[ الحلقـة السادَسة ]_ عطِرُ الرُوحِ.
___
الخجل سيطر على كَيانها في ذلك الوُقت، وهُو يحدق بِها، ويبتسم بإعجابِ، لم تستمِع نُوارة أي حديث إعجاب إلاَّ من زياد وهُو يقول:
- شكلكِ متغير ١٨٠ درجة يا نُوارة.
لتردَف في حرج:
- تغيُّر حَلوة ولا لأ؟
ليبتسم رُغمًا عنهُ، فقد كانت المرة الأوُلى التيِّ يراها تشعر بالخجلَ، ليقُول:
- طبعًا تغيرُ حلو.
أردف جاسر ليقطعَ الصمت الطُويل:
- يلا كُله على أوضتهُ.
ثمُ حمل عُدي على كتفهِ وجّر حمزة خلفهُ والجميع تبعهُ في ضحكات مكتومة، وحين غابَ الجميع عن ناظِري نُوارة وچومانة، قالت نُوارة بتوتر بالغ:
- مقالش أي كلمة، باين شكلي معجبهُوشِ.
لتضع جومانة كفها تكتم ضحكاتها لتقُول جومانة مازحة:
- باينْ جدًا أن جاسر واكَل عقلك اكتير.
لتقُول نُوارة بصوتٍ مبحوُح:
- مِش عارفة بس أنا مهتمة بيهِ أوُي وكمانْ شأت أو آبيت ممكن يبقى جُوزي فـ يوم من الأيام.
ثُم أستأنفت حديثها في تساءُل وفضول:
- هُو ممكن بعد كل اللي عملته يبدأ يعجُب بيا؟!
لتقُول جُومانة:
- جاسر زِي كُل الرجَّالة، أكَ..
وقُطع كلماتها شخص واقف خلف نُوارة ، لتقول جومانة بتوتر وقلق:
- جَاسرِ..
قالت نُوارة بنفاذ صبر:
- أيون ما أنا عارفة أنِّك هتتكلمي عنهُ، إيه؟
لتشيرُ جومانة بتوتر:
- آهلاً جاسر.
ليسقُط قلب نوارة أرضًا من الخُوف والزُعر من رد فعلهُ، ليقتربِ جاسر منهما والغضب يعميِّه، شعرت نُوارة بإنفاسهُ العاليِّة، وأقشعر بدنها حين مرَّ بجُوارها وأشتمت رائحة عِطرهُ القوية .. والتي زادت توعُك جوفها، هرعت جومانة بالرحِيل وكان جاسر يتوعد لها للغد ..
أما فقط تبقى فريسة جاسر، نُوارة.. ليقف أمامهُ، ونظراتهُ تأكُلها حيّة، لتنظُر إليه بخجل مما فعلتهُ، ولكِن زادها حيرة نظراتهُ الغريبة، تارة تشعر منها بأنهُ يشمئز منها وآخُرى .. مُشفقة عليِّها ..
وهذهِ النظرة آلمتها كثيرًا، لم تكن تريد أن تراها منهَ، ولا من أي شخص هُنا، يكفي مانالتهُ من هذهِ النظرات، التي لم تجعلها لأسابيع أن تنام مُطَمئنة النفس..
- فسري اللي قُولتيه دلوقتي! عملتيِّ كُل دهَ علشان أعُجب بيكِ يا نُوارة!
وصرخ بوجهها، لتنتفض أمامه وتغمض عينيها غصبًا، صكت على صفوف أسنانها تتماسَك بألا تجهش باكية، هُو يصرخ كثيرًا وأصبحت ضعيفة أمامهُ، خارت قواها وطأطأت رأسها في آلم، لن تستطيع أن تجعلهُ يراها تبكِي يكفي نغزات قلبها السَّامَة.
- لعلمك بس، السماء لو أطربقت فُوق دِماغي، مُستحيل تُبقي مِراتي! أنتِ فاهمـة؟
أقشعر بدنها من صوتهُ العالي، وقلبها ينُبضِ بدرجة آلمتها وزادها في الخُوف ولكن من الداخل هُناك صوت يحُثِها على الحديث معه، مجادلتهُ ..
لتهتف أخيرًا:
- إشمعنا أنْا.
تراجع عن سيرِهُ للأمام، ونظر إليها نظرة جانبية من كتفهُ، ليراها تكُمل كلماتها في حُزنْ وغير تقبل بتاتًا عما قالهُ:
- إيه اللي يخليك تُرفضني يا جاسر؟! علشان بس كُنت عايشة في بيئة غير بيئتك؟ طيب ما زينة كانت كده، وأتجوزت أخُوك وحبّها وخلف منها بدل العيل خمسة!
