اليوم العاشر

141 16 17
                                    

15/04/2016

«

رنة كان وقعها على مسامعي مختلفًا وتركت أثرًا كبيرًا، وكأنني أسمعها أول مرة، أرسلت لي حتى تكون البداية من ذاك المكان المقدس الجميل»

كنت أمشي في تلك الطريق الجرداء الخالية من الناس، كل منهم قد لجأ إلى بيته حتى يحتمي من برودة الطقس، وزينت السماء بغيوم داكن لونها، مما دل على أنها ستمطر قريبًا وبغزارة، وما زالت دموعي تنهمر دون توقف ولا حتى راحة، لا أكاد أنزل يدي بعد مسحها حتى تتجمع بمآقي من جديد.

زاد هبوب الرياح وصار أكثر قسوة، نظرت من حولي وأنا مشتتة، أين سأذهب وأين سأقضي ليلتي؟ لن أعود مرة أخرى إلى ذاك المكان ولو على جثتي، وحتى بيت أهلي، من المستحيل العودة ونحن على هذه الحالة.

كنت أفكر حتى صدح صوت الأذان، ينادي الناس لصلاة العشاء، نظرت مليًّا ناحية المسجد الذي لا يبعد سوى بضعة أمتار عني، وكأن الله أرسل إلي هذا الأذان حتى يكون المسجد مأواي هذه الليلة.

وهذا ما حصل، ذهبت ودخلت مصلى النساء، وصدفة وجدته مفتوحًا، قررت الوضوء بعدما اغتسلت قبل ذهابي إلى الجنازة وأنا كلي إرادة في التغير، الآن فهمت كلام شيماء عندما قالت أنني سأذهب إلى المكان الصحيح بمجرد الرغبة التامة في التغير، وكان كلامها صحيحًا، توضأت وارتديت إسدال الصلاة، وجدت منه العديد في ركن من المصلى.

بدأت بالصلاة وركعت فأصبحت بين يدي الله، كانت أول مرة في حياتي أعرف معنى السكينة والراحة، بكيت ودعوت الله من كل قلبي، أنت خالقي يا ألله، اهدني وارجعني إلى الطريق الصحيحة، اغفر لي آثامي وذنوبي يا أرحم الراحمين، أنت من نجيت يونس وهو في بطن الحوت فنجني مما أنا فيه، واهدني إلى الصراط المستقيم.

لم أكن أعلم أن الصلاة والبكاء على سجادة أفضل بكثير من البكاء على وسادة، ناجيت الله ودعوته بكل خشوع، سالت دموعي بغزارة أكثر من أي وقت مضى، اقشعر بدني من ذلك الشعور، شعور مزج بين الراحة والسكينة والإحساس بالذنب مع تأنيب الضمير، وما تخلل دعائي أكثر من أن يغفر لي ويرفع عني هذا البلاء.

كانت شهقاتي تزداد علوًّا شيئًا فشيئًا، لم أهتم فلا أحد هنا، لا أظن أن هنالك من ستأتي كي تصلي العشاء في هذا الجو الممطر والبارد، فبمجرد دخولي بدأ هطول المطر الذي كان غزيرًا بشكل كبير، سلمت وبقيت في مكاني حتى شعرت بيد وضعت على كتفي، فسرت قشعريرة في جسدي، والتفت بارتباك نحو الشخص، ولكن سرعان ما اطمأن قلبي حين رأيت وجه امرأة، بدت وكأنها في أواخر عقدها الثالث أو الرابع، وجه بشوش يبتسم في وجهي بكل حنان، وشفقة غزت جزءًا كبيرًا من ملامحها.

سجينة الماضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن