20/03/2016
«كنت أعيش كالأميرة في الماضي، إلى أن أفسدت كل شيء وصرت ذليلة واقعي»
انقضى الوقت سريعًا سواء أردت ذلك أم لا، أيام تلتها أسابيع وتلتها شهور عديدة، وسنة داست على تلك الشهور فأصبحت سنين، مرت بسرعة وكبرت أكثر وانغمست في العفن الذي أنا فيه أكثر وأكثر.كنا كالسلعة التي تعرض على الشاري، تقام مساومة علينا، ومن أكثرنا تجيد العمل، نجلس باستقامة ننتظر دورنا، حياة مقرفة، لا يوجد أكثر من هذا للتعبير عن حالتنا.
مع أني كنت بكل إرادتي أقوم بكل هذا، إلا أن شعور الاشمئزاز من نفسي والقرف من جسمي لم يفارقني يومًا، حالة تجعلك تصاب بالصداع، أريد التوقف لكن إرادتي ضعيفة، أو ربما نقص إيماني هو السبب.
ومع كل هذا، وكل الأخطاء التي اقترفتها، لم أتجرأ على شرب الخمر يومًا، هذا الشيء الوحيد الذي اختلفت فيه عن فتيات عالمي، لم أرتكبه.
عدنا من الملهى كأي ليلة من ليالي حياتي، لكنني شعرت بضيق غريب، وانقباض مفاجئ في قلبي، ووخزات تأتيني بين الفينة والأخرى في معدتي، حاولت تجاهلها، لكن حالما دخلت إلى الغرفة وهرعت إلى الحمام ثم وقفت تحت صنبور الماء بكامل ملابسي، لم أرغب في تغييرها، أردت فقط أن أغسل عني ولو القليل من النجاسة التي كست جسدي بأكمله، جلست تحت الماء وأطلقت العنان لدموعي كي تعبر عن نفسها كما تشاء، تبكي ألمًا على ما يحل بي وعلى المعاصي التي لم تتركني يومًا، أكملت الاستحمام وغيرت ملابسي التي تكاد تغطي جسدي وارتديت ملابس أكثر راحة.
بعد خروجي ذهبت لأستلقي على سريري وكلي رغبة في النوم، هذه حالتي كل ليلة، لكن ألم قلبي كان جديدًا وكأنه سمع نبأ تعيسًا توًّا، استلقيت متأملة سقف الغرفة المهترئ، مقارنة بين حياتي القديمة وحياتي الحاضرة، شتان ما بين ذاك وهذا، حياة الأميرات لم تكن يومًا كحياة الجاريات حتى ولو عاشوا في قصر واحد.
«ما خطبك أميرة؟ هل أنت على ما يرام؟»
التفت إلى الصوت الذي نطق بتلك الكلمات ولم أعلم لم رأيت وجه والدتي، تذكرتها عندما شعرت بالألم، لطالما أحست بوجعي وسألتني إن كنت بخير، أمي، أنا بحاجة إليك، أنا موجوعة، فؤادي وكل كياني يعتصر وجعًا، أحتاج إلى دفء حضنك حتى يذيب الجليد الذي كسا كل إنش من جسدي.
أعادت الكلام بعدما رأت شرودي وبريق الدموع الذي كسا مقلتي.
«أميرة، هل أنت بخير؟»
سالت دمعة وبعدها دموع كثيرة، ومع شهقة تسللت لشفتي تلتها شهقات عديدة، لم تفهم تلك الجالسة بجانبي ما الأمر، ولم تجد ما تفعل سوى أن تحتضنني، وهذا جعلني أبكي أكثر وأكثر.
بعدما هدأت ابتعدت عن حضنها، ومسحت ما تبقى من دموع، شعرت بالإحراج حينئذ لأنها تراني أول مرةٍ في هذه الحالة، لطالما كان كبريائي لا يسمح لي بأن أظهر ضعفي أمام الناس، لكن هيهات، محوته وجعلته ذليلًا لما حوله منذ سنين، لذلك لك كل العذر يا كبريائي.
«إذًا، ما خطبك؟ هل أنت بخير الآن؟ أتشعرين بالألم؟»
سألتني شريكتي في الغرفة شيماء، تكبرني بأربع سنوات، كانت طيبة معي عكس كل الموجودات، تحاول فتح محادثات معي كلما سنحت لها الفرصة، أما أنا فكنت أقابل طيبتها بالجفاء وعدم المبالاة.
«لا شيء، فقط أشعر بضيق غريب، شكرًا لاستفسارك عني»
نطقت تلك الكلمات وأنا حقًّا ممتنة لها، وجاهدت لإخراج ابتسامة كانت واضحة للملأ أنها ليست من قلبي، قابلتني بابتسامة لطيفة ذكرتني بابتسامة أمينة وقالت:
«لا داعي للشكر، لكن أخبريني ما بك؟ ما سبب حزنك الدائم؟ أنا أعرفك منذ أكثر من ثلاث سنين، لم تتغيري إطلاقًا، بل تزدادين سوءًا يومًا بعد يوم، هلا حكيت لي سبب تواجدك هنا إن كنت لا تحبين هذه الحياة؟»
فاجأني سؤالها ذاك، لأنني لا أجد له إجابة، لا أعلم حقًّا السبب، طرحت هذا السؤال على نفسي أكثر من مرة، لكن من دون جدوى:
«حقًّا لا أعرف الجواب عن سؤالك، لا أعرف ماذا أفعل ولم أنا هنا»
كست الحيرة ملامحها وضاقت زمردتاها وهي تفكر ثم أضافت:
«إذًا أخبريني بالحكاية منذ البداية، لربما أستطيع مساعدتك»
لم يكن أمامي خيار آخر سوى البوح بحكايتي التعيسة في نظري، حكيت وبحت بما حل بي منذ زمن، كانت كالمسرحيات القديمة المليئة بالأحزان، أو كالروايات الخيالية التي لا تمد للواقع بصلة، نعم، حياتي مزيج بين الحقيقة والخيال، لو لم أكن من عاشها لقلت أنها من نسج عقل بشري.
«لم لم تعتذري إلى عائلتك من خطئك وبقيت معهم؟ بدلًا من الذهاب والبقاء في هذه الحياة التعيسة»
طرحت شيماء سؤالها بعدما أتممت سرد حكايتي، فكان جوابي جاهزًا لأنني طرحته على نفسي أكثر من مرة.
¶---------------------------¶
674 كلمة