ليه بقى بتقول كده. ليه؟
ليقتربِ منها وهُو ينظُر إليها نظراتٍ جامدة، وثابتة في أنفعالهَ، ليقُول وهُو ينظُر إلى بندقتيها:
- بِس أنتِ مِش زينة يا نُوارة! أنتِ بعيدَة عنها .
ألجمها كلماتهُ، ولتهبط دموعهت رويدًا وتمهلاً .. وهي تراها يبتعد عنها إنشاتٍ يراقبها تبكي بصمتٍ ونظراتهُ باردة غير عابئًا بأنهُ أبكى إمرأة الآن.
جلست على المقعد الذي بجوارها، وهي تنظُر إلى الفراغ بُكل حُزن وحسرة، وهذهِ المرة شعرت بأنها تريد الرحيل، والإبتعاد عنهم جميعًا.
__
ظّلت بغرفتها تبكِي بصمت وتقُول:
- يعني أعمل بقى فِي اللي أنا فيهِ!
سمعت طرقات هادئة على باب غُرفتها، لترفع نبرة صوتها قليلاً قائِلة وهي تركُض تمسح وجهها الذي خربهُ البكاء:
- ثواني!.
ظنت بأنه جاسر جاء ليعتذر مما تفوهَ بهِ لها، إلا أنها شعرت بحسرة حين وجدت ليان وعدي وحمزة الثلاثي الصغار يقفوا أمام باب غرفتها.
لتدَخُل ليان إلى الداخل وهي تشد عُدي خلفها، أما حمزة بقى أمام نُوارة يقول لها بصوته الطفولي:
- ممكن تحكيلنا حكاية قبل ما ننِام؟
ودخل ايضًا للداخَل دُون أن يستمع لردها، لتضحك قائلة :
- ما أنتوا خلاص دخلتوا!
ثمُ أكملت وهي تجِلس وسطهم في جلستهم على فراشهَا، لتقوا ليان لها:
- شكلك كان حلو النهاردة.
وقالتها لعل يخفغ وطأ الندم في ثناياها، لتبتسم نوارة بهدوء، وقد نظرت إلى ليان نظرة حانية، ليقول عُدي وهُو يضع الكِتاب بين راحة يد نوارة وينام على كتفها:
- يلا أبدأي.
لتضحك بصدق حين سمعت صوتهُ، كان طفلاً صغيرًا لتأخُذهُ في حُضنها وتترك ليان وحمزة ينامان جنبًا منها، ثم تقول وهي تنظُر إلى الكتاب:
- كليلة ودمنة! إيه الكتاب ده؟
لتقول ليان وقد أغلقت عينيها:
- ماما كانت بتحكِيلنا القصص منهُ.
لتوُمأ نوارة ثم بدات قصة الحكاية المطُوية، لتعدل الورقة وتبدأ، كانت مندمجة في القراءة لهم بصوتها الهادئ لتشعر بهم قد غفو سريعًا، لتغُطيهم ثمُ تنام معهم في سكُونْ.
___
نظرت نُوارة إلى الجريدة وكادت أن تبدأ قرأتها، إلا أن صوت رنين جرس المنزل جعلها تتأفف وتغلق الجريدة بِسُرعة متجهة صوُب باب المنزل، أخذت من رجُل البريد، جُواب لتقرأ إسم مدرسة .. لتقول ليـان حين سمعتها تقرأ الإسم:
- دِي مدرسة كارما!
لترفع نُوارة حاجِبيها بإستغراب وتبدأ في فض الجواب من الداخل، لتقرأ الرسالة وتجد بأنها رسالة تحذير من المدرسة بسبب غياب كارما الكثير.
لتقول نُوارة بطلب:
- ليان ممكن تطلعي تنادي كارما ؟
وقبل أن تترك ليان هاتفها، هتف حمزة:
- كارما مش فوق، أوضتها فاضية!
لتنظُر ليان ونُوارة لبعضهما بتعَجُب، لتأخذ نُوارة رقم هاتف كارما وتهاتفها ولكنها لاتُجِيب.
لتجَلس نُوارة متنهدة بتعب، لتتسآل:
- ياترى هتكُّون فين؟
- ممكن خرجت تشم هوا!
لتوُمأ نُوارة وتتمنى حقًا إن كانت كارما بالخارج لتتنزه ولكن كيف تخرُج من البيت دون أن تخبر أحدًا عن مكان ذهابها على الأقل.
مرت ساعتين، وعادت كارما من الخارج بوجههٍ شاحِب، نادت نُوارة عليها مرتينْ ولكنها لم تهتم لها وصعدت إلى أعلى، لتصعد نُوارة خلفها وتمسك بكفها، إلا أن رد فعل كارما كان سريع لتدفع نُوارة بعيدًا عنها!
وتصرخُ بوجه الآخرى بعنفٍ شديد:
- عايـزة إيـهِ؟!
تفاجأت نُوارة من هذا الهجوم الغير مفهُوم، لتقول نُوارة وتحاول تمالُك أعصابها:
- في إنذار من المدرسة بسبب غيابكِ الكتير، ثُم إنتِ كنت فين كل ده؟
- حاجة متخُصكيشِ.
لتهتف نُوارة بغضب:
- لا يا حبيبة أمُك، يخصني انا بقيت واصية عليكم!
- بس أنا مش عايزاكِ، أمتى هتفهمني إننا مش محتاجينك، كلنا هنا خلاص مش محتاجين واحدة زيك وسطينا.
لتردف نُوارة بعصبية:
- واحَـدة زَيّ! أنا واحدة!
لتقُول كارما وقد لوَت شفتيها بإشمئزاز:
- واحدة ملهاش ستين لازمة، جاية تبهدل حياتنا كُلنا! أنا بكرهك جدًا
بثقت حديثها وتركت نُوارة تنظُر إلى سرابها بحُزنْ، لتشعر بيد تُربتّ على كفها بلُطِف:
- أنا بحبك يا خالتوُ.
ولم يكن سُوى حمزة لتبتسمَ، لتقبل وجنتهُ قائلة:
- وأنا كمان يا حبيبي. تعالى علشان نحضر الغدا.
___
تحدثت فرح لـ زياد:
- مش ممكن بِتظلمها معاكم يا زياد، عارفة أنهُ صعب تتقبل واحدة تعيش وسطيكم وتبقى في مكانة مامتك الله يرحمها، بَس فكَر من بُعد تاني، أنتَ أصلاً مش محتاج واصي .. كارما محتاجة هي وليآن، وأكترهم بقى عدي وحمزة!
ليهتف بملل:
- أنا فكرت في كده، كمان النهاردة لمّا صحيت علشان أودي عدي الحمام ملقتهوش ولقيته هو وحمزة وليآن في أوضة نوارة بيغسلوا وشهُم.. وكانت بتتكلم معاهم كويسَ بَس..
لتقول بنفـاذ صبر:
- بس إيـهِ ؟!
- خايف لتعمل إي حاجة تأثر عليهُم. كمان كارما مش راضية تتقبلها أبدًا.
لتقول لهُ:
- بُص يا زياد، حاوُل تتقبلها وصاحِبها، أفتكر حاجة واحدة بس هي هتفكرك بطنط زينة، وكمان بقى أنا حاسة أنها هتبقى أحسن من أي مُربية، هتبقى خايفة عليهم أكتر، وياسيدي كارما متقلقش عليها، أنا هروُح بكرة المدرسة بتاعتها وهنخرُج سَوى وهحاول ألين قلبها على نوارة.
ليقول وهُو ينظُر إليها :
- طيب يلا علشان نحضر السيكشن بسرُعة.
لتبتسِم لهُ وتلملم كتبها من الطاوُلة، إلا أنها إنتبهت من زياد حين توقف عن النهوض من المقعد، لترى فتاة تقف أمامه، تعرفها فرح حق المعرفة .. إنها سارة!
الفتاة التي كان زياد مُعجب بها أثناء المدرسة الثانوية.
شعرت فرح بالحرج حين وجدت هذه الـ سارة تنظُر إلى فرح نظرة تطلب منها الرحيل، ولكنْ زياد لم يقبّل بذلك بل تحدث:
- فرح هتفضل واقفة يا سارة، وإي حاجة هتقوليها، هنسمعها إحنا الأتنينْ
لتقول سارة بغير رِضا:
- ليه إن شاء الله؟ كانت مين فرح علشان تفضل معاك؟
نظرت فرح لهما وخاصة كانت تنظُر إلى زياد، لاتريدهُ أن يقول أي شيءِ حتى لايجعلها ترحلها، لترحل دون أن تستمع لأي كلمة منهُ.
تنفَسـت الهَواء بألـم، فرح صديقة زياد منذ المرحلة الأعدادية، وكانت تشاطرهُ ذكرياتهُ ولكِنهُ أبتعد عنها فترة حين تعرف على سارة والتي أخبرها يومًا عنها بأنها :
-" عارفة يا فرح، فيّها حاجة دايمًا جذباني ليها، كلامها حلو وحتى إبتسامتها، عمُري ما شوفت واحدة بتضحك كده".
لم تكُن فرح يومها تعلم بأنها خسر فرصة بأن يحُبها زياد.
لذلك فضلت أن تكون صديقة على أللا شـئ.
___
جاء جاسر مبكرٌا على غير العادة، وكان يجِلس برفقة حمزة يشاهد التلفاز، لتقترب نُوارة له وبيديها ورقة إنذار، كانت تحاول ألا تبتسم بوجههُ عقابًا عما تفوه بهِ عنها.
إلا أن نظراتهُ لها جعلتها تعدل وجهها وتتحدث بتوتر:
- ده جيه من مدرسة كارما.
فض الرسالة وقرأها، وطلب من ليان الذهاب لمناداه أخُتها بسرُعة، وحين جاءت مد لها بالرسالة، قائِلاً بهدُوء:
- مُمكن أفهم بتروُحي فين يا كارما؟
- مش بروح، أنا بفضل في البيت يا عمو.
ليضم شفتيهِ ولكنهُ بدلًا من أن يصدق حديثها، حاورها في تسأل:
- بس اليوم المكتوب أنك غبتِي فيه ده من يومين، وأنتِ مكنتيش في البيت من يومين يا كارما.. أنا مبنساشِ وياريت متكدِبيش عليَّا.
- أنتَ بتكدبني دِلوقتي! وأنا هكدب ليه؟
ليشعر بالغضب يتسلل إلى عروقهُ، لينهض من مقعدهُ قائِلاً وهُو يحاول أن يكبت الغضب:
- بقولـك بهدوء يا كارما ، بتروحي فيـن؟؛
لتهتف بعصبية:
- وانا قُولت إني مبروُحش في حتة! أكيد الزفتة نوارة قالت كلام غلط عني دٍي إنسـ..
ولم تستطَع إكمال جملتها لأنه صفعهـا، صفعـة دوّى صوتها، ليردف بغضب وعلا صوتهُ بعصبيـة:
__ أنتِ مش عيلة صغيرة يا كارما، مِش علشان مدِيلك حُرية الكلام معانا ميدكِيش أي حق أنك تغلطي او تقللي منْي أو من غيري .. أنتِ فاهمة!
ثُم أكمل بتحذير وتهديد:
- ولعلمك أنا مُستحيل هسمحلك تاني تخُرجي من البيت ولا حتى من أوُضتك! وأنا هوصلك المدرسة بِنفسي وهجِيبك بنفسي أنتِ فاهمة؟
أقتربت نُوارة من كارما الغاضبة وعينيها تلألأت بدموعُ، ركضت إلى الأعلى .. ليذهب زياد وليـان خلفها، نظرت نُوارة له قائلة:
- مكنش ليه داعي ضربك ليها! كده غلط!
ليردف بغضب وبرُود:
- مش هيجي حد ويعلمني إزاي أعامل بنت أخُويا، خُصوصًا إنتِ!
وتركهَا، عضت على شفتيها من كلماته، هل يظن بأنها عديم الإحساس، ليقذف بها كلماته السامة دون أن يراعي مشاعرها، وهل يظن بأنها تشعر بالسعادة بينهم. . لو يعلم بأنها عينيها لاتَكُف عن البُكاء كل ليلة بسبب ما يحدث بها معهم جميعًا.
_
يُتبع.
جماعة آسفة على التأخير واللهِ كان غصب عني، أنا مش هقدر أنشر في أي رواية تانية بسبب أمتحاناتي ..
فـ دعواتِكُم بجد💙
أنت تقرأ
عِطَر الرُوح✅ {١#سلسلة وصية}
Romantiekكيف لفتاة كانت تعيش حياتها بأكملها في حواري شعبية، أن تعيش مع طبقة المخملية! وُضعت بموقف يجعلها تغادر لتعيشّ مع خمسة أطفال، لتكُون لهم أمًا بدلًا من والدتهم المُتوفاة، فهّل ستستطيع التأقلم في ظِل العقبات .. أم ستأتي الرياح بما تشتهي السُفن. عــطــر...