيماء؟ تركتها تصلي، طلبت مني أن أذهب وستلحقني بعدما تنهي صلاة المغرب، هل حصل شيء؟

مرت فكرة سيئة في عقلي حاولت محوها بتحريك رأسي بالنفي، وصلت وكادت قدماي تخونانني وتجعلانني أسقط من شدة ارتجافهما، لمحت فتيات ينظرن إليها، منهن من كانت تحدق ببرود وكأن شيئًا لم يكن، وأخرى دموعها تنهمر من محجريها، أما تلك المرأة التي أعيش عندها كأمة، تنظر ناحية الجسد الملقى على الأرض بكل اشمئزاز، دخلت وأنا أرجو من كل قلبي أن ما أظنه خطأ، أو على الأقل أن تكون قد أغمي عليها وهي ملقاة على الأرض.

تقدمت منحنية، فجثوت على ذلك البلاط ووضعت رأسها على حجري، كنت أرتجف وأكاد أتمالك عن نفسي، وضعت يدي على أنفها لأترصد أي تنفس يخرج، وضعت أذني على صدرها ولكن لا حياة لمن تنادي، لم يكن هناك أي مؤشر للحياة، حاولت إخراج صوتي راجية من الواقفين معي مساعدتي.

كانت الدموع تنجرف من مقلتي نحو الأسفل كوابل من الأمطار العاصفة، ترجيتهم أن نأخذها إلى المشفى، ما زال لدي أمل أنها على قيد الحياة، لا أريد أن تموت، ليس بهذه البساطة، أردتها أن تنجو وتخرج من هذا المكان، أن ترى نور الشمس كما تمنت ذات يوم، لكن ليس كل ما نرجوه يتحقق.

فقد توفيت شيماء في تلك الليلة وهي بحجابها على سجادة صلاتها، ميتة يتمناها الكثيرون، ماتت وهي مستورة كما تمنت ذات يوم أن تكون دائمًا هكذا، ماتت وهي تصلي وتدعو خالقها، لكنها ماتت دون استرداد حقها، ماتت وتركتني خلفها، ماتت وهي تتمنى لي أن أعود لأهلي وكم تمنت أن تراني بينهم، وكم تمنت أن يكون كلامها ترك أثرًا فيّ وأن تكون سببًا في رجوعي إلى الطريق.

«شيماء، لقد ترك كلامك أثرًا كبيرًا في حياتي، وحتى موتك ترك بصمة أكبر»

مرت تلك الليلة بصعوبة ولم يغمض لي جفن، كل تفكيري في شيماء، موتها كان فاجعة لي جعلني أفكر في عاقبتي، لن يستأذن الموت من أحد حتى يتوب أو يعمل صالحًا، بل يطرق أبوابه في غفلة منك دون معرفة متى سيكون ذلك اليوم، وفاتها كانت بمثابة الصفعة لي، اعتدت عليها ثلاث سنوات جمعتنا في مكان واحد وفي غرفة واحدة، أيام جميلة كانت في الآونة الآخيرة حتى ولو لم تكن بالطويلة، لكن أثرها باق مهما طال الزمن، كان موتها مشرفًا لفتاة في مكان مثل هذا، وماذا عني؟ هل سيكون مشرفًا أكثر منها وأكون في مكان أفضل من هذا أم ماذا يا ترى؟ هل سيكون لنا المصير نفسه؟

«المرة الثانية التي أفكر فيها إن كان مصيرنا نفسه أم لا، يا شيماء»

تذكرت ما عانته، وما تمنت عيشه، تذكرت حكايتها وما حصل لها، لماذا يحصل هذا مع الناس الجيدين، ولا يحصل مع أولئك الخبثاء؟ 

جلست ذلك اليوم في غرفتي ولم أحرك ساكنًا، أفكر وأفكر، أخرج من متاهة فأدخل في أخرى، ولم يتجرأ أحد على الدخول والكلام معي، حتى تلك العجوز الشمطاء لم تفكر في مناداتي للذهاب إلى العمل، فالحالة التي كنت عليها في يوم أمس وصراخي الهستيري كانا كفيلين بإخافتهم وجعلهم ينفرون مني ويتركونني وشأني.

صحوت من شرودي على رنة هاتفي، لم تكن لي رغبة في الرد، لكن اسم المتصل جعلني أعدل عن الفكرة، ابنة عمي تين هنان، لا أعلم لم تتصل الآن فقد انقطعت أخبارها منذ مدة، هي من كانت تطلعني على أخبار عائلتي، لكنها لم تتصل منذ فترة طويلة، فلم تفعل الآن؟

دق قلبي بجنون، لذلك سارعت إلى الرد عليها، فأتى صوتها وكله توتر ونبرة البكاء واضحة فيه:

«أميرة أرجوك عودي، لقد ماتت...»


¶-----------------------¶

702 كلمة


ملاحظة:

تين هنان: هو إسم لملكة قبائل الطوارق، يتداول هذا الإسم بكثرة في تمنراست الجزائر
هي الأم الروحية للتوارق، تين هنان أو المرأة كثيرة الترحال والسفر.

سجينة الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن